أغلبية العاملين
في السوق مقتنعون اليوم بأن الاستراتيجية التي تبنتها وزارة العمل لإحلال العمالة
السعودية محل الاجنبية قد ادت غرضها واستنفدت مفعولها، وقد حان الوقت للتخلي عنها.
قرار مجلس الوزراء بإعفاء المقاولين الذين ينفذون مشروعات حكومية من قيود تلك
الاستراتيجية، ولا سيما في تحديد نسبة العمال السعوديين في كل منشأة، هو اقرار
بالحاجة الى مراجعة كلياتها وتفاصيلها. ربما نجح كبار المقاولين في ايصال صوتهم
الى اصحاب القرار. لكن صغار المستثمرين قد اوصلوا صوتهم ايضا. المشكلة ليست اذن في
عدم علم الوزارة بالازمة التي تواجه هذا القطاع، بل في اصرارها على المضي في
سياساتها المتشددة ولو كان الثمن غالياً.
أتمنى ان يقوم معالي وزير العمل او وكلاء
الوزارة بجولة في المناطق الصناعية في أي مدينة من مدن المملكة كي يروا انعكاسات
تلك السياسة، او لعلهم يخصصون وقتا للاستماع الى صغار المقاولين واصحاب الورش والحرفيين،
كي يكتشفوا ان المشكلة اليوم لم تعد فتح مؤسسات وهمية لتاجير العمال كما صرح وزير
العمل في وقت سابق. المشكلة التي يواجهها صغار المقاولين والحرفيون اليوم هي
بالتحديد عدم القدرة على العمل وعدم القدرة على التوسع، وبكلمة مختصرة العجز عن
الاستجابة لقوى السوق. خلال السنوات الثلاث الماضية حافظ الاقتصاد السعودي على
حركية متنامية، أدت بالضرورة الى ارتفاع كبير في الطلب على البناء والخدمات
المختلفة، وهذا يستدعي زيادة في قوة العمل.
يمكن للوزارة الاحتجاج بانها
تريد استثمار زيادة الطلب هذه في تشغيل ما تبقى من المواطنين العاطلين. لكن هذه
الحجة تنطوي على تبسيط مخل لفكرة التشغيل ومعالجة البطالة. نعرف جميعا ان زيادة
الاستثمار ستؤدي اتوماتيكيا الى خلق فرص جديدة متنوعة للسعودي والاجنبي على حد
سواء. وفي كثير من الاحيان فان فرصة العامل السعودي مرهونة بنظيره الاجنبي. لناخذ
كمثل ورش صيانة السيارات : يمكن لمستثمر صغير، قد يكون شابا حديث التخرج او عاملا
سابقا، او متقاعدا من شركة، او ربما متدربا طموحا، يمكن له ان يفتح ورشة يعمل فيها
بنفسه ويوفر فرصة لسعودي آخر. لكنه قطعا لا يستطيع الاقتصار على فنيين سعوديين،
لان هؤلاء سيحصلون ببساطة على فرص في شركات كبرى تقدم رواتب اعلى وضمانات وظيفية
افضل.
بعبارة اخرى فان الورشة يمكن ان تقدم فرصة للتدريب والعمل لاول مرة او ربما
عملا ثابتا لاصحابها، لكنها لا تستطيع منافسة الشركات الكبرى التي يتزايد طلبها
على الفنيين المؤهلين. اذا منع صاحب الورشة من استقدام ما يكفيه من الفنيين
الاجانب فلن يستطيع فتح ورشته، واذا لم يفتحها فسوف نضيع فرصة تشغيل لشخص او
شخصين، ونضيع فرصة استثمار يمكن ان يسهم في تنشيط قطاعات اخرى من السوق. تجولت هذا
الاسبوع في منطقة صناعية تضم عشرات من ورش الصيانة والاعمال المختلفة، فوجدت كثيرا
منها شبه عاطل. حين تسأل يقولون لك ببساطة : ليس لدينا عمال ولا نستطيع تلبية
طلبات العملاء. تحدثت ايضا الى عدد من المقاولين فاتفقوا جميعا على انهم يعتذرون
يوميا عن اخذ عقود جديدة لانهم غير قادرين على تنفيذها. والسبب مرة اخرى هو قلة
العمال. هذه الفرص الضائعة هي استثمارات يمكن ان تسهم في توليد وظائف او توفير فرص
جديدة، لكنها تذهب هدرا بسبب التشدد في سياسات العمل. لكل استراتيجية مدى محدد
تؤدي خلاله غرضها وتفتح الباب امام استراتيجية بديلة.
استراتيجيات العمل تتبع
منحنى يشبه ما يسمى في الاقتصاد السياسي بمنحنى الاشباع الحدي، اي نقطة الذروة في
التأثير. من بعد هذه النقطة يبدأ التراجع وصولا الى نقطة الضرر، اي تحول
الاستراتيجية المفيدة الى معطل ومعيق للتقدم. من المتفق عليه ان القطاع الخاص هو الدينامو
الاقوى للاقتصاد، وان صغار المستثمرين والمستثمرين الجدد هم قوة التجديد والتصعيد.
ولهذا فان اي استراتيجية قطاعية، مثل تلك المتعلقة بمعالجة البطالة، ينبغي ان تخضع
للاهداف الكلية لحركة الاقتصاد ومن ابرزها اجتذاب المزيد من المستثمرين الجدد الى
منظومة الانتاج. العلاج الطويل الامد للبطالة يكمن في زيادة الاستثمار، وزيادة
الاستثمار تتوقف على اجتذاب الرساميل الصغيرة واصحاب الطموح من صغار المستثمرين.
يمكن لاستراتيجية وزارة العمل الحالية ان توفر فرصا لمئات من الشباب العاطلين،
لكنها في الوقت نفسه تعطل فرصا استثمارية قد توفر آلافاً من الوظائف الجديدة. واظن
انه قد حان الوقت لمراجعة هذه الاستراتيجية التي استنفدت اغراضها.
عكاظ 23 مايو 2007
العدد : 2166
http://www.okaz.com.sa/okaz/osf/20070523/Con20070523112683.htm