"النهضة حزب سياسي
ديمقراطي مدني مرجعيته قيم حضارية اسلامية وحداثية...نحن مسلمون ديمقراطيون ولم
نعد جزء من الإسلام السياسي".
بهذه الجملة المحددة أعلن
راشد الغنوشي ، زعيم حزب النهضة التونسي ، نهاية لتاريخ طويل من الالتباس الثقافي
والسياسي ، نعتقد انه سبب رئيس للفوضى العارمة في السياسة العربية المعاصرة.
كشفت تجربة العقد الماضي عن
فشل ذريع للتيار الديني في التعامل مع التحولات العميقة في عالم اليوم. يرجع هذا
الفشل الى ثلاثة عوامل رئيسية ، هي أ) عجز التيار عن التحرر من جلباب التاريخ. ب)
انزلاقه في الصراع الهوياتي. وتبعا لهذا توهم امتلاك الدين وتمثيله الحصري. ج)
اخفاقه في تحديد الشريحة الاجتماعية التي يخاطبها ، الامر الذي شتت خطابه بين
الهموم والانشغالات المتباينة للطبقات الاجتماعية.
يتلخص العامل الأول في سؤال:
ماهي المرجعية الفكرية والقيمية التي نستمد منها الحلول الضرورية لمشكلات المجتمع
والدولة المعاصرة ، هل هي تراث الفقهاء السابقين ام اجتهادات البشر المعاصرين.
ويتلخص العامل الثاني في سؤال: ماهي العلة الجوهرية لتخلف المسلمين عن ركب الحضارة
، هل هي تآمر الغرب ، ام الانقسامات الداخلية ، ام فشلنا في الاجابة الصحيحة عن
السؤال الاول. اما العامل الثالث فيلخصه سؤال: ما هي الطبقة الاجتماعية التي يريد الاسلاميون
تمثيل مصالحها كي تحمل – في المقابل – مشروعهم السياسي. نعلم ان لكل شريحة هموم
وانشغالات وتطلعات مختلفة ، تشكل كل منها أرضية لثقافة ومتبنيات خاصة ، بل – في
معظم الاحيان – متعارضة مع نظيرتها في الطبقات الاخرى. فمن من هذه الطبقات هو
المستهدف الرئيس بالخطاب السياسي للتيار الديني.
كانت تلك الاسئلة هي محاور
الجدل التي قادت لانقسام حزب الرفاه التركي ، وقيام حزب العدالة والتنمية. لحظة
قيام هذا الحزب قرر قادته تبني ايديولوجيا الدولة الحديثة بمرجعيتها القيمية
والثقافية. قرر ان الشراكة مع الغرب هي الحل التاريخي لمشكلات التخلف ، وليس مصارعته
، وان الطبقة الوسطى المدينية هي حامل المشروع السياسي للحزب ، رغم انها –
بالمعايير التقليدية – اقل تدينا من الطبقات الدنيا ، سيما الريفية.
حقق حزب العدالة نجاحات
متوالية على مستوى الاقتصاد وتعزيز الهوية الوطنية والسياسة الخارجية ، وقدم
للاتراك نموذجا لم يعرفوه منذ قيام جمهورية اتاتورك. يستند حزب العدالة الى فلسفة
بسيطة: ان الحزب السياسي هيئة متخصصة في السياسة العامة ، يلتزم بالقيم الاساسية
في الدين ، لكنه لا يستعمل الدين في السياسة ، ولا يستعمل السياسة في الدعوة.
قبل عشرين عاما تحدث راشد
الغنوشي عن مسار مماثل. لكنه أراد الوصول اليه عبر المسار التقليدي ، أي إعادة
تفسير التراث القديم. يبدو الآن انه مقتنع باستحالة إحياء الموتى. وان تجديد
الفكرة الدينية مستحيل دون التحرر من جلباب التاريخ. هذا يعني التحرر من قلق
الهوية ، الاتجاه للشراكة مع العالم وليس مصارعته.
المؤكد ان هذا التحول لن يمر
دون خسائر. الشريحة التي تطمئن عادة للتقاليد الموروثة ستخرج من دائرة تاثير حزب
النهضة ، وستفرز قادتها وتيارها الخاص. لكن من المرجح ان يزداد نفوذ الحزب بين
الطبقة الوسطى المدينية. الأهم من هذا وذاك ان مجموعات كثيرة في العالم العربي سوف
تجد في نفسها الشجاعة للسير في ذات الطريق. تحول حزب النهضة لن تنحصر انعكاساته في
تونس. التيارات الدينية ، سيما الاخوان المسلمون ستشهد جدالات شديدة وانقسامات ،
وسنرى نسخا من حزب النهضة الجديد في اكثر من قطر عربي.
الشرق الاوسط 25 مايو 2016 http://aawsat.com/node/648346
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق