17/06/2015

الاقتصاد كأداة لتعزيز الهوية الوطنية


صون القيم الاسلامية وتعزيز الوحدة الوطنية هو الهدف الاول لخطة التنمية العاشرة (2015-2019) كما يظهر من نصها المنشور على موقع وزارة الاقتصاد والتخطيط  السعودية. لكن المسارات التي تقترحها الخطة لتحقيق هذه الهدف ليست أكثر من عناوين انشائية لا علاقة لها اصلا باهتمامات خطة التنمية ، فكأنها وضعت كي لا يقال ان الوزارة أغفلت هذا الهدف المحوري.

ليس غرضي معاتبة الوزارة. الحق ان مسألة الوحدة الوطنية والهوية الجامعة ليست موضوع نقاش جدي في بلادنا ، رغم اتفاق الجميع على انه لم يعد بوسعنا تأجيل المسألة او التسويف فيها.

هذه القضية الحرجة لا تناقش بجدية ، لسبب بسيط ، وهو ان الجميع يبدو متفقا على ما أراه توهما ، خلاصته ان ترسيخ الوحدة الوطنية يتم بزيادة "كمية" الكلام والكتابة ، عن الوطن ووحدة أطيافه والولاء له ، وتجريم اي قول او فعل يؤدي الى اضعافه. هذا هو مجمل العلاج الذي يتحدث عنه اداريو الدولة وكتاب الصحافة وبقية المتحدثين في المجال العام. وللانصاف فالكلام "حول" الهوية والوحدة الوطنية مفيد بالتأكيد ، على فرض وضوح هذين المبدأين واتفاقنا على مفهوم واحد لكل منهما. وأرى ان هذا الفرض غير متحقق.

نحن بصراحة غير متفقين على مضمون الهوية ، سيما في التناسب بينها وبين الهويات الموازية او المزاحمة ، ولا متفقين على مفهوم الوحدة ، سيما في ما يترتب عليها من التزامات ، وما يخرج منها او يدخل فيها من قضايا ومفاهيم فرعية.

لو اتفقنا على هذه التفاصيل فسوف ينفتح الطريق امام السؤال الضروري الذي اردته محورا لهذه المقالة ، سؤال: هل يمكن استخدام الاقتصاد  اداة لتعزيز الهوية الجامعة والوحدة الوطنية؟. واذا كان ممكنا فما هي السياسات والخطط الاقتصادية التي تخدم هذه الغاية وتلك التي تعيقها؟.

سوف اعرض هنا نموذجا واحدا عن المعالجة الاقتصادية التي اطمح اليها ، الا وهي مثال "الحلم الامريكي". جوهر فكرة الحلم الامريكي هي ببساطة ان كل فرد قادر على النجاح في حياته ، بالاعتماد على جهده الخاص ومبادراته الذاتية ، لأن الفرص التي يولدها السوق متاحة للجميع ، اي ان القانون يضمن لكل الافراد قابلية الاستفادة من الفرص المتاحة في المجال العام.

 نستطيع التعبير عن هذه الفكرة بطريقة اخرى فنقول ان تساوي الناس في الفرص يولد في نفوسهم ايمانا عميقا بالمجتمع الوطني ، ايمانا بانهم ليسوا ضائعين في الحياة ، حتى لو كانوا بمفردهم ، وايمانا بان التفاوت الطبيعي او المصطنع في الثروة والمكانة ليس صلبا او غير قابل للاختراق. لهذا يستطيع فرد مثل جان كوم ، الشاب الذي هاجر وحيدا من اوكرانيا ، ان يتحول الى واحد من ابرز الشخصيات بعد مشاركته في تطوير تطبيق واتس اب المعروف. ومثله والاس جونسون ، النجار الذي اصبح مالكا لشبكة فنادق هوليدي ان ، وعشرات من امثالهم الذين انطلقوا من بدايات متواضعة ثم اصبحوا شخصيات مرموقة.

جان كوم ووالاس جونسون ليسوا من ابناء الذوات المدعومين. كلاهما كان يعيش في قرية صغيرة ، وكلاهما وجد امامه فرصا متاحة للجميع ، فاستثمرها. المهم ان الفرص في بلدهم متاحة بصورة شبه متساوية على امتداد الافق الوطني وليست محصورة في العاصمة او المدن الكبرى.

هذا يعيدنا الى بداية المقالة ، حيث ارى ان التوزيع العادل للثروة الوطنية عبر البلاد ، وجعل الفرص المتولدة عن الانفاق العام متاحة بالتساوي لجميع المواطنين ، يمثل مولدا مهما للحلم ، اي الأمل والثقة في المجتمع الوطني. الثقة بان عضوية الفرد في هذا المجتمع ليست مجرد رقم على بطاقة ، بل طريق للنجاح في الحياة وتحقيق الذات.

الى اي حد يا ترى اهتمت خطة التنمية العاشرة ومجمل السياسات الاقتصادية للدولة ، بهذا المفهوم؟. وما هي المعايير التي يمكن لنا استعمالها في قياس ما يتحقق من التوزيع الجغرافي لبرامج الانفاق والاستثمار ، وما ينتج عنها خصوصا على مستوى تعزيز روح المواطنة ، اي تعميق شعور الفرد بالجماعة الوطنية؟.

الشرق الاوسط 29 شعبان 1436 هـ - 17 يونيو 2015 مـ رقم العدد [13350]

10/06/2015

حول نظام حماية الوحدة الوطنية


 بداية هذا الاسبوع اعلن مجلس الشورى عن ادراج "حماية الوحدة الوطنية" ضمن مشروعات القوانين التي سيناقشها الاعضاء في الدورة الحالية. هذا خبر مفرح ، بعد رفض المجلس محاولتين سابقتين من هذا النوع في سنوات سابقة. وارجو ان يتعامل المجلس الموقر بأقصى قدر من الاهتمام مع هذا الموضوع الخطير ، سيما بعد الحوادث المريعة التي شهدتها البلاد في الاسبوعين الماضيين.
افترض ان بعض الناس سيشعرون بالقلق حين يبدأ النقاش الجدي حول مشروع القانون. ذلك انه سيحوي بالضرورة بنودا تؤكد على اولوية الهوية الوطنية ، وعلى تجريم إثارة الكراهية ، بناء على مبررات دينية او قبلية او عرقية. نعلم ان فكرة "الوطن" كمبدأ تأسيسي للعلاقة بين المواطنين ،  وبينهم وبين الدولة ، ليست حتى الان من القضايا الناجزة في ثقافتنا العامة. ثمة بين اهل الرأي ، ولا سيما في التيار الديني ، من يقول صراحة ان الولاء الوطني بدعة ، وان الولاء يجب ان يكون خالصا للدين ، دون مزاحمة من اي هوية أخرى. هذا الرأي ينصرف طبيعيا الى التمييز بين الناس على اساس الدين والمذهب. وقد يحتمل في بعض الاحيان تمييز اعلى اساس عرقي او قبلي ، بالرجوع الى بعض ما ورد في تراث قدامى الفقهاء ، كما في قصة اشتراط "تكافؤ النسب" المعروفة. كما ان التأزمات السياسية في الشرق الاوسط تبعث من جديد نزاعات مذهبية وطائفية ، يجدها البعض وسيلة مناسبة لتصفية حسابات قديمة او تحقيق مكاسب. هناك ايضا من يخشى من تحول النظام (القانون) المنتظر الى مبرر لتحجيم حرية التعبير.
هذه كلها مبررات للقلق قابلة للتفهم ويجب ان تعالج في اطار القانون نفسه.
لكي يكون نظام "صيانة الوحدة الوطنية" كاملا وفعالا ، ينبغي ان نفكر فيه ضمن منظور أوسع من التحديد والتحجيم والتجريم. نعلم ان للقانون وظيفتان: وظيفة مقيدة للحرية ، وفيها يقرر واجبات على المواطنين وينص على انواع من المخالفات والعقوبات المقابلة لها. اما الوظيفة الثانية فهي ارشادية تضع اطارا للسياسات والاعمال التي يتوجب على الدولة القيام بها لتحقيق اغراض القانون.
تميل المجتمعات التقليدية للتركيز على النوع الاول من تلك الوظائف ، لان ثقافتها تهتم بالتكاليف في المقام الاول. سيما التكاليف المفروضة على عامة الناس. واحتمل ان معظم الناس سيتعامل مع هذا الجزء ويهمل الجزء الاخر الارشادي. واني اخشى ان يؤثر هذا الميل على اعضاء مجلس الشورى في نقاشاتهم ايضا. سيما مع ما يشهده المجال العام من تصاعد لنبرة الحزم والحسم والضرب بيد من حديد ، وأمثال هذه المفاهيم.
القانون ضرورة. لكن صيانة الوحدة الوطنية لا تتحقق بمحض اصدار القانون. نحن بحاجة الى استراتيجية متعددة الابعاد ، طويلة الامد ، تعالج خطوط الانكسار في الهوية الوطنية والسلم الاهلي. وقد سبق ان اقترحت استراتيجية ذات ثلاثة مسارات: سياسي يركز على اقرار مستوى من التعدد والتنوع الظاهر في الحياة العامة ، وثقافي يعالج الموروث الثقافي المعاكس لمبدأ المواطنة ، واقتصادي يركز على توسيع الخيارات المتاحة للناس ، من اجل تعزيز الأمل في المستقبل.
سوف اتعرض لهذه المسارات في مقالات لاحقة. لكن يهمني في الوقت الحاضر التشديد على الحاجة الى قانون موسع يضع اطارا للاستراتيجية المنشودة. الجانب الارشادي يوفر اساسا مناسبا للمواطنين القادرين على المساهمة في التحول المنشود الى دولة المواطنة المتساوية التعددية ، كما يقرر الزامات على اجهزة الدولة ، كي لا تساهم – دون قصد - في نقض الوحدة الوطنية او اضعافها ، بسبب غفلة الاداريين او ربما انحيازهم ، او بسبب انعكاس التوترات الداخلية والخارجية على نفوسهم.
الوحدة الوطنية هي راس المال الحقيقي للبلد ، وهي الضمان الاهم لمستقبل ابنائه. ولهذا فنحن بحاجة الى التعامل معها باقصى قدر من الجدية والحيادية. كما اننا بحاجة الى تفكير واسع لا يتوقف عند حدود التجريم والعقاب. 
الشرق الاوسط 22 شعبان 1436 هـ - 10 يونيو 2015 مـ رقم العدد [13343]
http://bit.ly/1BCL80G

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...