‏إظهار الرسائل ذات التسميات مصر. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مصر. إظهار كافة الرسائل

23/07/2013

من تديين السياسة الى تسييس الدين

استعمال اللغة الدينية في الصراع السياسي نظير ما يحدث الان في مصر يؤدي بالضرورة الى ابتذال الفكرة الدينية وخفض قيمتها المعيارية.

منذ وقت طويل تحدث المشايخ والدعاة عن السياسة الاخلاقية. واعرض كثير منهم عن الانخراط في السياسة بسبب ما قيل عن قلة اخلاقياتها. في هذه الايام نجد الفتوى والكلام الديني خبرا يوميا ضمن اخبار الصراعات. حيثما شرقت او غربت في بلاد العرب والمسلمين ، تجد اللغة الدينية طابعا عاما لانباء النزاعات الداخلية ، حتى ليظن الناظر اليها من بعد ، ان المسلمين قرروا فجأة ترك كل شيء ، وتفريغ انفسهم للتصارع والتقاتل فيما بينهم.

الاستعمال المكثف للكلام الديني في النزاع السياسي ينتج خلطا ثقافيا ، يقود في نهاية المطاف الى تزوير الوعي العام. تعبر الفتوى – في صورتها النموذجية – عن تكييف معياري للموقف من موضوع او حدث ، يترتب عليه نوع من الالزام للافراد او الجماعة.

استعمال الفتوى في السياسة ، كما راينا في الازمة المصرية الراهنة ، يضعنا امام اشكال جدي يتعلق بالقيمة المعيارية للفتوى ، اي قيمتها كتعبير عن القيمة الدينية للموضوعات. في حالة كهذه نجد انفسنا ازاء ثلاثة تموضعات للفتوى:

الاول : كونها "راي الدين" ، اي كتقييم للموضوع يتجاوز الجدل الواقعي ، ويعبر عن موقف مبدئي بحت ، اعلى من موضوع النزاع القائم ومصالح اطرافه. هذا يعني انه خطاب ينطوي على قدر من الالزام للمتلقي.

الثاني: كونها "رايا في الدين" ، اي كتصور شخصي للفقيه عن موضوع قائم وموقعه ضمن منظومة القيم الدينية.  الفتوى في هذه الحالة لا تنطوي على الزام ، فهي اشبه بالارشاد والتوجيه.

الثالث: كونها موقفا سياسيا ، اي تعبيرا عن مصلحة دنيوية لشخص او جماعة من الناس في ظرف محدد. وهذه اقرب ما تكون الى البيانات الحزبية ، وان كتبت بلغة دينية او استعملت نسق الاستدلال المعتاد في الخطاب الديني.

تميل الثقافة العامة في المجتمع العربي الى كراهية السياسة واعتبارها عالما لا اخلاقيا. وهي تلح على ضرورة حضور الدين في المجال السياسي ، باعتباره وسيلة لتصحيح السياسة واعادتها الى العالم الاخلاقي. ويبدو ان الدعاة والحركيين يجيدون الطرق على هذه النقطة تحديدا ، حين يصورون انفسهم وادوارهم باعتبارها ضرورة لاصلاح العالم السياسي ، وليس مجرد منافسه على النفوذ والسلطة.

واقع الامر ان مشاركة الداعية والحزب الديني في المنافسة السياسية ، لا تختلف – في المضمون – عن مشاركة غيره. قدراته وطبيعة عمله متماثلة ، وما يعد به محكوم ، في نهاية المطاف ، بحدود الدولة ومؤسساتها واعرافها وقابلياتها.

اذا كان لي من دعوة هنا فهي للتخفيف من تسييس الدين تحت غطاء تديين السياسة. غلبة اللغة الدينية على الخطاب السياسي لا تؤدي – واقعيا – الى اصلاح السياسة ، بل ربما ادت الى افساد الدين.

الاقتصادية 23 يوليو 2013
http://www.aleqt.com/2013/07/23/article_772493.html
مقالات ذات علاقة

18/12/2012

حق الأكثرية

في 1972 أسس جان ماري لوبان حزبا صغيرا سمّاه ''الجبهة الوطنية''، هدفها استفتاء الشعب الفرنسي على وقف هجرة الأجانب لا سيما المسلمين. لأن تزايد أعدادهم يهدد النسيج الاجتماعي المنسجم بديانته الكاثوليكية وتقاليده المتوارثة. لكن لوبان تخلى – لاحقا - عن فكرة الاستفتاء، بعدما أقنعه خبراء في القانون بأن تصويت الأكثرية لا قيمة له ولا تأثير. حقوق الأكثرية مشروطة بحقوق الأقلية، ولا يمكن لهذه ولا تلك حرمان الأخرى من حقوق أولية تعد حاكمة على الدستور والقانون. وأبرزها حرية الاعتقاد والعبادة واختيار نمط العيش الذي يعتقد صاحبه أنه يحقق سعادته.
لكننا جميعا نعلم أن رأي الأكثرية هو الحاكم في جميع الأنظمة الحديثة. وهو تجسيد للعقل الجمعي والعرف العام بلا مراء.

في الجدل حول الدستور المصري، تمسك مؤيدوه بحق الأكثرية في فرض ما يرونه معبرا عن قناعاتهم وتطلعاتهم. بينما ركز معارضوه على ضرورة أن يصاغ بصورة توافقية قبل عرضه للاستفتاء العام.

- أين تكمن المشكلة إذن؟ ولماذا لا يصح القول بحق الأكثرية في فرض الدستور الذي تريده على الأقلية التي تعارضه؟.

- الديمقراطية نظام مركب من مستويين:

أ) مستوى تأسيسي يعرف القواعد الكبرى للنظام السياسي، يشترك فيه الجميع. هذا لا يتحقق باستفتاء الأفراد، بل بتوافق ممثلي جميع الشرائح الاجتماعية، لتأسيس ما نسميه الإجماع الوطني، الذي يتضمن عنصرين أساسيين: طبيعة العلاقة التي تربط بينهم في إطار وطني واحد، وأسلوب حل الخلافات التي ربما تنشأ بينهم بسبب تعارض الأفكار والمصالح. هذا الإجماع يوثق في ''الدستور'' الذي يصبح مرجعا لجميع القوانين وسياسات الدولة وأعمال الهيئات الناشطة في المجال العام.

ب) مستوى تشريعي أو سياسي يمارس بواسطة الحكومة أو البرلمان. وهنا يبرز صوت الأكثرية كمرجح دائم، سواء حصل التوافق أو لم يحصل.

ميزة المستوى الأول أنه طويل الأمد، وقد يمتد لعشرات السنين دون تغيير. بخلاف المستوى الثاني الذي يتبدل كل أربع سنين أو خمس على الأكثر. لأنه يتناول تغيير الأشخاص والسياسات، ولا يؤثر في قواعد النظام التي أسست الإجماع الوطني.

زبدة القول إذن إن رأي الأكثرية الذي يشار إليه عادة، متعلق بالمستوى الثاني. أما الأول فإن تصويت الشعب وترجيح رأي الأكثرية لا يأتي إلا بعد توافق الجميع. ما لم يجر توافق كهذا، فستبقى شرعية النظام السياسي مجروحة وتمثيله للشعب مشكوكا فيه. وأظن أن الحكومة المصرية تشعر بهذا الآن، مما سيضطرها إلى إصدار قوانين تتحول إلى أعراف دستورية، غرضها الوحيد هو تلبية مطالب معارضي الدستور. كان الأولى – في ظني – اتقاء مثل هذه الالتفافات بتشكيل الجمعية التأسيسية التي وضعت الدستور على نحو يعكس التنوع الفعلي في المجتمع المصري، بل التعويل على حسابات الأقلية والأكثرية كما حصل فعلا.
الاقتصادية : الثلاثاء 05 صفر 1434 هـ. الموافق 18 ديسمبر 2012 العدد 7008
http://www.aleqt.com/2012/12/18/article_717992.html
مقالات ذات علاقة

11/12/2012

كي نتحاشى امارات الطوائف


صرفت بعض الوقت هذا الاسبوع في قراءة مجلة "البيان" التي يصدرها تيار حركي محلي. وسررت لان المجلة خصصت مساحة طيبة للكلام عن الوحدة الوطنية ومشكلة الاقليات. كما هو المتوقع، فقد عولجت هذه القضايا الكبرى من منظور ضيق الافق نوعا ما. لكني ما زلت مسرورا لاهتمامهم بالموضوع. سررت لاني ارى ان جانبا مهما من اسباب الازمة في مصر الشقيقة يكمن في اهمال الاسلاميين لمسألة "الاجماع الوطني". الاجماع في علم السياسة غير الاجماع المعروف في اصول الفقه. فهو يعالج مسألتين حيويتين:

 الاولى : اتفاق مجموع المواطنين، على فهم مشترك للعلاقة التي تجمعهم.
الثانية : توافق المجتمع السياسي على طريقة موثقة لحل الخلافات وتعارضات الافكار والمصالح فيما بينهم.
كتب الاخوان المسلمون وغيرهم عشرات الكتب حول فضائل الحكم الاسلامي. وهي جميعا تفترض حكاما مؤمنين طيبين وشعبا مسلما مطيعا، مع قليل من غير المسلمين. هذه الكتب غرضها الاشادة باخلاقيات الاسلام وليست البحث العلمي بالمعايير بالاكاديمية. ولهذا فهي نادرا ما تناولت الاشكالات النظرية والعملية في علاقة المجتمع والدولة ومصادر التفارق بينهما.

من قرأ تلك الادبيات فسينتابه – بالتاكيد- قلق من سيطرة الاخوان او نظرائهم على السلطة في حكومة شديدة المركزية مثل حكومة مصر. صحيح انهم يتحدثون اليوم عن مبدأ المواطنة، وصحيح انهم اختاروا مسيحيا ليكون نائبا لرئيس حزبهم. لكن هذا المبادرات المحدودة لا تكفي لاقناع المتشككين والقلقين.

قدرة الاخوان على تعبئة الشارع ، ثم انتصارهم الباهر في الانتخابات النيابية والرئاسية، اعطاهم حقا ثابتا في القانون. وكان عليهم الانتقال الى المرحلة التالية ، اي نزع رداء الحزب المنتصر والعمل كقائد لقطار يحمل الشعب كله ، انصارهم واعداءهم. الحزب المنتصر يبقى حزبا مهما كبر ، وهو ليس الشعب كله ولا نصفه ولا ربعه، فلا يصح له استثناء الاخرين ولا سيما المهزومين.
خطاب الاسلاميين يغفل بشكل واضح "المواطنة" كمبدأ جوهرى في الدولة الحديثة. وهو يتعامل مع المخالفين باعتبارهم "اقلية" لا تستحق الانتباه. يتحدثون عن الاقليات الدينية والمذهبية والقومية والتيارات الحديثة اليسارية والليبرالية وامثالها كنخب ثانوية او فلول او طابور خامس يخدم اجندات اجنبية، وغير ذلك من الاوصاف التي نسمعها هذه الايام.
هذا الفهم السقيم للمشهد السياسي يؤسس – بالضرورة – لحالة استقطاب سياسي واجتماعي بين الفريق السياسي الذي يرفع شعارات اسلامية وبين الفرقاء الاخرين. واسوأ ما في هذه الحالة هو تحول الاسلام كمنظومة قيم سامية الى موضوع للجدل والخلاف بين المسلمين انفسهم.

الاسلاميون ، هنا وفي كل مكان ، مطالبون بمراجعة الطروحات القديمة التي ما عادت نافعة، بل ربما كانت سدا يعيق تطور المجتمع والدولة. واظن ان تقديم تصور صحيح وعصري لمبدأ المواطنة ومبدأ الاجماع الوطني هو اهم ما نحتاجه اليوم. اخشى ان يؤدي التخشب والاصرار على القديم الى تحويل التيار الديني من داعية للدين الى مجرد مجموعة حزبية  مهمومة بالغلبة. ما لم تجر مراجعة معمقة ، سيما من جانب الحركيين، لمفهوم العلاقة بين شركاء الوطن ، فان وصول الاسلاميين الى السلطة لن يكون مقدمة لتطبيق الشريعة ، بل تمهيدا لتحويل الاستقطاب السياسي الى انقسام اجتماعي – سياسي يعيد من جديد امارات الطوائف.

الاقتصادية: الثلاثاء 27 محرم 1434 هـ. الموافق 11 ديسمبر 2012 العدد 7001

مقالات ذات علاقة


01/07/2012

الصعود السياسي للاسلاميين وعودة الدولة الشمولية



صعود الاسلاميين الى سدة الحكم في تونس والمغرب ومصر اثار اسئلة كثيرة ، بعضها مكرر وبعضها جديد. اسئلة تعبر عن قلق يساور السائلين ، واخرى تعبر عن تطلع الى مستقبل مختلف.

احد هذه الاسئلة يفترض مقدمة مضمرة فحواها ان ذلك التطور يشير الى بعث جديد للايديولوجيا بعد عقد تقريبا من تراجعها عن ساحة السياسة.
الفرضية المضمرة قبل هذا السؤال هي ان نهاية الحرب الباردة مع تفكك الاتحاد السوفيتي في 1991 قد اثمر عن تهميش الايديولوجيا وتاثيرها في المجال السياسي. المعنى المادي المقصود هنا هو الماركسية التي كانت ايديولوجيا رسمية لدول المعسكر الشرقي وحلفائه منذ الحرب العالمية الثانية. اما المعنى الرمزي فهو الايديولوجيا بما هي رؤية للعالم مسبقة الصنع ، تنطوي على مسلمات ومقدمات ومعايير للصحيح والفاسد وادوات قياس واختبار. بهذا المعنى فان الايديولوجيا لا تخضع لمعايير البحث العلمي المعروفة في علاقتها مع الموضوعات والتطبيقات  ، بل تطبق معاييرها الخاصة ، التي قد تنسجم مع المعطيات العلمية او لا تنسجم.
كانت حنا ارندت بين ابرز المفكرين الذين حذروا من هيمنة الايديولوجيا على السياسة. وركزت خصوصا على مخاطر الشمولية. حين يحكم البلاد حزب ايديولوجي او مجموعة تتبنى ايديولوجيا خاصة ، فانها ستحول مؤسسة الدولة الى اداة لفرض هذه الايديولوجيا على المجتمع ، والزام الجميع بتبني الخطاب الرسمي ، سواء اتفقوا معه او خالفوه. بهذا المعنى فان وظيفة الدولة قد تحولت من تمثيل المجتمع وادارة مصالحه الى ما يشبه منظمة سرية غرضها الرئيس هو اخضاع المجتمع للنخبة القائدة. الاتحاد السوفيتي السابق والمانيا النازية هما ابرز الامثلة التي ينطبق عليها هذا الوصف.
الاحزاب الدينية في العالم الاسلامي تتبنى ايديولوجيا شمولية ، يلخصها شعار الاخوان المسلمين "الاسلام هو الحل" وتسندها رؤية اسطورية كثيرة التداول فحواها ان تعاليم الدين الحنيف شاملة لكل نواحي الحياة ، من ادناها الى اعلاها.
نفهم طبعا ان كل حزب او جماعة دينية لديها قراءة خاصة للنص الديني والتشريع ، لا تتوافق غالبا مع قراءة الاخرين ، مجتمعات او جماعات. فاذا اعتبر الحزب الديني الحاكم قراءته ايديولوجيا رسمية ، فانه سيفرضها على الاخرين جميعا ، الراضين والرافضين. بمعنى انها سيقيم نظاما شموليا يقصي جميع الاراء والخطابات الاخرى ، ويلغي التنوع الضروري لاغناء الحياة العامة والتقدم.
هذا تلخيص لسؤال الايديولوجيا وخلفيته ومغزاه. ويتضح ان هذا المعنى لو طبق فعلا ، فان صعود الاسلاميين الى السياسة هو مجرد تمهيد للكارثة.
السؤال اذن ليس عن مشروعية القلق الكامن وراء السؤال. فهو بالتاكيد مشروع ولا غبار عليه. السؤال عن مصداقية القلق ، اي احتماليته: هل هو احتمال ضعيف ام قوي ام مرجح؟
لا اريد عرض اجابات ، فكل جواب هو احتمال مبني على قراءات سياسية ، يختلف الناس في تقييم عناصرها بحسب ميولهم وما يتوفر لديهم من معلومات. لكني سأذهب الى اصل المسألة وهي النظر الى الايديولوجيا بهذا المنظار المخيف.
اعتقادي الشخصي ان الايديولوجيا ضرورة للحياة والحكم ، مثلما العلم والاخلاق ضرورة. الايديولوجيا هي الوسيلة التي نبني بها علاقتنا مع العالم المحيط بنا، ونعطي للأشياء معاني، ونربطها مع بعضها حتى تتحول من عناصر منفردة هائمة في الفضاء إلى أجزاء في مركب، هو رؤيتنا للعالم. وما لم يكن لدينا منظومة مفاهيم ومسلمات أولية فلن نحب شيئا ولن نقيم علاقة مع شيء مما يحيط بنا، لا إنسانا ولا فكرة ولا شجرة ولا ساعة. كل مجموعة حاكمة ، ماركسية كانت او اسلامية او قومية او ليبرالية ، تتبنى ايديولوجيا من نوع ما ، ايديولوجيا بمعنى منظومة قيم ومسلمات مسبقة تعتبرها صحيحة دائما او غالبا ، وترجع اليها في الحكم على الاشياء وتقدير قيمتها. الانسان الذي لا ايديولوجيا له هو التكنوقراطي او البيروقراطي الذي يتبع فقط وفقط التعليمات الموجهة اليه من فوق. انه اذن لا يتخذ قرارا ولا يحدد قيمة لشيء ، بل يطبق على موضوعات عمله مسطرة صممها اخرون.
لا يحتاج الإنسان إلى انكار الايديولوجيا، بل يحتاج إلى:
أ-الوعي بأنه يحمل ايديولوجيا تؤثر على أرائه وأحكامه. ونتيجة لذلك فان آراءه ليست معيارية او موضوعية في كل الأحوال
ب- الوعي بان الايديولوجيا - حتى لو اعتقد بصحتها – تلعب أحيانا دور حجاب الحقيقة، أي أنها تظهر الأشياء للعين والعقل بخلاف ما هي عليه في الواقع الخارجي
ج- الوعي بالفارق بين وظيفتي الايديولوجيا والعلم. وظيفة العلم هي وصف الأشياء وتفسير أحوالها، أما وظيفة الايديولوجيا فهي الحكم على تلك الأشياء والأحوال وتحديد قيمتها، أي إيجاد علاقة بينها وبين الشخص.
د- بالنسبة للسياسيين خصوصا في الحكومات الجديدة، فانهم يحتاجون للوعي بانهم موظفون عند الشعب ، وليسوا حملة رسالة. وظيفتهم هي ادارة المصالح العامة والتعارضات وتمثيل المجتمع. ومن هذه الزاوية فان القيم والمفاهيم التي يطبقونها يجب ان تكون مرضية ومقبولة من قبل رب عملهم ، اي المجتمع . دورهم هو خدمة رب العمل وليس التحكم في حياته او الزامه بما لا يريد.


1 يوليو 2012

مقالات ذات علاقة

05/06/2012

التحدي الذي يواجه الاخوان المسلمين

سواء فاز المرشح الاخواني او مرشح العسكر في الانتخابات الرئاسية المصرية الوشيكة ، فالمؤكد ان الاخوان سيشكلون الحكومة القادمة ، نظرا لهيمنتهم على البرلمان. هذا يضعنا امام تجربة فريدة. سيكون على الاسلاميين القادمين الى السلطة مواجهة اشكالات عديدة ، نشير هنا الى اثنين منها: الطائفية والسياحة.
منذ عهد الرئيس الاسبق انور السادات ، شكا الاقباط المصريون من سياسة تمييز رسمي معلنة حينا ومكتومة في اغلب الاحيان ، جعلتهم – بحسب منطق الامور – مواطنين من الدرجة الثانية. كانت السلطة - يومئذ - علمانية فلم يكن بالوسع اتهامها بالتحيز الديني.
اما اليوم فان على حكومة خرجت من صناديق الانتخاب ان تقدم نموذجا مختلفا. نموذج يتعامل مع المسلم والمسيحي باعتبارهم مواطنين لا اتباع ديانات. لم استغرب الميل الجارف عند الاقباط للتصويت ضد مرشح الاخوان. فالتراث الذي ينتمي اليه ، والثقافة السائدة في بيئته الاجتماعية ، تنظر لكل مختلف باعتباره ادنى شأنا. ولهذا لا يلام "المختلف" اذا شعر بالقلق على مستقبله ، حتى لو كان ماضيه سيئا وبغيضا.
تقول بعض التقارير ان المرشح الاخواني وعد بتعيين قبطي نائبا للرئيس. وهذه خطوة ستكون مؤثرة بالتاكيد في تطمين هذه الشريحة. لكنها خطوة واحدة فحسب. يتوجب على حزب العدالة والتنمية ومرشحه ان يقدم وعدا قطعيا باصلاح القانون على نحو يحول دون التمييز بين المصريين ، والغاء جميع اللوائح والتعليمات التي تجيزه او تسهل ممارسته.
التحدي الثاني الذي يتوجب على الاخوان مواجهته هو الاقتصاد. سيكون على رجال الحكومة الجديدة ممارسة ضغط شديد على انفسهم حين يضعون السياسات الخاصة بحماية وتشجيع السياحة مثلا. يساهم هذا القطاع بنحو 12% من الناتج القومي الاجمالي  ، و نحو 20% من الدخل الخارجي للبلاد ، وهي توفر نحو 4 ملايين وظيفة.
لم يكن قطاع السياحة محبوبا عند الاسلاميين . وقد نظروا اليه دائما كبؤرة للفساد . لكنهم مضطرون اليوم الى التعامل معه كمورد اقتصادي يستحيل الاستهانة به ، اذ يستحيل عمليا التعويض عنه في المدى القصير والمتوسط.
افترض ان الحكام الجدد مؤمنون بالواقعية السياسية . فهم بالتاكيد يعرفون ان العمل في السلطة لا يشابه الحديث في المساجد وحلقات التربية الحركية. لكن هذه لن تكون مهمة سهلة. فلديهم جمهور سبق اقناعه بان "الحكم الاسلامي" سياتي بالمن والسلوى ، وسيكون "نظيفا" من كل مكروه. ويظن كثير من هذا الجمهور ان مهمة كهذه لا بد ان تتحقق في اسابيع اذا امتلكت صولجان الحكم.
خلاصة القول ان الاسلاميين المصريين ، ومن يتاثر بهم خارج الحدود ، يبنون قصورا من الامال. لكنهم سيواجهون تحديات صعبة ، وقد تكون قاتلة. لهذا فمن الخير لهم ان يضعوا في اعتبارهم اسوأ السيناريوهات ، وان يتحاشوا الانفراد بالقرار ، كي لا يتحملوا وحدهم ثمن الاخفاقات ، وبعضها متحقق دون شك ، في هذه الظروف التي تتسم بانعدام اليقين.



الاقتصادية 5 يونيو 2012

29/05/2012

مصر ما زالت متدينة لكنها خائفة من التيار الديني



ذهلت حين سمعت أن الفريق أحمد شفيق حصد 24 في المائة من أصوات الناخبين المصريين. كان الأمر بسيطًا ومفهومًا لو ذهبت هذه الأصوات لعمرو موسى أو حمدين صباحي، لكن التصويت الكثيف لأحمد شفيق يكشف عن تأزم غير اعتيادي يجري تحت السطح. فهم هذا التأزم ربما يساعدنا أيضًا على كشف السبب الذي جعل الثورة اليمنية تنتهي بإعادة إنتاج النظام القديم بدل إرساء جمهورية جديدة. وهو قد يساعدنا على فهم تلكؤ العالم في اتخاذ موقف يدفع الأزمة السورية إلى خط النهاية المأمولة.
كنت أظن أن دول العالم ما عادت تخشى وصول الإسلاميين إلى السلطة، لكن ما جرى في ليبيا بعد سقوط القذافي، وما يجري في لبنان وسورية اليوم، يقدم مبررات إضافية على أن قلق دول المنطقة والعالم ليس مجرد ''إسلاموفوبيا'' كما كان يقال في السنوات الماضية.

ليس سرًّا أن الثورة اليمنية فتحت الباب أمام سيطرة تنظيم القاعدة على عدد من المحافظات. وليس سرًّا أن عددًا من المحافظات الليبية يخضع لجماعات دينية محلية تتبع اسميًّا فقط حكومة طرابلس. وليس سرًّا أن مراقبين عديدين يتحدثون عن احتمال مماثل في سورية ولبنان.

Mohamed Morsi-05-2013.jpg
التيار الديني كان هو القاسم المشترك في كل هذه الحوادث. هذا يثير سؤالاً جديًّا: هل يسهم الصعود الحالي للتيار الإسلامي في تصحيح مسار الدول العربية، أم يؤدي إلى تفكيك الإجماع الوطني والتمهيد لظهور دويلات الطوائف؟
تصويت المصريين لمصلحة أحمد شفيق بعد أشهر قليلة من إسقاط النظام الذي كان جزءًا منه، يشير إلى قلق عميق ينتاب المصريين. لعل الناس أرادوا الإسلاميين في الحكومة لأنهم يثقون بنزاهتهم، لكنهم يخشون تسليمهم القوات المسلحة. وهذا ما سيحصل لو أصبح مرشح الإخوان رئيسًا للجمهورية. الجيش- بالنسبة لعامة الناس- يمثل الملجأ الأخير فيما لو سارت الأمور في الطريق الخطأ.

يقول محللون إنه لو عقدت الجولة الثانية للانتخابات المصرية اليوم، فإن أحمد شفيق سيكون الرئيس القادم وليس مرشح الإخوان محمد مرسي. ولهذا السبب فإن على التيار الإسلامي المصري أن يبذل جهدًا استثنائيًّا لتطمين الناس. هذا لا يتحقق بالكلام في التلفزيون، ولا بإصدار تعهدات أحادية، بل باتفاقات محددة مع الأطراف السياسية الفاعلة، تتضمن التزامات علنية تعالج أسباب قلقهم.

أبرز نقاط ضعف الإخوان في الأشهر القليلة الماضية هو استهانتهم بقوة الآخرين، وتعزز هذا مع سيطرتهم على البرلمان. هذا يجعلهم اليوم أمام خيارات مريرة: لو فاز أحمد شفيق فسيقول الناس إن الإخوان هم الذين مهدوا له الطريق. ولو عالج الإخوان خطأهم وتحالفوا مع القوى السياسية، ونجح مرشحهم، فسوف يكون– في المرحلة الأولى على الأقل– رئيسًا ضعيفًا، الأمر الذي سيعطل عودة مصر إلى مكانتها السابقة كدولة محورية في النظام الإقليمي.

إذا كان ثمة درس على الإسلاميين أن يتعلموه من التجربة المصرية، فهو بالتأكيد درس التواضع. تستطيع السيطرة على كل شيء، وربما تشعر بالفخر ويشعر أتباعك بخيلاء القوة، لكن ليس كل انتصار في السياسة يستحق العناء. بعض الانتصارات تدفع تكلفتها بعد أن تتحقق، وهي تكلفة قد تكون أعلى كثيرًا من قيمة الانتصار ذاته.

الاقتصادية   2012 مايو 29

مقالات ذات صلة:

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...