‏إظهار الرسائل ذات التسميات داعش. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات داعش. إظهار كافة الرسائل

10/02/2015

شفاء الصدور


تمنيت لو لم يوقع الملك عبد الله الثاني امر اعدام عضوي القاعدة ، ساجدة الريشاوي وزياد الكربولي ، الاسبوع الماضي.  من حيث المبدأ ادعو لالغاء حكم الاعدام نهائيا في العالم كله. ولهذا أعارض اي حكم بالقتل لأي سبب او مبرر.
لكن هذا ليس موضوع المقالة. صدر حكم الاعدام على الريشاوي والكربولي في 2006. تنفيذ الحكم بعد ثمان سنين من التعليق كان انعكاسا لمشاعر الغضب التي اجتاحت الاردن عقب القتل الشنيع للطيار الاسير معاذ الكساسبة. وربما استهدف ايضا لفت نظر الجماعات الارهابية الى امكانية اعدام آخرين فيما لو كرر احد جريمة "داعش".
 بدل تنفيذ حكم الاعدام ، تمنيت لو اقتصر الرد الاردني على مواجهة القتلة في الميدان ، مثلما ما فعلت حين كثفت هجماتها الجوية على قواعد "داعش". تعلم الحكومة الاردنية أن اعدام سجين قديم لا يؤثر سياسيا او معنويا على الجماعات الارهابية ، التي اعتادت ارسال اعضائها للانتحار فيما يستحق وما لا يستحق. ولهذا ارجح ان يكون هدف قرار الاعدام هو مواساة عائلة الطيار الكساسبة او امتصاص غضبهم.
 خلال الاشهر الثلاثة الماضية ، انهزمت داعش في مدن آمرلي وسنجار وديالى ، ثم في عين العرب "كوباني". هذه ليست مجرد نجاحات ميدانية ، بل هي – في المقام الاول – انتصارات معنوية ، كسرت موجة الرعب التي رافقت ظهور داعش ، ومكنتها يومذاك من اكتساح مساحة واسعة جدا من الاراضي العراقية والسورية ، من دون مقاومة تقريبا.
فقدت داعش مكانتها في نفوس الاغلبية الساحقة من العرب ، كما فقدت هيمنتها المطلقة على ارض المعركة. العمليات التكتيكية الصغيرة مثل احراق الطيار ونحر الرهائن اليابانيين كانت في الماضي مؤثرة اعلاميا ، لكن هذا التأثير ينكمش بشكل متسارع. لهذا ما عدنا نرى في هذه الايام اعلام داعش السوداء في المدن العربية ، كما كان الحال قبل خمسة أشهر.
"شفاء الصدور" هو عنوان الشريط الذي بثه تنظيم داعش عن حرق الطيار الكساسبة. وهو يشير بوضوح الى ان الغرض هو اظهار الانتقام في اشد الصور قسوة. هذا النوع من التوجيه يخاطب الانصار الفعليين او المحتملين الذين تداعب انفسهم شهوة البطش بالعدو الحقيقي او الرمزي او حتى المتخيل. الانتقام القاسي تعويض رمزي عن الانتصار الواقعي ، ويستهدف الحفاظ على صورة المنتصر بعدما انكسرت في الميدان.
اعدام الريشاوي والكربولي قد يكون ، بالنظر للظروف المحيطة ، نوعا مقابلا من "شفاء الصدور" ، وهو أمر لا ينبغي صدوره من دولة حكيمة. لا يصح للدولة ان تباري المجموعات الارهابية التي تعيش على الخوف والتخويف. كما لا ينبغي للدولة ان تنفعل او تتحرك بدافع الانتقام ، مهما كان جرحها عميقا ومؤلما. الفارق الجوهري بين الدولة والجماعة الارهابية هو الفارق بين المدينة بقوانينها واعرافها وبين الغابة التي يحكمها قانون الخوف. هذا ما لايصح لدولة ان تنساه.
الشرق الاوسط 10 فبراير 2015 مـ
http://aawsat.com/node/286821

04/02/2015

جيراننا الدواعش

نحن بحاجة الى واقعية سياسية في التعامل مع تحولات المشهد السياسي في اليمن. سواء أحببنا تيار الرئيس السابق على صالح او كرهناه ، وسواء وثقنا في التيار الحوثي او ارتبنا في نواياه ، وسواء كنا مع انفصال الجنوب او كنا ضده ، فان واقع الحال يشهد ان هذه المحاور الثلاثة هي المحرك الرئيس لتحولات السياسة في اليمن اليوم.

عبد الله بن حسين الاحمر

هذه ليست دعوة للتعاطف مع اي من هذه المحاور ، بل للتعامل معها بناء على ثقلها الفعلي في ميزان القوى السياسي.  لا يفيدنا كثيرا حصر خياراتنا في سلة الحكومة ، فهي عاجزة عن حماية قادتها فضلا عن ادارة البلاد.

الواضح ان معظم الدول ذات العلاقة باليمن تأبى التعامل مع الرئيس السابق علي صالح الذي أطاحت به الثورة. لكن هذا لا يقلل من حقيقة انه لازال أوسع نفوذا من الحكومة التي جاءت بها الثورة. هذا النفوذ واضح في تحالفات قبلية وفي انحياز القوات المسلحة الى جانبه. تلك الدول لا تريد ايضا التعامل مع العدو اللدود لعلي صالح ، اي "التجمع اليمني للاصلاح" بحجة انه امتداد للاخوان المسلمين. 

هذا لا يغير شيئا من حقيقة ان الحزب كان في عهد زعيمه المرحوم عبد الله بن حسين الاحمر ، واجهة سياسية لاكبر تحالف قبلي ، مع انه خرج من الثورة كسيرا مشتت القوى.  وبنفس القدر فانها لا تود التعامل مع الحوثيين رغم انهم يسيطرون فعليا على معظم مصادر القوة في البلاد. كما لا يريد احد التعامل مع الحراك الجنوبي تلافية لتهمة التعاطف مع دعوات الانفصال. هذا لا يغير من حقيقة ان المجموعات الشريكة في هذا الحراك تسيطر فعليا على معظم محافظات الجنوب.

ترى هل يمكن ادارة الازمة اليمنية دون التعامل مع الاطراف الاكثر تاثيرا فيها؟.

رغم الكلام المكرر عن الخلفية الاخوانية لتجمع الاصلاح ، او التعاطف الايراني مع الحوثيين ، او تلاعب علي صالح او ماركسية الحراك الجنوبي ، فثمة حقائق مادية على الأرض تفرز مفاعيلها ولا تتوقف عند رغباتنا او مواقفنا ، الا اذا فتحنا خطوط حوار نشط معها.

لا ادري ان كانت الازمة السياسية في اليمن تتجه الى الانفجار او ان أطرافها سينجحون في التوافق على مخرج آمن. أيا كان الحال ، فالمؤكد ان تفاقم الازمة سوف يمهد الطريق لظهور نسخة جديدة من "داعش"  على حدودنا ، قد تكون اكثر خطورة من "داعش" العراقية. 

لا أحد يريد مجاورة وحش كهذا. هذا الاحتمال الخطر يستدعي مبادرة جدية من جانب دول المنطقة سيما دول الخليج ، مبادرة براغماتية ، تتعامل مع الواقع كما هو ، ومع أطرافه بما فيهم من عيوب أو محاسن ، مبادرة غرضها الاول تشكيل حكومة انقاذ وطني تمسك بزمام الامور ، وتقود حوارا سياسيا يستهدف تفكيك الازمة والحيلولة دون انهيارات تجعل البيئة الاجتماعية مهيئة لتكرار التجربة العراقية.

الشرق الاوسط 4 فبراير 2015
http://aawsat.com/node/281371

31/12/2014

موسم الهجرة الى السلاح



ثمة حولنا ما يمكن وصفه بجيش أممي يتألف من الاف الشبان المستعدين للهجرة من أوطانهم الى سوح القتال. من افغانستان الى لبنان ومن اواسط آسيا الى تشاد والبلقان. انه جيش غير منظم ولا منضبط ، لا يسعى رجاله وراء الرواتب والرتب العسكرية ، مقصدهم الوحيد مكان يتيح لهم المشاركة في الحرب.

عرفنا رجالا من الخليج قاتلوا في الشيشان والبوسنة ، وجزائريين قاتلوا في افغانستان ، وتونسيين ذهبوا الى العراق وسوريا ، وهكذا. شهد العالم ظاهرة شبيهة في اربعينات القرن المنصرم حين تنادى الشيوعيون للمشاركة في الحرب الاهلية الاسبانية (1936-1939) نصرة للجمهوريين بقيادة "الجبهة الشعبية"  اليسارية. كذلك الحال في السبعينات حين انضم عشرات من الناس من دول مختلفة الى المقاومة الفلسطينية. لكن هذه مثل تلك كانت اضيق نطاقا من الحشد الاممي الذي نشهده اليوم.

اظن ان الاف الشبان الذين تسللوا من بلدانهم للالتحاق بالجماعات المقاتلة منذ اوائل الثمانينات ، كانوا يسعون وراء تحقيق ذواتهم من خلال القيام بعمل ، قدروا انه يسهم في تغيير العالم. الاف مثلهم حاولوا تحقيق ذواتهم من خلال التجارة او العلم او الدعوة الدينية او حتى من خلال المشاركة في الصراعات السياسية السلمية ، او غيرها من الحقول. لكن اولئك الشبان على وجه التحديد رأوا في الحرب ظرفا وحيدا لتحقيق الذات. 
والمثير في الامر ان هؤلاء اشد ميلا الى الجماعات الاكثر تطرفا ، اي الاكثر استعمالا للعنف. ثمة عشرات من الجماعات المسلحة التي توصف احيانا بانها معتدلة ، لكن المهاجرين للحرب يتجهون عادة للجماعات المشهورة بالتطرف. هذا يكشف ربما ان العامل المحرك لهم ليس الجهاد كموضوع ديني ولا التحرير كموضوع سياسي ، بل الحرب ذاتها كأداة للتغيير. السلاح هو عباءة سوبرمان التي يرتديها الانسان العادي فيمسي قادرا على قهر الغير والزامه بمشيئة المسلح او الجماعة التي ينتمي اليها.
من يستمع لأحاديث الشباب الذين تضيق نفوسهم بأساليب الدعوة البطيئة والحوارات الطويلة المملة والاساليب البيروقراطية التي تتبعها الحكومات ، فسوف يكتشف دون عناء انهم يبحثون عن عصا سحرية ، يهزونها في وجه المشكلة فيولد الحل. بالنسبة لكثير من الشباب الحالم ، فان السلاح هو العصا السحرية التي تغير الحقائق على الارض ، وتحولهم من كائنات متسائلة معطلة او مقيدة الى شركاء في تغيير العالم.
بحث الشباب عن ذاتهم ، بحثهم عن دور في تغيير الواقع ، ليس السبب الوحيد الذي حرك الاف المهاجرين نحو ساحات الحرب المتنقلة. لكنه – كما أظن – عامل يستحق التأمل. لو درسناه كواحد من الاحتمالات فلربما ساعدنا في كشف نقاط ضعف في نظامنا الاجتماعي او في سياساتنا او في نظامنا القانوني ، تشكل في مجموعها الثقب الاسود الذي يتساقط فيه هؤلاء الشباب ، فيتحولون من قوة بناء الى مكينة قتل وتدمير في هذا البلد او ذاك.
الشرق الاوسط 31 ديسمبر 2014 مـ رقم العدد [13182]
http://aawsat.com/node/255216

24/12/2014

يوم رحب الناس بالخلافة


التمدد السريع لتنظيم الدولة الاسلامية "داعش" على مساحات شاسعة في سوريا والعراق ، وانضمام الاف المقاتلين الى صفوفه ، يكشف عن ظرف اجتماعي متأزم ، مستعد للترحيب بأي قوة ترفع شعارا مواتيا ، او على الاقل غير مبال بانهيار الدولة القائمة وحلول جماعة مسلحة مكانها.
صحيح ان النزاعات الاهلية توفر مثل هذه الفرص في أي مكان. لكن هذا لا يحدد المسؤولية عن العوامل التي تدفع الناس للترحيب او عدم الاكتراث بتطور من هذا النوع. كما لا يحدد مستوى وطبيعة النزاع الذي يسمح بظهور نظائر لتنظيم "الدولة". بعبارة اخرى فنحن امام سؤالين ، اولهما: هل هناك ظرف آخر غير الحرب الاهلية يمكن اعتباره مواتيا لظهور جماعات مسلحة نقيضة للدولة؟. والثاني: اذا كان ظرف النزاع الاهلي هو الوحيد الذي يعتبر مواتيا ، فهل ثمة نوع معين من الصراعات الاهلية او مستوى معين نعتبر الوصول اليه ضروريا لظهور تلك الجماعات؟. الاجابة على هذين السؤالين سوف تمهد ايضا لتحديد بعض الحلول الممكنة ، ولا سيما تحريك الظرف الاجتماعي باتجاه جعله ممانعا لانتشار جماعات كهذه او لافظا لها.

يكشف مثال الجزائر (1997-2001) والصومال (1991-1997) عن مفارقة جديرة بالاهتمام ، وهي بقاء "الايمان بالدولة" في الحالة الاولى وغيابه في الثانية. واظن هذا اهم الاسباب التي جعلت الجزائر قادرة على اطلاق مشروع حل سياسي تمثل في قانون الوئام الوطني لعام 1999 ، بينما فشلت كافة مبادرات الحل السياسي السلمي في الصومال. الايمان بالدولة يعني تحديدا الاقتناع العميق عند عامة الناس بان حكومتهم ضرورية لحياتهم وانها تقوم فعليا بما يتطلبه هذا الدور. يتلاشى هذا الايمان اذا توقفت الدولة عن القيام بواجباتها او انحازت بشكل مفرط الى طرف اجتماعي ضد بقية الاطراف ، او فشلت لوقت طويل في معالجة مشكلات البلد الملحة.
في مقالته الشهيرة "التنمية السياسية والتفسخ السياسي-1965" ركز صمويل هنتينجتون على ما يسميه ظرف انفجار التطلعات ، وفشل الدولة في الوفاء بالوعود التي ترفع سقف توقعات الجمهور ، ويعتبره ابرز العوامل التي تنشر الاحباط في المجتمع ، وربما تمهد الطريق امام تحولات دراماتيكية ، مثل الاستيلاء على الدولة. واحتمل ان هذا هو السر وراء نجاح داعش في السيطرة المباغتة على محافظة الموصل العراقية منتصف يونيو الماضي. فرغم وجود الدولة وقواتها ، الا ان النزاعات السياسية المريرة في السنوات الماضية قضت تماما على الثقة المتبادلة بين الدولة المركزية والمجتمع. وتكرر هذا الامر في محافظة تكريت التي نعرف ان شريحة واسعة من سكانها شاركت قوات داعش في اسقاط مؤسسات الدولة.
لم يكن ثمة حرب اهلية فعلية في العراق كحال سوريا ، ولم تكن الدولة غائبة. الغائب الحقيقي كان الايمان بالدولة القائمة وانهيار الثقة بينها وبين مواطنيها. وهي حالة قد تظهر حتى في الدول القوية. ترى هل نستطيع تطوير وسيلة لقياس مستوى "الايمان بالدولة" في كل مجتمع عربي؟. هل نستطيع كعرب مصارحة انفسنا بالعوامل التي تؤدي الى تعزيز هذا الايمان او اضعافه؟. 
الشرق الاوسط  24  ديسمبر 2014 

مقالات ذات علاقة

02/12/2014

داعش الباقية




في 1997 ظهر شبيه لداعش في الجزائر. لم يعلن دولة او خلافة ، لكن عمله الميداني وخطابه الديني لم يكن مختلفا عن داعش. تلاشت الظاهرة الجزائرية بعدما طبقت الحكومة قانون الوئام الوطني لعام 1999 ثم قانون المصالحة الوطنية (2005). طبقا لبيانات رسمية ، فان عدد الذين سويت اوضاعهم بلغ 17 الف مسلح ، عدا المئات الذين قتلوا في مواجهات مع الجيش. بعبارة اخرى فان الحجم المادي للظاهرة الجزائرية كان اكبر من شبيهتها داعش. لكنها مع ذلك اخفقت في مواجهة تيار الحياة المدنية الجارف ، رغم مقاومتها الشرسة لما يزيد عن سبعة اعوام.
نعلم من هذا ومن تجارب شبيهة ان الحياة الحديثة لا تسمح ببقاء دولة مثل دولة داعش. هذا لا يتعلق فقط بالنظام الدولي ، بل ايضا بالحاضن الاجتماعي المحلي وحركة الاقتصاد والسياسة في ابعادها المختلفة والمعقدة.  ولئن كانت الظروف الحرجة الراهنة في العراق وسوريا قد افرزت نشازا سياسيا من هذا النوع ، الا ان منطق الامور لا يسمح له بالاستمرار فترة طويلة.
سواء انتهينا من دولة داعش اليوم او غدا ، فلا ينبغي ان نغفل عن حاضنها الثقافي – الاجتماعي ، اي الذهنية الفردية او الجمعية التي تنظر الى نموذج داعش كعلاج مؤكد او محتمل لمشكلة يشعر بها الناس. وليس مهما ان تكون هذه المشكلة حقيقية او متوهمة. المهم انها تشغل اذهان الناس ويشعرون بالحاجة الى علاجها بأي طريقة.
السؤال الذي يستحق ان نتأمله بجدية وتركيز هو: ما هي المشكلات التي تشغل اذهان الناس على نحو يجعلها مهيئة لقبول نموذج الحل الذي تمثله داعش او تقترحه؟.
يذهب ذهني الى عدة احتمالات. لكن ابرزها في ظني اثنان ، احدهما محلي ينطبق خصوصا على الوضع في المملكة والثاني اكثر عمومية. المشكلة الاولى هي الرغبة في اكتشاف الذات وتحقيق الذات ، وهذه تخص الشباب. اما الثانية فهي مشكلة العجز عن التعامل مع ما يعتقد من تغول الغرب ضد العالم الاسلامي.
الدواء الانجع للمشكلة الاولى هو جمعيات العمل المدني التطوعي. اما المشكلة الثاني فهي اكثر تعقيدا ، وهي اقرب الى فحوى التفسير الرسمي لظاهرة التطرف ، اي ما يسمى بالغلو في الدين. لكن العلاج ليس بالنصائح وسرد الايات والروايات الدالة على الوسطية ، بل بتطوير خطاب ديني جديد يركز خصوصا على ظاهرة التنوع الثقافي والعلمي والسياسي ، ودور المسلم في العالم الجديد ، وسبل استثمار التنوع وعولمة الثقافة والاقتصاد. بعبارة اخرى فنحن بحاجة الى صياغة جديدة لمفهوم العلاقة مع المختلف سياسيا ودينيا ، سيما الغرب الذي ينظر اليه كقوة عدوان ذات واجهة سياسية ومضمون او محرك ديني (مسيحي غالبا).  وتبعا لهذا تطوير رؤية عصرية لقيمة الجهاد والدعوة ودور الافراد والجماعة المسلمة في هذا السياق. 
الاقتصادية 2-12-2014
مقالات ذات علاقة


07/10/2014

العامل الديني كمولد للعنف

دعنا نضع عضوا في "داعش" او نصيرا لها على طاولة المقارنة مع اشخاص آخرين من نفس البيئة او البيئات القريبة ، كي نبحث في الصفات الثقافية والنفسية والسلوكية التي تميز كلا منهما عن الآخر ، ثم نستقصي مصادر تلك الصفات. ثم نسأل انفسنا: لماذا أثرت تلك العوامل على الشخص الاول دون الثاني، اي ما هي المتغيرات التي تحدد مستوى او توقيت بروز النمط الداعشي.
هذا الاستقراء الذي يستدل بالظاهر على الباطن ، لا يستهدف تحديد العوامل المولدة للشخصية العنيفة ، بل عزل العوامل المشابهة التي تسهم في خلط الصورة ، وتمييزها عن المتغيرات المساعدة او المعاكسة. العوامل المنتجة للنمط الداعشي ، يمثل كل منها علة تامة ، اذا وجدت فسوف تنتج قطعا ذلك النمط ، اما العوامل الشبيهة فلا تلعب هذا الدور ولو تماثل ظاهرها مع العوامل السابقة. كذلك الحال بالنسبة للعوامل المتغيرة التي تلعب دورا مساعدا فحسب ، رغم ان وجودها ضروري لانتاج النمط او الحيلولة دونه.
الداعي لهذا الكلام هو شعوري بان النمط الداعشي لم يحظ بالاهتمام الذي يستحقه ، من جانب الباحثين السعوديين في علم الاجتماع وعلم النفس. معظم معرفتنا بهذه الظاهرة ثمرة لمقالات صحفية او كتابات اجنبية. وكلاهما لا يرقى الى مستوى البحث المتناسب مع اهمية الموضوع وخطورته. اجد ان كلا الصنفين متأثر بمواقف سياسية مسبقة ، وكليهما يركز على "دور التدين" في خلق النمط المذكور.
هناك بالطبع عناصر اخرى تذكر احيانا كتفسير لبروز الشخصية العدوانية. لكني اشعر ان المبالغة في التركيز على عنصر التدين خاصة اثمر عن تشويش فهمنا للموضوع. اني مدرك لأهمية الايديولوجيا في تحديد سلوكيات الافراد ، واثر الايمان والتدين في تبرير تلك السلوكيات وشحنها بقيمة متجاوزة للمعايير المادية والدنيوية. لكني – مع ذلك – اشك بقوة في دعوى ان التدين او الايديولوجيا هي العامل المولد للنمط الداعشي. اعلم ان منهجا دينيا محددا (السلفية المتطرفة مثلا) ارتبط بالنمط المذكور ، لكن من الضروري التساؤل: هل هذه علاقة علة بمعلول ، ام هو متغير مشروط بعامل او عوامل اخرى؟.
لو كان ارتباط علة ومعلول ، لوجب ان يترتب على كل الحالات نتيجة مماثلة. لكنا نعرف الافا من الناس يتبنون ذات المنهج وهم يعارضون النمط الداعشي. هذا يشير الى وجود عوامل اخرى. او ربما يدل على ان التدين هو عامل مساعد او متغير وليس علة. كذلك الحال في الظروف الاقتصادية التي اظنها اكثر اهمية من العامل الديني في توليد الانماط السلوكية. فالامثلة التي لدينا تؤكد انها ليست – بمفردها - علة تامة.
مرة اخرى فان الغرض من هذه التساؤلات هو دعوة الباحثين الى دراسة الظاهرة كموضوع علمي يستدعي بحثا مجردا ولو لم نصل الى نتائج قابلة للتطبيق ، وبغض النظر عن المواقف والتوجهات السياسية. 
الاقتصادية 7 اكتوبر 2014
http://www.aleqt.com/2014/10/07/article_894138.html

26/08/2014

مقدسات التغيير


لو اردنا الاعتبار بدروس التاريخ ، فسوف نعرف ان الازمات الكبرى شكلت نقطة انبعاث للمجتمعات المغلوبة ، يوم  حظيت بشجاعة التحرر من الغرائز البدائية وقيود العادة.
كان ارنولد توينبي ، وهو ابرز مؤرخي القرن العشرين ، قد اعتبر الصراع محركا رئيسيا للتحولات الحضارية وحركة التاريخ بشكل عام. الامم التي تواجه تحديات وجودية تبدع وسائل جديدة لاستيعاب التحدي ومواجهته. صنف توينبي تلك التحديات الى ثلاثة مستويات: تحد ضعيف لا يثير اهتمام المجتمع ، وتحد جارف يقوده الى الاستسلام وربما تدمير الذات ، وتحد متوسط القوة يطلق طاقة حيوية جديدة ، تقاوم عوامل الوهن والهزيمة ، فيشكل - بالتالي- نقطة انطلاق الى مسار جديد نحو التقدم والقوة.
Arnold Toynbee
ارنولد توينبي
مناسبة الكلام هو التحولات الهائلة التي تواجه العرب هذه الايام ، وتحمل في مجموعها صفة التحدي الوجودي ، على النحو الذي شرحه توينبي. كشفت هذه التحولات عن نقاط ضعف كبرى في البنية الاجتماعية/السياسية لكافة المجتمعات العربية. لكنها كشفت ايضا عن نقاط قوة عظيمة الاهمية ، لا يصح اغفالها او تهوين اهميتها. 
ويهمني في هذه الكتابة التنبيه على ما اظنه شرطا ضروريا لتحديد اتجاه "الاستجابة للتحدي". الا وهو توفر ايديولوجيا التغيير. تتألف ايديولوجيا التغيير من مجموعات مقولات ميتافيزيقية (نتبناها بها لاننا نريدها وليس بالضرورة لانها ثابتة علميا او تجريبيا). 
تتمحور هذه المقولات حول ثلاثة مباديء ينبغي رفعها الى درجة القداسة:
 واولها تعزيز الايمان باننا - كمجموع - قادرون على حل مشكلاتنا بانفسنا ، قادرون على منافسة الاخرين والتفوق عليهم ، واننا – كأفراد – قادرون على تجاوز خلافاتنا والانصهار في بوتقة فكرة قائدة ، هي فكرة التقدم.
 المبدأ الثاني: هو ثنائية المتعدد/الواحد وخلاصتها ان كل مواطن فرد ، رجلا او امرأة ، مختلف عن الاخر في عقله او فكره او تطلعاته او همومه ، وان هذا التنوع في الافكار والتعبيرات والقدرات والتطلعات يقود طبيعيا الى فتح مسارات كثيرة ، يجب تأطيرها على نحو يجعلها روافد تصب في المجرى الرئيس لنهر التغيير وتساهم في حركة التقدم. 
المبدأ الثالث يتناول موضوع التغيير ، ويتلخص في اصلاح سياسي باتجاه توسيع ومأسسة المشاركة الشعبية في  الحياة العامة ، وتحول اقتصادي باتجاه التركيز على الصناعة سيما الصناعات الاساسية والتحويلية ، وتحول اجتماعي محوره صون الحريات الشخصية والمدنية لكافة الافراد.
زبدة القول ان الازمات الهائلة التي نمر بها هذه الايام يمكن ان تعصف بوجودنا كله (وقد شهدنا بدايات هذه الكارثة في اكثر من دولة مجاورة) ، كما يمكن ان تشكل مفتاحا لعصر جديد وتاريخ مختلف ، نحقق فيه اكثر آمالنا. اعلم ان احدا لن يختار الكارثة ، لكن اختيار البديل رهن بالاستعداد لدفع ثمنه السياسي والثقافي والنفسي. ولهذا حديث آخر ربما نعود اليه لاحقا.
الاقتصادية 26 اغسطس 2014
http://www.aleqt.com/2014/08/26/article_880253.html

12/08/2014

العنف السياسي : 3 عوامل رئيسية


العنف السياسي ظاهرة اجتماعية متعددة الاشكال. لكن معظمها يرجع الى واحد من ثلاثة عوامل:
 أ) عامل سيكولوجي يظهر خصوصا عند الشباب الذين يعيشون المرحلة الانتقالية بين المراهقة والرجولة. وهي مرحلة يسودها ميل شديد لاكتشاف الذات وتحقيق الذات. فشل الشباب في تحقيق ذواتهم ضمن اطارات سليمة في البيئة المحيطة ، يجعلهم عرضة للانزلاق في سلوكيات متوترة ، تتمظهر في صورة عنف سياسي أو اجرامي.
ب) عامل اجتماعي/ اقتصادي يتلخص في عجز الفرد عن التكيف مع ظروف المعيشة المتغيرة ، مما يعزز ميله لمنازعة المجتمع الذي يحمله مسؤولية اخفاقه في مجاراة الاخرين. ويظهر هذا العامل بصورة اجلى بين المهاجرين الجدد من الريف الى المدينة ، او الذين يعيشون في بيئات فقيرة نسبيا ، على حواشي المدن غالبا.
ج) عامل ديني/سياسي يتمثل في شعور الفرد بان هويته تواجه تهديدا جديا من جانب اطراف قوية. اكثر الشباب عرضة لهذا العامل هم الملتزمون بحضور الاجتماعات الدينية التي يكثر فيها الحديث عن التهديد الغربي والمؤامرة الدولية على الاسلام.
تتفاعل هذه العوامل فيما بينها بشكل وثيق. فالذين يواجهون عسرا اقتصاديا/اجتماعيا (العامل ب) يميلون الى تصديق الدعاوى القائلة بتباعد المجتمع عن الاسلام ، ويرون في مظاهر الحياة الحديثة دليلا على ذلك. وهذا الميل يقودهم الى تقبل فكرة التهديد الخارجي للهوية (العامل ج). كما ان الشباب الذين يواجهون عسرا في المعيشة ، يشعرون اكثر من غيرهم بالعجز عن تحقيق غاياتهم وذواتهم (العامل أ). بشكل عام يمكن القول ان المتاثرين بالعامل الاول اصغر سنا من مجموعة العامل الثاني ، وهؤلاء بدورهم اصغر سنا من المجموعة الثالثة.
 الغرض من هذا الكلام هو دعوة المهتمين الى البحث عن تفسيرات علمية لظاهرة الارهاب ، وعدم الاكتفاء برجمه او ارجاعه الى عامل واحد. وبنفس المنطق ، فان المعالجة الناجحة للظاهرة تتوقف على تشخيص العامل الاكثر تأثيرا في الفرد او المجموعة المستهدفة. هذا يحتاج بطبيعة الحال الى بحوث علمية كثيرة في حقول متعددة.
خلال السنوات الخمس التي تلت الهجوم على نيويورك في سبتمبر 2001 نشر  في الولايات المتحدة نحو 11000 كتابا تحاول تفسير ظاهرة الارهاب وسبل معالجتها. اما في المملكة فلا اعرف الا عددا قليلا من الكتب حول الموضوع ، ولعل ما نشر منذ الهجوم الارهابي في 1995 حتى اليوم لا يصل الى 100 كتاب متخصص.
هناك بالتاكيد فارق كبير بين البيئة العلمية في امريكا ونظيرتها في السعودية. لكن غرضي هو تنبيه المعنيين الى ما اظنه قلة اكتراث بدراسة الظواهر الاكثر حرجا في حياتنا. وفي هذا المجال لا تجد فرقا يذكر بين القطاع الاكاديمي والرسمي. العنف السياسي ظاهرة معقدة ومتغيرة الملامح ، يستحيل فهمها مالم تتحول الى مادة جذابة للبحث العلمي .
الاقتصادية  12 اغسطس 2014
http://www.aleqt.com/2014/08/12/article_875856.html

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...