سواء كنت تحب المواطن الاخر
او تبغضه فان رايك فيه لا يؤثر على وصفه كمواطن يتساوى معك في الحقوق والواجبات.
المواطن الاخر شريك لك في الوطن ، ويجب ان يتمتع – اخلاقيا وقانونيا – بنفس الحقوق
التي تدعيها لنفسك ، كما يتحمل نفس الواجبات التي تطلب منك بمقتضى عضويتك في
الجماعة الوطنية. صحيح ان الناس قادرون على اختيار اوطانهم ، لكنهم غير قادرين على
سلب غيرهم وطنيته وحصته في وطنه. الوطن شراكة بين افراد احرار متساوين في الحقوق
والواجبات . لا يستطيع احدهم افتراض حق لنفسه يزيد عن الاخرين الا بموافقتهم .
القاعدة العامة ان جميع اعضاء الجماعة لهم شريحة من الحقوق هي الحد الادنى الذي لا
يمكن سلبه ولا حجبه ولا اختصاره باي مبرر او قانون.
الوطن ليس احتشادا لبشر في
رقعة جغرافية . بل هو منظومة قانونية – اخلاقية جرت صياغتها على نحو عقلاني ومقصود وفق فلسفة خاصة وقواعد عمل
محددة . ومن هنا فان العلاقة بين المواطنين ضمن المجتمع السياسي الواحد ليست عفوية
ولا هي تطور طبيعي عن علاقات عضوية مثل العائلة. وهي ليست من نوع العلاقات
الطبيعية التي تقوم على اساس وحدة الدم مثل العائلة والقبيلة ، وليست من نوع
العلاقات التجارية المؤقتة التي تقوم على اساس التبادل المالي مثل المنظمات التجارية
، كما انها لا تدور حول مصلحة محددة كما هو الحال في منظمات الاعمال ومجموعات
المصالح والاتحادات النقابية .
قامت فكرة الوطن على قاعدة
الشراكة الابدية في الارض والموارد الطبيعية والمتجددة . ووضع القانون لتحديد
طبيعة هذه الشراكة ومعناها وكيفية الاستعمال الامثل للارض والتوزيع العادل للموارد
، وصيغة العلاقة المناسبة بين المواطنين ، كي يحصل جميع اعضاء الجماعة على حقهم
كاملا ، يتساوى في ذلك الصغير مع الكبير ، الوضيع مع الرفيع ، والبعيد مع القريب .
الهوية الوطنية التي نسميها
اختصارا بالمواطنة هي المعيار الوحيد للعلاقة بين المواطنين ، مهما اختلفت اصولهم
والوانهم وثقافاتهم ومتبنياتهم العقيدية والحياتية . ربما اجد نفسي خيرا من جاري ،
وربما ترتاح نفسي لابن قريتي ولا ترتاح لابن القرية الاخرى . ربما افضل الناس من
شريحة خاصة على من ينتمون الى شرائح اخرى . ربما اتبنى عقيدة او مذهبا او
ايديولوجيا تعتبر اهلها ارقى من غيرهم او اقرب الى الصلاح ، وربما تحصر الخير فيهم
دون غيرهم . لكن هذه الاعتبارات كلها متبنيات شخصية ، هي حق للفرد ، لكنها لا تصلح
اساسا لتحديد طبيعة العلاقة بين المواطنين ، ولا تصلح لتبرير حجب الحقوق عن شريحة
معينة . فالعلاقة بينك وبينهم قائمة في اطار اخر ، على ارضية اخرى ، وتحكمها
منظومة قواعد وقيم مختلفة .
حين نقبل بحمل الهوية
الوطنية ، فاننا نقر – ضمنيا – بمنظومة القيم والقواعد التي تنطوي عليها فكرة
الشراكة القائمة على تكافؤ القيمة بين اعضاء الجماعة ، وتساويهم في الحقوق
والواجبات ، وكون القانون حاكما على العلاقة بين كل منهم والاخر. لا يستطيع احد
مهما علا كعبه ومهما وجد في نفسه من ميزة على غيره ، ان يقبل بحمل هوية الوطن ثم
يقرر لنفسه حقوقا فوق الاخرين . وسواء كان لديه مبررات ، او عرض ادلة ، او استعان
بالقوة او ببليغ الكلام ، فانه لا يستطيع تجاوز حصته التي تماثل حصة كل فرد آخر.
من اجل صيانة علاقة
التكافؤ والمساواة في الحقوق والواجبات ، وضعت القوانين التي توضح حدود العلاقة
بين الافرد ، وتسمي الانتهاكات التي ربما يمارسها بعضهم على غيره ، والوسائل
المتبعة لتصحيح ما ترتب على تلك الانتهاكات من فساد . تتعزز المواطنة برسوخ سيادة
القانون ويتسع الفساد والبغي اذا ضعف القانون او فقد هيبته او قل الاهتمام بتطبيقه
. ولهذا السبب اتفق علماء السياسة قاطبة على ان سيادة القانون وتطبيقه على نحو
واحد ، على الجميع من دون تمييز ، هي الخطوة الاولى لصيانة النسيج الوطني وترسيخ
المواطنة ، وبسط العدالة في توزيع الموارد ، وكبح البغي والظلم .