‏إظهار الرسائل ذات التسميات التعصب. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات التعصب. إظهار كافة الرسائل

18/12/2019

حين نخاف من بعضنا او نرتاب: بيئة التوحش


لفت انتباهي هذا الاسبوع حديث للدكتور معجب الزهراني عن "بيئة التوحش". والزهراني اكاديمي وناقد معروف ، يعمل مديرا لمعهد العالم العربي في باريس. وكنت قد صادفت هذا التعبير في بحوث حول استراتيجية "تنظيم القاعدة" وفروعه. ولعله راج بعد ظهور "ادارة التوحش" ، الكتاب الذي يشرح تلك الاستراتيجية.
اما "بيئة التوحش" التي يذكرها الزهراني فهي سياق تحليلي ، يفسر بعض التحولات الثقافية/السلوكية في المجتمع السعودي ، خلال حقبة "الصحوة" التي شغلت معظم الربع الأخير من القرن العشرين ، فهو اذن غير التعبير المرتبط بعمل التنظيم المذكور.
د. معجب الزهراني
لفت انتباهي هذا الوصف ، لما يختزنه من قابلية لتحليل مسارات مهمة في تاريخنا الحديث ، واعني بها خصوصا اختلال هيكل العلاقات الاجتماعية القديم ، ومايسنده من منظومات قيمية ، بسبب تغير مصادر المعيشة والانتاج اولا ، ثم بسبب التوجيه الايديولوجي/القيمي ، الذي قدم بديلا سلوكيا وعلائقيا يستوحي ثقافة الغزو والغنيمة ، لكنه يتغطى بعباءة العودة الى الدين الحنيف.
سأقول من دون تردد ان عقلاء العالم جميعا ، بمختلف اديانهم وثقافاتهم ، يريدون العيش في مجتمع "يأنس" فيه الافراد ببعضهم ، يتبادلون المنافع ويتشاركون الأعباء ويواسي بعضهم بعضا ، دون ان يحجزهم عن بعضهم اختلاف اللون ، او العرق او الدين او اللغة او الجنس او الجنسية او الايديولوجيا او الولاء السياسي او غيره. "الأنس" هو جوهر الانسانية كمعنى وكقيمة. ولولاه لكان الانسان وحشا او شبه وحش.
وقد لفت الاستاذ الزهراني نظري الى ان النقيض المباشر للانس ، اي التوحش ، قد لايكون حالة فردية متخارجة عن الحالة العامة للمجتمع الطبيعي. أقول هذا استيحاء من مقارنته بين الحال التي رآها حين عاد الى البلاد ، وتلك التي اعتاد ان يراها قبل رحيله للدراسة في الخارج. وفيها يشير الى ان نسبة معتبرة من المجتمع ، قد تخلت عن حالة "الانس" التي هي سمة المجتمع الطبيعي ، واتجهت الى حالة تنافر او تناكر ، ربما تكون التمهيد الأولي لحالة التوحش.
في هذه المرحلة التمهيدية تتبلور السمات الرئيسية لبيئة التوحش ، وابرزها في ظني هي تحول الريبة الى معيار حاكم على العلاقات بين الناس. تتبدى الريبة في اشكال شتى ، منها مثلا تحويل المنازل الشخصية الى قلاع عالية الاسوار ، خوف السراق احيانا وخوفا من نظر الجيران في أغلب الاحيان ، وكذا المبالغة في الفصل بين الرجال والنساء في الاماكن العامة ، حتى بين الأهل والأقارب. ومثله الميل الشديد الى "المفاصلة" في العلاقة مع الآخرين ، والذي يتجلى في الاهتمام بتصنيف كل شخص باعتباره "من الجماعة " او "آخر" والتركيز على خطوط التفارق ، مثل الدين والمذهب والقبيلة والمدينة الخ. وتترافق هذه النزعة مع تفاقم الخوف من المجهول ، الذي يظهر في انتشار الحكايات والروايات عن الجن والسحر والحسد والعوالم الخفية التي تتحكم في عالم الانسان.
ربما لم تكن هذه التحولات معضلة او شديدة التأثير ، لولا التوجيه الايديولوجي الذي البسها عباءة دينية. فتحولت الريبة وما ينتج عنها الى تمظهر للورع والتقوى ، وتحولت المفاصلة الى تعبير عن قوة الايمان والقوة فيه. العباءة الدينية هي التي جعلت نقد الحالة عسيرا ، وحملت معظم الناس على اعتبارها أمرا طبيعيا ، او ربما طيبا.
لكننا نعلم ان العلاقات القائمة على اساس الريبة ، ستقود بالضرورة الى تفكيك المجتمع وتحويله الى جزر منفصلة متناكرة. وهذي هي الصورة الأولى لبيئة التوحش.
الشرق الاوسط الأربعاء - 21 شهر ربيع الثاني 1441 هـ - 18 ديسمبر 2019 ـ  [14995]

مقالات ذات صلة

التسامح وفتح المجال العام كعلاج للتطرف

 تعزيز التسامح من خلال التربية المدرسية

ثقافة الكراهية تجريم الكراهية

حزب الطائفة وحزب القبيلة

الحق الواحد والحق المتعدد: هل تراه معقولا؟

حول أزمة الهوية

حول الانقسام الاجتماعي

سؤال التسامح الساذج: معنى التسامح

عن الهوية والمجتمع

في التسامح الحر والتسامح المشروط

في ان الخلاف هو الاصل وان الوحدة استثناء

في بغض الكافر

في معنى التعصب

القبيلة والطائفة كجماعات متخيلة

من الاجوبة الى النهايات المفتوحة

من القطيعة الى العيش المشترك

الهوية المتأزمة

16/01/2019

مجتمع الخاطئين

|| ما نراه كل يوم تقريبا من خشونة في النقاشات العامة، لا يمكن نسبته الى الجهل او قلة التهذيب فحسب. ثمة عوامل أخرى محتملة ، وينبغي اخذها بعين الاعتبار كي نتفادى مواجهة التعصب بتعصب مضاد.||

لم اسمع يوما ان شخصا ادعى انه معصوم لا يخطيء. كل منا يصيب حينا ويخطيء أحيانا. ولا أظن احدا ينكر هذه الحقيقة في نفسه فضلا عن غيره.
رغم ذلك فقد تجد من يخاصمك لو خطأت قوله أو انتقدت رأيه. بل ربما يخاصمك لو خطأت شخصا آخر ، تربطه به علاقة مودة او متابعة في دين او سياسة او غيرها. ولعل اكثر ما حدث لي وللكتاب الآخرين من خصومات ، كان نتيجة لشيء من هذا القبيل.
ربما ننسب هذا التعامل الى الجهل أو قلة التهذيب ، أو غيرها من صفات التنقيص. لكني أرجح انه ليس كذلك في معظم الحالات. ومبرر هذا الترجيح أنك ترى ذات الشخص الذي يرد هنا بكلمات نابية ، يستعمل في مكان آخر الفاظا تنبيء عن لطف وصبر ومعرفة. المعرفة والتهذيب ليسا رداء ترتديه ثم تنزعه. بل طبائع لا يمكن للانسان حملها هي ونقيضها في الوقت نفسه.

دعني اقترح ثلاثة اسباب محتملة:
الاول: قد ينتج الغضب من عدم التمييز بين احكام ذات محمولات مختلفة. ومثاله الخلط بين وصف شيء بانه خطأ ، او القول بانه باطل. ونعلم ان المحمول القيمي للتعبير الثاني أثقل نسبيا من سابقه ، رغم امكانية استعمالهما كمترادفين.  
الثاني: الخلط بين الشخص والفكرة. وجدت اشخاصا يبدأون ردهم على الناقدين ، بذكر انجازاتهم السابقة ، والتأكيد على مقامهم ومعارفهم.. الخ. وربما ينزلقون أكثر فيشيرون الى ان الناقد دونهم علما أو مكانة ، او انه من اتباع هذه الجماعة او تلك الخ.. والواضح ان هذا النوع من الردود ، مبعثه الخلط بين نقد الفكرة والعدوان على صاحبها ، أو أنه يماهي بين التعرض للفكرة والتعريض بصاحبها.
الثالث: القلق على الهوية وحدودها. ومن ذلك مثلا اني نشرت في الشهر الماضي دراسة حول المساواة بين المرأة والرجل ، تتضمن مراجعة للأدلة المتعارفة في هذا الحقل. فجادلني كثير من السادة حول فساد المجتمع الغربي ، واعتبروا ان الكلام عن المساواة ثمرة للانبهار بالغرب ، وأمثال ذلك من الأوصاف. لكني لم أر مناقشة واحدة في الموضوع نفسه ، اي المساواة ، ولا سيما اعتبارها حقا أصليا للانسان ، ولا حول الادلة التي جرت مراجعتها ، ولم يتكرم أحد بمجادلة الأدلة التي ساقتها المقالة لدعم دعاواها.
وسبق ان واجهت نفس هذه النوعية من الردود ، حين كتبت عن مفهوم الاجتهاد وحرية الاعتقاد ، وغيرها. في معظم هذه الردود ، تجد قاسما مشتركا ، فحواه ان الاخذ بما هو مطروح في الفكر الغربي ينطوي على انتقاص مكانة الدين او قيمة أهله ، وان نقد استدلالات متفق عليها بين جمهور العلماء ، تهوين من شأنهم او من القيمة العلمية لتراثهم. وقد تكون تمهيدا للتعريض بالدين نفسه. بل قال أحدهم صراحة ان ما اسماه "تسفيه" اراء العلماء ، يمهد بالضرورة لتسفيه احكام الدين نفسه.
ينبيء هذا النوع من الاعتراض عن قلق على الهوية او قلق على حدود الجماعة. هذا قلق قابل للتفهم ، لكنه لا يفيد كثيرا في الارتقاء بالنقاش العلمي او الاجتماعي ، بل قد يؤدي الى كبت الآراء الجديدة والافكار الخلاقة ، وبالتالي تجميد العقول في ثلاجة الموروث.
زبدة القول ان ما نراه كل يوم تقريبا من خشونة في النقاشات العامة ، لا يمكن نسبته الى الجهل او قلة التهذيب فحسب. ثمة عوامل أخرى محتملة ، وينبغي اخذها بعين الاعتبار كي نتفادى مواجهة التعصب بتعصب مضاد.
الشرق الاوسط الأربعاء - 10 جمادى الأولى 1440 هـ - 16 يناير 2019 مـ رقم العدد [14659]

18/03/2010

تحولات التيار الديني-3 اعباء السياسة

ما يشاهد من جرأة على معارضة المؤسسات الدينية ونقد رجال الدين ، ليس ناتجا عن تراجع الايمان في نفوس الناس ، وليس سببه قيام جماعات او منظمات ، هدفها النيل من مكانة الدين ورجاله في المجتمع المسلم. خلال الثلاثين عاما الاخيرة تحولت شريحة كبيرة من العاملين في الحقل الديني ، الى العمل السياسي الصريح او الضمني ، بعدما كان همها الوحيد اخلاقيا يتمحور في الدعوة الى مكارم الاخلاق ، واحسان العمل وتعليم الناس عقائدهم وعباداتهم. تبعا لذلك نشأت حالة استقطاب متعدد في  المجتمع ، بين المحاور التي تمثلها الجماعات الدينية – السياسية المختلفة ، وكذلك بين الاتجاه الجديد المائل للسياسة ، وذلك الذي يصر على الاستمرار في الطريق التقليدي.

حين تتبنى خطابا سياسيا وحين تدعو لاهداف سياسية ، فانت بالضرورة تسعى لخلق نظام علاقة بينك وبين الناس ينطوي على نوع من السلطة. وهذا يستدعي اوتوماتيكيا بروز معارضة من جانب الاطراف التي تشعر بالمزاحمة او التهديد او حتى التدخل البسيط. هذه الاطراف تشمل الحكومات في المقام الاول ، لكنها تضم ايضا المجموعات الاخرى التي تتبنى خطابا مماثلا او تتمتع بنفوذ في المجتمع ، او تشعر بان ظهور دوائر  مصالح جديدة ينطوي على تهديد لدوائرها الخاصة.

نحن نتحدث اذن عن تطور طبيعي يمكن ان يحدث في اي مجتمع: السعي لفرض دائرة مصالح جديدة ، يؤدي الى رد فعل من جانب الدوائر الاخرى ، كما يؤدي  الى انشقاقات باعثها هو الاختلاف في تحديد تفاصيل المصلحة المنشودة وكيفية انجازها. وهذا وذاك يؤدي الى ظهور صراعات بين اطراف التيار نفسه.

شهدنا مثل هذا التطور في التيار السلفي السعودي ، خلال العقد الاخير من القرن المنصرم. اطلق الغزو العراقي للكويت في اغسطس 1990 سلسلة من التفاعلات داخل المجتمع السعودي ، ابرزت لاول مرة تيارا يتسع بالتدريج ويطالب بالاصلاح. بروز هذا التيار اثار رد فعل فوري وسط السلفيين ، الذي خشي قادتهم من ان تتجه البلاد الى الليبرالية ، بسبب الضغط الاجتماعي الداخلي ، او بسبب التحالف مع الولايات المتحدة الامريكية ، الذي عمقته الحاجات المتبادلة خلال الحرب على العراق.

في نوفمبر 1990 نظم 47 سيدة سعودية تظاهرة بالسيارات في شوارع الرياض ، من اجل اقرار حقهن في قيادتها . ردا على ذلك امر الشيخ عبد العزيز بن محمد آل الشيخ اعضاء هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بوقف المظاهرة واعتقال السيدات . لكن الشيخ عزل من منصبه بامر ملكي في منتصف ديسمبر التالي. اثارت تلك الحادثة جدلا شديدا في الوسط الديني ، وتحولت الى موضوع رئيسي لخطب الجمعة طيلة الاشهر الثلاثة التالية. ولاحظ عدد من الخطباء ان الحكومة لم تتخذ موقفا صارما مما اعتبروه هجوما تغريبيا ، بل على العكس من ذلك فان عزل رئيس الهيئة كان اشارة الى عزم الحكومة تقييد المؤسسات الدينية التي تتصرف دون اوامر رسمية مباشرة.

في يناير 1991 نشر عدد من الشخصيات البارزة ، وثيقة مطالب موجهة الى الحكومة ، تطالبها باجراء اصلاحات رئيسية في الادارة الرسمية وعلاقة الدولة بالمجتمع . وقع على الوثيقة مثقفون بارزون ومسؤولون سابقون وشخصيات ذات نفوذ اجتماعي ، ولم يكن بينهم اي رجل دين. وفي مايو 1991 قدم 200 من العلماء السلفيين البارزين خطابا مماثلا الى الملك فهد ، لكنه – بدلا من المطالبة باصلاحات سياسية – ركز على نقد  ما وصفه بالتباعد المشهود عن احكام الشريعة . وطالب الملك بتعزيز دور العلماء والمؤسسة الدينية في الدولة والمجتمع. تلى ذلك نشر وثيقة اكثر تفصيلا ، عرفت بمذكرة النصيحة ، وضعت في يونيو 1992 ووقع عليها 400 من المشايخ والدعاة من الطبقة الثانية والثالثة. كانت هذه المذكرة التي تشبه في صياغتها البرامج السياسية للاحزاب ، اول ظهور سياسي منظم وواسع النطاق للتيار السلفي المستقل والمعارض للحكومة. ايد كبار العلماء هذه المذكرة في اول الامر ، لكنهم سارعوا بادانتها ، كما تنصلوا من الخطاب السابق لان نشرهما يعد خروجا على تقاليد النصيحة لولي الامر. على خلفية هذا الموقف ، جرى اعتقال معظم الموقعين على "مذكرة النصيحة" او منعهم من السفر ، وكان هذا بداية لاوسع انشقاق في التيار السلفي.

 خلال السنوات التالية تحول عدد من موقعي مذكرة النصيحة الى رموز سياسية او شبه سياسية ، يلتف حولهم جيل الشباب ، بينما جرى تصنيف كبار العلماء كتقليديين او حكوميين. وشهدت البلاد للمرة الاولى حالة استقطاب في الوسط السلفي ، بين القطب الذي يدور في فلك الدولة ، وذلك الذي يحاول البقاء مستقلا خارج اطارها.



نشر في الايام  Thursday 18th March 2010 - NO 7647 https://www.alayam.com/alayam/Variety/392130/News.html

15/02/2007

ما الذي نريد: دين يستوعبنا جميعاً أم دين يبرر الفتنة؟

؛؛ اسلام المتعصبين معناه أن الفتنة هي خلاصة ما تستطيع الامة الاسلامية فعله، او ان ديننا عاجز عن صياغة نموذج سليم للتعايش بين اتباعه؛؛

المتعصبون شيوخا كانوا او سياسيين ، لا يرون في الدنيا غير المؤامرات والصراعات. هؤلاء يقدمون الغذاء الذي يستهلكه مجاهدو الانترنت ذوو الوجوه الخفية والسيوف الافتراضية، والكتاب المتساهلون الذين يتعاملون مع أعظم القضايا وأصغرها مثلما يتعامل البقال وطالب الابتدائية الذي لا حظ له من المعرفة سوى ما يطالعه على شاشة التلفزيون او يسمعه في مجالس الكلام.


وراء ذلك الكم الهائل من مقالات الشتيمة والتحريض الطائفي والقومي، ثمة رسالة واحدة بسيطة فحواها ان المسلمين عاجزون عن اصلاح امورهم، عاجزون عن الاتفاق فيما بينهم، عاجزون عن التسالم والتعايش مع اختلافاتهم المذهبية والسياسية، منشغلون بإعادة كتابة التاريخ الماضي بدلا من التركيز على صناعة مستقبل افضل من حاضرهم.

هذه الرسالة التي ربما لم يلتفت اليها الكتاب المتساهلون، ولا يفهمها ابطال الانترنت، ولا يهتم بها المتعصبون والتكفيريون، تدمي ضمير المسلم العادي مثلما يدمي السيف نحر الضحية. المسلم العادي لا يربح شيئا من صراعات السياسيين ولا جدالات المشايخ ولا خيالات الكتاب، لكنه يخسر الكثير من وراء التشكيك في قدرة دينه على احتواء جميع ابنائه، المحسنين منهم والعصاة، المستقيمين والمائلين، المتحمسين والفاترين.

 *** أشد ما يؤرق ضمير المسلم المعاصر هو السؤال القديم الجديد :

-         لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟. قدم الغربيون جوابا بسيطا فحواه ان المسلمين مصابون بعجز ذاتي/ ثقافي عن الاقلاع عن حالة التخلف، لأنهم مشغولون بأنفسهم، منغمسون في تاريخهم، غافلون عن رؤية العالم الحاضر والآتي. وهم يرجعون هذا العجز إلى «التزام المسلمين بدينهم».

طوال العقود السابقة كافح المسلمون لدحض هذا الجواب وإثبات ان الاسلام ليس معيقا لنهضة المسلمين، الاسلام ليس عصبياً ولا يجيز العصبية، وأنه منفتح متسامح يستطيع احتواء الخلافات والاختلافات ويتعامل بالحسنى مع ابنائه وغير ابنائه.

 الاسلام ليس ضد العلم بل يحترم النقاش العلمي والخلاف في الافكار والمتبنيات. الاسلام لا يجيز التقاتل والتشاحن والشتم والتحريض. الاسلام يدعو الى السلم الاهلي والاحترام المتبادل بين ابنائه وبين الامم المختلفة.. الخ.

هذا هو الجواب الذي يرغب المسلم العادي في سماعه، وهذه هي الرؤية التي يريد المسلم العادي تحويلها الى واقع حي في حياته اليومية.

بعبارة اخرى فان المسلم العادي يريد ان يجمع في ضميره عنصر الايمان وعنصر المحبة وعنصر النهضة كي تشكل صورة واحدة هي صورة المسلم المعاصر وهويته وطموحه.

اذا اردنا تثبيت وصيانة هذا الضمير فعلينا ان نبحث في وقت الازمة عن خيوط الضوء، أي الطريق الذي يقودنا الى نهاية النفق.

علينا ان نفصل انفسنا عن ابطال الفتنة، لا ان نتحول الى جنود في كتائبهم او مصفقين لانتصاراتهم او بكائين على هزائمهم. في كل ازمة ثمة متقاتلون من اجل السلطة والسياسة، وثمة مستفيدون ومتاجرون بالصراعات، وثمة من يبحث عن مغانم وسط الاشلاء، وثمة من يركب الموجة بحثا عن دور او مكانة يعجز عن ضمانها من خلال المنافسات الشريفة العادلة. وثمة متساهلون لا يهمهم كم يراق من الدم وكم تراق من الكرامات وكم يدمى من ضمائر.

كل واحد من هؤلاء يسعى لتبرير عمله وإقناع الاخرين بتأييده، وهو لا يتورع عن استعمال الرمز الديني او القومي، ولا يتورع عن استدعاء التاريخ واختزاله واستخدامه في غرضه الخاص.

أي رسالة نريد ايصالها الى عقول الناس؟. هل نريد القول بأن الفتنة المذهبية الراهنة هي خلاصة ما تستطيع الامة الاسلامية فعله، ام نريد القول بأن ديننا عاجز عن صياغة نموذج سليم للتعايش بين اتباعه على اختلاف قومياتهم ومذاهبهم ؟.

أي رسالة يتمنى المسلم المعاصر سماعها : اهي رسالة المتقاتلين والمتاجرين بالفتنة والمتساهلين، ام رسالة التسالم والتعايش؟.

دعونا نستمع لصوت العقل ونداء الضمير، ليس من اجل مذهب او حزب او منصب، بل من اجل انفسنا جميعا، من اجل مستقبلنا، ومن اجل ديننا.

دعونا نثبت لانفسنا واولادنا فضلا عن الغرباء بأن ديننا قادر على استيعابنا جميعا مهما اختلفنا، قادر على توحيدنا مهما تباعدت أوطاننا او تعارضت آراؤنا.

 

 فبراير 2007

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...