هذه الكلمات بمثابة وداع لموقع "منبر الحوار
والابداع" الذي اعلن الشاعر علي الدميني اغلاقه هذا
الاسبوع. يستحق المنبر وصاحبه الاشادة والتبجيل ، لانه التزم طيلة تسع سنين
بالدعوة لمبدأ العدالة الاجتماعية ، والدفاع عن الحريات العامة ، والاحتفاء
بالافكار الجديدة.
علي الدميني |
حتى اواخر ستينات القرن المنصرم ، كانت "العدالةالاجتماعية" سمة حصرية لخطاب اليسار.
ثم اصبح المفهوم اكثر عمومية بعدما اعاد صياغته المفكر الامريكي جون رولز في نظريته التي تعرف غالبا بعنوانها
"العدالة كانصاف". تحول المفهوم الجديد الى رؤية كونية منذ
ان تبناه برنامج الامم المتحدة الانمائي كأساس لتقريره
التحليلي السنوي وتوصياته للدول الاعضاء في المنظمة الدولية.
تراجع الوجود السياسي لليسار مع صعود الليبرالية ونظرية المبادرة
الحرة. لكن قبل ذلك كان المفهوم الاشتراكي لدور الدولة في تحقيق العدالة
الاجتماعية ، كان ملهما لكفاح شعوب العالم ، في المجتمعات الصناعية والمتخلفة
والمستعمرات على السواء. الزخم العظيم الذي حظي به خطاب اليسار ، سيما بعد الحرب
الكونية الأولى ، كان السبب الرئيس لتغير مفهوم الدولة ووظيفتها ، وظهور ما يعرف
اليوم بدولة المنفعة العامة.
في ظل النموذج الليبرالي الكلاسيكي "الراسمالي" لم تكن
الدولة مسؤولة عن اي شيء ، سوى تمكين الناس من المنافسة العادلة على السلع
والخدمات المتوفرة في السوق. بينما دعا الاشتراكيون الى التزام الدولة بالتوزيع
العادل للموارد العامة ، على نحو يكفل لجميع المواطنين الضرورات
الاولية للمعيشة كي تصان كرامتهم.
ابرز التعديلات التي اضافها جون رولز هي تعريفه الجديد لمفهوم
المنافسة الحرة. فقد ركز على "قابلية الجميع للمنافسة" ، واتخذه مدخلا
للقول بان الدولة ملزمة بمساعدة الشرائح الفقيرة والضعفاء في المجتمع حتى يقفوا
على اقدامهم ، ويصبحوا قادرين على منافسة الاقوياء. هذا التعديل يبدو قريبا من
الخطاب الاشتراكي. لكنه يتمايز عنه بتأكيده على الحريات الفردية ،
واعتبارها جزء عضويا من مفهوم العدالة الاجتماعية. وهو العنصر الذي اغفله اليسار
الكلاسيكي.
كما في معظم مجتمعات العالم ، كان اليسار حاضرا في بلادنا منذ منتصف
القرن. واعرف مثل غيري ان كفاح اليساريين الاوائل هو الدافع الرئيس وراء تحسين
اوضاع العمال في ارامكو ، ثم تطوير نظام العمل ومنح العاملين حقوقا مادية ومعنوية
، اصبح كثير منها مصونا بالقانون.
واجه اولئك الرواد كثيرا من العنت ، من جانب الهيئات الرسمية
والمجتمع على السواء. ولم يكن لهم ذنب سوى تبنيهم لافكار جديدة ، غريبة على
المجتمع التقليدي يومئذ. نحن نبجل اسماءهم وتاريخهم لاننا نحصد اليوم الثمار
الطيبة لبعض ما زرعوه.
"منبر الابداع والحوار" كان الرمز الاخير لليسار المكافح. وجوده كان
تعبيرا عن التنوع الثقافي. ويحدوني الامل بان يواصل هؤلاء الرواد دورهم الاصلاحي
من منابر اخرى. بلادنا في حاجة الى الاصوات المختلفة والالوان المتعددة. التنوع
ثروة نستحقها وتستحقها بلادنا.