تلعب الصحافة المحلية الدور
الأبرز في صياغة وعي الجمهور بالدولة والإدارة العامة وبالواقع الذي يعيشه.
الصحيفة اليقظة ترصد ما يقال وتبحث عما يمكن أن يكون وراءه، وتحقق في سلامته قبل
أن تعرضه على القارىء. والصحفية الغافية أو المتثائبة تكتفي بالفرجة والنقل بل ولا
تجد حرجا في «تلوين» ما يقال حتى يصبح المنشور جذابا أو ربما خداعا.
ليس لهذا الكلام مناسبة سوى
تكرر الأخبار التي تنشرها الصحافة المحلية والتي بدا لي أنها تنطوي على الكثير من
نقاط الشك. وأجد في بعض الأخبار والتعليقات مثالا على الصحافة الغافية أو الغافلة،
وفي بعضها الآخر مثالا على الصحافة اليقظة الواعية. الغفلة المقصودة قد تتمثل في
نقل أمنيات لأحد المسؤولين وعرضها على القراء باعتبارها خبرا عن واقعة. وقد تتمثل
في تغيير صيغة كلام المسؤول بتحويله من صيغة «سوف نفعل» إلى صيغة «قد فعلنا»،
وأحيانا من صيغة «نفكر في» إلى صيغة «نعمل على».
وقد تتمثل الغفلة في تضخيم عمل
صغير وعرضه كحل نهائي وتاريخي لمشكلات كبرى. مثل ذلك الذي تحدث عن مشروع غير مسبوق
لإصلاح الثقافة العربية، وتبين في نهاية المطاف أنه يتحدث عن «كتاب» يعتزم تأليفه.
أو ذلك الزعيم الذي قال أنه توصل إلى الحل النهائي لإيديولوجيا الحكم وفلسفة
السياسة في العالم كله ووضع ما أسماه «النظرية العالمية الثالثة». وحين اطلعت على
تلك الجوهرة التي طال انتظار العالم لها، وجدتها تتلخص في ثلاثة مقالات تفتقر إلى
التماسك العلمي والاستدلال، بل تفتقر إلى أي أساس يسمح باعتبارها «نظرية»
بالمقاييس العلمية المعروفة. لكن الناس تتكلم وتكتب، والناس تقرأ وتضحك، أو تقرأ
وتبكي، أو تقرأ ثم تذهب إلى السوق للاستفادة من ورق الصحف في لف الخبز والخضراوات
وغيرها من الاستعمالات المفيدة.
عودا على الصحافة الغافية،
قرأت يوم أمس خبرا تنقله الصحافة المحلية عن وزير الكهرباء، يقول إن الشركة
السعودية الموحدة للكهرباء قد «خصصت 80 مليار ريال» لاستيعاب الطلب المتزايد على
الكهرباء والحد من انقطاع التيار خلال السنوات القادمة. ويقول الخبر أيضا إن
المملكة ستحتاج إلى 30 مليار ريال سنويا لهذا الغرض. نفهم أن تعبير «تخصيص المال»
يعني أنه موجود ومحجوز لعمل محدد. ونفهم من السياق أن ذلك المال سيصرف خلال
الأعوام الثلاثة القادمة.. لكن الصحيفة لم تقل لنا متى جرى تخصيص ذلك المبلغ الضخم
ومن أين جرى تأمينه.. من ميزانية الدولة أو من قروض بنكية أو من إيرادات الشركة
نفسها ؟. وإذا فرضنا أنه سينفق مثلما يفهم من الخبر خلال سنتين ونصف، فماذا عن
السنوات التالية ؟.
ربما يكون كلام الوزير سليما
لكني لم أفهم فحواه، وربما يكون كلامه انتقالا بين صيغة «يجب أن نفعل» وصيغة
«فعلنا» أو «سوف نفعل». وربما يكون مجرد حديث عن أفكار وهموم أراد معاليه اطلاع
المواطنين عليها، وله الشكر على ذلك. لكن العتب على الصحيفة التي لم تقدم الخبر
بالصيغة التي توضح المقصود.
في مكان آخر تتحدث صحيفة عن
مشروع لإنشاء سكة حديد تمتد من جنوب المملكة حتى جدة. وعن مشروع آخر يربط الدول
الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. وذكرني هذا بمشروع جرى الحديث عنه في السنوات
الماضية يتناول إعادة إنشاء الخط الحديدي الحجازي، ومشروع لإنشاء جسر يربط المملكة
بمصر، وتعرض هذه المشروعات كلها باعتبارها خططا قيد التنفيذ أو بانتظار التنفيذ.
لكن لو دققنا في كل مسألة على حدة فسوف نجد أنها مجرد أفكار أو اتفاق على دراسة
المشروع أو خطة بعيدة المدى للتنفيذ بعد نصف قرن أو ربع قرن إذا توفرت شروط مناسبة
أو .. أو .. إلخ. بعبارة أخرى فإنها ليست مشروعات على الطاولة، بل أوراق على الرف.
لكن الناس يقرؤونها على
طريقة الصحافة الغافية فيستبشرون خيرا ويظنون أن مشكلة المواصلات بين جازان وجدة
ستنتهي بعد سنتين أو ثلاث، أو أن مشكلة انقطاع التيار ستصبح ــ بعد سنة أو سنتين
ــ تاريخا يحكى للأولاد، أو أن الطبيب سيأتي للمريض في بيته بدل أن ينتظر في ممرات
المستشفى ساعات كي يرى طبيبه، أو أن الطريق الذي لا يراه مدير البلدية كل يوم قد
رصف وأضيء وزرع وبنيت أرصفته مثل الطريق الذي يراه الرئيس صباحا ومساء، أو ... أو
.. إلخ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق