لاحظت في هذه الأيام انبعاثا مستجدا للنقاش حول الهوية. وقد وصلتني أسئلة من أصدقاء ، أثار اهتمامهم ما كتبه الروائي المعروف عبد الله بن بخيت ، حول الفردانية والاستقلال والهوية الفردية ، وقابليتها للتمييز عن الهويات الأخرى ذات البعد الجمعي.
وقد لقي مقال
الأستاذ بخيت المنشور بجريدة "عكاظ"
يوم الاحد الماضي ، اهتماما استثنائيا بين القراء ، واحسب انه طرق بشدة على وتر
حساس ، في نقاشات يريد الخليجيون ، ان يجدوا لها نهاية مريحة. لكن غالبيتهم
يواجهون خيارات صعبة ، نظرا
لارتباط المسألة بما يعتبر تحولا في مفهوم التدين او حدوده. ليس سرا ان هذا الجانب هو
الجزء الأكثر إثارة ، في جدل
الهوية في مجتمعات الشرق الأوسط. ان محرك هذا الجدل ، هو ميل قطاع
معتبر من الجيل الجديد ، لتعريف انفسهم كأفراد مستقلين ، يختارون شروط تدينهم
ومقدار تأثيره على حياتهم اليومية.عبد الله بن بخيت
هذه الرغبة تبدو بسيطة واعتيادية في أيامنا هذه ، ولا سيما بالنسبة للطبقة
الوسطى التي تلقت تعليما حديثا. لكنها مع ذلك تثير قلقا كبيرا ، وربما أثارت نزاعات
عائلية واجتماعية. السبب معروف لدى معظم الناس ، وخلاصته ان المنطقة شهدت طيلة
العقود الخمسة الماضية ، تشديدا على أولوية الهوية الدينية ، وكونها مزاحمة
للهويات الموازية ، الفردية والجمعية. وقد تعمق هذا الاتجاه في السنوات الأخيرة من
القرن الماضي ، واستخدمت فيه الموارد العامة ، فتحول الى نوع من القسر الثقافي
والاجتماعي ، الذي لا يترك مجالا لأي تعبيرات موازية او بديلة.
وفي هذا السياق ، بات كل مواطن مطالبا بأن يحدد موقفه الثقافي/الديني وموقعه
الاجتماعي ، مع التيار الديني القوي النفوذ او ضده. والضد يشمل بطبيعة الحال اتباع
الأديان الاخرى ، والمنتمين لتيارات ثقافية او اجتماعية صنفت معادية ، مثل انصار
الحداثة في الادب والحركة النسوية ، فضلا عن اتباع المذاهب الإسلامية التي صنفت
كمبتدعة.
مسألة حقوق
النساء هي المثال الأكثر بروزا في الصراع حول الهوية الفردية.
فخلال الفترة المذكورة أعلاه ، جرى تحديد اطار ضيق نسبيا لحياة النساء ، يتضمن اعتبارهن
مواطنات من الدرجة الثانية ، وإقناع المجتمع كله بان المشاركة الاقتصادية
والاجتماعية للمرأة ، تعني انخراطها
في مؤامرة عالمية يتزعمها مركز الأبحاث الأمريكي "راند"
، وهدفها القضاء على دين الله.
فيما يخص التمايز الاجتماعي ، يقول بن بخيت انه عايش كثيرا من زملاء العمل
الشيعة ، لكنه نادرا ما تنبه للفارق المذهبي. أما في الفترة المشار اليها أعلاه (والتي
يطلق عليها اجمالا اسم الصحوة)
فقد بدأ يتحسس ويتعرف على نقاط الفرق ، في الكلام العابر وفي الأسماء والملابس
والاهتمامات ، بدأ يشعر انه واياهم لا يشكلون مجتمعا واحدا ، كما تخيل في الماضي.
يرجع السبب الى كثافة التوجيه الديني ، الذي يؤكد على الفوارق والحدود ويحذر من
التماهي والاندماج.
خلال السنوات الأخيرة ، باتت الدعوة لانهاء تلك الحقبة وما جاء في سياقها ،
فكرة ثابتة في أعمال المثقفين والكتاب الخليجيين. كما ان تسارع التحول الى الحداثة
في السنوات الأخيرة ، وعودة نحو
ربع مليون مبتعث للجامعات الأجنبية ، ساهم في تعميق هذا الاتجاه.
لكنه – كأي تحول اجتماعي – يلقى مقاومة من جانب شريحة مستفيدة من الحال
السابق ، وأخرى قلقة من ان يؤدي هذا التحول ، الى الاضرار بالصبغة المحافظة
للمجتمع.
يبدو لي ان الانتقال الى الحداثة غدا قدرا لا مفر منه ، وان التحول
الاجتماعي يتسع ويتعمق يوما بعد يوم. لكن – كما اسلفت – سيكون ثمة كبوات واثمان ،
وهذي من طبائع الأمور.
الشرق الأوسط الأربعاء - 4 صفر 1444 هـ - 31
أغسطس 2022 مـ رقم العدد
[15982]
https://aawsat.com/node/3846461