كان برنامج التحول الاقتصادي الوطني موضوعا لمناقشات عديدة ، في الصحافة السعودية خلال الأيام الماضية ، رغم انه لم يعلن رسميا. تناقش هذه المقالة فكرة التحول في عمومها. وتؤكد على أهمية المشاركة الأهلية في استراتيجيات العمل التي يتضمنها اي برنامج من هذا النوع.
ينبغي الاشارة اولا الى انطباع عام ، فحواه ان البرنامج العتيد
يمثل نوعا من الاستدراك او التعديل ، على خطط التنمية الخمسية التي
تبنتها المملكة منذ العام 1971. واذا صح هذا التقدير فانه من الضروري ايضاح
الاسباب التي أوجبت ذلك الاستدراك او التعديل. تنطوي الاسباب بطبيعة الحال على
قراءة نقدية للنتائج التي أثمرت عنها خطط التنمية طوال الاربعين عاما الماضية. ليس
من أجل جلد الذات ولا توجيه الاتهام الى احد بعينه ، بل من أجل فهم المسار
والاهداف على نحو أوضح.
أشير أيضا الى عامل التوقيت. فالفهم العام يميل الى اعتبار
البرنامج واحدا من المعالجات التي أملتها ظروف الانكماش الاقتصادي الراهن. ينصرف
هذا الفهم – اذا صح – الى الظن بأن البرنامج يستهدف توفير مصادر دخل بديلة عن
تصدير البترول الخام ، او تقليص النفقات الحكومية الحالية. ان توضيح هذا الجانب
ضروري لتقييم السياسات التي يفترض ان يحتويها البرنامج المذكور ، اي اختبار ما اذا
كانت تؤدي حقيقة الى هذه الغاية ام لا.
نحن بحاجة الى توضيح هاتين المسألتين ، من أجل اقناع المجتمع
بالمشاركة الفاعلة في عملية التحول. ويحسن القول في هذا المقام ان خطط التنمية
الخمسية التسع السابقة لم تلحظ هذا
الجانب. فكأن واضعي تلك الخطط افترضوا تحميل الدولة أعباء التنمية بكاملها. ونعلم
ان بحوث التنمية الحديثة ، سيما في العقدين الماضيين ، تتفق جميعا على استحالة
تحقيق نمو متوازن ومستدام ، من دون الانخراط الفعال للمجتمع في سياسات التنمية
وبرامجها.
التنمية في مفهومها الحديث تتجاوز تمويل المشروعات وانشاء البنى
التحتية ، الى خلق مصادر جديدة ، مادية وتقنية ، تتعدد وتتنوع على نحو يستحيل على
جهة واحدة تحديدها سلفا واستيعاب ابعادها. المجتمع ككل ، هو البيئة الطبيعية لظهور
وتبلور هذه المصادر. الامر الذي يوجب على مؤسسات التخطيط استنهاض هذه الطاقة
الكامنة وتفعيلها ورعاية تطورها وربطها بدائرة الاقتصاد الكلي.
المثال الذي يضرب في هذا السياق هو اقتصاد المعرفة ، الذي ظهر
في السنوات الاخيرة ، وتحول سريعا الى مولد رئيس للصادرات وفرص العمل ، ومحركا
للنمو التقني. مشروعات مثل الهواتف الذكية من شركة ابل ، والمتاجر الالكترونية مثل امازون ، والبوابات
الالكترونية مثل غوغل الامريكي وعلي بابا الصيني ، أضافت عشرات المليارات من
الدولارات الى الدخل القومي لبلدانها ، لكنها – فوق ذلك - ساهمت في تسريع التطور
التقني الذي خلق ملايين من الوظائف الجديدة. لم يكن اي من هذه المشروعات حكوميا ،
ولا بدأ بدعم حكومي ، بل كان ثمرة لابداع الناس وتوفر الحاضن الاجتماعي المناسب
لهذا الابداع ، مع الدعم والاحتضان الرسمي في وقت لاحق. مثل هذه المشروعات وفرت
للدولة ما لم تستطع توفيره اجهزتها ، رغم انها لم تنفق عليه اي شيء تقريبا.
استنهاض الطاقات الكامنة في المجتمع سيريح الدولة من نفقات
كثيرة ، لكنه ايضا سيحول المجتمع من عبء على نفسه وعلى الدولة ، الى شريك في حل
مشكلاته. وهذا من أبرز أغراض التنمية البشرية التي يتحدث عنها عالم اليوم.
الشرق الاوسط 27 يناير 2016
http://aawsat.com/node/553681/
مقالات ذات علاقة