عرض المشاركات المصنفة بحسب مدى الصلة بالموضوع لطلب البحث كارل بوبر. تصنيف بحسب التاريخ عرض كل المشاركات
عرض المشاركات المصنفة بحسب مدى الصلة بالموضوع لطلب البحث كارل بوبر. تصنيف بحسب التاريخ عرض كل المشاركات

30/09/2020

اساطير قديمة


اختار  ايزايا برلين "ضلع الانسانية الاعوج" عنوانا لمحاضرة نالت شهرة عريضة. ثم استعمله عنوانا لكتاب اشتهر هو الاخر. ويقول برلين انه اراد الاشارة لاستحالة الكمال الذي طالما تغنى به قدامى الفلاسفة وأهل الاديان. فهل يبلغ الكمال من طبعه العوج؟. (برلين : الحرية ترجمة معين الامام ص 285)

مما يثير الدهشة انه كلما تقدم البشر ، واتسعت معارفهم وتحسنت معايشهم ، قلت حماستهم لبلوغ الكمال ، سواء على المستوى الفردي ام المستوى الجمعي. لم يعد احد في وقتنا الحاضر يكتب عن العالم المثالي ، على النحو الذي اقترحه افلاطون في "الجمهورية" وابو نصر الفارابي (874-950) في "آراء اهل المدينةالفاضلة" او توماس مور (1478-1535) المفكر الانجليزي الذي ينسب اليه ابتكار مصطلح "يوتوبيا" او المدينة الفاضلة ، وهي عنوان الكتاب الذي بشر بالفكرة.

على العكس من ذلك ، فان كتاب "ضلع الانسانية الاعوج" الذي افتتحنا به المقال ، ضم فصلين في نقد هذه الفكرة ، حمل الاول عنوان "انحسار الافكار الطوباوية في الغرب" والثاني "تمجيد الارادة الرومانسية: الثورة ضد خرافة العالم المثالي". وعلى نفس المنوال ، خصص الفيلسوف كارل بوبر جزء كبيرا من كتابه الشهير "المجتمع المفتوح واعداؤه" لنقد اليوتوبيا ، لا سيما رؤية افلاطون المثالية.

نستطيع القول اذن ان  البشر يزدادون تواضعا ، كلما ازدادوا معرفة بالكون وقدرة على استثمار الطبيعة. فقد تحدثوا  كثيرا في الماضي عن "حلم المدينة الفاضلة" التي يتحرر الانسان فيها من الحاجة ، ويتحرر المجتمع من الخوف والجهل. اما اليوم فهم يرونها فكرة مستحيلة ، بل ربما تنقض أصل العدالة.

يبدو ان ميل البشر الى افتراض امكانية الكمال مرتبط بعقيدة قديمة جدا ، ولعلها من اوائل قضايا الفلسفة ، وتتلخص في فرضية ان كل سؤال صحيح/حقيقي ، له جواب صحيح واحد. فاذا تعدد الجواب كان احدهما باطلا. وظهرت هذه الفكرة في مختلف العقائد. واشتهرت عند دارسي العلوم الدينية مقولة ان الحق واحد ولا يمكن ان يكون متعددا. وتوسع بعضهم في استعمال المقولة ، فاعتبر رايه مطابقا للحق الواحد ، وان كل راي عداه باطل.

والواضح ان غالبية الامم ومفكريها ، في الماضي والحاضر ، يتبنون هذه الفكرة الاحادية او نسخة منها. الذين يقولون بان الليبرالية هي نهاية التاريخ والحل الحاسم ل "كل"مشكلات العالم ، مثل الذين سبقوهم الى القول بان الدين ، اي دين ، هو الحل الوحيد ل "كل" مشكلات البشر ، ونظرائهم الذين قالوا بالحتمية التاريخية لانتصار الطبقة العاملة وقيام مجتمع المساواة الشيوعي.

ما يتبناه اي واحد فينا هو فهمه الخاص ، الذي ربما توصل اليه من خلال الدراسة والبحث ، او استقاه من البيئة الاجتماعية. وهو قد يكون حقا بدرجة 90 بالمائة او  60 بالمائة او 20 بالمائة. لا يوجد دين او مذهب او ايديولوجيا دنيوية ، تخلو من كل خير او تقدم اجابات خاطئة على كل سؤال. هناك على الدوام قيم ومفاهيم نعتبرها صحيحة مطلقا ، لانها نتيجة متكررة لتجارب البشر خلال تاريخ طويل ، وهي تشكل ما يسميه الاصوليون "عرف العقلاء" واستطيع تقريبه الى مفهوم العرف العام  common senseالرائج في الغرب. وكلا المفهومين محل احترام عند الجميع ، ففيهما زبدة الخبرة التاريخية للانسان.وهذه المفاهيم والقيم مبثوثة في كل المعتقدات ولا يخلو منها اي معتقد سماوي او ارضي على الاطلاق. ولهذا يمكن ان تمثل معيارا مشتركا حين يختلف الناس.

هذه لمحة عاجلة عن مبدأ تعددية القيم. وسنعود لتفصيل الفكرة في قادم الايام.  

الأربعاء - 13 صفر 1442 هـ - 30 سبتمبر 2020 مـ رقم العدد [15282]

https://aawsat.com/node/2536891 

مقالات ذات صلة

اساطير قديمة

الديمقراطية في بلد مسلم- الفصل الرابع

شرطة من دون شهوات

فضائل القـرية وحقائق المدينة

المدينة الفاضلة

مدينة الفضائل

نافذة على فلسفة كارل بوبر


13/12/2012

نافذة على مفهوم "البراغماتية"

قبل زمن طويل اقترح الفيلسوف اليوناني ارسطو واحدا من اوائل التصويرات الفلسفية لفارق القيمة بين افعال الانسان . حيث ميز بين نوعين : الفعل الحق او "البراكسيس praxis " ويشير الى نوعية من الافعال هي في ذاتها غاية ، وبهذا تتميز عن سواها من الافعال التي هي وسيلة لنيل غرض آخر او  "بويسيس poiesis ". الفعل الاول غاية في ذاته وقيمته مستقلة . اما الثاني فهو وسيلة لنيل غاية هي فعل منفصل عنه ، فقيمته رهن بالفعل الثاني وليس به ذاته.

جون ديوي

معظم النقاشات الخاصة بالفعل الانساني دارت حول نفس المحور. نوقشت المسالة عند الاصوليين والمتكلمين المسلمين تحت عنوان ذاتية الحسن والقبح في الافعال. وخلاصة النقاش تدور حول سؤال: هل الافعال تنطوي على قبح اوحسن في ذاتها ، ام انها محايدة ، وتوصف بالحسن او القبح تبعا لما تؤدي اليه؟. كمثال: هل الاحسان الى الفقير حسن بذاته (لان المواساة والعطف امور طيبة)، ام لان النتائج التي يقود اليها حسنة (كي لا يقوده الفقر الى السرقة مثلا)؟. هذا السؤال مهم لان بعض الاعمال التي ظاهرها حسن تؤدي الى نتائج قبيحة والعكس صحيح.

الذين اهتموا بدور العقل في التشريع قالوا بذاتية القبح والحسن في الافعال ، بينما مال الاخباريون الى ان الحسن والقبح اوصاف يقررها الشارع ، وليس في الفعل ذاته حسن او قبح مستقل عما حدده الشارع. ولهذا فان نتيجة الفعل ، سواء كانت حسن او قبيحة ، لا تؤثر على قيمة الفعل الشرعية.

في اواخر القرن التاسع عشر ، طرح عدد من الفلاسفة ، مثل شارلز بيرس ووليام جيمس وجون ديوي مسارا قريبا من هذا المعنى تحت عنوان البراجماتية pragmatism وكان موضع اهتمامهم هو قيمة العلم ، وكان اطار البحث هو فلسفة العلم. وخلاصة نقاشهم تدور حول سؤال: هل للعلم قيمة بذاته ، ام ان قيمته رهن بالمنافع الملوسة التي يؤدي اليها؟. هذا السؤال يجادل النظريات الفلسفية الميتافيزيقية التي راى اولئك الفلاسفة انها غير ذات فائدة وان الانشغال بها لا يضيف شيئا الى المعرفة الانسانية ولا التمدن. اي انها مجرد تمرين عقلي لا اكثر.

مصطلح البراجماتية طرح للمرة الاولى في مقالة لوليام جيمس عام 1889. ويصورها شارلز بيرس على النحو التالي : حين تطور فكرة عن موضوع محدد ، فسوف تتامل اولا في في الاثار الواقعية للموضوع . لاحقا ستجد ان فهمك لهذه الاثار هو جوهر فهمك للموضوع ، اي ان فكرتك حول الاثار هي حقيقة الموضوع والفكرة التي تريدها عنه.

في نفس السياق اكد جون ديوي على ان التفريق بين النظرية والممارسة العملية لا معنى له. المقارنة الصحيحة تجري بين ممارسة ذكية او عالمة ، وبين ممارسة لا علم فيها. اي – بعبارة اخرى – بين نظرية قيد التطبيق العملي وبين عمل لا تدعمه نظرية علمية. وزبدة القول ان الفكرة او النظرية تعتبر قيمة اذا قادت الى نتائج قيمة او مفيدة في عرف العقلاء. اما غيرها فلا قيمة له.

واجه هذا المفهوم اشكال الافعال الدينية التي يقوم بها الناس تقربا الى الله ، وان لم يعرفوا ثمارها. فاتخذ ديوي منحى حادا يؤكد على ضرورة تفسير الفعل الديني والنظر في فوائده ، بدل التعلل بالعلل الغيبية التي تعتبر خارج ادراك الانسان. وقدم تفسيرات لبعض الافعال كالصلاة مثلا. وهو يقول بهذا الصدد ان البراجماتية ليست ضد الدين ، لكنها لا تهتم بتبرير الافعال الدينية.

اثرت البراجماتية على الدراسات الفقهية والقانونية ايضا. في زمننا هذا يدور جدل واسع حول ما يسمونه مقاصد التشريع او الفقه المقاصدي. وفحوى النقاش هنا ينطوي في جواب السؤالين التاليين:

أ) هل يجب على الفقيه ان ينظر في المصالح التي يحققها رايه قبل اعلانه ، ام ان مسؤوليته منحصرة في دراسة الادلة واعلان الراي الذي يستنبطه منها ، بغض النظر عن اثاره الواقعية؟

ب) هل يجب على الفقيه الرجوع الى التشخيص العرفي للمصالح المقصودة هنا ، ام الى تشخيص الخبراء واهل الاختصاص في الموضوع ، ام ينظر في تعريفه الشرعي ، سواء ورد في النص او في فهم الفقهاء السابقين لموضوع المصلحة المنظورة.

واثرت البراجماتية بعمق على نظريات الادارة العامة والسياسة. وخلاصة النقاش في هذا الحقل هو ان "الادارة مسؤولة عن جعل برامج العمل والخطط فعالة ومؤثرة". بعبارة اخرى فان فشل اي سياسة او خطة عمل يتحمل صاحب القرار المسؤولية السياسية عنها ، وربما يتحمل المسؤولية القانونية ايضا. يتوجب على صاحب القرار وضع خطط قابلة للتنفيذ ، وتاسيسها على نظرية علمية قابلة للاشتغال في الواقع. الاخذ بنظريات مثالية خطا وتقصير من جانب صاحب القرار.

وبالمثل فاني ارى ان الزعماء وموجهي الراي العام ، يتحملون المسؤولية عن ارائهم اذا كانت سببا في وقوع مفاسد او ضياع مصالح. رجل الدين والصحفي ورجل السياسة مطالبون بالنظر في النتائج المحتملة لارائهم المعلنة ، اذا كانت موجهة للجمهور العام وكان يتوقع ان يطبقها جمهور كبير من الناس. وفي هذا الصدد ينبغي الفصل بين المسؤولية القانونية التي تقع على شخص الفاعل، والمسؤولية السياسية والاخلاقية التي يتحملها او يشارك في تحملها الامر او الموجه.

زبدة القول ان المذهب البراجماتي ليس ايديولوجيا كاملة بل نظرية فلسفية ظهرت في اطار النقاش حول فلسفة العلم ، ثم دخلت في اطار النقاش حول قيمة الفعل ، ومسؤولية الفاعل او الداعي للفعل.

نوافذ مماثلة:



قراءات اضافية:

حول تطور مفهوم البراغماتية Pragmatism , in Wikipedia, http://en.wikipedia.org/wiki/Pragmatism
حول جون ديوي ورؤيته :
Anderson, Elizabeth, "Dewey's Moral Philosophy", The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Fall 2012 Edition), Edward N. Zalta (ed.) http://plato.stanford.edu/archives/fall2012/entries/dewey-moral/>
حول نظرية الفعل عند ارسطو:
S. Freeland, ‘Aristotelian Actions’, Noûs, vol.19, no. 3. (Sep., 1985),  397-414, p. 397.
 John Ackrill, ‘Aristotle on Action’, Mind, New Series, vol. 87, issue 348, (Oct., 1987) pp. 595-601.


28/10/2015

مدينة الفضائل

زميلنا الاستاذ مرزوق العتيبي كتب قبل اسبوعين ناقدا التفكير المثالي ، الذي يتخيل مدينة تخلو من الآثام والنواقص. ليس باعتباره مستحيل التحقق ، بل لأنه يرسي أرضية للاستبداد والاحادية ، التي تحول المجتمع الطبيعي الى ما يشبه السجن الكبير.
لعل كتاب "الجمهورية" الذي وضعه الفيلسوف اليوناني افلاطون هو أشهر النماذج التي وصلت الينا عن فكرة "المدينة الفاضلة". لكني احتمل انه لم يكن بصدد الدعوة الى مدينة واقعية يقيمها الناس. فقد صب جل اهتمامه على التعريف باراء استاذه سقراط ، وما أدخله من تعديلات عليها. انه في ظني مثال للمقارنة الفلسفية ، وليس برنامج عمل يمكن تطبيقه. لكنه مع ذلك ، شكل مدخلا لمنهج في العمل السياسي والاجتماعي اصبح له فيما بعد رواد وأنصار كثيرون.
انطلق افلاطون من مقدمة بسيطة ، اعتبرها بديهية ، خلاصتها ان البشر عاجزون فطريا عن الاجتماع السليم. لو وجدوا صدفة في مكان واحد فالمرجح انهم سيكونون أميل الى التنازع والعدوان. ولذا فهم يحتاجون دائما الى رئيس يقسرهم على التسالم.
تبنى هذا الفكرة الفيلسوف المسلم ابو نصر الفاربي وشرحها بالتفصيل في كتابه "آراء أهل المدينة الفاضلة" ، ويبدو انها صادفت هوى في المجال الثقافي الاسلامي عموما ، حيث تجد ظلالها في غالبية البحوث الفقهية ، سيما ما يتعلق منها بالولايات والحسبة. وتبناها القديس توما الاكويني الذي اضاف اليها لمسة دينية ، حولتها الى تعبير معياري عن المفهوم الكاثوليكي للدولة.
وفي أيامنا هذه نجد ظلال الفكرة عند شريحة كبيرة من العاملين في حقل الدعوة الدينية. وهي تتضح في جانبين: في الكلام الكثير عن الالتزام بالدين كحل وحيد ونهائي لكافة المشكلات ، وفي تحبيذ القسر والاجبار كوسيلة لالزام الناس بالفضائل.
تعرضت فكرة "المدينة الفاضلة" لكثير من النقد. بل ان الفيلسوف المعاصر كارل بوبر اعتبرها من أسوأ ما فكر فيه الفلاسفة عبر التاريخ. وكرس جانبا كبيرا من كتابه "المجتمع المفتوح واعداؤه" لنقد هذه الفكرة في شخص افلاطون. كما وجه نقدا شديدا الى الماركسية ، واعتبرها نموذجا للايديولوجيات الشمولية التي تريد – في نهاية المطاف – اعادة سجن البشر في أقفاص جميلة الالوان ، بدل تمكينهم من التحرر واختيار نمط الحياة التي يريدها كل منهم.  
ويشير بوبر في طيات كتابه الى خطورة الفكرة لانها – حسب تعبيره – من ذلك النوع من الافكار التي تلامس نزوعا مثاليا عند كافة البشر، فيتناسون انها مجرد تخيل غير قابل للتحقيق ، ويسلمون قيادهم لبعض المغامرين الذين يستعملون الفكرة كمركب لصناعة النفوذ السياسي ، أو لأنهم وقعوا مثل أولئك أسرى لهذا الوهم.
ويعرض في مفتتح الكتاب نموذجا مما كتبه افلاطون حول استحالة الحياة الفاضلة من دون قائد:
" المبدأ الاعظم هو ان اي شخص ، ذكرا كان او انثى ، لا ينبغي ان يعيش بلا قائد..... لا ينبغي لعقل اي شخص ان يعوده على فعل اي شيء على الاطلاق بمبادرته الخاصة.... حتى في اصغر المسائل شأنا ، عليه ان يمتثل للقائد... عليه ان يروض نفسه طويلا على ان لا يأتي بفعل مستقل ، وان لا يصبح قادرا عليه بأي معنى.."
 اختار بوبر هذا النموذج لانه يجسد جوهر التفكير الشمولي/المثالي ، الذي يتجلى في الغاء الفرد ككائن عاقل مستقل وقادر على الاختيار. القائد او المرشد او المعلم عند افلاطون ليس جسرا يحمل المتعلمين الى الجانب الاخر من النهر ، ثم يطلقهم كي يواصلوا الطريق بمفردهم ، بل هو أشبه بالراعي الذي يأخذ ماشيته الى المرعى ، كي ترى العالم ، ثم يعيدها في اخر النهار الى الحظيرة.  
الشرق الاوسط 28-10-2015

01/01/2013

اول الصراع بين دعاة الحداثة وحماة التقاليد

|| راى الحداثيون ان استقلالية الوجود الانساني وحرية الفرد في خياراته الحياتية اساس لمسؤوليته عن تلك الخيارات||.
المنطق الداخلي للثقافة التقليدية قائم على ذات الارضية التي ارساها الفيلسوف اليوناني ارسطو قبل 23 قرنا. وهو منطق اثر بعمق على تفكير قدامى الاسلاميين. وهيمن على التفكير الاوروبي حتى اواخر القرن السابع عشر. تصور ارسطو فردا تصنعه الجماعة، تشكل عقله وشخصيته ومسار حياته.
راى ارسطو ان بلوغ السعادة هو غاية الحياة الانسانية. والسعادة عنده ليست ظرفا سيكولوجيا يستشعره الفرد من خلال تحقيقه لذاته، بل هي وصف لمرحلة في تطور الانسان، تعرف طبقا لمعايير موضوعية لا يشارك الفرد في اختيارها او تشكيلها. الصفات الفاضلة ، الصحيح والخطأ، قيم ثابتة لا يخترعها الافراد. وتبعا لذلك فنحن لا نقرر ما هي السعادة التي نريدها. بل نلتزم بمفهومها وطريقها الذي حدده غيرنا، والا كان مصيرنا السقوط في الهاوية. الفرد اذن صنيعة المجتمع الذي يعيش فيه. هويته، شخصيته، وفضائله، كلها ثمار للعيش في الجماعة والخضوع لنظامها الثقافي.
هذه الرؤية هي الاساس الذي يبرر رفض التقليديين للتعددية الثقافية وحرية الراي والتعبير. المجتمع الفاضل في رايهم هو ذلك الذي تسوده ثقافة واحدة وخيارات محددة ، هي الخيارات التي يرونها فاضلة. ما سوى ذلك قد يشوش اذهان الافراد وقد يحرفهم عن طريق السعادة. وعليه فمن الخير للفرد ان يكون سعيدا ولو على حساب حريته.
لم تعد رؤية ارسطو مقبولة في عالم اليوم. المنطق الداخلي في الفلسفة الاخلاقية المعاصرة يقرر استقلال الفرد بهويته التي تجسد ذاته ، والتي تبقى حية حتى لو اندمج في مجتمع او تبنى عقيدة. وحسب تعبير كولين موريس فان جوهر الفردانية يكمن في التجربة النفسية التي أشعر معها بانه لا احد غيري هو انا، ولا احد غيري يرى الاشياء كما اراها.
راى الحداثيون ان استقلالية الوجود الانساني وحرية الفرد في خياراته الحياتية اساس لمسؤوليته عن تلك الخيارات. طبقا لهذه الرؤية فان فهم الانسان لعالمه يسير في اتجاهين متفاعلين : يتاثر الفرد بمحيطه، لكنه في نهاية المطاف يتخذ قراره بعقله المستقل عن المحيط. صحيح ان محيطي يؤثر في فهمي للاشياء ، كما يؤثر على قدراتي وافعالي. لكن قبولي بالانسياق مع المحيط او الاستقلال عنه هو ايضا قرار اتخذه باختياري واتحمل تبعاته بمفردي. طالما قبلنا بكون الفرد عاقلا، حرا، ومستقلا ، فان قراره يعكس ذاته الخاصة وليس تاثير الاخرين.
هذه الرؤية وتلك تتبناها تيارات تتصارع في مجتمعنا وفي غيره. ويتجلى الصراع في قضايا مثل الحريات الفردية والعامة، وفي تعريف "الضوابط" المسموحة ومستوى الضبط. في كل الاحوال فان جوهر الجدل يتناول موقع الفرد: هل هو مستقل مسؤول عن خياراته ، ام تابع للجماعة ، ذائب في بحرها.
مقالات ذات علاقة

تلاميذ ارسطو

شرطة من دون شهوات

كلمة السر: كن مثلي والا..!

المدينة الفاضلة

مدينة الفضائل

من محاسن المكيافيلية القبيحة

الموت حلال المشكلات

نافذة على فلسفة كارل بوبر

نفوسنا المنقسمة بين عصرين

الازمان الفاسدة والناس الفاسدون

هكذا انتهى زمن الفضائل

الهندسة وسخرية الاقدار

الاقتصادية 1-1-2013
http://www.aleqt.com/2013/01/01/article_721390.html

13/12/2010

فقه الواقع من منظور الايديولوجيا


اذا لم يستوعب الدعاة ان العالم قد تغير في العقد المنصرم فهذه مصيبة ، واذا فهموا ورفضوا التعامل مع هذه التغيير او البناء عليه في ارائهم وفتاواهم فهذه مصيبة اكبر من الاولى.

ناصر العمر
قبل عقدين من الزمن (1991م) كتب الشيخ ناصر العمر رسالة صغيرة اسماها "فقه الواقع" ، كرسها للتاكيد على ضرورة فهم الواقع السياسي والاجتماعي قبل اصدار الراي او الفتوى. وحملت الرسالة وما تلاها من خطابات وكتابات للشيخ ناصر العمر تنديدا باهمال العلماء وطلاب الشريعة لذلك الفن واعتبارهم اياه انشغالا بما لا يستحق. وقد اثارت الفكرة جدلا في وقتها ، ثم ذهب الامر برمته في الارشيف مثل سائر الجدالات. كان يمكن للفكرة ان تمثل اضافة هامة للتفكير الديني لو ان صاحبها التزم بالمعايير الموضوعية في فهم الواقع (او فقه الواقع بحسب اصطلاحه الخاص). لكنها بقيت – كما سلف – مجرد عنصر في سلسلة طويلة من الجدالات.
تنقسم المعرفة ، بحسب تقسيم الفيلسوف المعاصر كارل بوبر ، الى ثلاثة عوالم:

العالم الاول : هو الكون المادي الذي يتالف من حقائق واقعية. يعيش الناس في هذا العالم ويسعون الى فهمه وتصويره على شكل نظريات واوصاف ، فيفلحون احيانا ويفشلون احيانا اخرى . حقائق هذا العالم موجودة سواء احببتها او كرهتها ، فهمتها او عجزت عن ادراكها.

العالم الثاني : هو تصوراتنا الشخصية وتجاربنا وتاملاتنا في ذواتنا او في الكون المادي المحيط . وهي تشكل في مجموعها رؤيتنا للعالم وعلاقتنا به وموقفنا من عناصره ومكوناته. هذا العالم هو الذي تعمل فيه عقولنا حين نفكر في وجودنا وما يطرأ عليه من متغيرات. المعارف الشخصية والتاملات والذاكرة الشخصية هي بعض تمثيلات هذا العالم . وهي جميعا قائمة على ارضية الوعي الشخصي والرغبات والميول والهموم ومتفاعلة معها . هذه المعرفة قد تكون مطابقة للواقع وقد تختلف عنه. لكن صاحبها يؤمن بها ويحبها لانها مرتبطة بشخصه او ميوله.

العالم الثالث : هو مجموع منتجات العقل الانساني المجردة ، اي القائمة بذاتها كموضوع منفصل عن شخص المنتج او الاشخاص الاخرين.  ونراها عادة في اطار اعمال علمية او تطبيقات تقنية مثل الكتب ، الالات ، النظريات ، النماذج ، الحاسبات ، الشبكات .. الخ .

من المهم التمييز بين العالمين الاول والثاني في مرحلة التفكير والتحليل. لان الاسراف في استعمال المنظورات الشخصية والايديولوجية – حتى لو كانت صحيحة بذاتها – قد تعطي للمفكر صورة ملتبسة عن الواقع. ويقال عادة ان اهم اخطاء الماركسية هي هذا الفهم الايديولوجي للعالم. انها خطا جميع الذين ينظرون الى حركة التاريخ باعتباره سلسلة من الحتميات المتعاقبة. واظن ان صاحب "فقه الواقع" قد وقع في هذا المطب . التاريخ قد ينتهي الى نتيجة حتمية ، لكننا لا نعرف توقيتها ، ربما تكون نهاية العالم او مرحلة متاخرة من تاريخه. لكن من الخطا اعتبار الحوادث التي تجري كل يوم نوعا من الحتميات، سواء الحتميات التي نحبها او التي نخشى منها.

الجدالات الاخيرة التي شهدتها البلاد تشير الى غفلة مريعة من جانب بعض الدعاة والناشطين في التيار الديني عن التحولات الجارية في الواقع الاجتماعي والاقتصادي – ومن بين هؤلاء كاتب رسالة فقه الواقع نفسه-. وهي تحولات تنعكس ، شئنا ام ابينا ، على الثقافة العامة وانماط التدين ومعايير العلاقة بين القوى الاجتماعية. تنتمي هذه التحولات الى العالم الاول ، وهي تستوجب فهما وتفسيرا تبنى عليه المواقف والاراء (اي ما ينتمي الى العالم الثاني). اهمال هذه الوقائع او رفضها لا يلغيها ولا يزيل مفاعيلها ، بل يعزل الشخص المفكر عن عصره ويجعل الامور ملتبسة عليه ، فيقع في سلسلة اخطاء منهجية ومعرفية وعملية قد تصحبه لزمن طويل.
فقه الواقع لا يعني – في جوهره - قراءة الاخبار ومتابعة الحوادث والتعليق عليها وكتابة مقالات التنديد والتاييد حولها ، بل استيعاب نسق التحولات ومحركاتها وفهم اتجاهاتها ومآلاتها ، ثم اخذها بعين الاعتبار عند استنباط الموقف الديني والخطاب الديني. اذا اقحمنا قناعاتنا الايديولوجية على تفكيرنا في الحوادث ، فسوف نعود الى ما كنا نعرفه سلفا ، ولن نستفيد معرفة جديدة ، وسوف نعيد انتاج صورة ذهنية عن واقع افتراضي نؤمن به ، لكنه غير موجود خارج اذهاننا.

جريدة عكاظ 13 ديسمبر 2010

27/12/2017

حول القراءة الايديولوجية للدين

||نجح شريعتي في استعادة آلاف الشباب الى الدين.. لكن هذا لا يجعل منهجه صحيحا او عابرا لزمانه الخاص||
"الفهم الايديولوجي للدين" هو المحور الرئيس لكتاب المفكر المعاصر عبد الكريم سروش الذي يحمل عنوان "ارحب من الايديولوجيا". استعرض المؤلف في نحو 380 صفحة ، عشرات الأمثلة التي تدعم دعوته للتمييز بين الدين وعلم الدين أولا ، ثم بين ما يعتبره جوهر الدين وبين الاعراض التي قد تكون لها قيمة مؤقتة او ظرفية.
بعض الامثلة التي يعرضها سروش صادمة لمعظم الناس الذين فاتهم الاطلاع على المصادر العلمية القديمة ، أي التفاسير والبحوث الفقهية والكلامية ، التي تشكل المصدر الرئيس للتراث الثقافي الاسلامي.
د. علي شريعتي
نشرت المقالة التي تحمل اسم الكتاب في يوليو 1993 ، وأثارت موجا من الجدل ، بسبب نقدها المفصل لآراء مرتضى مطهري وعلي شريعتي. وكانا يومئذ اكثر المفكرين تأثيرا في الفكر الشيعي المعاصر. والحق ان هذا الجدل قد خدم الكتاب ايما خدمة ، فخلال السنوات الخمس التالية اعيد طبعه ثماني مرات. وهذا حلم لأي كاتب.
من المقولات المحورية في الكتاب ، قوله ان علم الدين مثل سائر العلوم الانسانية ، نتاج بشري يتناسب ضيقا وسعة مع الامكانات الفكرية لصاحب العلم وميوله الايديولوجية ، فضلا عن انعكاسات الظرف الاجتماعي الذي يعيش في اطاره. لكنه يؤكد ان نقد العلم لا يعني بالضرورة تهوينا من قيمة العالم.
ويستعين سروش أحيانا برؤية الفيلسوف المعروف كارل بوبر ، الذي يقول ان ما نعتبره نتيجة علمية خاطئة ، كان احد الاحتمالات الصحيحة في وقته. وان نشره هو الذي هيأ الفرصة للناقدين ، كي يبحثوا في الاحتمالات البديلة ، أي تلك التي ربما نعتبرها في وقت لاحق ، جوابا صحيحا. حين يقول المفكر او العالم رأيا ، ثم نحكم بأنه خطأ ، فاننا نقترب اكثر فأكثر من الاحتمالات الصحيحة. كل الاجوبة المبنية على دليل علمي هي احتمالات مؤقتة ، تبدو في اول الامر صحيحة ، وبعد مدة يتجاوزها الناس الى غيرها.
يعتقد سروش ان المنحى الايديولوجي واضح في كتابات علي شريعتي. فهو أراد دينا حركيا يسهم في نهوض المستضعفين. ومن أجل هذا اعاد تفسير التاريخ الاسلامي ضمن رؤية فلسفية قريبة جدا من مفهوم الصراع الطبقي. لقد نجح شريعتي في استعادة الملايين من الشباب الى دائرة الدين ، وحماهم من التأثير الماركسي. لكن هذه المحصلة المجيدة لا تجعل منهجه صحيحا من الناحية العلمية.
أما مرتضى مطهري فقد اهتم بإعادة تفسير الاحكام الشرعية والمقولات الكلامية المعروفة في التراث الاسلامي ، من خلال مناقشات فلسفية تتقارب كثيرا مع تيار الافلاطونية الجديدة ، الذي اشتهر في النصف الثاني من القرن العشرين. ورغم وضوح توجهه النقدي للفقه والكلام التقليدي ، إلا ان عمله النقدي لم يتناول بشكل عميق القواعد الأساسية التي بنيت عليها المدرسة الفقهية والكلامية.
تجديد الفكر الديني يتطلب – وفق رؤية عبد الكريم سروش – مراجعة جذرية للأساسات الفلسفية التي بني عليها هذا الفكر. ربما نجد ان بعضها لم يعد مفيدا او ان الزمن قد تجاوزه.
ما العيب في التخلي عنه؟.
 انه في نهاية المطاف نتاج بشري وليس وحيا منزلا.
صحيح ان علماء المسلمين قد تلقوه بالقبول جيلا بعد جيل. وصحيح ان جانبا كبيرا من ثقافتنا معتمد عليه. لكننا نعلم ايضا ان تطاول الزمن لا يمنح الفكر قداسة ولا يجعله صحيحا. تخيل ماذا سيحدث لو تمسكنا بطب الرازي ورياضيات الطوسي او فلسفة الفارابي. هل هذا سيجعلها اكثر فائدة من الطب الحديث او الرياضيات الحديثة او الفلسفة الحديثة؟.
الشرق الاوسط الأربعاء - 9 شهر ربيع الثاني 1439 هـ - 27 ديسمبر 2017 مـ رقم العدد [14274]
http://aawsat.com/node/1124776
مقالات ذات علاقة


الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...