‏إظهار الرسائل ذات التسميات هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. إظهار كافة الرسائل

23/06/2010

تحولات التيار الديني - 6 اسلام اليوم بين عالم افتراضي وعالم واقعي

؛؛ التيار الديني مطالب بتقديم رؤية دينية جديدة للقضايا الجدلية. حشر العالم الجديد في عباءة التقاليد لن يعزز مكانة الدين ، بل سيقود الى فصله عن العالم الواقعي ؛؛



مؤتمر "اتفاقيات ومؤتمرات المرأة الدولية وأثرها على العالم الإسلاميالذي عقد في البحرين في يونيو2010 هو نموذج عن محاولات يبذلها التيار الديني التقليدي لتجديد نفسه وتجديد خطابه. وهو في الوقت نفسه مثال على العسر الذي يواجهه في هذا المسعى.
احدى جلسات مؤتمر البحرين (جريدة الرياض 22 ابريل2010م)
اتخذ التيار الديني حتى الان موقفا سلبيا تجاه تحديات التحديث. حقوق النساء هي واحد من هذه التحديات. المرأة المسلمة بين اقل نساء العالم تمتعا بالحقوق الطبيعية والحقوق المدنية ، لأسباب بعضها ايديولوجي واكثرها اجتماعي وثقافي. الزعماء التقليديون يعتبرون الكلام عن حقوق النساء جزء من مؤامرة اجنبية لتغريب المسلمين. وقيلت هذه الجملة او نظائر لها في مؤتمر البحرين وهي تتكرر في محافل التيار الديني التقليدي و ادبياته.
 لم يخرج المؤتمر عن الخطوط المتوقعة التي تنطوي في ثلاث مسلمات هي:

1-      القول بان الاسلام كفل للمراة كل الحقوق المناسبة .
2-      ان الاتفاقيات الدولية حول حقوق النساء ليست مناسبة للمجتمعات المسلمة.
3-      ان دعاوى حقوق المراة المتعارفة في العالم لا تنطلق من نوايا صافية.

هذه الاحكام تغفل المطالب والتطلعات التي يحملها مسلم اليوم. وهي تنطلق في تعاملها مع العصر الذي يعيشه المسلمون من منطلق الارتياب والعداوة. ولم يكن ذلك مفاجئا. تكفي قراءة اسماء المتحدثين ومديري جلسات المؤتمر لمعرفة اي نوع من الكلام سيقال واي نتائج سيتوصل اليها. رغم هذه الملاحظات وغيرها ، فاني اميل  الى التفاؤل بمؤتمر البحرين. لانه – على اقل التقادير – يمثل انتقالا من الرفض المبدئي للنقاش في المسالة الى محاولة تفكيكها.
حقوق المراة هي واحدة من المسائل التي يحتاج التيار الديني الى مراجعتها من دون تقيد بمسلماته التاريخية. هذا يتوقف طبعا على مراجعة اشمل للاساس الفلسفي والايديولوجي الذي تقوم عليه رؤية التيار لقضية الانسان وموقعه ضمن التنظيم الاجتماعي، فضلا عن معنى التجديد والاجتهاد.
في العشرين من ابريل 2010 صدر امر باقالة الشيخ احمد الغامدي رئيس هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بمكة المكرمة بعدما نشر مقالات وشارك في برامج تلفزيونية تعارض الفهم السائد لمسألة الاختلاط والقسر على صلاة الجماعة و – بشكل عام – الحدود الفاصلة بين الدعوة للايمان والجبر على ممارسة الشعائر. خسارة الغامدي لمنصبه كانت ثمرة لضغط شديد مارسه الزعماء التقليديون الذين يرفضون طرح هذه القضايا للنقاش العام[1].
لكن رفض النقاش، ومعاقبة من يثيرونه لن يؤدي ابدا الى تهميش الاشكالات او قتلها.  على العكس من ذلك ، فان الموقف السلبي ربما يدفع بالنقاش الى ماوراء الخطوط التي بقيت حتى الان محترمة.
على اي حال فان التيار الديني في كل تجلياته ومدارسه ، مطالب بتقديم رؤية دينية جديدة للقضايا الاكثر اثارة للجدل . واقترح هنا ثلاث قضايا حرجة لكنها مهملة الى حد بعيد:

1-      الاقرار بالتساوي بين الناس وكونهم اكفاء لبعضهم ، والاقرار باستقلال الفرد وحريته في اختيار طريقة حياته ومتبنياته ، واحترام الانسان لانسانيته ، وتعزيز الايمان بشراكة البشر جميعا في هموم الكوكب وقضاياه المشتركة.
2-      الاقرار بدور العقل والعلم في صياغة الحياة وتسييرها ، وقدرة الناس العاديين على اختيار ما يصلح حياتهم ، وحقهم في اضفاء القيمة على ما يعتبرونه صالحا لهم ، حتى لو اخطأوا في اكتشاف الطريق الاصوب احيانا . الانسان سواء كان مسلما او غير مسلم ، خير بطبعه ، عاقل بفطرته ، يسعى الى خيره الخاص والخير العام بمقتضى ما يمليه عليه ضميره.
3-      مع التطورات الهائلة في حياة البشر وثقافتهم ، فان عالم اليوم لا يمكن ضبطه وفق تقاليد او مسلمات ذات طبيعة محلية او ضيقة الافق. لا بد من تمكين المسلمين في مختلف بلدانهم من تطوير تفكيرهم الديني بما يتناسب مع متطلبات حياتهم الواقعية وحاجاتهم . تجديد الدين ليس مسالة ثقافية بل هو تجربة حياتية – ثقافية.

في ظل حياة تتسم بالنشاط والابداع يمكن للدين ان يتجدد وان يستجيب للتحديات الجديدة. وعلى العكس من ذلك فان محاولة قسر العالم الجديد على ارتداء عباءة التقاليد والتصورات القديمة لا يسهم في تعزيز مكانة الدين ، بل سيؤدي بالضرورة الى قيام عالمين منفصلين : عالم ديني افتراضي ذي طابع قديم وعالم غير ديني هو العالم الواقعي للمسلمين.
انفصال الدين عن الحياة لا يتوقف على مؤامرة خارجية ، بل قد يكون نتيجة فعلية لاغفالنا طبيعة التجديد وتحديات العصر الجديد.

نشر في جريدة الايام – البحرين العدد 7744 الاربعاء 23 يونيو 2010 الموافق 10 رجب 1431هـ

 مقالات ذات علاقة

ام عبد العزيز

تحولات التيار الديني - 6 اسلام اليوم بين عالم افتراضي وعالم واقعي

تحولات التيار الديني-3 اعباء السياسة

ثوب فقهي لمعركة سياسية

الحكومة ضد الحكومة

دعوة لاستقالة المرأة

دور المجتمع الاهلي والدولة في مكافحة العنف الاسري

رأي المجتمع.. وحقوقه

في بيان ان حقوق المواطنة اعلى من قانون الدولة

مراجعة لحقوق النساء في الاسلام: من العدالة النسبية الى المساواة

المضمون السياسي للجدل حول حقوق المرأة السعودية

الوجه السياسي لسد الذرائع

وجهات "الخطر" وقهر العامة

ولي امري ادرى بامري" مخالفة لروح الدين

ولي أمري أدرى بأمري»: زاوية مختلفة

النسوية والأقليات الثقافية

المـــســــــاواة: تعريف بالفكرة وبعض تحولاتها


[1] في وقت لاحق تراجع الرئيس العام لهيئة الامر بالمعروف عن قرار اقالة الغامدي نتيجة لضغوط سياسية. واستمر في منصبه حتى اواخر مارس 2011 حين ابعد ضمن سلسلة قر ارات ذات طابع سياسي ترمي في المجمل الى توثيق علاقة الدولة مع التيار الديني التقليدي. 

08/04/2010

تحولات التيار الديني – 5 السلام مع الذات والسلام مع العالم


؛؛  نظريا ، يعزز الايمان اطمئنان النفس والسلام مع العالم، لكنا لانرى هذا واضحا في التيار الديني. الدعاة والناشطون يتحدثون بلغة خشنة ، ربما تنم عن افتقارهم للسلم النفسي ؛؛

 قي الثالث من ابريل 2010 طالب مفتي السعودية اعضاء هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بملاينة الجمهور والتلطف معهم. واوصى المفتي مئة من اعضاء  الهيئة في الرياض بمحبة المخطئين ونصحهم حتى يستقيموا. وتكررت هذه الدعوة كثيرا في السنوات الماضية على لسان زعماء المؤسسة الدينية القلقين من تفاقم سلبية الجمهور تجاه الهيئات الدينية.

عبده خال

وتشهد المملكة انكارا متزايدا للتشدد الذي يلبس عباءة الدين. وكتب الروائي المعروف عبده خال عن حادث تعرض له قبل ثمان سنين، يشكل فيما يبدو خلفية لموقفه المعارض للهيئة:

"ضربت ضربا مبرحا... أمسك بخاصرتي وعنقي وأخرجني بكل قوة، ممزقا ثيابي وجسدي، وأحدث تهتكات في رقبتي وخاصرتي. كان منظري يدعو للرثاء حيث تجمع الناس حولنا من كل جهة. وانطلقت مع زوجتي إلى شرطة النزلة، لتقديم بلاغ، إلا أن الرائد قال لي: أنت مجنون هل هناك أحد يشتكي هيئة الأمر بالمعروف ... حاولت جادا كتابة هذه الحادثة في حينها إلا أنني لم أفلح لأن الهيئة كانت في حصانة مبالغ فيها، حصانة من الشكوى أو نشر أخطاء أفرادها".

تقدم هذه القصة الواقعية صورة نموذجية عن تعامل الهيئة مع الجمهور. لكن التشدد والخشونة ليس حكرا على الهيئة. بل اصبح سمة غالبة في التيار الديني يشعر بها انصاره ومعارضوه. وهو ظاهر في الخطاب اللفظي والمكتوب ، كما في المواقف الاجتماعية والسياسية. ربما يمتاز الاتجاه السلفي عن غيره بتساهله في التكفير وطغيان مفردة "كفر" ومشتقاتها في ادبياته ، لكن بقية الاتجاهات الدينية لا تخلو من اشكال تشدد من هذا النوع او غيره.

هناك بطبيعة الحال تفسيرات عديدة لظاهرة التشدد المستشرية هذه. لكني احتمل ان سببها الرئيس هو افتقار التيار الديني الى حالة السلام النفسي الذي يفترض ان يكون الثمرة المباشرة للتدين والاتصال بالله سبحانه. حين يكون الانسان في سلام مع ذاته ، فانه على الاغلب سيميل الى مسالمة الاخرين، وحين يكون متوترا في داخله فان كلماته وتصرفاته ونظرته الى الاخرين ستحمل طابع التوتر. 

 نعرف هذا من التأمل في ما يكتبه الدعاة والناشطون في مواقع الانترنت والصحف التي تمثل التيار الديني، وما يقولونه في خطبهم ودروسهم واحاديثهم المسجلة. في منتدى "الساحة العربية" الاماراتي او نظيره السعودي "الساحات الحرة" وامثالهما ، سوف تجد المشاركين، وبعضهم رجال دين ودعاة معروفون بالاسم، يكتبون بلغة خشنة ويستعملون الفاظا نابية، ويبالغون في التهجم على منافسيهم. ليس فقط ضد معارضي التيار الديني ، بل وايضا ضد المشايخ والشخصيات البارزة في التيار الديني نفسه اذا اختلفوا معهم في راي او موقف.

ونظرا لصعوبة الدفاع عن هذا السلوك الفظ ، فقد ساد الميل في الاونة الاخيرة الى التبرؤ من امثال هذه المواقع ، ورفض نسبتها الى التيار الديني، واعتبارها مجمعا للجهال والسوقة. لكن مواقع الانترنت الخاصة بالمشايخ المعروفين والجماعات النشطة لا تخلو من هذه التعبيرات.

 التهجم على الغير بالفاظ خشنة هو احد الوجوه . اما الوجه الاخر فهو التبشير بالمؤامرة الدولية على الاسلام والمسلمين. وهي مؤامرة متنقلة يتغير اطرافها بحسب  موقف المتكلم. يوما كان صدام حسين هو راس حربة المؤامرة الافتراضية، فاذا به بعد اعدامه بطل المقاومة ضد المؤامرة. وكانت الشيوعية هي اداة المؤامرة في الماضي، فاذا بالمؤامرة الدولية تستاجر اليوم القنوات التلفزيونية والصحافة. وكان اليهود هم المستفيد الاول من المؤامرة اما اليوم فانهم يقتسمون الغنيمة مع الشيعة والصوفيين. وكان الحداثيون هم الطابور الخامس حتى اواخر القرن الماضي، اما اليوم فقد جند ايضا المشايخ الذين اقلعوا عن التشدد وانتهجوا طريق الاعتدال والمسالمة مع المختلفين.

الكلام عن المؤامرة والتامر يستهدف تعبئة الانصار واثارة الحماس فيهم. لكنه ايضا ينقل الى انفسهم حالة التوتر التي يعيشها الداعي او المتكلم. ويستشهد هؤلاء عادة باشخاص وحوادث ونقولات مقتطعة – واحيانا كاذبة - من هنا وهناك بغرض تحديد العدو المقصود وتضخيم الصورة الذهنية للمعركة الافتراضية. وفي نهاية المطاف فان المتلقي يتخيل نفسه في قلب المعركة التي تستلزم حماسة كاملة وانتباها مفرطا وارتيابا في كل حركة او اشارة تبدر من الطرف الاخر. في وسط المعركة، لا وقت للكلمة الطيبة ولا للجدال بالحسنى. انت هناك قاتل منتصر او قتيل مهزوم. ولهذا فالذاكرة النشطة ستكون حكرا على ادبيات الغلبة والقتل والاكتساح. حين يفتقد الانسان السلام الداخلي يتصور العالم حربا مشتعلة ، وحين يكون وسط المعركة فان دافعه الاول والاقوى سيكون غريزة البقاء ، وهو يساوي غالبا فناء الغريم.

نشر في الايام Thursday 8th April 2010 - NO 7668

http://www.alayam.com/Issue/7668/PDF/Page21.pdf
مقالات  ذات علاقة

الاسلام الجديد

أن تزداد إيماناً وتزداد تخلفاً

اقامة الشريعة بالاختيار

تأملات في حدود الديني والعرفي

تشكيل الوعي.. بين الجامع والجامعة.. دعوة مستحيلة

تحولات التيار الديني -1 : تصدعات وقلق المؤامرة

 

التراث الاسلامي بين البحث العلمي والخطاب الجماهيري

التيار الديني الاصلاحي امام خيار حاسم

جدل الدولة المدنية ، ام جدل الحرية

حول الفصل بين الدين والعلم

الحداثة تجديد الحياة

الحل الاسلامي بديع .. لكن ما هو هذا الحل ؟

الـدين والمعـرفة الدينـية

الشيخ القرني في باريس

عن طقوس الطائفية وحماسة الاتباع

العلم في قبضة الايديولوجيا: نقد فكرة التاصيل

في تعريف الإسلامية

فتاوى متغيرة : جدل المعاصرة في التيار الديني

الفكــرة وزمن الفكـرة

فقد الدِين وظيفته الاجتماعية لأنه أصبح حكرا على طبقة

القيم الثابتة وتصنيع القيم

ما الذي نريد: دين يستوعبنا جميعاً أم دين يبرر الفتنة.

المحافظة على التقاليد .. اي تقاليد ؟

مثال على طبيعة التداخل بين الدين والعلم

نقد التجربة الدينية

 نقد المشروع طريق الى المعاصرة

الهجوم على الثوابت .. اين هي الثوابت ؟

وجهات "الخطر" وقهر العامة

21/12/2009

ثوب فقهي لمعركة سياسية


حديث الشيخ احمد الغامدي رئيس هيئة الامر بالمعروف بمكة لصحيفة عكاظ حول الاختلاط (9- ديسمبر 2009) سوف يصبح على الارجح علامة بارزة في تاريخ الصحافة السعودية المعاصرة. تلعب الصحافة دورا في صناعة الراي العام من خلال تعميم القضايا الخاصة والمحدودة واشراك عامة الناس في تداولها .

يؤدي الجدل العام حول اي فكرة الى تفكيك السلطة المعنوية التي تحميها وتلقي عليها نوعا من القداسة او الحصانة . حراس الراي القديم يكرهون الجدل العام حول افكارهم ، ويميلون الى حصره في نطاقات محدودة ، اكاديمية او سياسية ، بدعوى ان هذه موضوعات تخصصية وان مشاركة العامة فيها لا تضيف علما ولا تفيد.

واتهم بعض الدعاة الشيخ الغامدي بالجهل و"التلبيس على العوام" و"اثارة الفتنة" وامثال هذه الاوصاف التي تتكرر كلما طرحت فكرة تخالف السائد والمتعارف.
لا يختلف الجدل حول الاختلاط في المملكة عن الجدالات المماثلة في البلدان العربية الاخرى ، فهي تنطوي على ابعاد ثلاثة رئيسية :

البعد الاول: فقهي ، يتناول حكما شرعيا نعرف اليوم انه محل اختلاف بين  فقهاء الشريعة. التيار الغالب بين الفقهاء يميل الى تحريم العنوان دون نظر في التفاصيل . لكن هناك بين كبار الفقهاء من يجيز العنوان ويحرم بعض التفاصيل . هذه اذن من مسائل الخلاف.

البعد الثاني : يتعلق بحقوق الانسان ، فالدعم القانوني للحكم بتحريم او اجازة الاختلاط يؤدي بالضرورة الى اقرار او حجب حقوق لنصف المجتمع. نشير هنا الى ان "مفهوم الحق" لم يحظ بنقاش معمق بين الاصوليين المسلمين القدامى والمعاصرين. ولهذا فاننا نتحدث كثيرا عن الواجبات والتكاليف ولا نتكلم الا نادرا حول الحقوق . ونقصد بالحق هنا "المساحة التي يملك الفرد حرية التصرف فيها دون تدخل او معارضة من جانب الغير". انه اذن مفهوم مرادف لمفهوم "الحرية الشخصية". 

تقر الشريعة ونظام الحكم في المملكة والكثير من القوانين المحلية وكذلك مواثيق حقوق الانسان التي انضمت اليها المملكة بشريحة واسعة نسبيا من الحقوق الشخصية والمدنية ، لكن كثيرا من هذه الحقوق معطل فعليا بسبب تقاليد سائدة او عيوب في القانون المحلي او في التنظيم الاداري. من ذلك مثلا اقرار الشريعة والقانون للنساء بالحق في التملك (وهو بالمناسبة من الحقوق الفطرية السابقة لاي تشريع او نظام). ولا يوجد في المملكة او في خارجها من ينكر هذا الحق ، لكن من الناحية الواقعية فان الكثير من النساء لا يستطعن التصرف في املاكهن او ادارتها نتيجة لواحد او اكثر من الاسباب المذكورة. الجدل حول الاختلاط يتناول اذن وبالضرورة الاقرار الواقعي او الحجب الواقعي لحقوق مقررة ومعترف بها .

البعد الثالث : يتعلق بالسياسة وموازين القوى الاجتماعية ، فالقبول بالاختلاط والدعوة اليه ينتمي الى شريحة في المجتمع العربي لها سمات ثقافية واجتماعية وهموم وانشغالات ، هي على النقيض من الشريحة الاخرى التي ترفض الاختلاط وتدعو للفصل التام بين الجنسين . بعبارة اخرى فنحن ازاء جبهتين في المجتمعات العربية ، تحمل كل منهما رؤية لحقوق النساء والتنظيم الاجتماعي مغايرة تماما لرؤية الثانية ، مثلما تحمل الجبهتان اهدافا وتطلعات ورؤية عامة للحياة تتعارض مع رؤية الاخرى. الجدل حول الاختلاط او الحريات الشخصية والكثير من القضايا الاخرى يمثل تمظهرا لصراع اعمق حول المساحة الاجتماعية التي يشغلها او يؤثر فيها كل من الاتجاهين .

هذه الابعاد الثلاثة توضح ان الجدل القائم حول الاختلاط لا يتعلق فقط براي فقهي ، بل هو جزء من جدل اوسع حول الادوار والمكانة الاجتماعية ونطاقات التاثير ، اي النفوذ الاجتماعي لفريقين يتصارعان : فريق سائد يستمد قوته من تقاليد موروثة واعراف مستقرة ، وفريق يستمد قوته من متغيرات تعرف عليها المجتمع في سياق حركة التحديث ، لا سيما في جانبيها الاقتصادي والثقافي.

اذا نظرت الى المسألة من جانبها الفقهي او الحقوقي البحت ، فسوف تضطر بالتاكيد الى ترك عنوان الاختلاط والتفكير في التفاصيل التي تندرج تحته. واذا نظرت اليها من جانبها السياسي فسوف تحتاج بالتاكيد الى تحديد مكانك في الجدل ، في هذه الجبهة او تلك . واظن ان  البعد الاخير هو ما يجعل الجدل ساخنا واستثنائيا.
عكاظ 21 ديسمبر 2009
http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20091221/Con20091221322050.htm
مقالات ذات علاقة


الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...