أي حديث عن الحرية في مثل مجتمعنا ، يستدعي التذكير بأنها حق أصلي لكل
انسان بما هو إنسان ، أي قبل ان يكون عضوا في جماعة ، او مؤمنا بدين ، او خاضعا
لقانون. لا بد من التذكير أيضا باننا لا نتحدث في فراغ ، بل عن الحرية في مجتمع يحترم نفسه ويحكمه
القانون. مقصودنا إذن هو الحرية التي يضمنها القانون ، وليس الحرية المضادة
للقانون.
- ما الحاجة للتذكير بهذا ، مع انه من قبيل البديهيات؟
واقع الأمر ان "الحرية"
ليست من الأمور البديهية في المجتمعات المسلمة ، بل في عامة المجتمعات التقليدية. من
المفهوم طبعا ان الحرية قيمة عليا ، وهي من المسلمات التي لا يجادل العقلاء في
ضرورتها وحاجة الانسان والجماعة اليها ، وفي كونها من أسباب
التقدم والقوة. هذا كله أمر مفهوم. لكنني –
مع ذلك – أدعي دون حرج ، ان مجتمعاتنا لا تعتبر الحرية قيمة عليا ، ولا تصنفها
بين المسلمات. وهي تقول ذلك صراحة ، او تقوله مداورة ، حين تدعي انه لا يوجد معنى
دقيق للحرية ، او حين تشدد على الربط بين الحرية والانفلات السلوكي او انتشار
الفساد الاخلاقي.
هذا يظهر غالبا حين يعيق المجتمع رغبة
الافراد في التعبير عن انفسهم بطريقة غير مألوفة ، الامر الذي يكشف عن ارتباط عضوي
بين الحرية والتمرد على حدود المجتمع وتقاليده.
التصادم بين الرغبة في الاستمرار ،
التي يعبر عنها العرف الاجتماعي ، وبين إرادة التغيير التي تعبر عنها محاولات
الافراد للتحرر من ذلك العرف ، يكشف عن منهجين مختلفين للتفكير في الحرية:
المنهج المحافظ: وينطلق من فرضية ان النظام الاجتماعي هو
الأصل ، وان سعادة الانسان رهن بالمحافظة عليه. وينصرف هذا الى معنى احترام
الاعراف والهوية المشتركة والتعريف الاجتماعي للمصلحة العامة. وفقا لهذه الرؤية
فان للفرد حقوق يستمدها من عضويته في الجماعة ، ولذا فان تمتعه بها ، ومن بينها
ممارسته لحريته ، يجب ان لا تعارض باي شكل العرف الاجتماعي او إرادة المجتمع.
اما المنهج الليبرالي: فينطلق من فرضية معاكسة ، فحواها ان الحرية حق
أصلي للإنسان ، وهي من لوازم
انسانيته وعقلانيته. في الوضع الأصلي كانت حرية الانسان مطلقة ، لكن حاجة الفرد
للعيش في المجتمع أوجبت تحديدها ، كي يستطيع كافة أعضاء المجتمع ممارسة حريتهم ، من دون تزاحم. هذا
التحديد استثناء من القاعدة او خروج عن الأصل ، فيجب تقييده بقدر الضرورة ، كي لا يتحول
الى قاعدة بذاته.
فكرة التزاحم
، ولا سيما تبريرها لتقييد الحرية الفردية ، بدت في أول الأمر بسيطة ومعقولة. لكن
تطبيقاتها العديدة كشفت عن تعقيد غير متوقع. كان جون ستيوارت ميل بين أوائل
الفلاسفة الذين تنبهوا للحاجة الى معيار للفصل في تنازع الارادات بين الافراد ، أو
بينها وبين اعراف المجتمع ومصالحه ، فوضع قاعدة اشتهرت فيما بعد باسم مبدأ ميل او
مبدأ الضرر.
صنف ستيوارت
ميل الأفعال الى نوعين: فعل يتعلق أثره بالفاعل دون غيره ، مثل التدين او الالحاد
، العمل او ترك العمل ، فهذه وامثالها أفعال لا ترضي بعض الناس ، لكنها لا تضر أحدا
غير الفاعل. اما النوع الثاني فهو الأفعال التي تترك ضررا جسيما على الآخرين ، كالدعوة
لكراهية الملونين او اتباع الاديان الاخرى. راى ميل ان الحال الأول لا يبرر
للمجتمع ردع الفاعل ، حتى لو كان فعله مناقضا لاعراف الجماعة او ارادتها. بخلاف
الحالة الثانية التي يعتبر فعل الفرد فيه (التحريض على الكراهية) نوعا من العدوان
، فلا يمكن تبريره بحرية التعبير.
الشرق الأوسط الأربعاء
- 3 شهر ربيع الأول 1444 هـ - 28 سبتمبر 2022 مـ رقم العدد [16010]
https://aawsat.com/node/3899176/
تحكيم القانون
وليس التعويل على الاخلاق
جدل الدولة
المدنية ، ام جدل الحرية
الحريات العامة
كوسيلة لتفكيك ايديولوجيا الارهاب
الحرية ، دراسة
في المفهوم والاشكاليات -دراسة
موسعة
الحرية التي
يحميها القانون والحرية التي يحددها القانون
الحرية المنضبطة
والشرعية: مفهوم الحرية في مجتمع تقليدي...
حقوق الانسان :
قراءة معاصرة لتراث قديم
الخبز الحافي
والحرية المستحيلة
السعادة الجبرية:
البس ثوبنا أو انتظر رصاصنا
العلاقة الجدلية
بين الحرية ورضا العامة
عن الليبرالية
وتوق الانسان للتحرر: اجابات
كيف يضمن القانون
حرية المواطن ؟
معنى ان تكون حرا
، اراء قديمة وجديدة