30/08/2017

سؤال العصر: اي دين لأي دنيا


محاضرة الدكتور زغلول النجار في جامعة فاس المغربية في ابريل الماضي ، حول الاعجاز العلمي في القرآن ، انقلبت الى هرج ومرج ، بعدما تصاعد الجدل بين الحاضرين والمحاضر. وتكرر الامر نفسه في يوليو ، اثناء ندوة عقدتها نقابة المهندسين الاردنيين ، بعدما رفضت مطالب الحاضرين بمناقشة مباشرة للدكتور النجار.
زغلول النجار
يشير كلا الحدثين الى ان حديث "الاعجاز العلمي في القرآن" فقد بريقه المعتاد في سوق الثقافة العربية. كثير ممن تبنى هذه الدعوة تخلى عنها ، لأن آلاف الذين كانوا يتابعونه بشوق ، باتوا أقل ثقة في فرضياته ودعاواه.
يرجع الفضل في اطلاق هذا الحديث الى المرحوم عبد الرزاق نوفل ، الذي اصدر 30 كتابا ، يمتليء معظمها بأقاصيص حول التطابق بين التعاليم الدينية وكشوف العلم الحديث. والحق ان نوفل لم يكن عالما متخصصا ، لكنه امتاز بجمال الاسلوب والعرض. وكانت كتاباته اشبه بالتقارير الصحفية ، التي تثير الاهتمام لكنها تفقد قيمتها في اليوم التالي.
كان المرحوم نوفل قد اكتشف مبكرا ، السؤال الذي يحاول الاجابة عليه الدكتور النجار وبقية المهتمين بالاعجاز العلمي ، أعني به سؤال: هل يعد الدين بشيء أكثر من الثواب الأخروي.
لو اردنا وضع هذا الكلام في قالب نظري ، فسوف نقول ان موقف الانسان المعاصر من الدين قد تغير جذريا. في الماضي كان الانتماء لدين بعينه ، واحدا من متطلبات النظام الاجتماعي. حين يتغير الحاكم ، يتحول الناس الى دينه او مذهبه ، دون مساءلة او اهتمام بتحديد موقف شخصي. ويكشف تاريخ المسيحية والاسلام وبقية الاديان ، ان هذا النوع من التحولات كان معتادا حتى نهاية القرون الوسطى.
أما اليوم فلا أحد يغير دينه او مذهبه ، تبعا لتغير دين الحكومة او مذهبها. كثير من البشر المعاصرين يحددون علاقتهم بالدين ، تبعا لما يوفره الدين لحياتهم الحاضرة. وحتى الذين لا زالوا ملتزمين بالنهج القديم ، فانهم يحاولون – بصورة واعية او عفوية – استكشاف المسافة بين ما يعطيه الدين لحياتهم الدنيوية ، وما يؤجله لما بعد الموت. وربما يقررون ، بناء على نتيجة هذا الاستكشاف ، معنى انتمائهم الديني ، او نسبة التزامهم بتفاصيله.
خلافا للمسيحية ، فان تعاليم الاسلام تغطي جانبا واسعا نسبيا من حياة الناس الدنيوية. وبنفس القدر ، فان المسلم المعاصر يتساءل الآن ، او سوف يتساءل في المستقبل ، عن التناسب بين التزاماته الدينية وانعكاسها الايجابي على حياته الدنيوية.
الفهم المسبق للدين يفترض ان معظم المكاسب المتوخاة من التدين ، مؤجلة الى الحياة الثانية بعد الموت. لكني افترض ان كثيرا من الناس سيسألون انفسهم: هل آمنت خوفا من جهنم ، ام لأن الدين يعطيني حياة دنيوية أفضل. وربما أخذ بعضهم المسألة الى حدود اكثر تطرفا فسأل نفسه: لو خيرت بين طريقين في الحياة ، احدهما يعدني بحياة كريمة مزدهرة في هذه الدنيا ، وآخر يدفعني لتقبل البؤس في الحياة الدنيا ، على أمل تعويضها بخير منها بعد الموت. هل سأختار الطريق الاول ام الثاني؟.
حديث الدعاة عن قوة الدين وعظمته وسبقه للعلم الحديث وماضيه الزاهي ، يلعب دورا توكيديا ، يريح انفس الملتزمين الموافقين في الاصل على تلك الدعاوى. لكنه لا يجيب على السؤال الجدي الذي أشرنا إليه ، وهو سؤال سيواجه بالتأكيد معظم الجيل الجديد من المسلمين.
الشرق الاوسط  الأربعاء - 8 ذو الحجة 1438 هـ - 30 أغسطس 2017 مـ رقم العدد [14155]
 http://aawsat.com/node/1011541

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...