07/01/2014

اعادة انتاج التخلف


إبراهيم البليهي واحد من المفكرين الذين حملوا السلم بالعرض كما يقال. لسنوات طويلة ألح البليهي على أن أهم عوائق النهضة هو البرمجة الذهنية، التي يمارسها المجتمع على أجياله الجديدة من خلال التربية والتعليم، فيحولهم إلى نسخ مكررة عن الماضين.

 الجانب الموجع في هذا السلوك هو اقتناع معظم الناس بأن علاقة القسر هذه ضرورية وأنها ضمان للفضيلة. ولا يخلو الأمر من مفارقات. ستجد مثقفا يسخر ممن يقلد غيره في فكرة أو رأي. لكنه هو ذاته يتغنى بالمقولة المشهورة "الاتباع لا الابتداع"، ويعمل على إقناع الناس بالتزام الآراء والأفكار والتقاليد التي ورثناها من الأسلاف.

قسطنطين زريق (1909-2000)

البديل الذي يدعو إليه البليهي هو "التلقائية"، بمعنى أن تكون كما تريد، ولو خالفت جميع الناس، أن تطلق خيالك إلى أبعد مدى يمكن أن يقاربه، ولو أوصلك إلى أفكار غريبة أو مستنكرة، أن تنظر إلى نفسك ككينونة مستقلة، ولو كنت مؤمنا بالإطار الاجتماعي الذي تنتمي إليه، أن تدافع عما تظنه مصلحة خاصة لك، ولو تعارضت مع تصور الآخرين للمصلحة العامة أو حقوق الجماعة.

مجتمعنا الذي يشكل الشباب نحو ثلثي أعضائه يتعرض للشيخوخة المبكرة، لأننا نقسر الشباب على تقليد نمط الحياة والقيم التي ورثناها أو صنعناها وألفتها نفوسنا، رغم سعة الفاصل الثقافي بيننا وبينهم. إني أستمع للشباب يتحدثون اليوم عن أفكار وتطلعات لم أعرفها، بل لم يصل إليها خيالي حين كنت في مثل عمرهم.

كتب المرحوم د. قسطنطين زريق أن المعرفة المتوفرة في العالم كانت تتضاعف - في منتصف السبعينات - مرة كل 30 عاما. وأظن اليوم أن المعرفة المتاحة لعامة الناس، ولا سيما الشباب، تتضاعف مرة على الأقل كل عامين أو ثلاثة. أي أن المجال الذي يفكر فيه شبابنا ويصنعون من خلاله تطلعاتهم وتصورهم لمستقبلهم، أوسع من مجالنا بما لا يقل عن 20 ضعفا. هم أعلم منا بحياة اليوم، وهم أقدر على الوصول إلى المعارف الجديدة والفرص الجديدة. فكيف نقسرهم على الانحصار في القليل الذي عرفناه في الماضي؟ 

القسر الذي نتحدث عنه، هو ببساطة تربية الجيل الجديد على اتباع الموروث، فكرة كان أو عرفا أو أسلوب حياة، وتقديمه لهم كإطار وحيد للفضيلة. هذا يؤدي ـــ بالضرورة ــــ إلى تجريد الأفكار الجديدة من أي قيمة، وربما اعتبارها "بدعة". لا خير في ذلك الموروث ولا فائدة، ولو كان خيرا لما صرنا أضعف الأمم وأقلها إنتاجا على كل صعيد.

إذا واصلنا "ضخ" تلك الأعراف والتقاليد والأفكار المتخلفة في عقول أبنائنا، فلن يكونوا غير صور مكررة عنا، وسيبقون أسرى لماضينا المتخلف وسيواجهون كل الإخفاقات وأصناف الفشل التي اختبرناها.

الاقتصادية 7 يناير 2014   https://www.aleqt.com/2014/01/07/article_814055.html?page=12

31/12/2013

التعسير على المواطن فساد أيضا


الجدل بين جوازات جسر الملك فهد وهيئة مكافحة الفساد الذي نشرته''الاقتصادية'' نهاية الأسبوع الماضي كشف عن قلة اكتراث بالمشكلات التي يواجهها المواطن، حتى لو وجد نصيرا في هيئة رسمية مثل ''نزاهة''. نقلت الهيئة في تقريرها انطباعات سلبية لمواطنين يستعملون الجسر. 

المشكلات التي ذكرها تقرير الهيئة يعرفها جل من عبر الجسر، فضلا عن إدارته. نتذكر تصريحات رئيس مجلس إدارة الجسر صالح الخليوي في آذار (مارس) 2009 الذي قال للصحف ''إن كبائن العبور ستزداد إلى 48 قبل نهاية 2012 لاستيعاب الزيادة المتنامية في عدد المسافرين''. وتكرر هذا الوعد خلال العام التالي، مما يؤكد أن الوضع الذي انتقدته ''نزاهة'' ليس جديدا ولا مجهولا.
لهذا السبب فإن رد إدارة الجوازات مستغرب جدا؛ فهي بدلا من إطلاع الناس على الأسباب الكامنة وراء ضعف خدماتها، ركزت على أن الهيئة لم تتواصل معهم. حسنا، لا يهمني كمواطن أن تتصل الهيئة بالجوازات أو لا تتصل. ما يهمني هو معالجة المشكلة التي شرحها التقرير. وهي مشكلة أعرفها ويعرفها كل الناس. ولذا فإن مجادلة إدارة الجوازات للجانب الشكلي من الموضوع مخيب للأمل، وقد يشير إلى قلة اهتمام ببحث المشكلة.
سألني أحد الزملاء: هل كان تدخل هيئة مكافحة الفساد في هذه المسألة مناسبا وصحيحا؟ هذا سؤال يخفي وراءه سؤالا أسبق، فحواه: هل يعتبر تخلف جهاز حكومي عن الوفاء بمهامه نوعا من الفساد؟
افترض أن الجواب نعم. ومبرره أننا نفترض أن إقامة جهاز حكومي مثل جوازات الجسر مسبوق بدراسة لموضوع عمله وحاجاته البشرية والمادية، وبناء على هذه الدراسة تتقرر ميزانيته وعدد العاملين فيه. أي قصور يظهر بعد بدء العمل يدل على واحد من اثنين: إما أن التقديرات السابقة كانت خطأ، أو أن التقديرات صحيحة لكن إدارة الجهاز أو موظفيه لا يقومون بواجباتهم كلها.
فلنأخذ بحسن النية ونقول إن التخطيط الأولي لخدمات الجسر لم يتوقع زيادة كالتي ظهرت منذ 2009 ''وذكرت هذه السنة تحديدا لأن إدارة الجسر أعلنت يومها أنها تعلم بالقصور كما أشرنا في أول المقال''. حسنا، لقد انقضت خمس سنوات على ذلك التاريخ، أفلا تكفي هذه المدة لعلاج المشكلة المعروفة؟
أعتقد شخصيا أن المشكلة متعددة الأبعاد والأسباب. وإدراك أيضا أنها قديمة، فكلنا يعرفها منذ عشر سنين على الأقل. ونعلم أيضا أن معظم الشكوى تتعلق بالجانب السعودي من الحدود، فالأمور في الجانب الآخر أفضل بكثير.
إذا كانت المشكلة في القانون المنظم لعمل الجوازات والجمارك، أفلا يمكن إصلاحه؟
وإذا كانت المشكلة في عدد الموظفين، أفلا يمكن زيادتهم؟
السؤال الأكثر أهمية: هل يجب على السعوديين أن يجربوا المعاناة مع كل دائرة رسمية؟ ألا يعتبر التعسير على المواطنين هنا أو هناك فسادا؟!

الاقتصادية الثلاثاء 31 ديسمبر 2013 http://www.aleqt.com/2013/12/31/article_811876.html

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...