الخميس الماضي (25-2-2010) كنت استمع
لرسالة علي سالم البيض النائب السابق للرئيس اليمني بينما تتراءى لي صورة
برافاكاران ، زعيم نمور التاميل الذي قتل قبل ذلك بيومين مع عشرات من رجاله . تحدث
البيض من مدينة جنوب النمسا ، بينما تمدد جسد برافاكاران في لباسه العسكري قرب كوخ
في جفنا شمال سريلانكا.
تخلى البيض عن مقعد رئاسة
الجمهورية كي يشارك في توحيد ما كان يعرف باليمن الجنوبي وشقيقه الشمالي في العام
1990. وحدة بلد مفكك حققت حلما لجميع العرب. لكن سرعان ما انفرط العقد . عجز
الشركاء عن مواصلة الحديث حول نقاط الاختلاف انتهى الى حرب صغيرة ثم خروج قادة
الجنوب جميعا من المعادلة.
في العام 2000 اصدر الاستاذ
رياض الريس كتابا بعنوان "قضايا خاسرة" ، عرض فيه عددا من القضايا
المثيرة للاسى في عالمنا الاسلامي وحوله . القاسم المشترك بين تلك القضايا جميعا
هو كون اقلية ما طرفا فيها . قد نعرف
الاقلية من خلال وصفها المادي ، اي كونها اقل عددا ، وقد نعرفها من خلال وصفها
السياسي. ثمة اكثريات تعامل كاقلية ، وثمة اقليات لا تشعر بذلك على الاطلاق .
حين قرأت كتاب الريس ، تذكرت
انطباعاتي عن زيارتي الاخيرة لصنعاء عاصمة الوحدة في 1992 . وجدت الناس فرحين
بالوحدة فرحة البسطاء حين يحققون حلما . لكن مشاعر النخبة كانت تنضح بالقلق وربما
الارتياب. في مجلس الشيخ عبد الله الاحمر الزعيم القبلي والسياسي البارز ، وجدت
رجل دين يتحدث عن الوحدة باعتبارها انتصارا على الشيوعيين الحاكمين في الجنوب . رد
عليه صحافي شاب بان الوحدة لم تكن معركة بين الشيوعية والاسلام ، ولا بين الجنوب والشمال
، بل عقدا جمع شمل طائفتين من شعب واحد فرقته الاقدار والسياسة . ظننت لوهلة ان
الحاضرين سوف يميلون جميعا مع الصحافي الشاب ، لكن الجميع بقي صامتا قبل ان يذهب
الحديث في اتجاه اخر بعيد . صدمني اعراض الحاضرين عن مناقشة الموضوع ، سيما في تلك
الفترة المبكرة ، حين كان خبز الوحدة لا يزال ساخنا .
مساء اليوم التالي التقيت
بالمرحوم جار الله عمر ، وهو سياسي مفكر ومناضل قديم ، ينتمي اجتماعيا الى الشمال
وسياسيا الى الجنوب. وسألته عن انطباعه الشخصي عن مسار التوحيد ، فوجدته هو الاخر
قلقا . قال ان قادة في صنعاء ينظرون الى الشراكة مع الجنوب كعبء لا كفرصة. اراد
الجنوبيون شراكة كاملة في القرار السياسي المتعلق باليمن شماله وجنوبه ، بينما فكر
قادة الشمال في نظام رئاسي تتمركز فيه السلطة والقرار عند شخص واحد يختار مساعديه
من بين معارفه ورجاله الموثوقين. وزاد الطين بلة موقف التيار الديني الذي وجد في
الوحدة فرصة لتصفية التيار الماركسي الذي كان حاكما في الجنوب ثلاثة عقود ، فوجهوا
جانبا من جهدهم لاضعاف زعماء الجنوب والتشكيك في نواياهم او كفاءتهم ، وتخريب
العلاقة بينهم وبين شركائهم في حكومة صنعاء.
بعد عقد ونصف من الوحدة اجد
الهوة تتسع بين اهل الجنوب واشقائهم في الشمال ، ويتزايد شعور الجنوبيين بانهم
اصبحوا فعلا اقلية في بلد اختاروا المشاركة في صناعته وترسيخ وحدته. ليس اقلية
بالمعنى المادي – رغم انه يصدق بشكل او باخر - ، بل اقلية بالمعنى الاعتباري
والسياسي ، اي محرومين من حقهم الطبيعي والقانوني في المشاركة المتساوية في القرار
ومصادر القوة.
الرسالة التي وجهها علي سالم
البيض من منفاه في جنوب النمسا لا تشبه تماما الرسالة التي نقرأها في جسد
برافاكاران الممدد في شمال سريلانكا ، رغم ان كلا الرسالتين مليئة بذات القدر من
الاسى والحسرة . طبقا للمعطيات السياسية القائمة فان اليمن لا يسير في طريق
سريلانكا . لكن الازمنة خداعة ، فهي حبلى بما لا يرى ولا يتوقع .
هل ينتظر اليمنيون شركة
مقاولات تمهد طريقا يشبه طريق سريلانكا ، ام يعيدون النظر في مفهوم الانتصار الذي
افتخروا بانجازه. تحتاج الوحدة السياسية الى كثير من العمل كي تصبح وحدة ثقافية
وشعورية . استعراض القوة العسكرية يوحي بالغلبة اكثر مما يوحي بالمحبة. البيت
السعيد يحتاج الى عقد يوحد الارواح وليس الى اعلان بالانتصار في حرب حقيقية او
متوهمة.
1 مارس 2010
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق