‏إظهار الرسائل ذات التسميات تجديد الفقه. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات تجديد الفقه. إظهار كافة الرسائل

04/07/2018

الثابت والمتغير = الدائم والمؤقت

حين تسمع عبارة "الثابت والمتغير في احكام الشريعة" فان المعنى الذي يتبادر الى ذهنك هو "الدائم والمؤقت". ويقول اللغويون ان التبادر علامة الحقيقة. اول المعاني المتولدة في الذهن هو المعنى الحقيقي للكلمة. وهذه القاعدة معتمدة ايضا عند دارسي الفقه.
لاباس بالاشارة الى ان الفقهاء قيدوا هذه القاعدة ، فقالوا ان التبادر المعتبر هو ما يفهمه المختصون ، وهم يعنون انفسهم دون عامة الناس. لكن هذا التقييد لا يضر ما ذكرناه ، فالمختصون مثل عامة العقلاء يصرفون مفهوم الثبات والتغيير الى تأثير الزمان والمكان في موضوع الحكم. اشير ايضا الى ان غالب الأحكام المقصودة هنا ، تخص التعاملات بين الناس ، اي ما يتعلق بالفرد بوصفه عضوا في مجتمع.
ونعني بالزمان والمكان مجموع العناصر المؤثرة في تشكيل موضوع الحكم. فحين نناقش احكام المعاملات المالية مثلا ، ناخذ بعين الاعتبار مصادر الانتاج وتكوين كلفته ، ودورة راس المال ونظام المعيشة.. الخ. ونعلم ان هذه تختلف بين بلد وآخر وبين زمن وآخر.
اشير أيضا الى ان مسألة الثبات والتغير لم تناقش الا نادرا في بحوث الفقه وأصوله. ربما لانهم اعتبروها تحصيل حاصل ، لا يستدعي مزيد بحث. لكنهم يقبلون في العموم بتغير الحكم تبعا لتغير موضوعه أو بيئة الموضوع. مثل اعتبار النقد وعاء زكويا بديلا عن الوعاء المتعارف في الماضي ، اي الذهب والفضة والحيوانات والحبوب ، لأن هذه لم تعد وسيلة تبادل ولا مصدر معيشة.
بعد هذا التمهيد أصل للنقطة التي اردت أثارتها هنا ، وهي قيمة الحكم السابق ، ومعنى ان يكون لدينا حكم شرعي قابل للاستبدال بعد زمن. فالذي يبدو لي ان اصل فكرة الثبات والتغيير ، تشير ضمنيا الى ان بعض احكام الشريعة مرحلي أو مؤقت. وسبب كونها مؤقتة انها جاءت للتعامل مع ظرف قائم. فاذا زال هذا الظرف ، لم يعد للحكم موضوع ولا حاجة.
من أوضح الامثلة على هذا ، أحكام الرق التي أقرها الشرع زمن الوحي ، على نحو يضيق مداخل العبودية ويوسع مخارجها. لكن لسبب ما ، لم يتخل المسلمون عن هذا العرف ، رغم تعارضه الصريح مع العدل وخلوص العبودية لله وتساوي كافة البشر في هذا.
لكن لو سألت أي فقيه اليوم ، عن امكانية العودة الى نظام الرق وسبي نساء الكفار مثلا ، كما هو مشروح في المدونات الفقهية ، لأنكر هذا السؤال كل الانكار ، مع انه بحسب الفقه التقليدي ، امر مشروع. ان سبب الانكار هو ان عرف العقلاء في هذا العصر ما عاد يتقبل ممارسة كهذه. كما ان النظام القانوني في كل بلاد العالم يمنعها. بعبارة اخرى فان الاحكام الخاصة بالرق لا تعتبر صالحة او قابلة للتطبيق في هذا الزمان.
لن يحتج أحد بان انكار الرق تحريم لحلال الله. مع انهم يذكرون الأثر المشهور "حلال محمد حلال الى يوم القيامة وحرامه حرام الى يوم ا لقيامة". لكن الواضح انهم فهموا اباحة الرق كحكم مرحلي أو مؤقت.
ليس من السهل – وفقا لمعايير الفقه التقليدي – تقبل امكانية ان يكون الحكم مرحليا او مؤقتا. لأن أهله يخشون ان  يكون مبررا لتعطيل او تهميش جانب معتبر من الاحكام المتعلقة بالمعاملات. ولهذا فاني اقتصر على الدعوة للتأمل في هذا المسألة ، التي أظنها مفتاحا لفهم بعض الاشكالات العسيرة في علاقة الشريعة بالحياة المعاصرة.
الشرق الاوسط الأربعاء - 20 شوال 1439 هـ - 04 يوليو 2018 مـ رقم العدد [14463]

16/08/2017

تأملات في جدل متكرر


||الاحكام الخاصة بالعلاقة مع المختلف الديني ، باتت بلا موضوع. لأن موضوعها السابق جزء من ظرف اجتماعي زال من الوجود. وحين يزول موضوع الحكم ، يزول الحكم تبعا له||
لا أظن عاقلا سيحفل بما قيل حول "جواز" الترحم على الفنان المعروف عبد الحسين عبد الرضا. كلنا نعرف ان ربنا سبحانه أكرم من هؤلاء الذين ضاقت صدورهم عن استيعاب معاني رحمته التي وسعت كل شيء. ليس في أقوالهم إذن ما يستحق التوقف.
لكن هذا الجدل يكشف في عمومه عن قضية جديرة بالتأمل ، يوضحها سؤال: ماذا نفعل لو طرحنا رأيا مستمدا من مصادر دينية ، لكن العرف العام رفضه وأنكره.. هل نتخلى عن هذا الرأي ام نجبر الناس عليه؟.
هذا السؤال كان واضحا جدا في الجدل المذكور. بعض الدعاة انكروا جواز الترحم على الفنان المحبوب. فرد عليهم عشرات الآلاف من الناس مستنكرين ، ومدافعين عن محبوبهم. والحق اني فوجئت برد الفعل الجارف ، كما فوجيء غيري. ورأى فيه بعض الكتاب مؤشرا على تراجع الانقسام الحاد الذي وسم المجتمع العربي في السنوات القليلة الماضية.
تشييع جنازة المرحوم عبد الحسين عبد الرضا
خلاصة الفكرة التي اقترحها في هذا الصدد ، ان اتجاه الرأي العام نحو مسألة ما ، يشكل اطارا موضوعيا جديدا للمسألة ، ويستدعي بالتالي البحث عن حكم شرعي جديد ، بخلاف الحكم المتعارف. وفي خصوص مسألتنا الحاضرة ، فان الحكم الشرعي يرتبط بموضوع العلاقة بين المؤمن والمخالف ، سواء صنف كمبتدع او  منحرف أو كتابي او كافر او ملحد الخ. فرضيتنا هي ان الاحكام الخاصة بهذه الاصناف ، ولدت في ظل نظام اجتماعي موحد على اساس ديني او مذهبي (متحد اجتماعي = community). اما اليوم فنحن نعيش في مجتمع تعددي متنوع ، اقرب الى المتحد الاقتصادي/السياسي (=metropole) حيث يميل اعضاء المجتمع الى التعامل فيما بينهم وفق معايير مصلحية مباشرة ، لا تتأثر حديا بالخلفية الثقافية او الانتماء الاجتماعي.
اذا صح هذا ، استطيع القول ان الاحكام الخاصة بالعلاقة مع المختلف الديني ، باتت بلا موضوع. لأن موضوعها السابق جزء من ظرف اجتماعي زال من الوجود. وحين يزول موضوع الحكم ، يزول الحكم تبعا له.
لقد ربطت الظرف التاريخي باتجاهات الرأي العام لسبب بسيط ، وهو ان الرأي العام المعبر عنه بصورة واضحة ، كاشف عن التغيير الذي يحدث في البنية الاجتماعية ، اي في الثقافة والقيم والاقتصاد ونظام العلاقات الاجتماعية والهموم الجمعية. حين تتغير رؤية الجمهور – او شريحة معتبرة منه – الى مسألة ، او يتغير تعامله معها ، فان هذا يكشف عن تغير في البنية التي تشكل قاعدة المصالح التي يقوم عليها موضوع المسألة ، والاطار القيمي الذي يحدد موقعها من المنظومة السلوكية أو الاخلاقية للجماعة ، وتشكل جزء من مفهومها.
لا يمكن النظر في اي مسألة خارج اطارها الاجتماعي التاريخي. ليس للمسائل موضوعات مستقلة او عائمة في الفضاء ، بل هي دائما عنصر في بنية اجتماعية. موضوع المسألة هو واحد من أجزاء الصورة الكبرى التي نسميها بالبنية الاجتماعية. هذه البنية كيان عضوي يتحول باستمرار مع مرور الزمن ، بسبب التحول في علاقة البشر مع الطبيعة المحيطة بهم ، وتقدم معارفهم ، وتعاملهم مع التحديات التي يواجهونها كل يوم في بيئتهم او في عالمهم.
اتفق فقهاء الاسلام على تغير الاحكام تبعا لتغير الموضوعات. ما اقترحه اليوم هو تعريف موسع للموضوع بحيث لا ينصرف الى مسألة بعينها ، بل يشمل أيضا الظرف الاجتماعي الذي تتموضع فيه المسألة. القبول بهذه المقدمة يضع اساسا لقانون عام يؤثر على معظم الاحكام الخاصة بالتعاملات الجمعية.
الشرق الاوسط 16 اغسطس 2017 http://aawsat.com/node/1000081

مقالات ذات علاقة
 الحداثة كحاجة دينية (النص الكامل للكتاب)

19/04/2017

نظرة على علم اصول الفقه

"أصول الفقه"  هو منهج البحث في أدلة الاحكام الشرعية. لا يمكن للفقيه ان يعمل دون الاعتماد على القواعد ونظم البحث والمقدمات النظرية التي تطورت في أطاره. المهمة الرئيسية لعلم اصول الفقه هي وضع الاطارات النظرية وصوغ المفاهيم الناظمة للبحث الفقهي. ومن هنا نقول ان تطور علم الاصول سيقود بالضرورة الى تطور الاجتهاد والارتقاء بمستوى البحث الفقهي ، وبالتالي انتاج أحكام شرعية أكثر دقة وملامسة لموضوعاتها وانسجاما مع روح الشريعة.

"اصول الفقه" علم عقلي ، يطور القواعد والمفاهيم ، او يستعيرها من العلوم الأخرى كالفلسفة والمنطق واللغة. من يقرأ في الفقه ، سوف يصادف على الدوام قواعد مبنية على حكم العقل مثل "لاضرر ولا ضرار" ، "دفع العسر والحرج" ، "امتناع التكليف بالمحال" ، "عدم جواز التكليف بما لا يطاق" ، "دفع الضرر بالضرر" ، "أولوية دفع المفسدة على جلب المصلحة" ، وعشرات القواعد المماثلة ، التي استعملها الشرع في إطاره الخاص.

رغم ان علم الاصول الذي لدينا لا يقارن بما كان عليه في بداياته. الا انه – مثل سائر علوم الشريعة الاخرى – تباطأ كثيرا ، ولا سيما في القرنين الاخيرين. نعرف هذا من المقارنة بينه وبين التطور الكبير للعلوم الموازية له ، مثل علوم اللغة والقانون والفلسفة وغيرها.  وأحتمل ان هذا مرتبط بتراجع العلم في العالم الاسلامي بشكل عام ، وعدم انفتاح دارسي الشريعة على العلوم الجديدة التي تطورت في اطار الحضارة الغربية.

لكني أجد سببا آخر ، وهو إعراضه عن التخصص. وهذه مشكلة فيه وفي علم الفقه ، وهو المستهلك الوحيد لنتائج علم الاصول. ان الثورة العلمية التي شهدها العالم ، ولاسيما في القرن العشرين ، مدينة في جانب كبير من زخمها الى رسوخ مبدأ التخصص العلمي ، الذي تحول بموجبه العلم الواحد الى عشرات من العلوم الفرعية ، المنفردة برجالها ومدارسها ونظرياتها ومجالات عملها. يستحيل ان ترى في هذه الايام فيلسوفا او عالم قانون او طبيبا أو رياضيا ، محيطا بكل فروع هذه العلوم. لأن سعتها وغناها يفوق قدرة فرد واحد على الاحاطة بفرع واحد ، فضلا عن كافة الفروع.

لو اتجهنا الى تطوير علم الاصول من خلال تطبيق مبدأ التخصص ، فسنرى باحثين متخصصين في اللغويات واللسانيات وعلم الدلالة ، واخرين في نظرية المعرفة ومنطق البحث العلمي ، وغيرهم في الهرمنيوتيك الفلسفي (التأويل) وفقه القانون. وهذه العلوم قريبة جدا من المجال المباشر لعلم اصول الفقه. لو حدث هذا فلربما تلاشت الفجوة الفاصلة بين علم الدين والعلوم الحديثة. ولربما حصلنا على منظومة واسعة من العلوم الاصولية. وسنجد ان القواعد التي ذكرناها في أول المقالة قد تضاعفت وتفرعت ، وبات بامكاننا الانتقال من الفقه المدون في الاف المسائل المنفردة الى فقه منظومي مرتب بقواعد عامة وفروع مترابطة. وأظن ان هذا سيكون تمهيدا فعالا لتطور الفكر الديني ، ومعه معنى الدين ودوره في الحياة العامة.

 

الشرق الاوسط 19 ابريل 2017
http://aawsat.com/node/905761

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...