ثمة حولنا ما يمكن وصفه بجيش أممي يتألف من الاف الشبان المستعدين
للهجرة من أوطانهم الى سوح القتال. من افغانستان الى لبنان ومن اواسط آسيا الى
تشاد والبلقان. انه جيش غير منظم ولا منضبط ، لا يسعى رجاله وراء الرواتب والرتب
العسكرية ، مقصدهم الوحيد مكان يتيح لهم المشاركة في الحرب.
عرفنا رجالا من الخليج قاتلوا في الشيشان والبوسنة ، وجزائريين قاتلوا
في افغانستان ، وتونسيين ذهبوا الى العراق وسوريا ، وهكذا. شهد العالم ظاهرة شبيهة
في اربعينات القرن المنصرم حين تنادى الشيوعيون للمشاركة في الحرب الاهلية
الاسبانية (1936-1939) نصرة للجمهوريين بقيادة "الجبهة الشعبية" اليسارية. كذلك الحال في السبعينات حين انضم
عشرات من الناس من دول مختلفة الى المقاومة الفلسطينية. لكن هذه مثل تلك كانت اضيق
نطاقا من الحشد الاممي الذي نشهده اليوم.
اظن ان الاف الشبان الذين تسللوا من بلدانهم للالتحاق بالجماعات
المقاتلة منذ اوائل الثمانينات ، كانوا يسعون وراء تحقيق ذواتهم من خلال القيام
بعمل ، قدروا انه يسهم في تغيير العالم. الاف مثلهم حاولوا تحقيق ذواتهم من خلال
التجارة او العلم او الدعوة الدينية او حتى من خلال المشاركة في الصراعات السياسية
السلمية ، او غيرها من الحقول. لكن اولئك الشبان على وجه التحديد رأوا في الحرب
ظرفا وحيدا لتحقيق الذات.
والمثير في الامر ان هؤلاء اشد ميلا الى الجماعات الاكثر
تطرفا ، اي الاكثر استعمالا للعنف. ثمة عشرات من الجماعات المسلحة التي توصف
احيانا بانها معتدلة ، لكن المهاجرين للحرب يتجهون عادة للجماعات المشهورة
بالتطرف. هذا يكشف ربما ان العامل المحرك لهم ليس الجهاد كموضوع ديني ولا التحرير
كموضوع سياسي ، بل الحرب ذاتها كأداة للتغيير. السلاح هو عباءة سوبرمان التي
يرتديها الانسان العادي فيمسي قادرا على قهر الغير والزامه بمشيئة المسلح او
الجماعة التي ينتمي اليها.
من يستمع لأحاديث الشباب الذين تضيق نفوسهم بأساليب الدعوة البطيئة
والحوارات الطويلة المملة والاساليب البيروقراطية التي تتبعها الحكومات ، فسوف
يكتشف دون عناء انهم يبحثون عن عصا سحرية ، يهزونها في وجه المشكلة فيولد الحل.
بالنسبة لكثير من الشباب الحالم ، فان السلاح هو العصا السحرية التي تغير الحقائق
على الارض ، وتحولهم من كائنات متسائلة معطلة او مقيدة الى شركاء في تغيير العالم.
بحث الشباب عن ذاتهم ، بحثهم عن دور في تغيير الواقع ، ليس السبب
الوحيد الذي حرك الاف المهاجرين نحو ساحات الحرب المتنقلة. لكنه – كما أظن – عامل
يستحق التأمل. لو درسناه كواحد من الاحتمالات فلربما ساعدنا في كشف نقاط ضعف في
نظامنا الاجتماعي او في سياساتنا او في نظامنا القانوني ، تشكل في مجموعها الثقب
الاسود الذي يتساقط فيه هؤلاء الشباب ، فيتحولون من قوة بناء الى مكينة قتل وتدمير
في هذا البلد او ذاك.
الشرق
الاوسط 31 ديسمبر 2014 مـ رقم العدد [13182]
http://aawsat.com/node/255216
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق