06/05/2014

قانون حماية الوحدة الوطنية


بلادنا ليست جزيرة معزولة عن العالم وصراعاته. مجتمعنا مثل كل مجتمعات العالم ، لا يخلو من جماعات تستثمر النزاعات الاهلية كي تعزز نفوذها الاجتماعي.
يعتقد الكثير من الشخصيات العامة في المملكة ان النصح والتوعية علاج ناجع لحالة التنازع والفرقة ، سيما تلك التي تتلبس عباءة الدين. وقام بعضهم مشكورين ببذل المستطاع في دعوة الناس الى الاخاء وتعزيز المشتركات بين ابناء الوطن. تجربة الحوار الوطني كشفت ايضا عن امكانات كبيرة لتجاوز دواعي الخصام.
لكنا نعلم ان هذه الجهود الخيرة لم تحقق الثمار المرجوة. لم ننجح كما لم ينجح غيرنا في البلدان الاخرى. الكويتيون مثلا اقتنعوا بضرورة اقرار "قانون حماية الوحدة الوطنية" الذي ينظم التعامل مع تجار الكراهية. تجربة بريطانيا انتهت بصدور قانون المساواة العرقية وانشاء هيئة تتولى تطبيقه ، حددت مهمتها بدمج الاطياف الاجتماعية ومعالجة ظواهر ومسببات الانقسام الاجتماعي. 
نحن بحاجة الى تفعيل الامكانات القانونية المتوفرة لدينا. واشير خصوصا الى المادة 12 من النظام الاساسي للحكم التي تنص على ان "تعزيز الوحدة الوطنية واجب ، وتمنع الدولة كل ما يؤدي للفرقة والفتنة والانقسام". هذا النص الصريح يمثل ارضية مكينة لاستراتيجية تشارك فيها الدولة والمجتمع بهدف ترسيخ الوحدة الشعورية وتعزيز الهوية الوطنية الجامعة.
المجتمع السعودي لم يعد بسيطا كما كان قبل نصف قرن. الدعوات الاخلاقية والدينية لم تعد كافية لتصحيح الاخطاء. لا بديل عن قانون يجرم الكراهية ويردع تجارها اذا اردنا حماية وحدتنا الوطنية وسلامنا الاجتماعي في مثل الظروف المتفجرة التي يعيشها محيطنا الاقليمي.
لا يليق بنا ولا يليق ببلدنا ان نتحول الى مجرد صدى لصراعات الاخرين. يتصارع الافغان فينقسم السعوديون الى فسطاطين ، يتصارع العراقيون فيحد كل منا سكاكينه ويتربص بالاخر ، يتصارع السوريون فاذا بنا نتحول الى درعا وحمص وحلب ، يتنازع المصريون على رئيسهم فاذا بمجالسنا تتحول الى ميادين رابعة والتحرير.
وليت الامر ينحصر في التنازع اللفظي. هذه الصراعات/الاصداء تتحول الى معارك حقيقية ، تتصاعد فيها لغة التخوين والتكفير والتهديد والمقاطعة والاستعداء والاستهداف ، وقد تصل الى العدوان المادي على الاشخاص.
هذا النوع من النزاعات طبيعته التوسع والتفاقم. ثمة اشخاص من بيننا تخصصوا في استثمار النزاعات الطفولية والمتاجرة في سوقها. وهم يجنون مالا وشهرة ونفوذا. هؤلاء لا يتركون تجارتهم اذا استمعوا واعظا او درسا في الاخلاق. ولا يهمهم ان يهتز البلد ماداموا رابحين.
اصدار قانون حماية الوحدة الوطنية اصبح ضرورة كي نحمي انفسنا وابناءنا ومستقبلنا من تجار الكراهية هؤلاء.
لا نطالب باجتراح المعاجز. نطالب فقط وفقط بصدور قانون يشرح الطرق القانونية اللازمة لتطبيق المادة 12 من النظام الاساسي للحكم. من واجب الحكومة تطبيق النظام الاساسي ، وهي مسؤولة عن مستقبل البلد ، امام شعبها وامام التاريخ.



الاقتصادية  6 مايو 2014
مقالات ذات علاقة

عن طقوس الطائفية وحماسة الاتباع

فلان المتشدد

خديعة الثقافة وحفلات الموت

ما الذي نريد: دين يستوعبنا جميعاً أم دين يبرر الفتنة

ثقافة الكراهية

تجريم الكراهية

تجارة الخوف

الطائفية ظاهرة سياسية معاكسة للدين

سوريا ليست معركتنا

 شراكة التراب وجدل المذاهب

تجارة الخوف

 نحتاج إلى قانون يحمي السلم الأهلي وحقوق المواطن

 في ان الخلاف هو الاصل وان الوحدة استثناء

29/04/2014

نحن مدينون لليسار المكافح

||انتقل الصديق الشاعر علي الدميني الى رحمة الله في 25 أبريل 2022||

هذه الكلمات بمثابة وداع لموقع "منبر الحوار والابداع" الذي اعلن الشاعر علي الدميني اغلاقه هذا الاسبوع. يستحق المنبر وصاحبه الاشادة والتبجيل ، لانه التزم طيلة تسع سنين بالدعوة لمبدأ العدالة الاجتماعية ، والدفاع عن الحريات العامة ، والاحتفاء بالافكار الجديدة.


علي الدميني

حتى اواخر ستينات القرن المنصرم ، كانت "العدالةالاجتماعية" سمة حصرية لخطاب اليسار. ثم اصبح المفهوم اكثر عمومية بعدما اعاد صياغته المفكر الامريكي جون رولز في نظريته التي تعرف غالبا بعنوانها "العدالة كانصاف".  تحول المفهوم الجديد الى رؤية كونية منذ ان تبناه برنامج الامم المتحدة الانمائي كأساس لتقريره التحليلي السنوي وتوصياته للدول الاعضاء في المنظمة الدولية.

تراجع الوجود السياسي لليسار مع صعود الليبرالية ونظرية المبادرة الحرة. لكن قبل ذلك كان المفهوم الاشتراكي لدور الدولة في تحقيق العدالة الاجتماعية ، كان ملهما لكفاح شعوب العالم ، في المجتمعات الصناعية والمتخلفة والمستعمرات على السواء. الزخم العظيم الذي حظي به خطاب اليسار ، سيما بعد الحرب الكونية الأولى ، كان السبب الرئيس لتغير مفهوم الدولة ووظيفتها ، وظهور ما يعرف اليوم بدولة المنفعة العامة.

في ظل النموذج الليبرالي الكلاسيكي "الراسمالي" لم تكن الدولة مسؤولة عن اي شيء ، سوى تمكين الناس من المنافسة العادلة على السلع والخدمات المتوفرة في السوق. بينما دعا الاشتراكيون الى التزام الدولة بالتوزيع العادل للموارد العامة ، على نحو  يكفل لجميع المواطنين الضرورات الاولية للمعيشة كي تصان كرامتهم.

ابرز التعديلات التي اضافها جون رولز هي تعريفه الجديد لمفهوم المنافسة الحرة. فقد ركز على "قابلية الجميع للمنافسة" ، واتخذه مدخلا للقول بان الدولة ملزمة بمساعدة الشرائح الفقيرة والضعفاء في المجتمع حتى يقفوا على اقدامهم ، ويصبحوا قادرين على منافسة الاقوياء. هذا التعديل يبدو قريبا من الخطاب الاشتراكي.  لكنه يتمايز عنه بتأكيده على الحريات الفردية ، واعتبارها جزء عضويا من مفهوم العدالة الاجتماعية. وهو العنصر الذي اغفله اليسار الكلاسيكي.

كما في معظم مجتمعات العالم ، كان اليسار حاضرا في بلادنا منذ منتصف القرن. واعرف مثل غيري ان كفاح اليساريين الاوائل هو الدافع الرئيس وراء تحسين اوضاع العمال في ارامكو ، ثم تطوير نظام العمل ومنح العاملين حقوقا مادية ومعنوية ، اصبح كثير منها مصونا بالقانون.

واجه اولئك الرواد كثيرا من العنت ، من جانب الهيئات الرسمية والمجتمع على السواء. ولم يكن لهم ذنب سوى تبنيهم لافكار جديدة ، غريبة على المجتمع التقليدي يومئذ. نحن نبجل اسماءهم وتاريخهم لاننا نحصد اليوم الثمار الطيبة لبعض ما زرعوه.

"منبر الابداع والحوار" كان الرمز الاخير لليسار المكافح. وجوده كان تعبيرا عن التنوع الثقافي. ويحدوني الامل بان يواصل هؤلاء الرواد دورهم الاصلاحي من منابر اخرى. بلادنا في حاجة الى الاصوات المختلفة والالوان المتعددة. التنوع ثروة نستحقها وتستحقها بلادنا.

الاقتصادية 29 ابريل 2014

 

مقالات ذات علاقة
من دولة الغلبة الى مجتمع المواطنة: مقاربة دينية لمبدأ العقد الاجتماعي

22/04/2014

حديث تلفزيوني على برنامج ياهلا - قناة روتانا خليجية


مع الاعلامي البارع الاستاذ علي العلياني - مائدة الثلاثاء -
روتانا خليجية

رهائن ارامكو



موضوع هذه المقالة هو قرار مجلس الوزراء الذي منح لشركة ارامكو حقا مطلقا في التحكم باستعمالات الاراضي في المنطقة الشرقية.
ان احتجت الى استخراج صك من المحكمة لارض تملكها ، فلابد من موافقة ارامكو. وان اردت تحويل ارض زراعية الى سكنية فلا بد من موافقة ارامكو. هذا لا يقتصر على الاراضي المحاذية لحقول البترول ، بل حتى تلك التي تبعد عنها عشرة كيلومترات او اكثر.
هذه امور يمكن تحملها لو اتبعت ارامكو معيارا واحدا في الموافقة والرفض. واقع الامر انها تتساهل اذا جاء الطلب من جهة حكومية ، او من شخص "مدعوم" ، وترفض دون تردد اي طلب يقدمه الناس العاديون.
خلال الاشهر الماضية تعرفت على عشرات من القضايا تتضمن اراضي مساحاتها تصل الى خمسين الف متر مربع ، كما رأيت قضايا لقطع صغيرة مساحاتها في حدود مئتي متر مربع ، وبعضها بيوت في احياء قديمة كانت مسكونة قبل ظهور البترول. وكلها معطلة ، لسبب بسيط هو رفض ارامكو.
سألت من ظننتهم خبراء جيولوجيا في ارامكو عن سر تشددها ، فقيل لي ان تغيير استعمالات الارض في القطيف مثلا ، يؤدي الى تغيير اتجاهات الضغط على مكامن الزيت ، ويؤثر بالتالي على عمليات الانتاج.
فلنفترض ان هذا التبرير صحيح. فما ذنب الناس الذين شاءت الاقدار ان تكون املاكهم في هذا المكان؟. ثم هل الشوارع والمباني التي تقيمها الجهات الحكومية و"المدعومون" اخف وزنا واقل اثرا من تلك التي يبنيها سائر الناس؟. وهل يصح حرمان احد من التصرف في املاكه من اجل منفعة عامة ، دون منحه تعويضا مناسبا؟. ما هو التعويض الذي يستحقه هؤلاء الناس مقابل كف ايديهم ومنعهم من التصرف في املاكهم؟.
مقتضى العدالة ان يكون القانون واحدا ، في التعامل مع الجميع. مقتضى العدالة ان لا يحرم احد على وجه الخصوص من حقه او ملكه ، دون تعويض معقول.
اعلم ان ارامكو لا ترد على الصحافة ولا تهتم بها اصلا. لكني اعلم ان المسؤول عنا هو حكومتنا وليس ارامكو. واعلم ان المسؤول الاول عن هذا الموضوع ، هو وزير الشؤون البلدية والقروية ومن خلفه مجلس الوزراء. ارجو ان يعلم سمو الوزير والمجلس ان ظلما كبيرا يقع على الناس ، سيما صغار الملاك ، بسبب هذا النظام المجحف. ارجو ان يعلم سموه ان مساحات تقدر بعشرات الملايين من الامتار من الاراضي ، التي كانت في الماضي البعيد زراعية ، متروكة ومهملة ، لان ارامكو  تعيق تسجيلها كاراض سكنية او تجارية ، وبعضها يقع وسط النطاق العمراني للمدن.
هل يريد سمو الوزير ان يحمي ظلما صريحا كهذا؟. هل يريد مجلس الوزراء الموقر ابقاء صغار الملاك هؤلاء رهائن لمشاريع ارامكو وارادات مديريها؟.
الاقتصادية 22 ابريل 2014

مقالات ذات علاقة



الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...