‏إظهار الرسائل ذات التسميات التعليم. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات التعليم. إظهار كافة الرسائل

23/03/2016

أسس بنكا او ضع عقلك في الدرج



حسنا فعل د. حمد العيسى وزير التعليم بعرض رؤيته العامة لاتجاهات الاصلاح في النظام التعليمي وأبرز الصعوبات التي تواجه مهمته (الحياة 20-3-2016). هذه مسألة يعتبرها السعوديون اهم قضاياهم على الاطلاق.

دار معظم النقاشات المحلية في السنوات الاخيرة حول المحتوى العلمي للمناهج وكفاءتها في الاستجابة لحاجات سوق العمل. ويهمني هنا الاشارة الى جانب آخر ، هو فلسفة العمل داخل النظام التعليمي نفسه وانعكاسه على نظيره في السوق.

خلال الثلاثين عاما الماضية زاد عدد السعوديين الذين تخرجوا من جامعات غربية او درسوا تخصصات علمية بحتة داخل المملكة عن نصف مليون. لكن مازلنا نستعين بخبراء وشركات استشارية اجنبية ومقاولين اجانب في تنفيذ معظم المشروعات الكبرى.

هذا لا يدل على ان طلابنا غير مؤهلين ، بل يؤكد ان "بيئة العمل" سلبية في التعامل معهم. نجاح الاستشاري والمقاول الاجنبي لا يرجع لكفاءة موظفيه بل كفاءة منظومة العمل. تعرفت في السنوات الاخيرة على عشرات من الشبان السعوديين ، كانوا مغمورين في وظائف ثانوية  في القطاع الحكومي او في شركات محلية ، فلما انتقلوا الى شركات اجنبية ، اصبحوا "بيضة القبان". ظهرت كفاءاتهم وقدراتهم ، وباتوا العصب الرئيس لهذه الشركات.

لطالما سألت – مازحا – اصدقائي العاملين في البنوك: متى ستملك بنكك الخاص؟. هؤلاء الشبان يديرون اعمال البنك اعلاها وادناها ، فلماذا نشعر بالحاجة الى "مشرف" امريكي او بريطاني او هولندي او فرنسي؟. هذا الكلام بعينه ينطبق على معظم مقاولي ارامكو مثلا. فالمهندس السعودي يشارك في وضع المخططات ويدير تنفيذها. فمتى سنثق بقدرته على استلام العمل كاملا؟.

في "بيئة العمل السلبية" يقتصر دور الموظف على اتباع قائمة تعليمات وضعها آخرون. هذا يساوي غالبا ان يضع عقله في الدرج حتى نهاية الدوام.

اول الطريق لتصحيح بيئة العمل ، هو تطبيق مفهوم "الشورى" ، اي النظر لمجموعة العمل كفريق مسؤول عن منظومة ، يتشارك في النقاش حول اهدافها ووسائلها وحقوق اعضائها وواجباتهم ومعايير النقد والمحاسبة على تلك الاعمال.

-         هل للمدرسة او الجامعة دور في هذا؟

اشار الوزير العيسى في مقاله الى "التلقين" كمحور لعلاقة المدرسة بالطالب. وهذا في ظني جوهر مشكلة التعليم في العالم العربي ككل. يقوم التلقين على فرضية ان الطالب عنصر سلبي منفعل ، كأس فارغ يملأه الكبار.

نحن نحتاج لتعزيز الروح الجمعية في الجيل الجديد ، لكنا نواجه حقيقة مزعجة فحواها ان قيمة الفرد غفل في ثقافتنا العامة ، نعتبر الشاب مجرد "برغي" في مكينة المجتمع ، يزرعه ويديره اخرون ، ويبقى فعله ودوره مشروطا بارادة الاخرين. هذا الفهم الاعوج سائد في علاقة المعلم بالطالب وفي علاقة المعلمين بالادارة وعلاقة المدرسة بمدير التعليم والوكيل والوزير. انها سلسلة كاملة قائمة على علاقة سلبية من الادنى للاعلى.

حين ينتقل الطالب الى العمل ، فسوف يطبق ما تربى عليه ، ما ألفه وعرفه. بعبارة اخرى فان بيئة العمل السلبية هي نتاج لفلسفة سلبية بدأت في المجتمع والمدرسة.

زبدة القول ان للتعليم العام دورا مؤثرا في تصحيح بيئة العمل ، بما يؤدي الى تمكين الشباب من الامساك بمفاصل الاقتصاد الوطني ونظام الخدمات العامة. لكن هذا مشروط بتصحيح بيئة التعليم والعمل في المدرسة وفي وزارة التعليم نفسها. لا يمكن للوزارة ان تعالج مرضا في المجتمع ما لم تبدأ باكتشافه وعلاجه في جسدها الخاص. اذا اصبحت بيئة العمل في المدرسة ايجابية تفاعلية ، فسنرى انعكاسها في السوق ، والعكس بالعكس.

الشرق الاوسط 23 مارس 2016 http://aawsat.com/node/598476

مقالات ذات صلة


أسس بنكا او ضع عقلك في الدرج

 اول العلم قصة خرافية

تطوير التعليم من الشعار إلى المشروع

التعليم كما لم نعرفه في الماضي

التمكين من خلال التعليم

حول البيئة المحفزة للابتكار

سلطة المدير

فتاة فضولية

المدرسة وصناعة العقل

معنى ان يكون التعليم العام واسع الافق

التخلي عن التلقين ليس سهلا

هوية سائلة؟

15/05/2014

اول العلم قصة خرافية



محاولتي الاولى للفخر بمناهجنا الدراسية منيت بفشل ذريع. حدث هذا قبل عقدين من الزمن تقريبا ، حين طلبت اجتماعا مع مدير مدرسة روكسبورن الابتدائية شمال غرب لندن ، حيث درس ابني. كنت قد اعددت الكثير من الكلام البليغ حول اهمية الجغرافيا والتاريخ والعلوم والقواعد ، وغيرها من الدروس التي اعرفها منذ دراستي الابتدائية. وقد سلحت خطبتي المنتظرة بما سمعته تكرارا من اصدقائي عن زملائهم الامريكان الذين لم يعرفوا اين تقع مصر ، ولم يعرفوا ان كانت سكوتلندا مثلا دولة مستقلا او جزءا من بريطانيا. كنت اظن ان معرفتنا بموقع مصر ووضعية سكوتلندا تجعلنا متقدمين على اخوتنا الامريكان.

اما سبب رغبتي في الاجتماع الى مدير المدرسة ، فهو عدم ارتياحي مما ظننته افراطا في تخصيص معظم وقت الصف للرسم وقراءة القصص وتشكيل المنحوتات الطينية. قال لي المدير انه يتفهم قلقي وانه قد عمل سابقا في دول عربية ، ويعرف انهم يهتمون كثيرا بتعليم العلوم والجغرافيا والتاريخ وقواعد اللغة الخ. وانهم كانوا يفعلون ذلك في بريطانيا قبل زمن لكنهم تخلوا عنه.
كان هذا التغيير جزء من تحول اوسع في فلسفة التعليم وادواته. خلاصة الفلسفة القديمة: العلم = معلومات كثيرة تمكن الفرد من انتخاب افضل الخيارات المتاحة. اما الفلسفة الجديدة فخلاصتها ان العلم = عقل رياضي ، قدرة على التخيل تنتج خيارات جديدة غير متوفرة سابقا.

فيما مضى كان الاعتقاد السائد ان المعلومات والمعارف الكثيرة التي يحشى بها ذهن الطفل/الطالب سوف تجعله عارفا بالحياة ، مستعدا لاي مسار دراسي. لو قرر لاحقا ان ينضم الى المسار العلمي فلديه قاعدة اولية عن العلوم. ولو قرر ان يتخذ مسارا ادبيا فلديه بدايات مناسبة. بعبارة اخرى فقد كانت المرحلة الابتدائية تمهيدا للمرحلة الثانوية وما بعدها. وكان هذا التمهيد ينصرف الى معنى محدد هو "المعلومات والقواعد الاولية لكل علم".

في فلسفة التعليم الجديدة يجري التركيز على تعزيز القدرات الذهنية. قراءة القصص والروايات غرضها توسيع خيال الطفل. الاكثر قدرة على التخيل هو الاقدر على اطلاق العقل ، وراء حدود المتعارف والمألوف ، وابتكار عوالم جديدة واحتمالات اضافية. لا تستطيع ان تبدع فكرة ، اذا كان خيالك محدودا ومحصورا في اطار المألوف والمتوفر. الابداع هو فتق لحجاب الغيب ونقل المستحيل الى دائرة الممكنات. الايمان بالغيب يعني – في احد وجوهه – الايمان بوجود عوالم وراء المشهود والمعروف ، قابلة للارتياد اذا توفرت وسائله. من لا يؤمن بالغيب فانه يبقى اسيرا لحدود العالم الذي يعرفه. ميزة المبتكرين والعلماء هو ايمانهم بالعوالم المستورة والمغيبة. وهذا ما رفعهم فوق عامة الناس ، الذين سجنوا عقولهم في المتعارف والمنقول الذي ألفه الجميع واستأنسوا به.

اخبرني مدير المدرسة ايضا انهم يخصصون جزءا كبيرا من الساعات المدرسية للفن التشكيلي ولا سيما الرسم. هذا ايضا عمل يتعلق بتعزيز العقل الرياضي. حقيقة التكنولوجيا هي التركيب المعقد لعوامل وعناصر لا تبدو مؤتلفة في الاصل. يقيم المهندس او المبتكر رابطة صحيحة بين مجموعة عناصر مادية متوفرة ، كي تؤلف عنصرا جديدا مبتكرا يؤدي وظيفة جديدة.  القدرة على ابتكار هذه الروابط تعتمد بدرجة كبيرة على الادراك العميق للمسافات والمساحات وفروق القوة بينها وكيفية ايجاد معادلات تناسب فيما بين تلك الاجزاء ، كي تتحول من كتل منفصلة الى مركب واحد متكامل الوظائف. حين نحاول رسم لوحة ، فاننا نركز على العلاقة بين الخطوط والمسافات والمساحات وتدرجات الالوان. قابلية اللوحة للتاثير في عين المشاهد هي محصلة تلك العلاقة المعقدة. وهذا هو الاساس في تركيب جهاز جديد يؤدي وظيفة محددة ، او تصميم مشروع هندسي ، او حتى تاليف فكرة جديدة غير مألوفة.
اما حديث المدير عن تشكيل الطين ، وهو ايضا من الدروس اليومية ، فقد ذكرني بما تكتبه صحافتنا دائما عن التلاؤم المفقود بين مخرجات التعليم وسوق العمل.

حين يلمس الطبيب يدك ، فانه يدرك على الفور ان كنت مريضا او معافى. وحين يلمس الجيولوجي الصخرة ، فانه يدرك طبيعة الارض التي تنتمي اليها. وحين يستعمل مبرمج الكومبيوتر برنامجا لمدة دقيقتين ، فانه سيعرف حدود فاعليته وربما عيوبه. يتجلى الفارق بين الخبراء وبين سائر الناس في النظرة الاولى. يركز الناس – عادة – على الاشكال الخارجية للمواد والاشياء. اما الخبير فيركز على عنصر محدد ، يظنه مفتاحا لفهم طبيعة المادة التي يراقبها.  ربما يستمع الى صوت المكينة ، او يتلمس الجسد ، او ينظر في اللوحة ، او ينصت الى حفيف الريح ، كي يخبرك بما لا تستطيع اكتشافه من النظرة الاولى.


تشكيل الطين يستهدف تمرين ادوات الاحساس – الاصابع مثلا – على التواصل الفائق السرعة مع العقل ، بحيث تعمل في وقت لاحق بصورة عفوية ، تستوعب ما تلمسه ، تدرك طبيعته وحجمه الخ. لكن هذا ليس الهدف الوحيد. الهدف الاخر هو تعويد الاطفال على العمل اليدوي ، الذي يبدأ لعبا ، لكنه يتطور الى تشكيل صحيح ومفيد. نعرف ان الذين اعتادوا على العمل اليدوي – الوسخ احيانا – في صغرهم وحققوا نجاحات وحصلوا على تقدير الاخرين ، سوف يواصلون هذا العمل حين يكبرون. مثل هؤلاء لا يرهبون الطبيعة ، ولا يخشون من محاولة التحكم فيها ، فقد سبق لهم ان جربوا هذا ولو في نطاق ابتدائي.

في كل مرة اصادف طفلا يكافح لحفظ احكام زكاة الابل وأمثالها ، اتذكر ذلك المدير الذكي. واتذكر ايضا ان ابني الذي درس عنده ، نجح مع ثلاثة من زملائه حين بلغوا المرحلة الثانوية ، في تصميم كاميرا ، صوروا بها فعلا ورأينا صورها ، علما بانهم لم يشتروا اي قطعة من السوق ، بل استعملوا مواد متوفرة في كل مكان ، في صناديق القمامة احيانا. صحيح ان هذه الكاميرا لن تباع ، وهي ليست قادرة على منافسة الكاميرات المتوفرة في السوق. لكن ما يهمني في حقيقة الامر هو جرأة هؤلاء الفتيان على ان يصنعوا شيئا من لاشيء ، ما يهمني هو قدرتهم على تحويل الاشياء البسيطة المهملة الى تركيب معقد يؤدي وظيفة جديدة.

اسأل نفسي دائما : اي تعليم نريد؟ تعليما يخرج اطفالا حافظين لاحكام زكاة الابل ، ام اطفالا يتجرؤون على تحويل المهملات الى مصنوعات مفيدة؟.

اميل الى اختيار الجواب الثاني. فان كنت مثلي ، فخذ طفلك الى المكتبة ودعه يشتري كل ما يراه امامه من قصص وروايات خرافية او غريبة. الخيال الواسع هو البداية الصحيحة للعقل المبدع.

نشر في مجلة احوال المعرفة التي تصدرها مكتبة الملك عبد العزيز العامة في الرياض
العدد 74 ( مايو 2014) ص ص 28-29

27/12/2006

سلطة المدير


كتب الزميل د. حمود ابو طالب (الوطن 24-12-2006) شاكيا من تخلف اساليب التعليم وقلة اهتمام المعلمين والاداريين بجوانب التربية وتطوير شخصية الطالب. واستشهد بثلاثة حوادث عومل فيها اطفال في المرحلة الابتدائية بطريقة بعيدة تماما عن المعايير التربوية. واظن ان لدى الدكتور ابو طالب ولدى غيره من الكتاب والآباء الكثير من الامثلة التي تجاري ما ذكره او تزيد. 
د. حمود ابو طالب
وذكرتني القصة المنشورة بما حدث لي شخصيا في سنوات الدراسة المبكرة حين عرضت على معلم لي ورقة كتبت عليها ابيات شعر هي اولى محاولاتي الجادة، فقد نظر الاستاذ فيها مبديا اعجابه، لكن سحنته تغيرت فجأة، فمزق الورقة ورمى بها في وجهي قائلا: «هذه موهبة لا يستحقها الا مهذب».
ومنذ ذلك اليوم هجرت دواوين الشعر وتأدبت فعلا فلم اقرأه ولا حاولت نظمه. ويبدو ان قصة تمزيق الاوراق تأبى مفارقتي، فقبل بضعة ايام عاد ولدي من المدرسة باكيا لان استاذ الرياضيات مزق ورقته امام زملائه وقال له انه ولد كسول، فلما اتصلت بالاستاذ اخبرني ان خط الولد سيئ لا يمكن قراءته وانه فعل ذلك كي يجبره على تحسين خطه. لكن هذا خلق لي مشكلة جديدة، فهذا الولد الذي كان حتى ايام قليلة مضت عاشقا للرياضيات مبرزا فيها، اصبح فجأة كارها لها معرضا عن مذاكرتها متعللا بكل علة لتجنب حضور درسها.
أقول ان هذه الامثلة واشباهها اكثر من ان تحصى، واظن ان كل اب قد شهد واحدة منها او سمع عن بعضها. ونسمع من بعض المعلمين والمعلمات قصصا اخرى عما يتعرضون له من معاملة مهينة على ايدي مديريهم وكيف تنعكس على تعاملهم مع تلاميذهم، وهي  أيضا غير قليلة.
اقترح الدكتور ابو طالب على وزارة التربية «تنظيف مرافقها من بؤر الجهل والترهل والتكلس والعقليات التي تدمر الطلاب والطالبات». وفي هذا دعوة الى فصل المعلمين والاداريين الذين اتهموا في تلك الممارسات. لكن ليسمح لي الاستاذ الفاضل فهذا الاقتراح لا يحل أية مشكلة، لانه ببساطة يقتصر على علاج العيوب التي تتحول الى مشكلات مثيرة. ونعلم ان فصل موظف حكومي ليس سهلا او متعارفا، كما نعلم ان البيروقراطية لا تحاكم نفسها فضلا عن الادانة والعقاب.
الحل الامثل في ظني يكمن في وضع وتطبيق معايير صحيحة للعملية التعليمية، واريد الاشارة خصوصا الى اربعة من تلك المعايير.
الاول هو سيادة القانون، والغرض منه منع الاداريين والمعلمين من ايقاع عقوبات او اختراع الزامات ما لم يكن لها مرجع قانوني مقبول. فالمشاهد سواء في قطاع التعليم او غيره ان كثيرا من رؤساء الدوائر يصدرون تعليمات ملزمة وتنطوي على عقوبات من دون ان تكون لهم الصلاحية التي تخولهم بذلك. هذا التصرف هو بذاته جناية تستوجب العقاب للمدير او الموظف الذي يخول نفسه ما ليس حقا له، ويجبر الاخرين على الانصياع لما اراد من دون سند قانوني.
المعيار الثاني هو ربط تطبيق القانون بحقوق الانسان، ويتضح هذا خصوصا في العقوبات التي تنطوي على حط من الكرامة الشخصية للتلميذ او تعسف في العقاب او التصرف بدافع الغضب الخ. حقوق الانسان هي قيم حاكمة على كل قانون، وهي مصونة وجارية بمقتضى النظام الاساسي للحكم الذي تصدر عنه جميع قوانين البلاد.
المعيار الثالث هو الربط بين الصلاحيات والمسؤولية. يجب ان يكون واضحا للموظفين الحكوميين بانهم يتحملون مسؤولية كاملة عن اعمالهم، بمعنى ان كل تصرف سواء استند الى قانون او استند الى تقدير شخصي، قد يستدعي تقديم تبريرات مقبولة للغير اذا تسبب في مشكلة، وان عدم قبول الاخرين لهذا التبرير يحمل الموظف تبعات تصرفه. شعور الموظف بانه مسؤول امام آباء التلاميذ فضلا عن مرجعه الوظيفي سوف يحمله على التفكير مليا قبل الاقدام على فعل يستوجب المحاسبة والعتاب او العقاب.
اخيرا فاني ادعو وزارة التربية إلى تفعيل الفكرة التي طالما طرحت وطبقت احيانا، وهي تشكيل مجالس الآباء في كل مدرسة. هذه الفكرة التي اضعها كمعيار رابع، مطروحة منذ زمن بعيد ونفذت في بعض المدارس. لكن المشكلة تكمن في افتقار هذه المجالس إلى أية صلاحية واضحة وعدم وضوح العلاقة التي تربطها بادارة المدرسة، وقد شهدت بعض هذه المجالس فوجدت مدير المدرسة مُستثقلاً منها، منشغلا بتبرير كل خطأ يذكر، معارضا أي اقتراح او فكرة جديدة، فاذا اعيته الحيلة رمى الكرة في مرمى وزارة التربية بالقول ان الميزانية لا تسمح او ان هذه تعليمات الوزارة.. الخ.
لا اريد المبالغة بمثل المطالبة بتحويل مجلس الآباء الى مجلس امناء للمدرسة، او مجلس حكام كما يسمى في أوروبا، كما لا اريد المطالبة بجعل تعيين مدير المدرسة والاشراف على ميزانيتها ضمن اختصاصات المجلس، لكن الحد الادنى هو جعل صوت المجلس مسموعا في ادارة التعليم وايجاد طريقة قانونية لجعل النقد والاقتراحات موضع اهتمام في دوائر الاشراف التربوي.
خلاصة القول ان تطوير التعليم يحتاج فعلا الى المال لكنه يحتاج ايضا الى معايير للعمل والنقد والمحاسبة من خارج المنظومة البيروقراطية، واظن ان ادخال الآباء كطرف اساسي في مراقبة العمل التعليمي سيكون خطوة هامة في هذا السبيل.
https://www.okaz.com.sa/article/70221
 عكاظ 27/ ديسمبر/2006  العدد : 2019

04/02/1996

افريقيا واحلامــها الضــائعة


اجتمع قادة الدول الافريقية في مقر منظمة الوحدة الافريقية ، التي ينطوي اسمها على حلم رومانسي ، اصبح تحققه اليوم ، اصعب كثيرا من اليوم الذي تاسست فيه هذه المنظمة .

فالقارة الافريقية التي عانت كثيرا من وطأة السيطرة الاجنبية ، اصبحت قبيل نهاية القرن العشرين ، وفي ظل النخب الوطنية ، ابعد ماتكون عن تحقيق اهداف قادة الاستقلال ، على صعيد السياسة كما على صعيد الاقتصاد.
في اوائل السبعينات الميلادية أثار أ . سيكوني جدلا واسعا بين المثقفين والسياسيين الافارقة ، حينما اصدر كتابه المسمى  افريقيا اساءت الانطلاق الى حد اعتبره بعضهم تدليلا على ان هذا المفكر المعروف بتعاطفه مع هموم العالم الثالث ، مايزال محملا بنزعة استعلائية مستمدة من انتمائه الى اوربا ، التي ينسب اليها اسباب التخلف المسيطر على الامم الافريقية .

سياسة التظاهر
والحق ان سيكوني لم يبد اي قدر من التعاطف ، وهو يوجه النقد الى المناهج والسياسات ، التي اتبعتها النخبة الافريقية ، في الفترة التي اعقبت زوال الاستعمار الاوربي المباشر ، بل انه اعتبر هذه النخبة مضللة او متواطئة ، في ابقاء اوضاع التخلف الاجتماعي والاقتصادي ، دون علاج جذري او طويل الامد

وقد نال التوجه التظاهري في السياسة والاقتصاد ، اكبر قدر من النقد في ابحاث سيكوني ، الذي لم يحظ بشهرة كبيرة رغم انه يعتبر احد الاوائل ، الذين اشاروا الى العلل الجوهرية في اقتصاديات العالم الثالث ، ولاسيما في جانب الارتباط الحرج ، بينها وبين التمويل الخارجي من جهة ، وبينها وبين السياسة من جهة اخرى .

ان قيمة ابحاثه تظهر الان بجلاء اكبر ، فقد اعتمد على تحليل اقتصاديات الدول النامية ، في الربع الثالث من القرن العشرين ، ليستنتج ان معظم الدول المعنية ، ستواجه قبل نهاية القرن اضطرابات اجتماعية وسياسية ، تطيح بمعظم ما اعتبره السياسيون في تلك المرحلة ، مكتسبات او انجازات تستحق الاشادة

تعليم يصنع التخلف
ومن ذلك على سبيل المثال السياسات التعليمية ، فبينما كانت الحكومات تعتبر التعليم الريفي ابرز مظاهر النهوض الحضاري ، فان سيكوني اعتبره مجرد قناة ، ترفد نهر البيروقراطية المدينية بالاعوان .

 ومن خلال البحث المستوعب للعلاقة بين سياسات التعليم في الريف ، وبين هجرة المتعلمين الى المدينة ، استنتج ان المدارس الريفية لاتفعل شيئا ، سوى امتصاص الطاقة البشرية من الجوهر الاقتصادي لتلك الدول ، اي الزراعة الريفية ، وراى ان  هذه الحركة  ستؤدي الى تدمير امكانات النمو الاقتصادي ، مما سيضطرها في مرحلة لاحقة الى العودة للاعتماد على المساعدات الخارجية ، على مستوى تمويل العجز ، او على مستوى العون المباشر ، الغذائي وغيره .

وخلاصة ما اراد سيكوني قوله هو ان معظم الدول الافريقية ، تستطيع النهوض اعتمادا على تطوير الاقتصاد الزراعي ،  لانها تملك الامكانات والفرص ، المادية البشرية ، التي تؤهلها للنهوض في هذا المجال .

جوهرية الريف
 وهذا يعني ان توجه الدولة جل اهتمامها الى الريف ، بل ان تعتمده كقاعدة لمشروعية عملها السياسي وشرعية بقائها ، خلافا للسياسات التي اتبعها الاستعماريون قبل ذك ، والتي تضمنت على المستوى الاقتصادي ، تعزيز اعتماد البلاد على تصدير المواد الخام ، وعلى المستوى السياسي مساعدة النخبة المدنية ، في السيطرة على خيوط السياسة والحياة العامة ، الامر الذي استتبع تهميش الريف واستثنائه ، ليس من المشاركة في صناعة السياسة الوطنية ، بل وحرمانه ايضا من نصيبه في الثروة الوطنية ، التي يشارك في توفيرها .

وفي الوقت الحاضر فان تنبؤات سيكوني وغيره من المفكرين ، الذي اهتموا منذ منتصف الستينات ، بدراسة واقع التنمية في العالم الثالث ، اصبحت اكثر قدرة على اثبات مصداقيتها ، فليس ثمة دولة افريقية ، بل ليس ثمة قطر من اقطار العالم الثالث ، الا وهو يعاني من الاضطراب الاجتماعي ، الذي لايصعب ملاحظة خلفياته الاقتصادية .

الفقر والانشقاق
ومع انه لايمكن نسبة كل تطور سلبي ، في العلاقة بين المجتمع والدولة الى خلل اقتصادي ، الا ان معظم اسباب عدم الرضى العام ، هي في حقيقتها شعور بالحرمان ، أو عجز عن تحقيق الرغبات ، ان الاكثرية الساحقة من الناس تلخص الرضا ، او تحقيق الذات ، في وجود وضع معيشي ملائم أو قابل للتطور ، وقدرة على تحقيق الامان الحياتي.
وثمة من ينكر هذه العلاقة الوثيقة بين الاقتصاد والاستقرار ، مدللا على رايه باوضاع البلدان التي تعاني من انشقاقات اجتماعية ، على رغم ما تتمتع به من اوضاع معيشية مريحة ، وهو اعتراض صحيح ، تدعمه ادلة كثيرة .
 لكن يبدو ان المعاناة الكبرى في افريقيا ، ترجع الى فشل الحكومات في تامين مستوى من المعيشة ، يليق بكرامة الاكثرية الساحقة من المواطنين .

ان الفشل على هذا الصعيد قد اثار الشك في مشروعية الدولة ، وعزز الانفصال بين النخبة والقاعدة العريضة من الشعب ، ذلك لان اكثر النخب السياسية في القارة السوداء ، لا تملك ايديولوجيا اخرى تبرر بها وجودها على راس السلطة ، سوى قيادة النهوض الاقتصادي ، او انها على الاقل لم تستطع اقناع الناس ، بان ثمة ايديولوجيا اخرى تستحق الرهان .
وفي بعض الحالات فان الانشقاق قد ارتدى ثوبا اخر ، لايوحي بان الفقر او عدم المساواة ، هو المحرك الرئيس ، لكن الذي لايشك فيه هو ان الجماعات الايديولوجية ، لم تستطع الحصول على الكثير من الأنصار المتحمسين ، خارج المناطق الفقيرة ، او التي تخضع للتمييز .

كما يمكن التاكد من ان الفقر هو السبب الرئيسي ، للانشقاق الاجتماعي الواسع النطاق ، من ملاحظة ان الدول التي تنعم بمستوى معقول من المعيشة ، تعتبر اقل عرضة للازمات الاجتماعية ، او على اقل التقادير فان الازمات التي تتعرض لها ، لاتكون خطيرة وشاملة ، بمثل ماهي عليه في البلدان التي تعاني عجزا على المستوى المعيشي ، او تمايزا شديدا بين قطاعات المجتمع .

  4 فبراير 1996  

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...