اذا اختار العراقيون رئيس حكومة غير
السيد نوري المالكي فسوف يتحول العراق الى دولة كونفدرالية بطريقة لينة نسبيا.
واذا عاد المالكي الى رئاسة الحكومة بعد تشكيل البرلمان الجديد ، او تعذر التوافق
على رئيس حكومة يحظى بالاجماع ، فسوف يتحول العراق الى دولة كونفدرالية ايضا ،
ولكن بطريقة صعبة ومؤلمة.لقد اعتدنا تعليق آثامنا على مشاجب الاخرين. الازمات المتنقلة من الصومال
الى ليبيا ومصر والسودان واليمن والعراق وسوريا ولبنان لم تستورد من خارج الحدود ،
فهي صناعة محلية بدءا واستمرارا. لعل الاغراب قد ساهموا فيها ، في مرحلة من
المراحل ، لكن اليس مستهجنا مرور السنين تلو السنين واهل البلد عاجزون عن علاج
علتهم؟. لقد مر ربع قرن على انقسام الصومال ، ولا زال الوضع على حاله ، وخسر السودان
نصفه الجنوبي بعد عقد كامل من اتفاق على تلافي مسببات الانفصال.
كذلك الامر في العراق الذي انقسم شماله – واقعيا - منذ 1991 ، وتم الاقرار
به دستوريا في 2003. وفي هذه الايام يبدو العراق متجها الى تعميق هذا الانقسام
بالتحول – دستوريا او كأمر واقع – الى دولة كونفدرالية من ثلاثة أقاليم على الاقل.
هذا المصير نفسه ينتظر سوريا وليبيا ، وربما اليمن التي يطالب كثير من سكان جنوبها
باستعادة دولتهم التي كانت مستقلة حتى نهاية الثمانينات من القرن المنصرم.
هذا ليس فعل الاجانب ، بل هو فعلنا ، او هو ثمرة عجزنا عن الفعل. ربما نتهم
اسرائيل وامريكا او نتهم ايران وتركيا ، او نتهم السعودية وقطر او غيرها او نتهم الشيطان الرجيم ، لكن لا امريكا ولا
الشيطان ولا اي احد آخر يقرر مصيرك ما لم تكن انت مستعدا لتقبل هذا المصير.
في الماضي القريب كانت الوحدة املا واغنية. وكنا جميعا نعتبر توحيد البلاد
الاسلامية او العربية غاية مقدسة واملا للخلاص. لكن الواضح اليوم ان الناس قنطوا
من الوحدة بين الدول ، والاسوأ من ذلك ان معظم العرب ما عادوا يكترثون باحتمال
انقسام بلدانهم. زعماء العراقيين السنة يطالبون باقليم خاص ، ويبدو ان اكثر
العراقيين الشيعة يتقبلون الفكرة. بعض زعماء ليبيا يطالب صراحة بتقسيمها الى ثلاث
كيانات فيدرالية ، مثلما يطالب كثير من اهل اليمن. فكرة تقسيم سوريا الى ثلاث دول
كونفدرالية او فدرالية تطرح اليوم كأحد المخارج الممكنة من الحرب الاهلية.
اتساع القناعة بالحل الانفصالي دليل على شعور بالعجز الكامل عن التشارك
والتعايش الطبيعي في وطن واحد. ما دمنا عاجزين عن التشارك ، فلنقل ذلك صراحة ،
ولنذهب نحو الانقسام اللين كي نحصر الخسائر ونصون حدا ادنى من المشتركات الضرورية
لحياة سليمة. هذا حل مؤلم لكنه اقل سوءا من المكابرة والاصرار على اعادة تجربة
الفشل بعدما سالت الدماء ودمر العمران.
الاقتصادية 24 يونيو 2014
http://www.aleqt.com/2014/06/24/article_860574.html
مقالات ذات علاقة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق