ربما ننشغل كثيرا في البحث عن كلمات مناسبة لإدانة المجزرة ، التي ارتكبها تنظيم داعش في مسجد الإمام الصادق في الكويت. وعلى أي حال فقد فعلنا شيئا كهذا بعد الحادث المماثل في الأحساء قبل تسعة أشهر، ثم في القطيف والدمام.
حقيقة الأمر أن بعضنا يضع يده على قلبه خائفا ، من أن
تأتي الجمعة التالية بمجزرة مماثلة في مسجد ما، في هذه المدينة أو تلك. بعض
المتحدثين قال: إن «داعش» بدأ للتو في استهداف المجتمعات الخليجية. وهذا تقدير غير
دقيق، فقد حاول سابقا، وحاول تكرارا. ونحمد الله أن مجتمعات الخليج وحكوماتها ما
زالت مصممة على مقاومة هذا الوحش الأعمى.
أظن أن الهدف المباشر لتنظيم داعش ، هو التشكيك في قدرة
النظام الاجتماعي على الصمود أمام العواصف الصغيرة. وهذا تمهيد ضروري كي يتخلى
الجمهور عن إيمانه بالنظام العام والجماعة الوطنية، ويستبدل بها مبدأ «حارة
كل من ايدو الو» حسب تعبير دريد
لحام في واحدة من مسرحياته القديمة. هذه الحارة مثال لمجتمع مفكك يأخذ أعضاؤه
حقهم بعضلاتهم وليس بالقانون، ويحكمه حملة السلاح وليس الإجماع الوطني أو الإرادة
العامة، كما هو شأن الدول الحديثة والمجتمعات المتمدنة.
بعد عام كامل من إعلان
«داعش» دولته المزعومة في الموصل، لم يعد ثمة شك في أن الدماء والخراب هي
الوعد الوحيد لهذا التنظيم المتوحش. لا زلت واثقا أن مجتمعات الخليج ستقاوم هذا
التوحش. لكني في الوقت نفسه أشعر – مثل جميع الناس – بأن علينا أن لا نستهين
بقدرته على التمدد في أوصالنا وثنايا مجتمعاتنا. لقد قيل الكثير عن الثغراث وخطوط
الانكسار التي يتسرب منها هذا الوحش. وعلينا أن نواصل البحث الجاد والعمل الجاد
لسد تلك الثغرات.
لكن لعل من اللازم اليوم أن نتجه إلى رأس الأفعى أيضا،
وأعني بها تنظيم داعش في العراق، وفي مدينة الموصل
على وجه التحديد. في الأربعينات الميلادية كانت حركات التحرير الماركسية تتحدث عن
الدولة - القاعدة كضرورة لتدعيم وتعزيز انتشار تنظيماتها في المجتمعات الأخرى.
ويعرف جميع أصحاب التجارب الحركية أن وجود سلطة حليفة مستقرة على أرض، توفر دعما
عظيما، ماديا ونفسيا وسياسيا، للتمدد والانتشار.
صحيح أن «داعش» تمدد في مساحة واسعة من الأرض السورية،
فضلا عن انتشاره المادي في العراق وليبيا، وربما غيرهما. لكن «داعش» العراق هو
الرأس وهو مصدر الخطر الحقيقي. «داعش» السوري ليس مستقرا ولا مستقلا عن عاصمته في
شمال العراق. ولهذا فإن القضاء المبرم على هذا التنظيم يبدأ من رأسه أي من عاصمته
في الموصل.
منذ احتلال هذه المدينة نهاية يونيو (حزيران) 2014 حاول
العراقيون جهدهم، ولم يفلحوا في القضاء على رأس الأفعى. يمكننا أن نقول الكثير في
فشل الحكومة العراقية وأسباب إخفاقها والمبررات التي طرحت لتركها وحيدة تصارع
مشكلاتها. لكن الحقيقة الماثلة أمامنا اليوم تخبرنا ببساطة أن كل يوم إضافي يمضيه
التنظيم في الموصل، يزيده قوة وقدرة على التمدد، ليس في العراق فحسب، بل في الخليج
وشمال أفريقيا وصولا إلى أوروبا.
إنني أدعو دول الخليج خصوصا والدول العربية عموما إلى
الوقوف صفا واحدا مع الحكومة العراقية، وتنظيم حملة كاسحة للقضاء على هذا التنظيم
في العراق.
في رأيي أن تبادل اللوم مع العراق وكيل الاتهامات
لحكومته، مهما كانت صحيحة أو جدية، ترف لا يحتمله الموقف الحرج القائم اليوم. لو
واصلنا سياسة التفرج والانتظار فقد نضطر لمحاربة التنظيم، ليس في الموصل، بل في كل
شارع ومدينة على امتداد الخليج.
دعونا إذن نصغي لدعوة الإمام
علي بن أبي طالب «اغزوهم قبل أن يغزوكم فوالله ما غزي قوم في عقر دارهم إلا
ذلوا».
حتى أسابيع قليلة كانت الموصل تبدو بعيدة جدا عن حدودنا،
وكان «داعش» مجرد تهديد يلوح في الأفق. أما اليوم فالواضح أن المسافات طويت، وأصبح
«داعش» تهديدا داهما وجديا. وقد رأينا فعله رأي العين في الكويت والسعودية وفي
تونس ومصر، ولا نعلم أي هدف آخر سينضم إلى هذه القائمة خلال الأسابيع التالية.
رأس الأفعى يوجد في الموصل والقضاء على تهديد «داعش»
يبدأ في الموصل. والطريق إلى ذلك هو الاصطفاف مع الحكومة العراقية، مهما كانت سيئة
أو ناقصة أو معيبة، الاصطفاف معها في مهمة محددة، هي القضاء المبرم على إعصار
التوحش الذي يوشك أن يقضي على مكاسب قرن من المدنية والنظام في بلادنا وجوارها.