30/09/2010

اليات التفاوض الجماعي كوسيلة لضمان رضى العامة



عدم رضى المعلمين بقرارات تحسين المستوى التي اصدرتها وزارة التربية ، مثل عدم رضى كادرالجامعات عن نظام البدلات الجديد ، يخفي وراءه مشكلة اخرى هي انعدام اليات التفاوض الجماعي الضرورية لضمان الرضى بالحلول المطروحة. عدم رضى الموظف عن وضعه او عن دخله سيؤثر مباشرة في انتاجيته وادائه .
لا يوجد حل قطعي لاشكالية التعارض بين الموارد المؤكدة وتوقعات الموظفين الا باتباع طريقة جديدة في تصميم واصدار قرارات الزيادة . الطريقة المتبعة حاليا تشبه طريقة التلقين الشهيرة في مدارسنا . ثمة عدد من الموظفين يقررون في اجتماع مغلق طبيعة المشكلة التي يعانيها غيرهم ، ويقررون نوعية الحل وطريقة تنفيذه . اما صاحب المشكلة نفسه ، اي الموظف الذي يطالب بالزيادة ، فهو غائب تماما ، ينتظرالخبر في الصحف بعدما يتحول الى قرار نهائي او شبه نهائي ، فيرضى عنه او يضرب براسه عرض الحائط.
البديل الاصلح هو الية التفاوض الجماعي المتبعة في دول العالم المتقدمة.  في التفاوض الجماعي يؤلف المتضررون لجنة تمثلهم ، تضع الحلول التي يقترحونها وتحدد التنازلات الممكنة ، ثم تتفاوض مع الجهات المعنية ، سواء الوزارة التي يتبعونها مباشرة او وزارة المالية على هذه المطالب . تؤدي المفاوضات في العادة الى تفهم كل طرف لحاجة الطرف الاخر ، وتعزز استعداده لتقديم تنازلات اكبر ، ثم اقناع الجهة التي يمثلها بالعرض المضاد . ولا شك ان كلا الجهتين ، الوزارة والموظفين ستكون اكثر استعدادا لتقديم تنازلات او قبول عروض اقل من مطالبهم الاصلية اذا سمعوا تبريرات الطرف الاخر وناقشوها مع ممثليهم .
يفترض الموظفون عادة ان الحكومة او الشركة لديها ما يكفي من المال كي تزيد رواتبهم ، وفي المقابل يرفض القياديون في الشركة او الحكومة اي زيادة في النفقات الا اذا كانت ضرورية جدا ، وهم لا يوافقون عليها الا مضطرين . بعض المطالب عقلانية ومبررة تماما وبعضها غير عقلاني او غير مبرر . كما ان موقف الجهة صاحبة القرار قد يكون مبررا وقد يكون مجرد تحكم اعتباطي . ولهذا فاننا بحاجة الى عقلنة المطالب ، والطريق الى ذلك هو النقاش الداخلي بين المطالبين حول الجوانب المختلفة لهذه المطالب ، بما فيها مبررات الجهة الاخرى . النقاش الجدي سوف يكشف عن العلاقة بين هذه المطالب وبين المصالح العامة التي تمثل معيارا مقبولا عند جميع الاطراف ، الامر الذي يسمح بتحويل  هذه القضية الجزئية الى قضية عامة ، وبالتالي الحصول على دعم اطراف اخرى في المجتمع او الدولة .
المقدمة الطبيعية لالية التفاوض الجماعي هي وجود نوع من الرابطة التي تجمع بين اصحاب مصلحة واحدة مثل المعلمين او موظفي شركة او قطاع انتاجي . هذه الرابطة قد تكون جمعية او لجنة تنسيق او لجنة عمالية . وهي قابلة للتطبيق في كل مجالات الحياة الاجتماعية  ، وتنطوي كلها تحت عنوان واحد هو مؤسسات المجتمع المدني . مؤسسات المجتمع المدني هي الاطار الذي يتوسل به المجتمع لحل مشكلاته من خلال النقاش فيها وعقلنتها وكشف العلاقة بينها وبين المصالح العامة الاخرى ثم التفاوض بشانها مع الجهات المعنية في الدولة او في قطاع الاعمال او في القطاعات الاهلية الاخرى.
للدولة مصلحة اكيدة في قيام اليات التفاوض الجماعي وقيام مؤسسات المجتمع المدني التي تمثل اطارا لها ، لانها تتكفل بتحقيق الرضى عن الحلول المقترحة وتخفف عن الدولة اعباء التذمر الذي قد يصدر من جانب فئات اجتماعية تشعر ان مطالبها اهملت او لبيت على غير الوجه المطلوب.
لو كان لدى المعلمين او اساتذة الجامعات رابطة تمثلهم لامكنهم التفاوض من خلالها مع وزارة التربية او التعليم العالي او المالية حول الحلول المقترحة لمشكلاتهم وكيفية طرحها وتنفيذها . هذه الحلول التي تتطور بمشاركة جميع الاطراف هي الاقرب الى قبول الجميع وهي الادعى الى توفير الاستقرار الوظيفي والانتاجي.
نحن بحاجة ايها السادة الى الافراج عن نظام الجمعيات التطوعية الذي سبق اقراره في مجلس الشورى ، فهو يمثل الاطار القانوني المناسب لاقامة اليات التفاوض الجماعي ، فضلا عن فوائده الاخرى الكثيرة
1-10-2010

20/09/2010

عدد النساء في وزارة العمل


بطالة النساء هي التحدي الكبير الذي يواجهه وزير العمل الجديد. طبقا لتقديرات مصلحة الإحصاءات العامة فإن نسبة العاطلات عن العمل تصل إلى 27 في المائة. وأعرف ويعرف غيري أن العدد الحقيقي يزيد على ضعف هذه النسبة. إن مقارنة الأرقام الخام لعدد العاملات وطالبات العمل مع إجمالي النساء في سن العمل تكشف عن الحقيقة التي تخفيها النسب والتقديرات غير المحايدة. لكن حتى لو افترضنا أن هذه النسبة «معقولة» فإنها تشكل تحديا محرجا.
بذلت الوزارة في السنوات الماضية جهدا ليس بالقليل لمعالجة موضوع البطالة، لكن تلك الجهود تبقى موضع جدل لجهة الفلسفة التي قامت عليها والنتائج الفعلية التي أسفرت عنها. ومن المؤكد أن لدى مسؤولي الوزارة الكثير من المبررات والتفسيرات، قد نتفهم بعضها، لكنها لا تغير شيئا من الوقائع التي نراها على الأرض.
يمكن للوزارة أن تحدث اختراقا استراتيجيا إذا بدأت من النقطة الصحيحة، وأعني بها كادر الوزارة نفسها، ثم بقية دوائر الدولة. أقترح على الوزير أن يسأل مساعديه: كم تبلغ نسبة النساء بين مجموع موظفي الوزارة؟. وسيسمع الجواب الذي لا يتمناه: أقل من «5» في المائة.
تقول مصلحة الإحصاءات العامة إن عدد العاملات في القطاع الحكومي يبلغ الآن 275 ألفا، من أصل 900 ألف موظف، أي 30 في المائة، وقبل ثلاث سنوات كانت هذه النسبة 33 في المائة.
 بعبارة أخرى فإننا قد تراجعنا بدل أن نتقدم أو على الأقل نحافظ على نفس المستوى الضعيف. هذا بطبيعة الحال لا يعكس صورة دقيقة عن موقع المرأة في سوق العمل، لسببين:
 أولهما: أن معظم هذه النسبة مركز في وزارتين فقط هما التربية والصحة،
 والثاني: لأن القطاع الخاص شبه مغلق أمام النساء. طبقا لأرقام وزارة العمل فإن نسبة العاملات في القطاع الخاص قد ارتفعت بنسبة واحد في المائة فقط خلال ثلاث سنوات «من 6% عام 2006 إلى 7% عام 2009»، هذا يعني أن الوظيفة الحكومية تمثل فرصة وحيدة للنساء لأسباب معروفة.
من هنا فإني أدعو الوزارة إلى التركيز على هذه النقطة بالتحديد، أي منح النساء فرصا مضاعفة في القطاع الحكومي. وهذا ينبغي أن يبدأ من كادر وزارة العمل نفسها كي تكون نموذجا وأمثولة للوزارات الأخرى. ليس من المعقول أن تطالب الوزارة القطاع الخاص بتوظيف النساء وتنسى نفسها، مع أن ظروف العمل في القطاع الحكومي أنسب للنساء وأقل إثارة للجدل. في كل وزارة هناك الآلاف من الوظائف التي لا تستدعي اختلاطا ولا مواجهة مع الجمهور، وهي كلها تمثل فرصا طبيعية لمن يبحث عن حلول للمشكلة.
ترى هل تستطيع وزارة العمل وضع برنامج لإحلال النساء في 50 بالمائة من وظائفها خلال خمس سنوات؟.
خطوة كهذه ستشكل إشارة انطلاق لبرنامج أوسع يستهدف إلزام الدوائر الحكومية بتحديد نسبة إلزامية «كوتا» للوظائف التي تشغلها النساء في كل وزارة، لا تقل عن 20 في المائة على المستوى الوطني، و35 في المائة للإدارات التي تمثل بيئة تفضيلية للنساء، أي تلك التي يمثل العمل المكتبي نسبة كبيرة من وظائفها.
سمعت قبل أيام عن اعتزام وزارة التربية تأنيث قطاع تعليم البنات بشكل كامل، وإذا صح وجود استراتيجية لهذا الغرض فيجب أن ترفق ببرنامج زمني معقول. وهي على أية حال بادرة طيبة. لكن الأمر مطلوب أيضا من الوزارات الأخرى مثل الشؤون الاجتماعية والصحة والمالية والتجارة ومؤسسة النقد والتعليم العالي..
اشتغال النساء ليس ضرورة اقتصادية فقط، بل هو أيضا ضروري لإصلاح اختلالات ثقافية واجتماعية عميقة يعاني منها بلدنا بسبب هيمنة نمط ثقافي تقليدي عاجز عن استيعاب الحاجات الواقعية للناس والتغير الفعلي في نظام القيم والمصالح في السنوات الأخيرة. ربما لا يدرك التقليديون أن كثيرا من التوترات والأمراض الاجتماعية وحالات العنف والسخط ترجع إلى انعدام التوازن في بنية الإنتاج والدخل ومصادر المعيشة. ومن هنا فإنهم يسهمون غفلة أو تغافلا في تعميق تلك الاختلالات بمعارضتهم للتوسع في اشتغال النساء. يمكن لوزارة العمل أن تقدم خدمة عظيمة للبلاد إذا ساهمت في حل هذا المشكل. لكن عليها أن تبدأ بنفسها أولا.

21/08/2010

لا تتوقفوا في منتصف الطريق


ثمة قدر معقول من الحيوية في المشهد الثقافي السعودي ، لكن الطريق الى حياة ثقافية ناضجة لا زال طويلا.  كي نصل الى هذه الغاية فاننا بحاجة الى طرح قضايا جديدة او قضايا محورية تساعد على شق الطريق امام مناقشات جديدة. خلال السنوات الثلاث التي مضت دار جدل كثير حول القيم والاعراف السائدة في المجتمع السعودي وحول مراكز النفوذ الثقافي وعوائق النشاط الثقافي . وقد اثمرت هذه النقاشات عن فهم مختلف نوعا ما لقواعد التنظيم الاجتماعي والمعايير الثقافية. لكننا لم نصل بعد الى اقرار نهائي بهذه المعايير. نحن لا نزال في اول الطريق .

 في الاسبوع المنصرم نشر ملحق الرسالة بجريدة المدينة مناقشة حول حرية التعبير ، لاحظت ان طابعه العام اعتذاري او تبريري. الحديث عن حرية التفكير وحرية التعبير ينبغي ان يكون تقريريا او تفسيريا. الاتجاه الاعتذاري او التبريري ينبيء عادة عن قلق من الحرية اكثر مما يشير الى ايمان بها. ملحق الرسالة يعبر في العادة عن اتجاه ديني معتدل . واظن ان الموقف العام للتيار الديني من مسألة الحرية موقف مرتبك. التقليديون في هذا التيار يخشون من انهيار القيم والاعراف اذا قبلوا بالحرية كمبدأ وقيمة عليا ، والمعتدلون يشعرون في داخلهم بان حرية التفكير والتعبير هي المقدمة الضرورية لتجديد الفكر الديني. وهم يعبرون عن هذا صراحة احيانا وبين السطور في معظم الاحيان. لكن هذه القناعة لا تزال فيما يبدو بكرا لم تنضج ولم تصارع الاشكالات. مسألة الحرية ولا سيما حرية التفكير والتعبير هي مثال على القضايا التي طرقنا سطحها ولم نذهب في النقاش حولها الى العمق.

اضافة الى مسالة الحرية ، هناك الكثير من المسائل الحرجة التي يمثل البحث فيها مفتاحا لتطوير الثقافة العامة. من ذلك مثلا مسألة القانون ، سيادة القانون ، عدالة القانون ، والمساواة امام القانون. هذه المسالة قد تبدو بعيدة عن هموم معظم المشتغلين بالثقافة في بلادنا ، رغم انها جوهرية مثل حرية التفكير والتعبير. نحن نتحدث عن الثقافة العامة في معناها الواسع الذي يتضمن فهم الفرد لنفسه ودوره وعلاقته بالسلطة والنظام الاجتماعي واعضاء المجتمع ومؤسساته. هي مهمة بصورة خاصة في مجتمعنا بسبب هيمنة الجانب الشخصي والعلاقات الشخصية على الاعمال والعلاقات. الشكوى من شيوع الواسطة والمطالبة بتدخل الكبار ونزوع الافراد الى الاستنجاد بروابطهم القبلية والمناطقية والعائلية ، وتصنيف الناس الى اعداء واصدقاء بحسب دوائر انتمائهم ومتبنياتهم ، تشير كلها الى غياب فكرة القانون عن اذهان الناس. القانون ليس سوى المعايير الموحدة لتبادل الحقوق والواجبات بين الافراد والمؤسسات الاجتماعية ، سواء تلك التي تتمتع بسلطة الامر والنهي او تلك المكرسة للخدمة العامة . النقاش في القانون لا ينبغي ان يقتصر على الجانب الدعوي المعتاد ، أي مطالبة الناس بطاعة القانون ، فهذا الامر من البديهيات وهو لا يضيف جديدا. نحتاج الى مناقشة القانون باعتباره اطارا للحرية الفردية والمساواة في الفرص والواجبات وتنظيم التعارض بين المصالح.

اتمنى من كل قلبي ان يبادر الناشطون في التيار الديني الى طرح مثل هذه القضايا على مائدة النقاش ، طرحا يستهدف تطوير الفكرة واستبيان ما تنطوي عليه من امكانات ومن تحديات ، وليس فقط مجادلتها كعدو او كجسر للعدوان. يهمني جدا ان يبادر هؤلاء ، لانها سوف تطرح للنقاش اليوم او غدا ، وحين يطرحها غيرهم فقد يجدون انفسهم – بحسب منطق الصراع – في الطرف المعارض للفكرة . وحينئذ سوف تفوتهم فرصة التامل الواقعي في ما تنطوي عليه من فرص هائلة. اقول هذا بعدما لاحظت انهم قد وقفوا دهرا ضد فكرة التحديث والتجديد والعصرنة ، ثم عادوا لتبني بعض جوانبها على خجل.

 ليس كل التحديات الثقافية نذر عدوان ، وليس كل ما يطالب به الاخرون اجندة غزو. للتيار الديني مصلحة اكيدة في ركوب قطار التجديد لان التجديد هو منطق الزمن. لسنا مخيرين بين التجديد وعدمه ، لكننا مخيرون بين تجديد سطحي استهلاكي وبين تجديد حقيقي ينال العمق. المسار الثاني يتطلب طرح القضايا الاساسية ومناقشتها بتعمق ومن دون قلق. حين تنضج حياتنا الثقافية فسوف نجد كثيرا من الامور ممكنة حتى لو بدت عسيرة او مخيفة في اول الامر.  

16/08/2010

وصايا رمضانية

هذه تعقيبات على وصايا رمضانية ، قدمها صديقنا العزيز الأستاذ نجيب الزامل ، أعرضها على من شاء أن يجني شيئا من بركات هذا الشهر الكريم:

1- مبدأ الحياة أن تكون سعيدا. جوهر السعادة هو أن تشعر بالحب يسري من حولك، في عيون الناس وفي كلامهم إليك. كي تشعر بحب من حولك حاول أن تعطيه من قلبك، وتعلم أن تترك قلبك مفتوحا كي يدخل إليه. أنت تشعر بالسعادة إذا ابتسم في وجهك شخص تعرفه أو لا تعرفه، وإذا قال لك كلاما طيبا. فلتكن المبادرة من عندك: قل للناس الكلام الطيب الذي تود أن تسمعه منهم، وبادرهم بالبشاشة والابتسام الذي تأمل أن تراه في وجوههم. إذا أردت محبة الناس فابدأهم بالحب.

نجيب الزامل (انتقل الى رحمة الله 4 يناير 2020)

2- ورد في وصايا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «أعجز الناس من عجز عن اكتساب الاخوان، وأعجز منه من ضيع من ظفر به منهم». وأظن أن أسعد الناس من كثر صحبه ومحبوه ، وأقلهم سعادة ، من يعيش وحيدا لا يعاشر أحدا ولا يعاشره أحد. ربما تخترع ألف مبرر كي تغضب من صديق أو تخسر صديقا، لكن أيا من هذه المبررات لا تعطيك لحظة سعادة. أما حين تكسب صديقا جديدا فإنك تخلق سببا للسعادة والسرور، لأنك تشعر بقيمة ذاتك وما تنطوي عليه من جمال لا يدركه من اعتاد الغضب أو الكراهية.

3- يتمنى بعض الناس أن يلتقي زيدا ليبصق في وجهه، أو ربما يتمنى لو كان له قوة لذبحه واستراح منه. لكنه لو فعل ذلك فسوف يظل أسيرا لهذا الفعل نادما عليه سنوات وسنوات. اسألوا الذين بدأوا حياتهم بالعنف والتشدد مع الآخرين ممن حولهم، كيف أصبحوا يشعرون بالخجل كلما التقت عيونهم مع عيون ضحاياهم، أو كلما ذكرت هذه القصة في جمع من الناس ممن يعرفهم أو لا يعرفهم. يخجل الإنسان من استذكار الألم الذي أوقعه في الآخرين، لكنه يشعر بالسعادة كلما تذكر إحسانا فعله فيهم، أو كلمة طيبة قالها لهم، ويشعر بسعادة أكبر إذا ذكر هذا الإحسان وقرن اسمه معه.

إذا فكرت في قهر شخص أو في وصفه بقبيح الكلام أو في معاملته بالعنف والشدة، فاعلم أن هذا الموقف الذي يدوم ساعات سوف يطاردك سنوات، وسوف يعكر صفو حياتك وسوف يحرمك السعادة حين تحتاجها. القول اللين وعمل الإحسان راسمال تستعيد أرباحه في مستقبل أيامك.

4-أجد بعض من يحمل لقب شيخ أو داعية أو يصنف نفسه في قبيلة المثقفين، عنيفا في الكلام، يستعمل من الألفاظ أخشنها وأكثرها إثارة للكراهية، ويظن نفسه بطلا في معركة. والحق أن المعركة قائمة في داخل نفسه فهو الذي نفسه منقسمة على ذاتها يحارب بعضها بعضا، وهو الذي يرى العالم من حوله حروبا تلد أخرى. وقد كان العفو أوسع له لو أراد السعة، والحلم أليق به لو عرف قيمة إنسانيته. لو كان رفيقا بنفسه لاكتشف جمال الرفق بالناس في كلمة طيبة أو ابتسامة في الوجه أو تحية في مناسبة أو في غير مناسبة..

5- حين تحسن إلى شخص فإنك لا تسأل إن كان مستحقا للإحسان أم لا. وقد أخطأ الذين قسموا الناس إلى مستحقين للإحسان ومستحقين للإساءة. ينبغي للإنسان أن يفعل ما يليق به، وما يحب أن يوصف به وينسب إليه. فهل رأيتم شخصا يحب أن يوصف بأنه شتام أو عياب، وهل يرضى شخص بأن يذكر في تاريخه أنه كان يذكر مخالفيه بالسوء ويشتمهم؟. إني لم أجد إسرافا محمودا ومحبوبا مثل الإسراف في القول اللين والإسراف في إظهار المحبة وبشاشة الوجه.

6- رمضان شهر التواضع، وأول التواضع هو الاعتقاد بأن ما تعرفه ليس آخر العلم، وأن ما تعتقده قد لا يكون عين الحق. التواضع هو أن تحتمل أن بعض ما تراه خطأ عند الآخرين ليس خطأ في حقيقة الأمر بل ربما يكون علما لم تبلغه أو حقا لم تدرك أبعاده.

لن يحاسبنا الله على أفعال الآخرين وآرائهم، لكنه سيسألنا عن أفعالنا الخشنة وأقوالنا الجارحة، فقد تكون ظلما للغير وإن ظنناه حقا يستوجب الإعلان.

 صحيفة عكاظ  - 16 / 8 / 2010

01/08/2010

أن نفهم الآخرين كما هم لا كما نتصورهم


   تتشكل هوية الأفراد، طبقا لاريك اريكسون الذي يعتبر مرجعا في هذا الحقل، خلال كفاح طويل هدفه تركيب عنصرين:
 أ) الكفاءة الفردية التي يتحدد معناها وتطبيقاتها على ضوء العرف السائد في المحيط الاجتماعي.

ب) حاجة الفرد للاندماج في عالم ذي معنى، أي محيط تعارف مناسب يقدر وجود الفرد وقيمته ودوره. يصوغ الفرد شخصيته وطريقة عيشه على نحو يجعله مألوفا ومقبولا في محيطه الاجتماعي. حين يولد الفرد وسط جماعة محددة، فإن موقفها العام وموقف الآخرين منها يصبح جزءا من هويته، حيث تعمق الصراعات ميل الفرد للاندماج في جماعته الخاصة، كوسيلة لتوفير الأمان الروحي والثقافي.
اريك اريكسون
 طبقا لأمين معلوف فإننا «غالبا ما نتعرف إلى أنفسنا في الانتماء الأكثر عرضة للتهجم».. الأصل الإفريقي يمثل رابطة بين السود في الولايات المتحدة، والانتماء إلى الإسلام يمثل رابطة تجمع بين الألبان في صربيا. العامل المحوري في تشكيل الهوية الفرعية، سواء كان دينا أو مذهبا أو لغة أو عرقا أو لونا، يمثل رمز التعريف للجماعة وجوهر الرابطة التي تجمع أفرادها.
يبرز تمايز الجماعة عن غيرها عندما يشار إلى الرابطة الجمعية أو العامل المشترك بين أفرادها «مثل المذهب أو الجنس أو الانتماء الأثني» كمبرر لموقف مضاد. وتتحول تلك الرابطة إلى عامل تصليب وتوحيد حين تتعرض الجماعة للقمع أو الإذلال أو التهديد. ويرى اريكسون أن الامتهان يولد ميلا شديدا عند الأفراد لصياغة هوية جمعية جوهرها الشعور بالتمايز، وربما العداوة مع الطرف الذي يمارس الامتهان.
ينطلق الامتهان من دوافع سياسية، حتى لو حمل مبررات أخرى، ويستهدف غالبا تبرير الهيمنة. وهو يبدأ بما يصفه اريكسون بالتصنيف الزائف الذي يغفل الكفاءة والفروق الفردية، ويعطي لجميع المنتمين إلى شريحة محددة وصفا واحدا، قد يكون بذاته محايدا، لكنه ينطوي على تنميط سلبي في أذهان الآخرين مثل القول بأن «المرأة عورة» أو «السود متخلفون»، وهو تنميط يؤدي بالضرورة إلى تسويغ العدوان على تلك الشريحة أو انتقاص حقوقها:
حين نقرر انتقاص ذلك الآخر، أي الفرد الذي يقع في رأينا في الموضع الخطأ أو الصنف الخطأ أو اللباس  ، فإننا نهون قدره، ونخرجه من دائرة التعامل الأخلاقي، فنتساهل في عيبه وذمه، ويصبح من ثم هدفا محتملا لنوازع العداون في نفوسنا، ولا نتردد في خرق إنسانيته، بل حتى حياته نفسها..
رد فعل الجماعة التي تتعرض للامتهان سوف يتراوح بين الميل للاستسلام والتخلي عن ذلك العامل الذي يميزها عن الآخرين، وصولا إلى الذوبان في الجماعة الأكبر، وبين تحويله إلى رمز للمقاومة، بالإصرار عليه وأحيانا المبالغة في تضخيم قيمته، حتى يتحول إلى محور رئيس للحياة اليومية أو مضمون لشريحة واسعة من النشاطات الحيوية للجماعة.
فهم هوية الآخر المختلف واحترامها هو المفتاح لعلاقة طبيعية تحكمها المثل الأخلاقية ومبدأ المساواة في الحقوق والواجبات. جميع الذين نتعرف عليهم أو نتصل بهم في حياتنا اليومية مختلفون عنا بشكل أو بآخر. ويميل الإنسان بشكل طبيعي إلى تحديد نمط علاقة بينه وبين هؤلاء الناس، تبدأ عادة بتصنيف ذلك الفرد، أي تحديد هويته وتحديد الخطوط التي تصله به أو المسافة التي تفصله عنه. وفي هذه النقطة بالذات تبرز الحاجة إلى تصنيف الفرد ضمن الطيف الاجتماعي الذي ينتمي إليه، سواء كان قبيلة أو دينا أو منطقة أو بلدا أو تيارا اجتماعيا أو ثقافيا أو اتجاها مذهبيا أو ايديولوجيا.
التصنيف الصحيح والمنصف هو الذي ينظر إلى الفرد بذاته، أي صفاته الشخصية وكفاءته ودوره الفعلي. والتصنيف الخطأ أو الظالم هو الذي ينتهي إلى تحديد موقف من الفرد طبقا لنظرة «نمطية» للإطار الاجتماعي الذي ينتمي إليه. ينطلق التصنيف السلبي من صورة ذهنية نمطية نحملها عن الآخرين كمجموعات لا كأفراد. هذا التصوير النمطي هو الذي يجعل مواقفنا منحازة ومتشددة، وهو الذي يجعلنا عاجزين عن فهم العالم كما هو.
- « صحيفة عكاظ » الأحد / 20 / شعبان / 1431 هـ  1 أغسطس 2010 
https://www.okaz.com.sa/article/346600

المواطن "الممتاز" والمواطن "العادي"

سألتني السيدة ميره ، وهي مثقفة من دولة الامارات الشقيقة ، عن علاقة المواطنين ببعضهم وعلاقتهم بوطنهم: هل نكتفي بمضمونها القانوني ، ام نحتا...