فكرة اعتماد رجال الجوازات في المطار اللباس
المدني شجعت الزميل محمد البكر على اقتراح تمديد التجربة الى المدن. فهو يرى ان الظهور
المكثف للعسكر وسياراتهم في المنتزهات والمرافق العامة يثير القلق بين الناس.
لعل بعض الناس يخالف الزميل البكر ، من زاوية ان حضور
العسكريين يؤكد هيبة الدولة. لكني ممن يرى ان كثافة الحضور العسكري لا تصنع امنا.
لطالما تأملت في سورة قريش ، سيما الاية المباركة "فليعبدوا رب هذا البيت
الذي اطعمهم من جوع وآمنهم من خوف". ويلفت نظري خصوصا تعريف الامن كنقيض
للخوف ، وعطف الامن على التحرر من الجوع.
كان ارسطو ، الفيلسوف اليوناني يرى ان الناس
يلتزمون بالقانون لانهم يخشون العقوبات المقررة فيه لا لانهم يحبون النظام. وقد تاثر
معظم قدامى الاسلاميين بهذا الراي ، فركزوا على فكرة "النظام العام"
كمبرر منفرد للحكم. ولهذا تقبلوا فكرة التغلب ولو اقترنت بالعسف. وهي الفكرة
السائدة في الثقافة العربية.
لكن النظريات الحديثة تميل بمجموعها للتاكيد على
"رضا العامة" كأرضية للسلم الاهلي. وذهب جميع المفكرين تقريبا ،
ماركسيين وليبراليين ، الى ان تحقيق مستوى معقول من العدالة الاجتماعية شرط لرسوخ
النظام العام.
تحقيق العدالة الاجتماعية عند الماركسيين منوط
بحصول كافة المواطنين على الحد الادنى من مقومات العيش الكريم ، من تعليم وصحة
وسكن وعمل. بينما أخذ الليبراليون بفكرة مسؤولية الدولة عن ضمان تساوي الفرص بين
الناس كأرضية لتحقيق العدالة.
وعند الفريقين فان اقتناع الناس بانهم يحصلون على
نصيب عادل او فرص عادلة سوف يجعلهم اصحاب مصلحة في الحفاظ على النظام العام الذي منحهم
هذه الفرصة. ولهذا سيميلون بشكل عفوي الى عزل اولئك الذين يحاولون تخريب النظام او
الاضرار به.
تخبرنا تجربة العديد من البلدان المبتلاة بالفوضى
ان كثرة السلاح وحملته لا تأتي بالامن ، قدر ما تأتي بالخوف. كان اشقاؤنا اليمنيون
يفخرون بان كل بيت فيه كلاشنكوف ويعتبرون هذا رمزا لاعتزاز الناس بانفسهم. ونعلم
ان مستويات الاستثمار في اليمن بين الادنى اقليميا لان المستثمرين غير مطمئنين.
وانها – لهذا السبب – عاجزة عن استثمار ثرواتها الطبيعية الضخمة. بعبارة اخرى فان
اتساع المظاهر العسكرية وكثرة السلاح وحامليه لا تأتي بالامن بل تأتي بالخوف.
زبدة القول ان مجتمعنا بحاجة لاستشعار هيبة
القانون وليس الخوف من العسكر وسلاحهم. هيبة القانون تتأتى من عاملين: اولهما شعور
الناس بانهم يحصلون على حقهم في اطار معاملة منصفة. والثاني هو قناعتهم بان يد
القانون العادل سوف تطال كل خارج عليه مهما علا شأنه. هذا يتأتى من جدية المؤسسة
الامنية في تعقب الجرائم وعرض مرتكبيها على قضاء يوفر ضمانات العدالة.
العسف المجرد لا يأتي بالامن قدر ما يصنع الخوف ،
والفرق بين الاثنين واضح لكل ذي لب.
الاقتصادية 15
ابريل 2014
http://www.aleqt.com/2014/04/15/article_841323.html
مقالات ذات علاقة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق