الشغب واعمال التخريب التي
شهدتها مدينة الخبر يوم الاحتفال بالعيد الوطني ، بحسب المعلومات التي اوردتها الصحافة المحلية ، تؤكد الحاجة الى معالجة لا تقتصر على التعامل الامني الميداني.
لا يمكن القطع بان اعمال الشغب تلك هي نتيجة لعمل منظم ومخطط له بشكل مسبق ، رغم
اننا لا نستبعد هذا الاحتمال . لكن بعيدا عن الجدل في هذا الاحتمال او ذاك، فان
تلك الحوادث تستدعي تاملا عميقا في الدواعي والظروف التي تحمل عددا كبيرا نسبيا من
الشباب على اتباع سلوك من هذا النوع ، مع علمهم بالنتائج السلبية التي يمكن ان
تترتب عليه ، ومن بينها الاعتقال او الفصل من العمل .
يمكن ان نناقش المسألة في
اطار "تنامي الميل للمنازعة عند الشباب" وهي ظاهرة اجتماعية معروفة. او
يمكن مناقشتها كواحد من انعكاسات الجدل النفسي الداخلي الذي يرافق اعادة تشكل الهوية
الشخصية ، ولا سيما في ظرف التفكك غير المخطط للهويات التقليدية ومنظومات القيم
لصالح اخرى متوائمة مع الظرف الثقافي والاقتصادي الفعلي الاقرب لظرف الحداثة .
واخيرا قد يمكن فهمه كتعبير عن رغبة عارمة في تاكيد الذات والحصول على دور في
الحياة العامة . هذه الاحتمالات كلها هي مخرجات وانعكاسات لظواهر اجتماعية طبيعية
تشهدها المملكة في سياق تطورها الاجتماعي والسياسي ، وهي تحدث في كل مجتمع يعيش
ظرف نمو احادي او غير متوازن.
وحتى لو اخذنا بفرضية كون
تلك الاعمال منظمة ومخططة من قبل جهة ما ، وهو امر غير مستبعد كما سلف ، فانه لا
يمكن القطع بان استعداد الشباب للانخراط فيها هو نتيجة لالتزام ايديولوجي عميق .
لكن يمكن القطع بان التخطيط ما كان لينجح لولا وجود قابلية في نفوس هؤلاء الشباب ،
سببها الرئيس هو احد الاحتمالات الثلاثة المذكورة. بعبارة اخرى فان الذين يمارسون
الشحن الايديولوجي ، ويشجعون الشباب على التمرد ويبررون تخريب املاك الاخرين
وايذاءهم ، يستثمرون استعدادا قائما في نفوس الشباب وقابلية متوفرة سلفا ، هي
نتيجة للشعور بالاحباط او الاغتراب او انعدام التوازن او التضاد الثقافي او
الاقتصادي.
واذا اردنا اتقاء تكرار هذه الحالة في المستقبل او توسعها ، فاننا
بحاجة الى اسراتيجية موسعة تشبه ما يسمى في دول اخرى بشبكة الامان الاجتماعي .
شبكة الامان هي نوع من المبادرات التي تستهدف تقليل الانعكاسات السلبية للنمو
الاقتصادي غير المتوازن على الشرائح الاكثر عرضة للضرر. صحيح ان معظم الدول التي
طبقت هذه الفكرة ركزت على الجانب الاقتصادي ، الا ان الفكرة بذاتها ترمي الى تعويض
الفئات الاضعف ، التي لا تستطيع مواكبة التغيير في السوق او في الثقافة او في
النظام الاجتماعي.
استراتيجية كهذه ينبغي ان
تكون استثنائية ، اي غير ملتزمة بحدود القوانين والاطارات القائمة فعليا ، لانها
قامت في الاساس بسبب الاعتقاد بعدم قابلية تلك الاطارات لاستيعاب كافة مخرجات
النمو ولا سيما احتواء الحالة المراد علاجها. خلال السنوات الاخيرة شهدنا ظهور
مبادرات عديدة تهتم – كما هو معلن – بالشباب . لكن يؤسفني القول ان معظمها مصاب بضيق
الافق ، فقد تعامل مع الموضوع كحلقة منفصلة ، لا كجزء من ظاهرة اجتماعية اوسع. بعض
هذه المبادرات ركز على توفير الوظائف وبعضها اهتم بما يشبه النشاطات الكشفية واخرى
اهتمت بالرياضة . وهذه كلها علاجات لجوانب من المسألة ، لكنها تفتقر الى الشمولية المطلوبة كما تفتقر
الى قاعدة نظرية تفسر جوهر المشكلة وتداعياتها وتمظهراتها المختلفة .
واعتقد ان المدخل الاوسع
لمعالجة قضايا الشباب هو تمكين المجتمع المدني من تنظيم نفسه واطلاق مبادراته
الخاصة. ولهذا فقد يكون من الضروري التعجيل باصدار نظام الجمعيات الاهلية الذي
اقره مجلس الشورى منذ زمن طويل نسبيا . هذا النظام هو الاطار القانوني الذي يمكن
ان يستوعب المبادرات الاجتماعية وينظمها في الاتجاه المطلوب.
اما على مستوى الحدث نفسه ،
فان توقيته يكشف عن تفارق بين مفهوم الوطن والاحتفال به بين المستويين السياسي
الديني . ولا اظن ان مبعث هذا التفارق هو اجتهادت او اراء فقهية مجردة عن الانعطاف
السياسي . لكن هذا بحث يطول ، و ربما يكون موضوعا لمقالات تالية .
عكاظ
12 / 10 / 2009