ربما ترغب ايضا في قراءة
( 1 )
في قضية المرأة المسلمة
ودعوتها إلى ميدان العمل على نطاق واسع ، وفي دورها الاجتماعي ، والاشكالات التي
تحيط بهذه القضية ، كلام كثير ، يحسن بنا خوض غماره ، طمعا في تحديد دقيق لأجزاء
الموضوع ، وبحثا عن الحدود الفاصلة بين ما تقرره الشريعة وما يقرره المجتمع ، وثمة
مسائل تمهيدية لا بد من البدء بها كاشارات إلى السياق العام للبحث ، لكني أعد
القاريء بأن اكتفي بهذه الاشارات في الوقت الحاضر ، وأتمنى ان أجد من يشارك في هذا
البحث ، إصلاحا أو تفنيدا أو تكميلا .
هذه المسائل لا علاقة لها بموضوع المرأة على
وجه الخصوص ، فهي ترتبط أساسا بالطريقة التي تجري بها معالجة هذا الموضوع وسواه
على المستوى النظري ، لكن كون قضية المرأة موضوعا مطروحا للنقاش ، يستدعي مناقشة
ما يعتبر تمهيدا ضروريا للبحث والمعالجة ، سيما وقد جرت العادة على تجاوز المقدمات
، رغم ضرورتها لتحديد مادة النقاش .
المسألة الاولى :
بعض القضايا تثير جدلا من
نوع خاص ، بحيث يعتبرها البعض حساسة ، ويفضلون غض الطرف عنها أو التكتم عليها ،
خشية ان يمتد الجدل فيها إلى نقاط ساخنة ، لا يرغب الكثيرون في طرقها ، ولدينا في
المجتمع والثقافة عشرات من المسائل ، تعارف الجميع على السكوت عنها ، توقيا لعواقب
ابداء الرأي ، أو انتظارا للوقت المناسب ، لكن لسوء الحظ ، فان الوقت المناسب قد
يأتي متأخرا وقد لا يأتي على الاطلاق .
ثمة قضايا تعتبر قليلة
الاهمية بذاتها ، أو قليلة الفوائد بالنظر لما ينتج عن تبادل الرأي فيها ، ولهذا
فان تأخيرها أو السكوت عنها ، لا يترتب عليه سوى اشكالات نظرية ، وطبقا لأبي اسحاق
الشاطبي فكل مسألة لا ينبني عليها عمل فالخوض فيها مرجوح . لكن إلى جانب هذه ، ثمة
قضايا ينتج عن تهميشها أو السكوت عنها ، إشكالات نظرية وعملية ، وقد يؤدي منع
الجدل فيها ، إلى تثبيت رأي واحد باعتباره
معياريا لأمد طويل ، أي تجميد الاجتهاد
وغلق ابوابه ، واحالة الناس إلى نوع من التقليد الجبري ، وهو ما خالفه معظم
العلماء وأهل الفكر المسلمين ، لا سيما المعاصرين منهم .
وتعتبر قضية المرأة ودورها
في مجتمع المسلمين المعاصر ، واحدة من القضايا التي تصنف ضمن المجموعة الثانية ،
فهي كبيرة الاهمية ، لتعلقها بنصف المسلمين على وجه التقريب ، وتؤثر ـ بشكل مباشر
وغير مباشر ـ على النصف الباقي ، وهي مهمة أيضا لأنها موضع اشتباك رئيسي في الصراع
بين الثقافتين الاسلامية والغربية ، وهي مهمة ثالثا لانها تعبير بارز عن مخرجات
الظرف الاجتماعي المتخلف للعالم الإسلامي في العصر الحاضر ، ولا أظن أحدا يلم
بأوليات المعرفة والمجتمع ، ينكر ما لتخلف المجتع من انعكاسات على ثقافته وقيمه
ونظام التراتب السائد فيه ، لكن القضية ـ رغم تلك الاهمية ـ مسكوت عنها ، أو
مختزلة في قوالب ضيقة من التطبيقات او الآراء .
أقول انها مسكوت عنها ، رغم
كثرة ما يكتب وما يقال في هذا الامر ، فكثرة الكلام قد لا تكون سوى تكرار لقليله ،
فالكثير مما يكتب ويقال اليوم في قضية المرأة المسلمة ، لا يخرج عن واحد من صنفين
من الكلام ، صنف يدعوها إلى التحرر أخذا بعين الاعتبار النموذج الاجتماعي الغربي ،
وصنف يعارض هذا المنحى ، ويدعوها إلى التزام النموذج التقليدي للمجتمعات الشرقية ،
ويبرهن الاول على كلامه بنتائج التجربة الغربية ، ويبرهن الثاني على رده بشواهد من
النص والسيرة ، أو بتصورات انتقائية عن النتائج السلبية التي آلت اليها تلك
التجربة ، لكن في كل الاحوال فان المساجلة في الموضوع ، لم تسمح للطرفين بالتوصل
إلى اتفاق على تعريف كل جزء من تفاصيل القضية ، ولا استبيان المسار التاريخي الذي
سلكه كل رأي من الآراء المطروحة للنقاش ، حتى وصل إلى صورته الراهنة ، كما لم يدر
أي نقاش جدي ، حول بدائل تعالج الاشكالات التي يطرحها كل منهما ، فكأن كلا من
الطرفين قرر منذ البدء ، ان رأي الآخر باطل ، وان جوابه يجب ان يؤدي إلى نقضه ،
كائنا ما كانت طبيعة ذلك الرأي أو غرض صاحبه ، بكلمة أخرى فان الجدل استهدف دائما
النقض لا العرض .
لهذا السبب فمن الضروري
الخروج بالنقاش حول قضية المرأة المسلمة ، من إطار السجال النقضي بين الخصوم ،
ويجب غض النظر ـ ولو مؤقتا ـ عن العامل الغربي في المسألة ، لكي يتاح لنا إجراء
مناقشة هادئة حول وضع المرأة المسلمة ضمن الاطار الإسلامي في مجتمع مسلم ، انطلاقا
من القواعد الانسانية التي قامت عليها الشريعة الغراء ، واستقر عليها عمران العالم .
بعضنا قد يرى ان الرد على
الخصوم هو الجزء الاهم في الموضوع ، لأنه موضع الابتلاء ، ولأن الخشية من تأثيرهم
ليست بلا أساس ، لكن من جهة أخرى فان عدم وجود تصور متكامل حول ما نريد ، يجعلنا
ندور في إطار الجدل الذي يقرره اولئك ، بدل ان نبتكر الاطار الذي نريده ونحتاج
اليه ، فلنقل ان البحث في قضية المرأة له بعدان ، البعد المتعلق بمكانها في
المجتمع المسلم ، بغض النظر عما يقوله الغير ، والبعد المتعلق بمعالجة الأجانب لهذ
القضية ، أيا كانت أغراضهم ، وإذا كانت
حماستنا قد انصرفت حتى الآن إلى البعد الثاني ، فان العواقب السلبية لاهمال الاول
لا تقل أثرا عن عواقب اهمال الثاني ، ويبدو اننا بحاجة إلى الاهتمام بما لدينا وما
نحن فيه بدرجة أكبر من اهتمامنا بما عند الغير وما يقوله الغير .
( 2 )
تحدثنا في الصفحات السابقة عن
الحاجة إلى طرق القضايا التي هي موضع حاجة عامة للمجتمع ، ومناقشتها انطلاقا من
حاجتنا إلى استنباط معالجات معاصرة ومتوافقة مع متطلبات الشريعة ، بغض النظر عما يثيره
الآخرون من إشكالات ، والمقال بحلقاته الثلاث يعالج اشكالات منهجية في الجدل حول
الموضوعات التي تتسم بحساسية من نوع ما ، ومثالنا الرئيسي في هذا المقال هو مكان
المرأة ودورها في المجتمع المسلم والاشكالات المحيطة بدخولها ميدان العمل على نطاق
واسع ، ونواصل هنا بعرض مسالتين أخريين.
المسألة الثانية :
استنباط المفاهيم القاعدية
والمعايير ، يجري عبر طريقين مختلفين ،
أحدهما يبدأ باستقراء التفاصيل والتطبيقات الجزئية ، لاكتشاف متغير محدد ، يمكن
اعتباره صورة أولى عن قاعدة نظرية تحكم الجميع ، ويبدأ الثاني بتحليل متغيرات
تتعلق بقاعدة محددة موجودة سلفا ، لكشف نطاق التغير في تطبيقات القاعدة على
موضوعات عملها ، ومعظم حالات استنباط الاحكام الشرعية تندرج ضمن هذا السياق ، لكن
تكييف الموضوعات وهي عملية سابقة للبحث عن الحكم ، تندرج في السياق الاول ، فنحن
نعرف ابتداء ان لله في كل واقعة حكما ـ وهو رأي أكثر الاصوليين ـ لكن إدراك المراد
الرباني يحتاج إلى اجتهاد في الجانبين ، في تكييف الموضوع وتحديد عناصره وأبعاده ،
واجتهاد في استنباط الحكم المناسب له ، ومع اختلاف المجتهدين واختلاف ازمانهم
ومؤثرات بيئتهم ، تختلف نتيجة الاجتهاد التطبيقي في موضوعات اشتغال القاعدة
الواحدة ، فيجد الفقيه أو صاحب الرأي نفسه إزاء آراء متعددة مختلفة ، ومع ان أيا
من هذه الاراء لا تلزمه ـ بالمعني الشرعي ـ إلا ان وجودها يحمله عبئا أدبيا يصعب
تجاوزه ، خاصة تلك التي صدرت من أسلاف فكريين أو مدرسيين للفقيه المعني ، أو تلك
التي تلقاها جمهور الامة بالقبول وتحولت من ثم إلى عرف سائر في مجتمع المسلمين .
وفي ظني ان الجدل الفقهي
والاجتماعي في قضية المرأة ، قد تأثر بمجريات هذا السياق ، فالكثير مما يقال اليوم
عن التكييف الشرعي للمسائل المتعلقة بوضع المرأة في المجتمع المسلم ، ليس اجتهادا
مستقلا في المسألة التفصيلية ، كما انه لا يبدأ بتحليل المتغيرات الفرعية المرتبطة
بالقاعدة ، بل هو بصورة أو بأخرى إعادة انتاج لآراء السالفين ، وهو يتأثر بقوة
بالانطباعات الشخصية عن أوضاع محددة أو حوادث ، وتستمد الاستنتاجات المتأثرة بهذا
العامل قوتها ، من وضع سائد تعارف عليه المجتمع وتلقاه بالقبول ، فأصبح بديهيا أو
شبه بديهي ، يستنكر غيره ، أيا كانت طبيعة هذا الغير أو دليله ، ان تحقيق القواعد
والمعايير الشرعية الاصلية والنظر في تطبيقاتها المعاصرة ، هو التجسيد الدقيق
للاجتهاد المستقل بمعناه الكامل ، وفي هذا فان الفقيه قد يأخذ برأي المشهور أو
الاجماعات السابقة ، باعتبارها تجربة علمية لا حكما قطعيا ، وفي كل الاحوال فانه
لا ينقض اجتهاد مجتهد معاصر برأي مجتهد سبقه ، كما ان العرف غير ملزم إذا لم يطابق
المعايير الشرعية ، حتى لو قال البعض بامكانية تخصيصه لعمومات القواعد الشرعية ،
وخلاصة ما يقال في هذا المعنى ان الاجتهاد المعاصر في قضية المرأة ، ينبغي ان يلحظ
حقيقة ان الاجتهاد في عصوره السابقة تأثر بمعطيات البيئة الاجتماعية ، وان تغير
الاحوال في هذا العصر تقتضي اجتهادا مستأنفا في الموضوع يلحظ معطيات الحاضر وحاجاته
، كما يحتاج تكييف كل جزء من أجزاء الموضوع إلى رأي اهل الخبرة في هذا الجزء .
المسألة الثالثة :
من مظاهر مرونة الشريعة
المحمدية ويسرها ، تقسيم الاحكام إلى اولية وثانوية ، فالاولية تحكم الموضوعات في
الحالة الطبيعية ، والثانوية تحكم الموضوعات في الحالات الاستثنائية ، ويطلق عليها
الفقهاء اسم (أحكام الضرورات) ويعرف الجميع ان الضرورات ليست صنفا واحدا ، فمنها
ما هو آني قصير الأمد ، مثل السماح بأكل الميتة للمنقطع في الصحراء حفظا لحياته ،
ومنا ما هو ممتد لامتداد الظرف الذي ألزم
به ، مثل رفع بعض الحدود في ظروف القحط والمجاعة العامة ، وقد جرى تنظير قواعد
للاحكام الثانوية من النوع الثاني ، تقربها إلى الصنف الأول ، ومنها على سبيل
المثال سد الذرائع ، فيستطيع ولي الأمر أو الفقيه المبسوط اليد ، ان يمنع الناس من
مباح ، سدا لذريعة التوسل به إلى الفساد المؤكد ، ويقول الاصوليون ان منع المفسدة
مقدم على جلب المصلحة
.
لكن في معظم الأحوال فان
الأحكام الثانوية ، تعتبر مؤقتة أو شخصية محدودة بزمان الضرورة ومكانها واشخاصها ،
بمعنى انها لا تجري مجرى القاعدة الثابتة ، فتكون بديلا عن الحكم الأولي ، فلو سد
الفقيه بابا مباحا لأنه ذريعة للفساد ، فان الاطمئنان إلى انقطاع السلسلة ـ ولو في
حالات محددة ـ يبريء ذمة المكلف ، إذا أخذ بالحكم الأولي أو برأي الغير .
في تطبيق هذا المسار على
موضوع المرأة المسلمة ، نجد ان بعض الآراء تؤسس على قاعدة سد الذرائع ، لا على
الاحكام الأولية في الموضوع ، بديهي ان الفقيه مكلف شرعا ببيان الحكم في ما يعرض
عليه من الحوادث ، وهو أقرب إلى معرفة الحكم الشرعي من غيره بسبب التخصص ، لكن من
ناحية أخرى فان تطبيق الأحكام الثانوية محدود بظرفه الخاص ، لأن تمديدها إلى خارج
حدود الظرف الخاص ، يجعلها بديلا عن الحكم الأولي ، بل يلغي الحكم الأولي ، فاذا
وضعت حدود ضيقة لعمل المرأة أو دورها الاجتماعي سدا لذريعة الفساد ، أو سدا لذريعة
إهمال ما هو أهم ، فينبغي ان تعالج المسألة من زوايا مختلفة ، فلا يكتفى بالنكير
على عمل المرأة ، وكأنه ـ بذاته ـ محرم أو مكروه ، كأن يقال ان الحكم الاولي
ـ أي الجواز ـ جار بهذه الشروط أو ضمن هذه
الترتيبات ، أو يقال ان عملها في المكان الفلاني ، أو ضمن الظروف الفلانية ، ممنوع
أو مكروه أو مرجوح ، لهذه الأسباب ، وهو جائز في بقية الاماكن . وأظن اننا بحاجة
اليوم إلى تحديدات من هذا النوع ، لتلافي الاضطرار إلى الاطارات الضيقة أو نقاط
الاشتباك الساخنة ، خاصة وان الاصل هو الاباحة ، وان المنع أو الالزام هو
الاستثناء ، فينبغي ان لا تضيق ابواب المباح حتى يتحول المنع إلى اصل والمباح الى
استثناء .
( 3 )
عرضنا في المقالين السابقين
ثلاث مسائل في منهج الجدل حول المسائل الحساسة ، أخذا بعين الاعتبار مثالنا
الرئيسي وهو قضية المرأة المسلمة ومكانها الاجتماعي وعملها على نطاق واسع ، وتعرض
المقال الاول للحاجة إلى مناقشة علمية للموضوع بذاته وبغض النظر عن السجال مع
الاجانب ، وفي المقال الثاني للحاجة إلى الاجتهاد المستقل والمعاصر في المسألة ،
كما ميزنا بين احكام الظرف الطبيعي وأحكام الضرورات والحاجة إلى وضع كل من الصنفين
في مكانه حتى لا تتحول احكام الضرورات إلى قواعد لمعالجة الحاجات الشرعية في الظرف
الطبيعي ، ونختم المقال هنا بعض مسألة أخيرة .
المسألة الرابعة :
اليسر من الاسس الكبرى التي
قامت عليها الشريعة المحمدية ، قال تعالى (ما جعل عليكم في الدين من حرج) وصح في
الأثر الشريف (يسروا ولا تعسروا) وتحديد التوازن بين طرفي العسر واليسر مسألة
تخصصية ، يقررها أهل الخبرة في كل تطبيق من تطبيقات الشريعة ، ثم ان مفهوم العسر
واليسر قد ينصرف إلى حالات شخصية ، وقد ينصرف إلى وضع عام ، يتعلق بالمجتمع المسلم
كمجموع ، ولا نريد بسط الحديث في هذا الموضوع بالذات ، فهو معروف عند الجميع ،
لكني أريد اقتراح موضوعين محددين يتعلقان بقضية المرأة ، للبحث في تطبيق التوازن
بين طرفي العسر واليسر على المستوى العام . الاول في التشغيل الواسع النطاق للنساء
، وأظن ان المسألة تتعلق بنحو مليون وظيفة في القطاعين العام والخاص ، فهذه
المسألة تبحث من جانب الاقتصاد الكلي ، أي تأثير اشتغال النساء على ميزان
المدفوعات الوطني ، وبالتالي على فرص تنشيط الدورة المحلية لرأس المال والحياة
الاقتصادية ، وعلى مستوى الاقتصاد الجزئي ، أي تأثير اشتغال النساء على مستوى
معيشة العائلة السعودية ، وتبحث من الجانب الاجتماعي ، أي تأثيره على فاعلية
المجتمع ونمو شخصيته ، مقابل التحديات التي تواجهه والتاثير الثقافي الخارجي عليه
، وتبحث ثالثا من الجانب التربوي ، أي
تأثيره على نمو الشخصية الفردية للمرأة وانعكاسه على قدراتها التربوية ، وضمن
الاطار العام ، فاننا نبحث الموضوع من زاوية أثره في الثقافة الاجتماعية السائدة ،
لجهة انعكاسه على تقدير الفرد لذاته وللآخر ، وتطوير تصوره للآخر باعتباره انسانا
له حقوق انسانية مماثلة . فهذه القضايا جميعها ذات علاقة وثيقة بقضية المرأة ، ومن
المهم جدا ان نضعها تحت المجهر ، كي لا نقع أو نوقع مجتمعنا في العسر الذي لا
تريده الشريعة ، ان البحث فيها قد يكشف لنا عن مصالح راجحة ، تركناها حفظا لمصالح
مرجوحة ، ظنا بانها المقدمة وانها الاهم .
أما الموضوع الثاني فان من
مظاهر اليسر في الشريعة المحمدية ، اختلاف الفقهاء في الرأي ، وجواز الأخذ بالرأي
الأيسر بين الاراء المختلفة ، وهذا الامر مريح لعامة الناس ، فهو يعينهم على
تلافي البحث عن مخارج أو حيل للتهرب من
الاحكام التي يجدونها صعبة التطبيق ، ومريح لولي الأمر فهو يتيح له الأخذ بجانب
التيسير على عامة الناس ، إذا احتاج إلى تقرير إجراءات رسمية في موضوع من
الموضوعات ، وهو مريح أيضا للفقيه الذي لا يستطيع ترك ما توصل اليه من رأي ، لأن
العلم حجة على صاحبه ، لكنه في المقابل لا يجد مسوغا لالزام الناس بما لا يطيقون ،
أو بما يكون سببا لتهربهم من طريق الشريعة ، فيحيلهم على فتوى غيره ، أو يسمح لهم بالرجوع إلى الغير
، وكلا الرأيين ، اليسير والعسير ، صادر عن مجتهد مؤهل لهذا الدور ، واتباعه من
جانب ولي الامر أو من جانب عامة المكلفين مبريء للذمة ، ومعذر امام الخالق ،
فالفتوى كما يذهب أكثر الاصوليين ليست منجزة بالضرورة للمراد الرباني من الحكم ،
لان معرفة الواقع أي مراد الخالق ، فوق
طاقة البشر القاصر ، لكن الاخذ بها ـ مع ذلك ـ مبريء للذمة ومعذر للمكلف يوم
الحساب .
أما وقد انتهينا من الموضوع
، فنعود إلى ما بدأنا به ، فنقول اننا بحاجة إلى بحث مستفيض لموضوع المرأة المسلمة
، وما يتعلق بدورها الاجتماعي من أحكام ، بحثا يأخذ بعين الاعتبار الاحكام الشرعية
الاولية ، ويضع كل تخصيص لهذا الحكم في حدود ما يوجب التخصيص ، ثم اننا بحاجة إلى
الفصل الحاسم بين ما هو حكم شرعي وما هو عرف اجتماعي ، فحتى لو أردنا الاخذ بالعرف
، فاننا نأخذ به باعتباره عرفا ، ولا نلقي عليه عباءة الحكم الشرعي ، خشية ان
يختلط الامر على الناس ويضيع الشرع في غمرة الاعراف والتقاليد .
مقالات ذات علاقة
حقوق الانسان :
قراءة معاصرة لتراث قديم
دور
المجتمع الاهلي والدولة في مكافحة العنف الاسري
فتاوى متغيرة : جدل
المعاصرة في التيار الديني
في بيان ان حقوق
المواطنة اعلى من قانون الدولة
مراجعة
لحقوق النساء في الاسلام: من العدالة النسبية الى المساواة
ولي امري ادرى
بامري" مخالفة لروح الدين
ولي أمري أدرى
بأمري»: زاوية مختلفة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق