14/08/2019

كي لايكون النص ضدا للعقل



افكر احيانا ان الجدل المعاصر حول القيمة النسبية لكل من العقل والنص في تكوين الفكر الديني ، يرجع جزئيا على الاقل ، الى مشكلة أخرى يشار اليها ولا يصرح بها ، اعني بها الحاجة للفصل بين الافكار والاشخاص ، وتوليف منظومة فكرية وقانونية واخلاقية تعتمد على استدلال معياري ، وليس على النسبة الى اشخاص بعينهم.

الدافع لاثارة المسألة هو ان الاستدلال بآراء علماء الدين المتقدمين والمتأخرين ، تحول الى تمهيد ضمني لمنع مجادلة آرائهم أو نقد منهجهم في الاستدلال. ويبدو ان مقاومة النقد قد جرى تمديده الى كل شخص او فكرة او موقف له علاقة بالدين ، ولو على سبيل الظن والاحتمال ، بل حتى لو كان من العادات أو عرضيات الشريعة ومتغيراتها.

واحدث الشواهد ما حدث في عيد الاضحى ، فقد تحدث احد الخطباء بمدينة جدة /السعودية عن عمل النساء واعتبره نوعا من السقوط. وزارة الشؤون الاسلامية تبرأت من الخطيب وخطبته. لكن عشرات الناس نصبوا انفسهم مدافعين عنه وعما قال ، لأنهم رأوا فيه دفاعا عن سنة جارية ، يسندها اجماع العلماء في العصور الماضية.

والحق ان الجدل حول عمل النساء لا موضوع له أصلا. لأن العمل بذاته من الفضائل التي حث عليها الشارع المقدس. ولم يرد تمييز بين العاملين على اساس جنسي ، عدا ما نقل عن فقهاء من آراء يرجح انها متأثرة بالظرف الاجتماعي الذي كانوا يعيشونه ، أي انها آراء في قضايا وليست حقائق شرعية قائمة بذاتها.


بيان ذلك ان الاحكام الشرعية نوعان: أحكام عامة تتناول فعلا او حالة غير مقيدين بظرف بعينه ، وتسمى هذه بالقضايا الحقيقية ، كشرب الخمر او اكل الخنزير مثلا ، فهذه حرام بذاتها في اي ظرف.
اما النوع الثاني ويعرف بالقضايا الخارجية ، فيضم الاحكام المشروطة بظرف خاص. وهي تتغير بحسب الظرف الزماني والمكاني. ومنها مثلا غالبية الاحكام المتعلقة بالمال والتجارة ، والعقوبات التعزيرية ، وأمثالها من الاحكام التي تستهدف مصالح عامة ، تتغير تبعا لتغير الظروف الاقتصادية و السياسية.  
ان ما نقله خطيب يوم العيد من نصوص وآراء فقهية ، لا يخرج اي منها عن دائرة النوع الثاني ، اي الاحكام والاراء التي قيلت في ظرف محدد ، تحت تأثير عوامل خاصة ، فلا يصح تمديدها الى ما يجاوز هذا الاطار.
بالنسبة لمن ألف التراث الفقهي فان "اسماء" الفقهاء الذين تبنوا فكرة ما ، تعتبر إمارة على  سلامة الفكرة ، ولو كانت – بمقاييس هذا الزمان – غير معقولة ، مثل ذلك الواعظ الذي زعم ان الارض تقف على قرن ثور ، لأن قولا كهذا روي عن علي بن أبي طالب. ومثله الذي اعتبر خروج المرأة للعمل سببا للزلازل والخسوف والكسوف ، لأن فقيها معروفا نسب هذا الرأي الى رواية عن النبي (ص).
زبدة القول اننا بحاجة الى فك هذا الترابط غير الضروري ، بين الرأي العلمي في الدين وبين قائله ، سواء كان نصا او حكما في مسألة. اما الغرض من هذه الدعوة فهو التوصل الى تقييم لمضمون الآراء ، بناء على معايير علمية يقبلها عامة العقلاء ، وليس بناء على اسم القائل. ان الاصرار على ان صحة الراي مبنية على نسبته الى فلان او علان ، يضعنا في حرج حين يتعلق الأمر باراء غير معقولة ، او جارحة لمشاعر العقلاء ، كما حصل في خطبة العيد المذكورة.

07/08/2019

من الظن الى اليقين ، ثلاثة مستويات للمعرفة

أكتب هذه السطور تعقيبا على سؤال للزميل مسلم الصحاف ، حول مقدار الحقيقة في اخبار الصحف. وأفهم ان مقصود السائل هو "صدقية الاخبار". لكنه استعمل كلمة "الحقيقة" فبدا لي غريبا نوعا ما. وسرعان ما ثبت صدق ظني ، فقد اجابه عدد من قرائه ، اجابات توحي بانهم يخلطون بين مفاهيم "الحق" و"الحقيقة" و"الواقع" و"الصحيح"، مع ان معانيها مختلفة. 

وأذكر للمناسبة نقاشا موسعا حول موضوع مماثل ، بيني وبين الاستاذ عدنان عيدان ، وهو خبير في حوسبة اللغة العربية ، ولاسيما استخداماتها في التعليم. وقد
عدنان عيدان
أخبرني ان كثيرا من نقاشات الشباب العربي ، تنقلب الى جدالات عقيمة او حتى نزاعات ، لانهم لا يميزون بين المحمولات المختلفة للتعابير والمصطلحات. وان السبب الجوهري في هذا ، هو ضعف مخزونهم اللغوي. وحسب اعتقاد الاستاذ عيدان ، فان خريج الجامعة يجب ان يكون قادرا على تقديم حديث لمدة لاتقل عن نصف ساعة ، من دون تكرار اي كلمة او وضعها في غير سياقها الصحيح. وأعلم ان 90% من شبابنا لا يقدرون على هذا.
وبالعودة الى نقاش الزميل الصحاف ، فقد اتضح من ردود المتداخلين ، بانهم ظنوا ان السائل يقصد الحقيقة الكاملة التي لايختلف عليها اثنان. وبعضهم قال ان الحق قصر على الشريعة المقدسة. والواضح ان المعنى الذي أراده هو الحق "النظري" المقابل للباطل. وقال آخرون ان الخبر الصحيح هو ماتراه بعينك لا ماتقرأ عنه. أي انه يماهي بين الحق والواقع. فالذي تراه بعينك هو الاشياء المادية الواقعية ، وليس الحق المجرد او الذهني او النظري.
وبدا لي ان هذا الخلط يجعل نقاشاتنا قليلة الفائدة ، نظرا لاختلاف المعاني المنعكسة في ذهن القاريء ، عن تلك التي يقصدها الكاتب. لذا وجدت من المفيد تقديم تصور أولي ، يوضح الفارق بين الاشياء التي نراها في العالم الواقعي ، والاشياء التي نصنعها في داخل أذهاننا ، وكلاهما نظنه حقيقة او وصفا للحقيقة. وهو قد يكون مجرد انطباع او تصور غير محايد.
سوف اترك تفصيل هذه المسألة لكتابات قادمة. لكني أود الآن التاكيد على الفارق بين ثلاثة مستويات للمعرفة ، هي الظن والعلم واليقين. ويشكل الاول (الظن) تسعة اعشار المعارف التي يحملها كل منا في ذهنه. وهو يعتمد عليها في التواصل مع عالمه. لكونها مفتاحا للمرحلة الثانية أي العلم. الانطباع الاولي عن الاشياء والشك والتفكير غير المكتمل ، والاحتمال والتخيل ، كلها تنتمي الى المستوى الاولي.
اما الثاني (العلم) فهو المعرفة المدعومة بدليل معياري ، يمكن التحقق منه بواسطة أي شخص. ان الاكثرية الساحقة من الناس لايستطيعون البحث عن الادلة او لا يرغبون فيه. لذا فان علمهم محدود بمجال اختصاصهم ، حتى لو حازوا قدرا من المعرفة في مجالات اخرى.
المستوى الثالث (اليقين) وهو المعرفة التي تحوزها من دون دليل علمي. قد تتوصل اليها بأدلة شخصية (غير معيارية) او من دون دليل اصلا. لكنها لا تتوقف على الدليل العلمي وليست مشروطة به. وهي ما نسميه بالميتافيزيقا (ماوراء الطبيعة) او الايديولوجيا. كل الناس لديهم قناعات من هذا النوع ، دينية او غير دينية.
اني أعرض هذه المستويات الثلاثة كي أدعو القراء لتحاشي الخلط بينها. فكل منها له طريقة في الاستدلال ، بل وحتى مستوى من الشحن المعنوي في الكلمات. سوف اعود للموضوع في وقت آخر. لكني اظن ان هذا كاف لتوضيح الفكرة.
الشرق الاوسط الأربعاء - 5 ذو الحجة 1440 هـ - 07 أغسطس 2019 مـ رقم العدد [14862]

31/07/2019

العلمانية الطبيعية: استقلال العلوم


كان العلامة ابن خلدون (ت-1406م) فقيها وقاضيا وعالم اجتماع ومؤرخا. وكان ابن رشد (ت-1198م) فيلسوفا وطبيبا وفقيها. وكان ابو الريحان البيروني رياضيا وجيولوجيا وفقيها. تستطيع ان تضيف أيضا ابن سينا والفارابي وابن الهيثم وابن بطوطة والادريسي ، وعشرات أمثالهم جمعوا بين علوم الشريعة وعلوم الطبيعة او العلوم النظرية والتجريبية.

بعض الناس يرون هذا دليلا على براعة الأسلاف. لكن لو كان ابن خلدون معنا اليوم او كان ابن سينا او البيروني احياء في هذا الزمان ، فلن يواصلوا - على الارجح – اهتماماتهم المتعددة. وسيكرسون انفسهم لواحد من تلك العلوم او لبعض منه.

يندر ان ترى في أيامنا هذه ، عالما يجمع العلوم المذكورة ، فيكون طبيبا وفقيها ، او جيولوجيا وقاضيا او عالم اجتماع ومفسرا. لا يرجع السبب الى كسل المعاصرين ، بل لاتجاه العلوم بشكل متزايد نحو التخصص ، منهجا وموضوعا. بل استطيع القول ان بوادر هذا الميل كانت ملحوظة حتى في ذلك الزمان ، واحتمل ان علماء القرن العاشر والحادي عشر الميلادي ، كانوا اكثر ميلا الى التخصص من اسلافهم. لكن الاتجاه ككل لم يكن ملحا كحاله اليوم.

 الميل القسري للتخصص انعكس على كافة العلوم ، بما فيها علوم الشريعة نفسها. لهذا لا تجد اليوم من يجمع بين العلوم المرتبطة مباشرة بالنص الديني ، كالألسنية والتفسير ، او علم الحديث والتاريخ. كما يندر ان تجد عالما متبحرا في أصول الفقه ، وهو متبحر بالقدر نفسه في فروع الفقه.

يعتقد المفكر المعاصر عبد الكريم سروش ان ميل العلوم للتخصص ، قد قلص موضوعات البحث الخاصة بعلم الدين. دعنا نتخيل انك دخلت "المدرسة النظامية" ببغداد صباح يوم من ايام سنة 1070م مثلا. سوف ترى حلقات درس الفقه الى جانبها حلقات علم الفلك والنباتات والادوية ، وحلقات اللغة والتاريخ ، وهكذا.

كانت العلوم في حالة تواصل ،  لأنها كانت قليلة من حيث العدد ، ومحدودة من حيث مساحة البحث وعمقه. ولهذا كان بوسع شخص واحد ان يتبحر في علوم عديدة ، في آن واحد. اما اليوم فان "عدد" العلوم قد تضاعف ، بسبب انفصال فروع علمية عن اصولها ، او اكتشاف موضوعات بحث لم تعرف سابقا ، ثم اتجاه هذه الفروع الى بحث التفاصيل الدقيقة ، وتفرعها هي الاخرى.

الذي حدث بعد "استقلال العلوم" ان البشر قد حصلوا على أدوات تفسير لعالمهم ، من خارج اطار الدين. او لعل علاقتهم بهذا العالم ، قد تطورت من حالة الانفعال وانتظار الامر والنهي ، الى التأمل والبحث عن تفسيرات لما يجري فيه. اي ازدادت مساحة التساؤل وتقلصت مساحة اليقين ، وتغير موقف الانسان من الانصياع ، الى الرغبة في الاستقلال او السيطرة.

يبدو ان هذا هو الاتجاه الطبيعي ، او ما نسميه منطق التاريخ. في البداية يوفر الدين مفاتيح لفهم العالم ، لعل ابرزها الايمان - الميتافيزيقي اولا ، التجريبي تاليا - بان الكون نظام دقيق أحادي ومترابط الاجزاء. وبعد ان يتعرف الانسان على مفاتيح الطبيعة ، تتقلص وظيفة الدين إلى أخص اهتماماته ، اي الاجابة على اسئلة الوجود الكبرى وربط الانسان بخالقه. يعتقد سروش ان هذا المسار يؤدي بالتدريج الى نوع من التخارج بين الدين والعلم ، اي ما نسميه اليوم "علمانية". لكنه من نوع المسارات الطبيعية التي لا يمكن ايقافها طالما واصل الانسان تقدمه.

الشرق الاوسط الأربعاء - 28 ذو القعدة 1440 هـ - 31 يوليو 2019 مـ رقم العدد [14855]

https://aawsat.com/node/1836766/

17/07/2019

تلاميذ ارسطو




قدم ارسطو تنظيرا مفصلا نسبيا حول النظام الكوني وقانون الطبيعة ، منطلقا من الرؤية التي تبناها سقراط ، وهو زعيم المدرسة الفلسفية التي ينتمي اليها ارسطو. وقد ساد في الفلسفة اليونانية ، منذ بداياتها ، اعتقاد في عقلانية النظام الكوني ، وانبهار بالترابط الفائق الدقة والانضباط بين حركته وغاياته. انطلاقا من هذه القناعة سعى ارسطو ، الذي لقب بالمعلم الاول ، الى وضع ما يمكن اعتباره نظاما موحدا لحياة المجتمع البشري ، مستلهما من قانون الطبيعة. اعتقد ارسطو ان العلاقة التفاعلية بين اجزاء النظام الكوني ووحداته المختلفة ، تشكل انموذجا تحتذيه المجتمعات البشرية ، ان ارادت بلوغ غاياتها الكبرى ، لاسيما السلام والسعادة والكمال.  
نعرف ان الفلسفة المعاصرة قد تجاوزت آراء ارسطو. الا انه مازال يحوز الاعجاب بين شريحة عريضة نسبيا من قراء الفلسفة المحافظين ، الذين يجدون تنظيراته قريبة من اهتماماتهم. ويبدو ان هذا التقدير يجمع المحافظين من مختلف الأديان ، وحتى من غير المتدينين.
وأشير هنا الى نقطتين في نظرية ارسطو ، تشكلان عنصر توافق بين مختلف التيارات المحافظة: أولهما قوله ان المعايير والاخلاقيات التي تنظم الحياة الاجتماعية ، هي حقائق موضوعية غير قابلة للتغيير والتبديل. بمعنى انها ليست من صنع الناس ، وليس للناس حق في تبديلها وتعديلها. اما الثانية فهي اعتقاده ان الطبيعة أرادت للمجتمع ان يكون منظما على أساس هرمي ، وأن اهل الحكمة والعلم يحتلون أعلى الهرم ، حيث ان للمعرفة سلطة ذاتية على ما عداها. ان الدور الذي يلعبه العارفون وأهل الحكمة ، هو تربية  المجتمع وارشاده ، وتفسير حقائق الحياة ، وتطبيق المعايير والقيم الاخلاقية ، التي تنظم علاقات الافراد وحركة المجتمع ككل.
هذه الرؤية تجدها بنفس التفاصيل تقريبا ،  راسخة ضمن منظومة المسلمات الاخلاقية للتيار الاسلامي المحافظ ، والاتجاه التقليدي بشكل عام. فهم يدافعون عن فكرة التراتب الاجتماعي ، التي تبرر منح علماء الدين موقع التوجيه والارشاد للحركة الاجتماعية. كما انهم يؤكدون باستمرار على ثبات القيم والمعايير الاخلاقية ، اعتمادا على استدلال ديني واحيانا مجرد اشارات ، او ربما ظلال دينية.
أشرت الى ان الفلسفة الحديثة قد تجاوزت آراء ارسطو ، الخاصة بالتنظيم الاجتماعي والمعايير الاخلاقية والقانون.  فيما يخص التنظيم الاجتماعي فقد تم استبدال التراتب الهرمي بقيمة المساواة. هذا يعني ان وجود طبقات ومستويات قد يكون امرا واقعا ، لكنه لا يغير من حقيقة ان الناس جميعا متساوون ، في القيمة والحقوق. كما ان الرؤية الجديدة تميل الى الاعتقاد بان الاخلاقيات والمعايير والقانون ، امور يصنعها الناس كوسيلة لتنظيم حياتهم ، فاذا اقتضى العرف او المصلحة العامة تغييرها ، فانها تتغير بشكل لين وتدريجي ، حتى ان غالب الناس لا يلتفتون الى هذا التغيير الا بعد سنوات ، حين يعودن الى الماضي ويقارنونه بالحاضر.
ان الاعتقاد السائد بين الاجيال الحاضرة ، هو ان القيم ونظم العيش ، بما فيها تلك القائمة على اساس ديني ، يجب ان تلبي معايير العدالة والعقلانية الجديدة ، اي ان تخدم مصلحة ظاهرة لعامة الناس ، وان تكون متلائمة مع عرف العقلاء ، وبهذا تكون قابلة للاستيعاب والتحليل من جانب اي شخص عاقل.
اظن ان أبرز اعتراضات الجيل الجديد من المسلمين على الفقهاء ، سببه شعورهم بانفصال الفكرة الدينية عما يظنونه عادلا ومعقولا ، أي مفهوما بمقاييس العصر.
الشرق الاوسط الأربعاء - 14 ذو القعدة 1440 هـ - 17 يوليو 2019 مـ رقم العدد [14841] 

03/07/2019

هكذا انتهى زمن الفضائل



ورد في بعض المصادر ان علي بن ابي طالب أمر القائم على بيت المال ، بتسجيل نصراني على قوائم العطاء ، بعدما عجز عن العمل وبات في حاجة للعون. فسئل في ذلك فقال "استعملتموه فلما عجز اسلمتموه؟". ونقل ايضا ان عمر بن عبد العزيز أمر بنثر الحبوب على رؤوس الجبال ، كي لا تموت الطير من الجوع ، بسبب الشتاء القارس وقلة الارزاق. ولم أعثر على مصدر قديم لهذه القصة ، لكنها منتشرة من دون اسناد.

ثمة في التراث قصص كثيرة مثل هاتين. وهي تنقل في سياق التذكير بفضائل أصحابها ، او في سياق الاشادة بفضائل الاسلام واخلاقياته بشكل عام. ولا شك ان في الاسلام وأحكامه مثل هذا وفوقه. كما ان أشخاصا مثل علي وعمر ، ممن يشار اليهم بالبنان حين يجري الحديث عن مكارم الاخلاق.

دعنا نقارن مضمون هذه القصص بنظائرها في المجتمعات المعاصرة. نعرف ان جميع الدول تقريبا لديها نظام للضمان الاجتماعي للافراد ، في حال العجز او التعطل او المرض. وهي انظمة يستفيد منها كافة الناس ، دون حاجة لاستئذان المدير او الوزير او الخليفة ، او حتى علمه بالحالة.
كما ان لدى المجتمعات المعاصرة انظمة لحماية عناصر النظام البيئي كلها ، من حيوان ونبات وطير ومسطحات مائية وغيرها. وترصد الدولة ميزانيات سنوية وتقيم ادارات متخصصة لتنفيذ هذه المهمة ، ومن ضمنها التحقق من توفر الماء والغذاء في المسارات التي تسلكها الطيور المهاجرة.  اما في الدول الصناعية فهناك جماعات أهلية ضخمة مثل منظمات السلام الاخضر=Green Peace ، التي تقوم بحملات واسعة جدا ، لاجبار الحكومات والشركات على احترام التنوع البيئي ، والمحافظة على الحيوانات والطيور ، حتى في قلب المحيطات والغابات والصحارى.
مرادي من العرض السابق ليس التهوين من قيمة القصص المذكورة ، بل إيضاح بعض وجوه التحول في ثقافة البشر ، وتوقعاتهم وعلاقتهم مع حكامهم. تخيل لو ان الضمان الاجتماعي او صيانة النظام البيئي بقي مشروطا بموافقة رئيس الدولة شخصيا ، فكيف سيكون رد فعل الناس؟ هل سيعتبرونه من فضائل الاسلام وفضائل الحاكم ، ام يعتبرونه اجراء سخيفا ومضيعة للوقت؟.
الذي تغير هو .. أ) ان الناس ما عادوا يعتبرون تلك الاعمال فضائل للدين أو الحكومة ، بل واجبات على المجتمع ككل. ب) لم يعد مقبولا ايكال القضايا العامة الى الارادات الشخصية للرئيس ، بل بات مطلوبا ان تدار في إطار قانوني-مؤسسي ، بحيث تجري كل يوم ، ضمن منظور طويل المدى.
يعتقد ديفيد ميلر ، عالم السياسة البريطاني المعاصر ، ان هذا الاختلاف يشير الى تحول في معنى الاخلاق والفضيلة بذاتها. اي ان كثيرا مما كان بالامس فضيلة يمتدح القائم بها ، تحول اليوم الى واجب يلام الحاكم لو اغفله او قصر فيه. وهو يضرب مثالا بآداب النخبة في اوائل القرن التاسع عشر ، كما صورتها الروائية الشهيرة جين اوستن. قدمت اوستن صورة جميلة للنبلاء الذين تواضعوا قليلا ، وتعاملوا باحسان مع فلاحيهم وخدمهم ، وهو خلاف المتوقع في ذلك الزمان. لكنا نعلم ان تواضع الوجيه وحسن تعامله مع خدمه والعاملين عنده ، لم يعد – في  هذا الزمان - فضلا منه يستوجب الاشادة ، بل واجبا يلام او ربما يعاقب لو تركه.
ينعكس هذا التحول على العلاقات داخل المجتمع ككل. وعلى القانون والتشريع ، فضلا عن الاعراف والتقاليد. وهو حديث نعود اليه في وقت لاحق. 
الشرق الاوسط الأربعاء - 29 شوال 1440 هـ - 03 يوليو 2019 مـ رقم العدد [14827]
https://aawsat.com/node/1794951

مقالات ذات صلة
فكرة المساواة: برنارد وليامز
المساواة والعدالة : ديفيد ميلر
من دولة الغلبة الى مجتمع المواطنة: مقاربة دينية لمبدأ العقد الاجتماعي


19/06/2019

دعوة التجديد بغيضة.... ولكن



اعلم – مثل كثير من القراء – ان الدعوة المعاصرة للتجديد الفكري والفقهي ، لا تلقى ترحيبا في الوسط الديني. بل لا أبالغ لو قلت انها تواجه بنوع من الارتياب والتشكك ، في مبرراتها وتوقيتها والجهات التي تتبناها ، والقضايا التي تطرحها كامثلة عن الحاجة الى التجديد.
"تجديد الدين" مصطلح مألوف في أدبيات المدرسة الفقهية التقليدية. لكنه مختلف عن المفهوم الذي يثير النقاش في عالم اليوم. الاسئلة التي يطرحها المفهوم الجديد ، والشواغل التي تشغل المهتمين به ، لاتماثل تلك التي تشغل رجال المدرسة  التقليدية. دعاة التجديد في الفكر الديني اليوم ، لا ينتمي غالبيتهم الى طبقة رجال الدين ، بل الى نخبة ثقافية تشكلت قناعاتها أو تطورت في إطارات العلم الحديث. ومن هنا فان مجالات اهتمامها تشكلت في سياق انتقال المجتمع او الاقتصاد الى الحداثة. هذا يعني – ضرورة - أن هذه  النخبة تنتمي ، من حيث التصنيف الاجتماعي ، الى دوائر
مصالح حديثة نوعا ما ، متعارضة مع تلك التي تنتمي اليها المنظومة التقليدية.  
تباين النسق الاجتماعي/المعرفي ، واختلاف دوائر المصالح ، أضاف نقاش التجديد الى مسار الصراع الذي لا يخلو منه مجتمع في طور النمو ، بين دعاة الحداثة وحماة التقاليد. وبالنظر لهذا السياق ، فليس متوقعا ان ينحصر الجدل حول تجديد الدين في المستوى النظري ، او صراع الافكار ، بحسب تعبير المرحوم مالك بن نبي.

التقليديون يصفون دعاة التجديد بالعلمانية والتميع. كما ان دعاة التجديد يتهمون التقليديين بالفشل في استيعاب جوهر التحدي الذي يواجه الاسلام المعاصر.
 
اني اتفهم الاسباب التي تدعو المؤسسة الدينية التقليدية الى الارتياب في دعاة التجديد ،  افكارهم واغراضهم وطرقهم. اعلم ان هذا يحصل دائما ، لان نجاح الدعوة الجديدة ، يقود عادة الى تغيير التوازنات الاجتماعية ، ومعها منظومات عريقة من مصادر القوة والنفوذ والقيم. اذا اردت التحقق من صحة هذا الاستنتاج ، فابحث عن الاشخاص الذين كانوا اغنياء او وجهاء قبل اندماج مجتمعاتنا في الاقتصاد الحديث ، وقارنهم بنظرائهم الجدد: اين أولئك وأين هؤلاء؟.  
 
غرضي في هذه السطور هو دعوة التيار الديني مجملا الى تقبل فكرة التجديد ، باعتبارها حراكا متواصلا لا يتوقف في زمن ، ولا يرتبط بشخص بعينه او قضية بعينها. التجدد والتحول سمة للحياة الطبيعية ، بل هو ضرورة لها. إذا اردنا للدين الحنيف ان يبقى فاعلا في حياة اتباعه ، متفاعلا مع حياة العالم ككل ، فهو بحاجة الى مواكبة التحولات التي تجري في هذا العالم ، ولو اقتضى ذلك التضحية بالكثير مما ألفته النفوس ، واعتادت عليه أو استراحت اليه. اريد توجيه هذه الدعوة بالخصوص الى عامة المؤمنين ، الذين يهمهم إبراء ذمتهم من اي خلاف لأمر الله ، كما يهمهم – في الوقت نفسه – ان لا يتخلفوا عن مسيرة المدنية  المعاصرة ، ومن هنا فهم أصحاب مصلحة في التجديد ، بل هم في حاجة ماسة اليه.
أعلم انه ليس سهلا على المؤسسة الدينية الرسمية في أي بلد ، والقوى الاجتماعية التي تؤازر رجال الدين عموما ، ليس سهلا عليها التنازل عن افكار ألفتها وارتاحت اليها ، وتشكلت في أفقها وعلى أرضها علاقات ومصالح ومسلمات. بل ليس سهلا عليها ان تذهب الى هامش المجتمع ، بعدما سكنت قلبه سنوات طويلة.
هذا ليس بالامر السهل. لكني لا أظن ان أحدا يملك الخيار. يمكن تأخير التجديد سنة او سنوات. اما ايقافه فهو رابع المستحيلات كما يقال.

الشرق الاوسط الأربعاء - 15 شوال 1440 هـ - 19 يونيو 2019 مـ رقم العدد [14813]


مقالات ذات علاقة

نقد التجربة الدينية

12/06/2019

اجماع العلماء ... الا ينشيء علما؟




||لا نأخذ براي الفيلسوف في أمور الدين. لكننا نستمع اليه لتوسيع معارفنا الدينية وغير الدينية. كما اننا لا نأخذ الراي الفلسفي من الداعية او القائد ، فدوره هو تعزيز التقليد ، اي تاكيد ما هو مستقر||
لطالما لفتت نظري الأفكار القيمة التي قدمها علماء الطبيعة ، حينما كتبوا في الفلسفة ، أو قدموا آراء تندرج بطبيعتها في اطار الفلسفة. ان اطلاعي في هذا الحقل محدود. لكن عددا ملحوظا من الفلاسفة الذين قرأت لهم ، جاؤوا الى الفلسفة من الفيزياء على سبيل المثال. هكذا كان اينشتاين وكارل بوبر وتوماس كون. وكثير غيرهم. يشغل ذهني سؤال العلاقة بين الفلسفة وعلم الطبيعة ، ويؤلمني انني فقير في هذا الجانب وعاجز عن تفصيح الاسئلة ، فضلا عن تقديم اجوبة.
ستيفن هيل
ستيفن هيل
ما دعاني لاستذكار هذا الموضوع اليوم ، مقال لعالمة الكيمياء السعودية د. غادة المطيري ، عنوانه "إجماع الآراء لا يصنع علما". استعرض المقال بعضا من معاناة ستيفان هيل ، وهو عالم روماني – الماني ، برهن بما يقطع الشك ، على ان اتفاق مئات العلماء على رأي بعينه ، لا يحول هذا الرأي الى حقيقة.
كان هيل اول من أثبت امكانية تجاوز الحدود التي رسمتها "معادلة آبي" اي مجموعة الحسابات التي وضعها المخترع الالماني ارنست كارل آبي في 1873 حول الحدود النهائية لقدرة الميكروسكوب. واعتبرت منذئذ ، حقيقة موضوعية لا يمكن مخالفتها.
قضى هيل سنوات طويلة ، يواجه السخرية والتهميش في المجتمع العلمي ، لأن ادعاءاته "تخالف المنطق السائد ، أي الرأي الذي اجمع عليه العلماء طيلة قرن ونصف". لكنه في نهاية المطاف نال التقدير الذي يستحقه ، ، ومنح جائزة نوبل للكيمياء في 2014.
حسنا.. ما الذي يدعونا لهذا الحديث اليوم؟ يواجهني دائما سؤال: هل يصح الأخذ برأي لباحث أو مفكر معاصر ، وترك آراء اجمع عليها المئات من مفسري القرآن والفقهاء طيلة قرون؟ 
تنطوي في هذا السؤال ثلاثة موضوعات مختلفة تماما. لذا سنحتاج الى استيضاح ما الذي يشغل بال السائل قبل مواصلة النقاش. أ) فلعل السؤال متعلق بالمنهج ، يمكننا قوله بصيغة اخرى: اتفاق العلماء على رأي بعينه ، الا يعطيه صفة العلم القطعي أو الموضوعي؟. ب) وقد يكون السؤال متعلقا بالحكم (التكليف الشرعي) ، اي: اذا احتجت لاستبيان تكليفي الشرعي ، فهل آخذ برأي يتبناه شخص واحد او عدد قليل ، ام أختار الرأي الذي  يتفق عليه اكثر العلماء؟.
ت) اما الموضوع الثالث فيتعلق بالاطمئنان او الانعكاس النفسي للعلم. وهو يتضح في سؤال: لو قبلنا بتعدد الاراء في امور الدين وتغيرها بين حين وآخر ، الا يؤدي هذا الى اضعاف حالة الاطمئنان الضروري للتدين؟. 
اعتقد ان كل من يريد التفكير في أمور الدين ، يحتاج لفهم الفارق بين الموضوعين الأول والثاني: العلم والحكم. فالحكم لا تأخذه من عشرات العلماء ، بل من عالم واحد تطمئن إليه. وقد يكون أقل تمرسا وخبرة من سواه.  مثلما تختار الذهاب الى طبيب أقل شهرة أو خبرة من غيره ، لأنك ترتاح الى طريقته في العمل او مقاربته للمشكلات.
الاجماع على رأي يزيد قيمته العلمية ، ويجعله مطمئنا اكثر. لكنه لا يلغي احتمالات وجود رأي أصوب منه أو أكثر تقدما. ان تثبيت الاطمئنان هو دور الداعية والقائد. اما العالم فدوره تفكيك الاطمئنان وإثارة الاسئلة ، أي توسيع دوائر الشك. نحن لا نتبع العالم في أمور الدين. لكننا نستمع اليه لتوسيع معارفنا الدينية وغير الدينية. كما اننا لا نأخذ العلم من الداعية او القائد ، فدوره هو تعزيز التقليد ، اي اتباع ما هو مستقر ، وليس الابداع او الابتداع. العالم دليل الى المستقبل بقدر ما الداعية او القائد تاكيد لحضور التاريخ.
مقالات ذات علاقة


الشرق الاوسط الأربعاء - 8 شوال 1440 هـ - 12 يونيو 2019 مـ رقم العدد [14806]


05/06/2019

الشيخ المجهول ، بطل ليفربول


وفقا لدراسة نشرت الاسبوع الماضي ، فان رياضيا بارعا يمكن ان يؤثر في الراي العام ، بما يفوق مئات من رجال الدين والدعاة المحترفين. عنوان هذه الدراسة "هل يمكن للتركيز على الشخصيات المشهورة ان يخفض التعصب؟". وشارك فيها اربعة باحثين برعاية مختبر سياسات الهجرة بجامعة ستانفورد. ركز الباحثون على بروز محمد صلاح ، لاعب كرة القدم الشهير في نادي ليفربول ، وكيف أثر على موقف مشجعي الفريق ومتابعيه بشكل عام ، تجاه الاسلام والمهاجرين. وقد اختير صلاح بالتحديد ، لان هويته صريحة: اسمه وشكله ، فضلا عن مجاهرته برموز دينية معروفة ، مثل سجوده في الملعب بعدما سجل اهدافا نادرة.

اعتمد البحث على مجموعة كبيرة نسبيا من مصادر المعلومات والمؤشرات ، مثل السجلات الشهرية لجرائم الكراهية (التي يكون للدين تاثير فيها) في 936 مقاطعة. كما قام الفريق بفحص 15 مليون تغريدة نشرها مشجعو كرة القدم في بريطانيا ، وتحتوي على مواقف ذات علاقة بالمسلمين ، فضلا عن مسح لعينة ضمت 8060 من مشجعي نادي ليفربول ، فيما يخص موقفهم من الظاهرة المعروفة بالاسلاموفوبيا.
تقول الدراسة ان جرائم الكراهية في منطقة مرسي سايد ، موطن نادي ليفربول ، قد انخفضت بنسبة 19%  ، بينما لم يلاحظ تغيير على انواع الجرائم الاخرى. وجدت الدراسة ايضا ان التغريدات المعادية للمسلمين ، التي ينشرها مشجعون للنادي ، قد انخفضت بما يقارب النصف.
خلاصة الفكرة التي تؤكد عليها الدراسة هي ان الازمات الواسعة النطاق ، اي تلك التي يكون الجمهور طرفا مؤثرا فيها ، يمكن ان تعالج من خلال تغيير المقاربة ، ولاسيما اعتماد ما يسمى الدبلوماسية الشعبية ، في مختلف تجلياتها.
في نفس الوقت تقريبا (1 يونيو 2019)، اعلنت رابطة العالم الاسلامي عن "وثيقة مكة" التي تبناها نحو الف من علماء المسلمين اجتمعوا في مكة المكرمة. شكلت الوثيقة ما يمكن اعتباره رسالة مصالحة بين المسلمين من جهة ، وبين المسلمين وغيرهم من الامم ، من جهة ثانية.
من يتأمل محتوى هذه الوثيقة سيجد انها ليست الاولى التي يصدرها علماء المسلمين من حيث لغة الخطاب والمبررات المطروحة. لكنها كسابقاتها ، اغفلت أيضا تحديد خطط العمل والجهات التي ستتولى ادارة المهمة. ونعلم ان اي دعوة لا تتحول الى برنامج عمل ، ولا يتحدد المسؤول عن تنفيذها ،  فانها على الاغلب ستنتهي كخبر تنشره الصحف في اليوم التالي ، ولا شيء أكثر.
لقد تعمدت افتتاح المقال بتفصيل القول في ما اظنه نموذجا مختلفا في علاج ابرز القضايا التي تناولتها وثيقة مكة ، اي الاسلاموفوبيا. جوهر هذا النموذج هو ازاحة العلاقة من زاوية المواجهة والنقاش المباشر ، ولا سيما التركيز على الجانب الديني/الثيولوجي ، الى زوايا مشاركة ، والتركيز خصوصا على ما يمكن للمسلمين ان يتفاعلوا فيه مع غيرهم باعتبارهم بشرا ، لا باعتبارهم اصحاب أديان او مبشرين. قضايا مثل العلم والادب والفن والرياضة واستئصال الفقر وحماية البيئة الكونية وامثالها ، تشكل في رأيي نقاط التقاء ، ويمكن للعمل المشترك فيها ان يوصلنا الى نتائج افضل واوسع نطاقا.
اذا كان لي من كلمة اوجهها لعلماء المسلمين المهتمين بتحسين العلاقة بين المسلمين انفسهم ، او بينهم وبين غيرهم ، فسأقول لهم: دعوا هذه المهمة لغيركم ، اي الشباب والباحثين والفنانين والرياضيين والناشطين البيئيين ، فهؤلاء سيفتحون مسارات لا تقدرون عليها ولا تعرفونها. انظروا الى تجربة بطل ليفربول ، فهي عبرة لمن يعتبر.
الشرق الاوسط الأربعاء - 1 شوال 1440 هـ - 05 يونيو 2019 مـ رقم العدد [14799]

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...