|| التعليم عنصر محوري في تطور الانسان. لكن ما الذي ينبغي فعله لهذا الانسان كي يتحول من "كل على مولاه" الى "عدل" كما في التعبير القرآني؟ ||
كل الذين كتبوا عن تجارب التنمية الناجحة
، قالوا ان نجاحها يرجع لاهتمامها بالاستثمار في البشر. وحين تسأل عن المقصود بهذا
، سيقال أنه التوسع في الانفاق على التعليم والتدريب المهني. وقد انتشرت هذه
المقولة وحيكت حولها الاساطير.
من ذلك مثلا ما قيل من ان امبراطور اليابان سئل عن سر تقدمها ، فأجاب بأنه اجلال المعلمين ، حتى عاملوهم معاملة الامبراطور ومنحوهم ما يساوي راتب الوزير. وقيل ان هذا السؤال وجه لرئيس وزراء سنغافورة او ماليزيا ، او ربما غيرها. واحتمل ان هذه جميعا قصص مختلقة ، ربما اراد بعض المعلمين استعمالها للتأكيد على أهمية دورهم في الحياة العامة.
من ذلك مثلا ما قيل من ان امبراطور اليابان سئل عن سر تقدمها ، فأجاب بأنه اجلال المعلمين ، حتى عاملوهم معاملة الامبراطور ومنحوهم ما يساوي راتب الوزير. وقيل ان هذا السؤال وجه لرئيس وزراء سنغافورة او ماليزيا ، او ربما غيرها. واحتمل ان هذه جميعا قصص مختلقة ، ربما اراد بعض المعلمين استعمالها للتأكيد على أهمية دورهم في الحياة العامة.
ان المعلم عنصر محوري في العملية
التعليمية. لكن اعتباره سر التقدم ، لا يخلو من مبالغة. وهو يكشف عن ميل عميق عند
البشر لافتراض سبب واحد لكل مشكلة ، او جواب واحد لكل سؤال. ولعلنا من اكثر الشعوب
ميلا للاجوبة الاحادية البعد.
والحق ان سؤالا مثل سؤال التقدم معقد ، على نحو يجعل
افتراض جواب واحد ونهائي ، ضربا من التوهم.
حسنا .. الكل
يتحدث عن التعليم ، وهو بالتأكيد عنصر محوري. فما الذي ينبغي فعله لهذا الانسان كي
يتحول من "كل على مولاه" الى "عدل" كما في التعبير القرآني؟
الجواب هو
التمكين. وهو مصطلح نستعيره من أدبيات التنمية البشرية ، ويمثل المحصلة النهائية
لمشروع راس المال البشري ، الذي اطلقه البنك الدولي في شهر اكتوبر الماضي. التمكين
ببساطة هو تزويد الفرد بالمؤهلات الذهنية والروحية ، التي تجعله قادرا على صياغة
حياته بارادته.
في هذا السياق
يجب ان يستهدف التعليم خلق نوعين من المهارات ، سيقودان بالضرورة الى نوع ثالث ،
يشكل خلاصة ما نسعى اليه:
أ) سعةالافق ،
بمعنى القابلية الذهنية للانطلاق من حدود المشهود والمعروف الى ما وراءه ،
بحثا عن خيارات او احتمالات او حلول.
ب) مهارات النقاش
ومجادلة الاراء ، والقدرة على تأويل أو تفكيك ما يعتبر - في الوهلة الاولى - من
البديهيات أو المسلمات.
هاتان المهارتان ، تشكلان في ظني جوهر مفهوم العقل
النقدي ، وأساس القابلية للابتكار والابداع ، وهي المهارة الثالثة التي ينبغي ان نعتبرها
الغاية العليا للتعليم.
بعض الناس يقترح
اضافة منهج يسمونه "فنون التفكير". ولا اعلم مدى فائدته. لكني واثق ان
العقل النقدي لا يتشكل من خلال دراسة كتاب واختبار في نهاية العام. بل من خلال
صياغة عامة لفلسفة التعليم ، تشمل المناهج وعلاقة الطالب بالمعلم ، واجزاء العملية
التعليمية ككل ، لجعل محورها هو استفزاز عقل الطالب (والمعلم معه) للتعبير عما فيه
الى الحد الاقصى. اي تحويل العملية التعليمية ككل ، الى عملية استفزاز للتفكير
والتعبير عن الافكار.
مبرر هذه الفكرة
هو ان مجالات النمو والتقدم ، على المستوى الفردي والجمعي ، لم تعد مجهولة في عالم
اليوم. كل ما لانعرفه الان ، نعرف الطرق التي يحتمل ان تؤدي اليه. وما نحتاجه في
الحقيقة ، هو اكتشاف تلك الطرق. هذا الاكتشاف ليس علما محدد القواعد او قابلا
للقياس ، بل هو اقرب الى تجربة فردية ، يتداخل فيها التأمل الذهني مع العاطفة
والميول الشخصية. ويتعرف الفرد من خلالها على ما يظنه سبيلا الى اكتشاف ذاته او
تحقيق ذاته. ان هذا هو السر في ان الكشوف والابتكارات ، تتحقق في جميع الحالات
تقريبا على يد أفراد. نحن لا نستطيع تعليم الفرد ماذا يبتكر. غاية ما نستطيع هو تزويده
بالمهارات التي تؤهله لخوض المغامرة.
الشرق الاوسط الأربعاء - 28 صفر 1440 هـ -
07 نوفمبر 2018 مـ رقم العدد [14589]
مقالات ذات علاقة