23/04/2013

فقر البحوث الاجتماعية

مما يدعو للاسف ان التحولات الاجتماعية ، ومن بينها بروز او تراجع الهويات الفرعية ، والتبدلات الخاصة بتوزيع القوة في المجتمع ، وامثال هذه القضايا الهامة ، لم تحظ بما تستحقه من النقاش العلمي في بلدنا. يهتم علم الاجتماع بوصف وتفسير  الحراك الاجتماعي و - من هذه الزاوية – فهو يوفر اساسا ضروريا للتخطيط الاقتصادي والادارة العامة والتربية والعمران الحضري ، بل كل استراتيجيا وخطة عمل ذات علاقة بالمجتمع ومستقبله.
لا يهتم علم الاجتماع بتحديد قيم اخلاقية او دينية للموضوعات التي يدرسها. فهو في المقام الاول علم وصفي ، تحليلي ، وتفسيري. ومن هنا فاني اشعر بالاسف حين ارى كتابات تحمل عناوين مثل "جناية علم الاجتماع على الاسلام". مثل هذه الكتابات تنطلق من ضيق بالواقع ورغبة في وضع حدود ايديولوجية لاي وصف او تفسير. ونعلم ان مثل  هذا التحديد سينتهي الى شروحات ايديولوجية وليس فهما للواقع كما هو. ولعل من اعظم اخطاء الفلسلفة الماركسية هو اصرارها على حشر حركة التاريخ في قالب تفسيري شديد الالتصاق بمرادات الايديولوجيا ، هذا الخطأ هو احد اسباب فشل الماركسية في الحفاظ على مكانتها بين المدارس الفلسلفية ، رغم اسهاماتها الجليلة في تطور العلم والفلسلفة.
تعرض المجتمع السعودي لتحولات عميقة في حقبة ما بعد النفط ، سيما بعد انطلاق خطط التنمية الخمسية في 1971. اثرت هذه التحولات على التركيب الاجتماعي وتوازنات القوى الداخلية ، وغيرت رؤية الافراد لانفسهم وللعالم المحيط بهم ، كما غيرت بشكل شبه نهائي انماط التدين والمعيشة والعمل. وهي تحولات لازالت مستمرة ، ولم تصل الى غاياتها.
يتسم ظرف التحول بسيولة مفرطة في الاراء والقيم والادوار والمواقع والعلاقات. بعبارة اخرى فاننا نتحدث عن واقع يتغير بشكل شبه يومي ، الامر الذي يجعل الخطط والاستراتيجيات المبنية على تصور محدد عن الواقع ، في لحظة معينة ، ضحية لتلك التحولات السريعة. ولا استبعد ان اخفاق العديد من السياسات الرسمية او توقفها كان نتيجة لمثل هذا التباين بين رؤية الواقع في مرحلة وتحولاته في مراحل لاحقة.
حين استعرض اسماء الدراسات العلمية التي اهتمت بالمجتمع السعودي ، وهي على اي حال ليست كثيرة ، اجد ان اغلبها كتبه باحثون من خارج المملكة ، كما ان جميع البحوث التي كتبها مواطنون ، نشرت – سوى عدد قليل – خارج البلاد. بعبارة اخرى فان بلدنا تعاني فقرا شديدا في الدراسات الاجتماعية ، في ظرف يحتاج المخططون وصناع السياسة – اشد الحاجة – الى هذا النوع من البحوث التي تضيء طريقهم وتساعدهم على استيعاب اشكالات وتحديات المجال الاجتماعي الذي يعملون فيه ولاجله.
يهمني في ختام هذه المقالة توجيه الدعوة الى الجامعات والهيئات الرسمية لتشجيع البحوث الاجتماعية ورفع قيود الرقابة التي تمنع نشر اعمال الباحثين السعوديين. نحن بحاجة الى معرفة الواقع الذي نعيش كي نشق طريقنا الى المستقبل على ارضية متينة وكي نتلافى تكرار التجارب وتكرار الاخفاقات.

الاقتصادية الثلاثاء 13 جمادى الثاني 1434 هـ. الموافق 23 إبريل 2013 العدد 7134

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...