وراءنا عشرون عاما من التجربة مع النظام الاساسي للحكم ونظامي مجلس الشورى والمناطق. يقرر الفقه الدستوري ان الهدف الاعلى
للنظام الاساسي هو ارساء علاقة قانونية بين المجتمع والدولة ، كبديل للعلاقة
الشخصية. ويهدف نظام المناطق للتخلص من المركزية الادارية التي وسمت ظرف الانتقال
من المرحلة التقليدية الى الاقتصاد الحديث. اما نظام مجلس الشورى فهو اشبه بمعالجة
تجريبية لمبدأ الشراكة، يفترض ان تقود الى نظام نيابي تمثيلي.
مجلس الشورى السعودي |
طبقت هذه التجربة في ظروف شهدت تحولات
عظيمة في النظام الاجتماعي والثقافة والاقتصاد ، في المملكة ومحيطها ، وفي العالم
بمجمله. بعد عقدين من الزمن نستطيع القول ان نقاط القوة والضعف في الانظمة الثلاثة
اصبحت واضحة. في سبتمبر 1993 اخبرنا الملك فهد رحمه الله ان الانظمة الثلاثة خطوة
اولى وليست نهاية المطاف : "نساير التطور الاجتماعي ونصعد السلم درجة
درجة". وافترض ان كثيرا من رجال النخبة السياسية يضعون في اعتبارهم الحاجة
الى مراجعة هذه التجربة وتطويرها.
فيما يتعلق بالنظام الاساسي، فاننا بحاجة
الى التوسع في النص على الحريات العامة والحقوق المدنية والادوات القانونية
اللازمة لضمانها. كما اننا بحاجة للتاكيد على سيادة القانون وخضوع الجميع - كبار موظفي
الدولة مثل عامة المواطنين - للقانون في تعاملاتهم والعلاقة بينهم.
وفيما يتعلق بنظام المناطق ، فان هدفه
المحوري ، اي اقامة نظام لامركزي ، لم يتحقق على النحو المطلوب. لازالت امور البلد
كلها تقريبا تدار من العاصمة ، في وقت يتجه العالم كله للتخلص من الادارة
المركزية.
يجب القول ان مفهوم اللامركزية لم يعد منصرفا
الى المعنى الجغرافي كما كان الامر حين صدر النظام في 1992. الانتشار الواسع
لانظمة الاتصال الالي ابرزت مفهوما بديلا ، يركز على التعامل المعياري مع القضايا
والطلبات ، بدل التعامل الشخصي الذي هو ابرز صفات النظام المركزي. من هذه الزاوية
، يتقاطع مبدأ اللامركزية مع مبدئين اخرين مهمين هما سيادة القانون وفصل السلطات ،
وتشكل المباديء الثلاثة منظومة واحدة متفاعلة.
اما التطوير المطلوب في نظام مجلس الشورى،
فجوهره هو التحول من هيئة استشارية الى مجلس يمثل الراي العام ومصالح الجمهور. هذا
يقتضي ان يأتي اعضاؤه من خلال انتخابات عامة ، وان يتمتع بصلاحيات اوسع واعمق لا
سيما في مجالي التشريع والمحاسبة.
نفهم ان النخبة السياسية تسعى لتحديث
انظمة الخدمة العامة وتحسين كفاءة الادارة الرسمية. لكن تجربة العالم تخبرنا ان
قدرة القيادة على تحديث تلك الانظمة مقصورة على المراحل الابتدائية فقط. اما
المراحل المتقدمة فهي تتطلب اشراك الراي العام بصورة فعالة ، من خلال ممثلين
منتخبين. من هذه الزاوية فان تمثيل الشعب في جهاز الدولة سوف يريح النظام السياسي
من اعباء مرهقة ، وسوف يفسح مجالا رحبا للمجتمع كي يشارك في صياغة حياته وعلاقته
مع الدولة.
تفصلنا اسابيع قليلة عن نهاية الدورة
الحالية لمجلس الشورى. واظن ان الوقت ملائم للاقدام على الخطوة المفصلية التالية ،
اي تطوير الانظمة الثلاثة واعادة تشكيل مجلس الشورى عن طريق الانتخابات العامة.
الاقتصادية 30 اكتوبر 2012
http://www.aleqt.com/2012/10/30/article_705573.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق