نبه وزير بحريني الفعاليات
السياسية الاهلية ، إلى ان القانون يمنع تشكيل الاحزاب ، وان الحديث باسم أي
مجموعة سياسية غير مرخصة ، يعرض للمساءلة القانونية . ولا يشير الدستور البحريني
إلى المنظمات السياسية ، لكنه يسمح بتشكيل النقابات والاتحادات المهنية والنوادي
الثقافية والاجتماعية .
وجاء هذا التحذير على خلفية
النقاشات التي تدور في المحافل الاجتماعية حول التعديلات الدستورية التي اقترحها
الامير ، والوقت الذي سوف يشهد عودة الحياة النيابية. ويقول سياسيون ومراقبون ان
نشاط المجموعات السياسية يبدو كنوع من التمهيد لحملات انتخابية ، رغم ان الحكومة
لم تقل ابدا انها على وشك تنظيم انتخابات نيابية .
وكان امير البحرين قد كلف لجنة
خاصة ، بصياغة التعديلات الدستورية ، التي يفترض ان تمهد لعودة المجلس النيابي
وتفعيل الدستور . إلا ان العودة الفعلية للوضع الدستوري ما تزال رهينة الموعد
التقريبي الذي اقترحه ولي العهد في فبراير الماضي ، حين قدر المرحلة الانتقالية
بثلاث سنوات.
ولوحظ ان عضوية اللجنة لم
تتسع لممثلين عن الاهالي ، فقد اقتصرت على اربعة من اعضاء العائلة الحاكمة ووزيرين
، وهو الامر الذي اثار النقد في الوسط الاجتماعي ، لكن الجانب الاهم في الموضوع ان
استبعاد هؤلاء ، قد دفع بهم إلى التعبير عن ارائهم في المحافل الاهلية ، وفي هذه
الحالة فان المتحدثين قد حرصوا على التذكير بان اراءهم تعبر ليس فقط عن اشخاصهم ،
بل عن مجموعات سياسية معروفة أو حديثة التشكل .
وتوجد في البحرين خمسة احزاب
سياسية على الاقل ، ويتوقع ان يوفر الانفتاح الحالي فرصة لظهور مجموعات أخرى أو
تحالفات بين فاعليات غير حزبية ، وهو امر يقلق الحكومة ، لكنه يبدو امرا لا مناص
منه ، فالبحرين ليست استثناء من عالمها ، فكل دولة خليجية فيها تشكلات حزبية
وسياسية صغيرة أو كبيرة ، لا يسمح بها القانون السائد ، لكنها موجودة ونشطة على
المستوى الاهلي .
واجد ان الممانعة الرسمية من
تشكيل الاحزاب لا مبرر لها ، وهذا صحيح ايضا بالنسبة للكويت التي يمنع قانونها
تشكيل الاحزاب السياسية ، والواضح ان هذا التقييد يستهدف حصر العمل السياسي في
دوائر الدولة ، ومنعه خارجها ، وهذا يستبطن فكرة انكار حق الشعب في ممارسة السياسة
، ولا سيما الاطلاع على امور البلاد العامة ومراقبة العمل الحكومي ، ذلك ان الحزب
السياسي هو الوسيلة الوحيدة التي تمكن المواطن العادي من معرفة ما يجري ومقارنته
بالبدائل ، ثم تحويل رأيه من مجرد فكرة إلى موقف جماعي .
وثمة اتفاق بين دارسي العلوم
السياسية على ان وجود المؤسسات والمجموعات السياسية غير الحكومية ، ومشاركتها في
الحياة العامة ، شرط ضروري لتمامية تمثيل الحكومة للمجتمع ، وبالتالي تمتعها
بالشرعية ، وفي هذا الجانب فان دعم المجموعات يعتبر اكثر اهمية وتحقيقا لشرط
الشرعية السياسية ، من دعم الافراد .
وخارج هذا الاطار ، فان
استقرار البلاد ، ولا سيما في هذا الظرف الخاص الذي تعيشه اقطار الخليج ، يحتاج
بصورة تامة إلى توافق بين مختلف الاطراف الاجتماعية على ترسيخ السلام الاجتماعي ،
واستبعاد دواعي الفرقة والتنافر ، وصولا إلى احتواء واخماد مسببات التوتر الامني ،
وتحقيق هذا المطلب مرهون باقتناع جميع الاطراف بكونها شريكا كاملا في الحياة
السياسية وصناعة القرار ، ان استبعاد أي طرف هو مبرر كاف لتحلله من أي التزام تجاه
الاطراف الأخرى ، ولا سيما الحكومة التي تتهم - عادة - باتباع سياسة العزل
والاستبعاد .
إذا لم يتوفر الاطار
القانوني لممارسة العمل السياسي والحزبي العلني ، فان الاحزاب ستعمل من خلال
النوادي الرياضية والجمعيات المهنية والهيئات الاجتماعية الأخرى التي ظاهرها غير
سياسي ، واذا ضيقت الحكومة الخناق على هذه المؤسسات فان السياسة ستنتقل إلى
المحافل السرية ، وهي ستكون موجودة وفاعلة ، حتى لو اقامت الحكومة شرطيا على راس
كل شارع ، وفي كل الاحوال فان هذا النشاط سيبقى مؤثرا ، لكن اهدافه وتعبيراته سوف
تعكس التوجهات الرسمية ، فاللين الرسمي يولد لينا مقابلا ، وميلا إلى المهادنة
والتفاهم ، بينما يشجع التشدد الرسمي ، الميل إلى التطرف في المواقف والاراء عند
الجمهور .
السماح بالعمل الحزبي
والسياسي العلني ، يجعل الاوراق كلها مكشوفة ، بينما تؤدي المراقبة والمنع إلى
اتباع وسائل التكتم ، وهو ما يعزز ميول الارتياب والقلق ، ومن الخير لمجتمعاتنا ،
ان تكون اوراقنا مكشوفة ، وان يعمل الجميع في امان ، وان نتحمل وجود رأي مخالف ،
في صغير القضايا وكبيرها .
كثرة الآراء والافكار ، وان
بدت دليلا على الاختلاف ، إلا انها في المحصلة ، دليل على الاطمئنان ، وسبيل إلى
تعزيز التوافق والاجماع ، وهي ايضا وسيلة مثلى لرفع الحرج عن الحكومة حينما تحتاج
الى اتخاذ القرارات الصعبة .
22 مارس 2001