21/09/2016

مشغولون باسم العدو وصفاته



أبدأ بما انتهى اليه زميلي ياسر الغسلان (الوطن 19-9-2016) وخلاصته اننا "نحب سماع ما يروق لنا" ونضيق الامر حتى نجعل كل راي مختلف عما توهمناه ، اعلان معارضة. وأزيد ان البساطة قد بلغت ببعضنا حد الظن ان كل مختلف عنا عدو لنا ، وكل مخالف لنا متآمر علينا. نقل الزميل الغسلان ذلك الانطباع عن جون الترمان ، هو باحث امريكي متخصص في شؤون الشرق الاوسط ، ووافقه فيه.

أعلم ان مفهوم "الاختلاف" ليس ناضجا في ثقافتنا العامة بما يكفي. وهذا هو السبب الذي يجعل نقاشاتنا ساخنة متوترة ، حتى تلك التي تدور حول كرة القدم أو الفتاوى الفقهية ، بل وحتى اسماء الازقة ، فضلا عن الصراعات السياسية الدائرة هنا وهناك.
وقد جرت عادتنا على اغفال عناصر القضية المثارة والتركيز على اشخاصها. ثم الهروب من التحليل ومحاولة الفهم ، الى استيراد اقاصيص ذات ظلال دينية او تاريخية ، لاصدار حكم يلخص رأينا في الموضوع المطروح. بعبارة اخرى فاننا لا نجتهد في فهم الواقع ولا نهتم بتفكيك اجزائه قدر اهتمامنا بالحكم عليه. انظر الى القضايا المثارة في الساحة اليوم ، من الحرب الأهلية في سوريا الى "قانون العدالة ضد الارهاب" الذي صوت عليه الكونغرس الامريكي قبل أيام ، الى الانتخابات الامريكية والروسية الخ.. في كل هذه المسائل نتحدث عن "الاشخاص" الذين لهم علاقة بها ولا نتحدث عنها الا نادرا. وحديثنا عن الاشخاص يكون في الغالب (او ربما دائما) انطباعيا وليس تحليليا. وخلاصة ما نتوصل اليه هو ابتكار صفات اضافية لمن نصنفه كعدو او صديق.
دعنا نأخذ مثالا عن الانتخابات الامريكية التي نعلم انها ستأتي برئيس جديد بعد خمسة أشهر. فنحن لم نناقش حتى الآن سؤال "كيف ستكون سياسة واشنطن في العالم ومعنا خصوصا اذا فاز المرشح الجمهوري دونالد ترامب" و "كيف ستكون تلك السياسة لو فازت المرشحة الديمقراطية كلينتون". في كلا الحالتين ، ما الذي نربحه وما الذي نخسره ، وكيف نعالج الوضع الجديد على نحو يقلل خسائرنا أو يزيد مكاسبنا ، اي ما هي الادوات المتوفرة لدينا او التي يجب توفيرها لمعالجة الوضع الجديد. ومثل ذلك قانون جستا المشار اليه. فقد قررنا سلفا انه يستهدف العرب دون غيرهم ، وان الكارثة تطرق أبوابنا. حسنا.. هل الخطر داهم الى هذه الدرجة؟. واذا كان كذلك فما هي الخسائر المتوقعة ، وما الذي يتوجب علينا فعله ، على المستوى القانوني والسياسي والاقتصادي.
الازمة السورية مثال آخر اشد ضغطا على مشاعرنا. تحولات الميدان وانعكاسها على التداول السياسي لم تكن كافية فيما يبدو لتدفع نقاشاتنا الى الحلول الممكنة والمناسبة لمصالحنا. نعلم ان الولايات المتحدة وروسيا قد استحوذتا على المبادرة السياسية ، فهل لدينا تصور عن السيناريوهات المحتملة في حال التوصل الى اتفاق سياسي ، او في حال انهيار الاوضاع وتفاقم الحرب من جديد؟. هل لدينا تصور عن حلول ممكنة يمكن طرحها بموازاة الحلول التي يناقشها الامريكان والروس؟.
زبدة القول ان الانشغال الكثيف بالبحث عن اعداء ، او المبالغة في وصف الاعداء وافعالهم (وهي لا تخلو غالبا من الانطباعات والعواطف والاوهام) لا تفيدنا كثيرا ، بل تشغلنا عما هو ضروري ، وهو البحث في تلك القضايا بذاتها ، تفكيكها من اجل فهمها ، ثم دراسة ما نربحه او نخسره من ورائها ، وما ينبغي علينا فعله لتعزيز موقفنا ازاءها.
الشرق الاوسط 21 سبتمبر 2016 http://aawsat.com/node/742561


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...