‏إظهار الرسائل ذات التسميات الوحدة الوطنية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الوحدة الوطنية. إظهار كافة الرسائل

24/06/2014

مصائر المجتمعات الفاشلة

اذا اختار العراقيون رئيس حكومة غير السيد نوري المالكي فسوف يتحول العراق الى دولة كونفدرالية بطريقة لينة نسبيا. واذا عاد المالكي الى رئاسة الحكومة بعد تشكيل البرلمان الجديد ، او تعذر التوافق على رئيس حكومة يحظى بالاجماع ، فسوف يتحول العراق الى دولة كونفدرالية ايضا ، ولكن بطريقة صعبة ومؤلمة.
لقد اعتدنا تعليق آثامنا على مشاجب الاخرين. الازمات المتنقلة من الصومال الى ليبيا ومصر والسودان واليمن والعراق وسوريا ولبنان لم تستورد من خارج الحدود ، فهي صناعة محلية بدءا واستمرارا. لعل الاغراب قد ساهموا فيها ، في مرحلة من المراحل ، لكن اليس مستهجنا مرور السنين تلو السنين واهل البلد عاجزون عن علاج علتهم؟. لقد مر ربع قرن على انقسام الصومال ، ولا زال الوضع على حاله ، وخسر السودان نصفه الجنوبي بعد عقد كامل من اتفاق على تلافي مسببات الانفصال.

كذلك الامر في العراق الذي انقسم شماله – واقعيا - منذ 1991 ، وتم الاقرار به دستوريا في 2003. وفي هذه الايام يبدو العراق متجها الى تعميق هذا الانقسام بالتحول – دستوريا او كأمر واقع – الى دولة كونفدرالية من ثلاثة أقاليم على الاقل. هذا المصير نفسه ينتظر سوريا وليبيا ، وربما اليمن التي يطالب كثير من سكان جنوبها باستعادة دولتهم التي كانت مستقلة حتى نهاية الثمانينات من القرن المنصرم.

هذا ليس فعل الاجانب ، بل هو فعلنا ، او هو ثمرة عجزنا عن الفعل. ربما نتهم اسرائيل وامريكا او نتهم ايران وتركيا ، او نتهم السعودية وقطر او غيرها  او نتهم الشيطان الرجيم ، لكن لا امريكا ولا الشيطان ولا اي احد آخر يقرر مصيرك ما لم تكن انت مستعدا لتقبل هذا المصير.

في الماضي القريب كانت الوحدة املا واغنية. وكنا جميعا نعتبر توحيد البلاد الاسلامية او العربية غاية مقدسة واملا للخلاص. لكن الواضح اليوم ان الناس قنطوا من الوحدة بين الدول ، والاسوأ من ذلك ان معظم العرب ما عادوا يكترثون باحتمال انقسام بلدانهم. زعماء العراقيين السنة يطالبون باقليم خاص ، ويبدو ان اكثر العراقيين الشيعة يتقبلون الفكرة. بعض زعماء ليبيا يطالب صراحة بتقسيمها الى ثلاث كيانات فيدرالية ، مثلما يطالب كثير من اهل اليمن. فكرة تقسيم سوريا الى ثلاث دول كونفدرالية او فدرالية تطرح اليوم كأحد المخارج الممكنة من الحرب الاهلية.

اتساع القناعة بالحل الانفصالي دليل على شعور بالعجز الكامل عن التشارك والتعايش الطبيعي في وطن واحد. ما دمنا عاجزين عن التشارك ، فلنقل ذلك صراحة ، ولنذهب نحو الانقسام اللين كي نحصر الخسائر ونصون حدا ادنى من المشتركات الضرورية لحياة سليمة. هذا حل مؤلم لكنه اقل سوءا من المكابرة والاصرار على اعادة تجربة الفشل بعدما سالت الدماء ودمر العمران.

الاقتصادية 24 يونيو 2014
http://www.aleqt.com/2014/06/24/article_860574.html
مقالات ذات علاقة
·         الأخ الأكبـــر
·         العبء الطائفي
·         الأخ الأكبـــر
·         في انتظار الفتنة


06/05/2014

قانون حماية الوحدة الوطنية


بلادنا ليست جزيرة معزولة عن العالم وصراعاته. مجتمعنا مثل كل مجتمعات العالم ، لا يخلو من جماعات تستثمر النزاعات الاهلية كي تعزز نفوذها الاجتماعي.
يعتقد الكثير من الشخصيات العامة في المملكة ان النصح والتوعية علاج ناجع لحالة التنازع والفرقة ، سيما تلك التي تتلبس عباءة الدين. وقام بعضهم مشكورين ببذل المستطاع في دعوة الناس الى الاخاء وتعزيز المشتركات بين ابناء الوطن. تجربة الحوار الوطني كشفت ايضا عن امكانات كبيرة لتجاوز دواعي الخصام.
لكنا نعلم ان هذه الجهود الخيرة لم تحقق الثمار المرجوة. لم ننجح كما لم ينجح غيرنا في البلدان الاخرى. الكويتيون مثلا اقتنعوا بضرورة اقرار "قانون حماية الوحدة الوطنية" الذي ينظم التعامل مع تجار الكراهية. تجربة بريطانيا انتهت بصدور قانون المساواة العرقية وانشاء هيئة تتولى تطبيقه ، حددت مهمتها بدمج الاطياف الاجتماعية ومعالجة ظواهر ومسببات الانقسام الاجتماعي. 
نحن بحاجة الى تفعيل الامكانات القانونية المتوفرة لدينا. واشير خصوصا الى المادة 12 من النظام الاساسي للحكم التي تنص على ان "تعزيز الوحدة الوطنية واجب ، وتمنع الدولة كل ما يؤدي للفرقة والفتنة والانقسام". هذا النص الصريح يمثل ارضية مكينة لاستراتيجية تشارك فيها الدولة والمجتمع بهدف ترسيخ الوحدة الشعورية وتعزيز الهوية الوطنية الجامعة.
المجتمع السعودي لم يعد بسيطا كما كان قبل نصف قرن. الدعوات الاخلاقية والدينية لم تعد كافية لتصحيح الاخطاء. لا بديل عن قانون يجرم الكراهية ويردع تجارها اذا اردنا حماية وحدتنا الوطنية وسلامنا الاجتماعي في مثل الظروف المتفجرة التي يعيشها محيطنا الاقليمي.
لا يليق بنا ولا يليق ببلدنا ان نتحول الى مجرد صدى لصراعات الاخرين. يتصارع الافغان فينقسم السعوديون الى فسطاطين ، يتصارع العراقيون فيحد كل منا سكاكينه ويتربص بالاخر ، يتصارع السوريون فاذا بنا نتحول الى درعا وحمص وحلب ، يتنازع المصريون على رئيسهم فاذا بمجالسنا تتحول الى ميادين رابعة والتحرير.
وليت الامر ينحصر في التنازع اللفظي. هذه الصراعات/الاصداء تتحول الى معارك حقيقية ، تتصاعد فيها لغة التخوين والتكفير والتهديد والمقاطعة والاستعداء والاستهداف ، وقد تصل الى العدوان المادي على الاشخاص.
هذا النوع من النزاعات طبيعته التوسع والتفاقم. ثمة اشخاص من بيننا تخصصوا في استثمار النزاعات الطفولية والمتاجرة في سوقها. وهم يجنون مالا وشهرة ونفوذا. هؤلاء لا يتركون تجارتهم اذا استمعوا واعظا او درسا في الاخلاق. ولا يهمهم ان يهتز البلد ماداموا رابحين.
اصدار قانون حماية الوحدة الوطنية اصبح ضرورة كي نحمي انفسنا وابناءنا ومستقبلنا من تجار الكراهية هؤلاء.
لا نطالب باجتراح المعاجز. نطالب فقط وفقط بصدور قانون يشرح الطرق القانونية اللازمة لتطبيق المادة 12 من النظام الاساسي للحكم. من واجب الحكومة تطبيق النظام الاساسي ، وهي مسؤولة عن مستقبل البلد ، امام شعبها وامام التاريخ.



الاقتصادية  6 مايو 2014
مقالات ذات علاقة

عن طقوس الطائفية وحماسة الاتباع

فلان المتشدد

خديعة الثقافة وحفلات الموت

ما الذي نريد: دين يستوعبنا جميعاً أم دين يبرر الفتنة

ثقافة الكراهية

تجريم الكراهية

تجارة الخوف

الطائفية ظاهرة سياسية معاكسة للدين

سوريا ليست معركتنا

 شراكة التراب وجدل المذاهب

تجارة الخوف

 نحتاج إلى قانون يحمي السلم الأهلي وحقوق المواطن

 في ان الخلاف هو الاصل وان الوحدة استثناء

25/06/2013

كن طائفيا او كن ما شئت .. لكن لا تضحي بوطنك

زميلي الاستاذ جمال خاشقجي يقول ببساطة: ياصديقي الشيعي كن معي في موقفي والا سأكون ضدك (الحياة 22 يونيو 2013).
كي لا تختلط الامور فالزميل لا يطالبنا بالخروج في غزوة بدر مثلا ، ولا يدعونا لتحرير الاراضي المحتلة ، بل ولا حتى لنصرة الشعب السوري الجريح. المطلب المحدد للزميل الكريم هو ببساطة : ان تكون عدوا لايران وحزب الله. 

جوهر المسالة التي شغلت باله هناك ليس حق الشعب السوري في صناعة مستقبله بحرية ، جوهرها – حسب ما يشرحه الاستاذ خاشقجي - هو وجود حزب الله وتاييد ايران للنظام. لا يحتاج الامر الى تفسير او تحليل ، فاما ان تكون عدوا لمن يعاديه الاستاذ جمال والا فانت مصنف في جبهة اعدائه.
ليس الامر مهما لو اقتصر على معاداة شخصية ، سيما لو كان عدوك عاقلا مثقفا حصيفا كالاستاذ جمال. لكن الاستاذ جمال لا يتحدث عن عداء شخصي ولا اظنه يفكر فيه. بل يقول كلاما يؤدي – موضوعيا – الى تبرير حالة استقطاب اجتماعي على اساس مذهبي : الاكثرية السنية في طرف والاقليات الشيعية في الطرف المقابل. تذكرت وانا اقرا مقالة الاستاذ جمال خطبة بن لادن "اصبح العالم فسطاطين" ، وتذكرت قسمة بوش الشهيرة "من لم يكن معنا فهو ضدنا". لا اظن خاشقجي يعنيها ، لكن مقالته مجرد تبرير لهذا المنهج. فهو يخير مواطنيه الشيعة بين موقفين : ان يساعدوه ، والا فلينتظروا انقسام المجتمع الوطني. طبيعة المساعدة هنا هي تقليد موقفه الشخصي. عنوان مقال الاستاذ خاشقجي يقول دون مداورة: ساعدني والا سأكون طائفيا ، اي عدوا لك.
حسنا. لنفترض اني رفضت مساعدتك ، فهل ستضحي بوحدة الوطن وسلامه الاجتماعي من اجل سوريا؟. هل تسعى لانتصار السوريين ولو على حساب وحدة بلدك وامنه واستقراره؟.
خاشقجي وكل شخص اخر يتبنى مواقف بناء على تحليله الخاص ، او انطلاقا من دائرة مصالح ينتمي اليها. هذا ليس مشكلة ، فلكل شخص حق ثابت في اتخاذ اي موقف ومناصرة اي طرف او معاداته. لكننا لسنا بصدد قضية وطنية مشتركة ، كي نقول ان مصلحة الوطن او مستقبله او امنه يتوقف عليها. موضع الجدل هو الموقف من الثورة السورية ، وبالتحديد مناصرة الجماعات المسلحة فيها.
لطالما اختلف مجتمعنا حول الموقف تجاه قضايا خارجية. في الثمانينات كان الحماس للثورة الافغانية اوسع كثيرا من الحماس الحالي للثورة السورية. ونعرف اليوم مآل تلك الثورة وما صاحبها من حماسة. هل اخطأ الذين رفضوا الانخراط في دعم الثورة الافغانية يومذاك؟. هل يتوجب علينا القول ان قضايا الخارج يديرها اهلها واننا مجرد مراقبين؟. هل يتوجب علينا الحذر من المبالغة في الانخراط العاطفي ، سيما حين ينطوي على مخاطر مباشرة او غير مباشرة على وحدة بلدنا وامنه وسلامه الاجتماعي؟.
لنفترض ان الشيعة جميعا ابوا مناصرة الثورة السورية ، فهل نهدد بلدنا بالانقسام عقابا لهم على هذا الموقف؟. هل سمعتم بعاقل يرهن علاقته بمواطنيه لموقف سياسي ، خارجي تحديدا ، مهما كانت اهميته؟. اي عاقل يتعامل بهذا القدر من الخفة مع قضية بهذه الخطورة .. اعني وحدة الوطن والسلم الاهلي؟.
الاقتصادية 25 يونيو 2013

02/04/2013

حول الانقسام الاجتماعي

ثمة نوعان من الانقسام في اي مجتمع:

أ‌)        انقسام عمودي: حيث يتمايز الناس تبعا لهوية يرثونها من ابائهم ، مثل انتماء الفرد الى دين او قومية او قبيلة او جنس.

ب‌)    انقسام افقي: حيث يتمايز الناس تبعا لهوية يكتسبونها باختيارهم ، مثل انتماء الفرد الى حزب او حرفة او ايديولوجيا.

كل من الاوصاف السابقة يمكن ان يشكل اساسا لرابطة اجتماعية تميز المنتمين اليها عن غيرهم. فالتمايز على اساس العرق او القومية او اللون يمكن ان يشكل اساسا لتصور متمايز عن الذات والتاريخ ، كما هو الحال في القوميين العرب والحركات الكردية وحركات الحقوق المدنية. وكذا الحال في التمايزات الافقية ، فالتوافق في المهنة او الميول الايديولوجية يشكل اساسا لاستقطاب سياسي واجتماعي ، كما في النقابات والمجموعات التجارية ، وامثالها.

كانت هذه المسالة هما شاغلا لدارسي التنمية ، الذين لاحظوا ميل المجتمعات التقليدية للحفاظ على النوع الاول من الانقسامات. على عكس المجتمعات الصناعية والحديثة التي يميل افرادها للتلاقي والتجمع على ارضية توافق الافكار والمصالح.

تعتبر دراسة البروفسور دانييل ليرنر "موت المجتمع التقليدي" واحدة من اهم التجارب العلمية التي عالجت هذه الاشكالية ، وركزت خصوصا على قابلية "الفرد" للتحرر من قيود الموروث ، وتجسير علاقات اكثر انفتاحا مع بقية الافراد الذين اتوا من خلفيات متفاوتة. اهتم ليرنر باشكاليات التنمية والتحديث في الشرق الاوسط ، وقدم ملاحظات ومستخلصات قيمة ، جعلت كتابه مرجعا رئيسيا في بابه.

وضع ليرنر معيارا رئيسيا لتقييم استعداد الفرد - نفسيا وثقافيا -  لتغيير هويته ، ومن ثم الانتقال من دائرة العلاقات التقليدية (الانقسام من النوع الاول) الى دائرة العلاقات الحديثة (الانقسام من النوع الثاني).هذا المعيار هو التكيف (او التقمص=empathy اذا شئنا ترجمة حرفية) وخلاصته : ان ترى الناس مثلك ، ليسوا نفسك ولا اعداءك ، ثم ترى نفسك مثلهم ، لست نسخة عنهم ولا عدوا لهم. هذا يؤهلك لربط مطالبك وتطلعاتك الخاصة بمطالب الاخرين ، وتحويلها من هم فردي الى مشروع مشترك ، سواء كان سياسيا او ثقافيا او تجاريا او حتى شراكة علمية.

نمط العلاقات القديم اساسه تقارب عاطفي مسبق. اما نمط العلاقات الحديث فاساسه فهم مشترك ، وتوافق على الموضوعات ، ولو جزئيا او مرحليا ، بغض النظر عن اصول الافراد وهوياتهم السابقة.

هذا التحول الثقافي/النفسي ضروري كي نعيد بناء منظومة العلاقات الاجتماعية على ارضية اعلاء قيمة الفرد وتعظيم الكفاءة والانجاز ، بدل المبالغة في تقدير النسب والانتماء الاجتماعي ، الذي ورثه الانسان وليس له يد فيه. التكيف او التقمص لا يتطلب – بالضرورة – التسليم باراء الاخرين او معاداتها. بل يتطلب فقط قابلية روحية لتفهم الاخرين وتنظيم العلاقة معهم على اساس المصالح المشتركة او التوافقات الجزئية او المرحلية. 

 

الاقتصادية  2 ابريل 2013   http://www.aleqt.com/2013/04/02/article_744113.html

مقالات ذات علاقة


07/08/2012

سوريا ليست معركتنا



اشعر احيانا اننا نمارس السياسة مثل متفرجين في ملعب كرة. ثلاثون لاعبا يصنعون الحدث ، والاف الناس على المدرجات يهتفون لهذا الفريق او ذاك. في نهاية اللعبة يفوز طرف فيحصد المال والشهرة ، أما الاف المشجعين فيخرجون من المولد بلا حمص كما يقول المصريون. لا يكسبون شيئا من الغنيمة ، ولا أحد يسأل عنهم. خلاصة مكسبهم "شعور" مؤقت بانهم كانوا الى صف المنتصر او المهزوم.
الاغلبية الساحقة منا متفرج على لعبة السياسة. ثمة عشرون او ثلاثون لاعبا يتصارعون في ميادينها ، فيكسبون المال والسلطة والقوة. اما نحن ، ملايين الناس ، فتتقطع اعصابنا وحناجرنا تاييدا لهذا الفريق او ذاك. ندفع المال ، ونصارع اخوتنا واصدقاءنا. لكن حصتنا في نهاية اللعبة تتلخص في "شعور" باننا وقفنا الى جانب الاقوياء ، مثل طفل يقاتل كي يحصل على صورة مع ممثل مشهور.
خلال الايام الماضية امتلأت صحافتنا بالتحذير من تصاعد المشاعر الطائفية بين الشباب. تحذيرات جاءت كرد على التجييش المتصاعد للمشاعر في مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من دوائر اللقاء بين الناس.
نشعر جميعا بالالم للتدهور المريع في اخلاقيات العلاقة بين ابناء الوطن. لكن ما نشهده اليوم ليس حدثا جديدا. مجتمعنا مدمن على خوض معارك الاخرين من مقاعد المتفرجين. كنا دائما الطرف الذي يمول الاخرين ويشجع الاخرين ويختلق التبريرات للاخرين. فعلنا ذلك في افغانستان ، وفي البلقان واسيا الوسطى ، وفعلناه في العراق ، ونفعله اليوم في سوريا ، وسنفعله غدا في بلدان اخرى.
ستنتهي الازمة في سوريا وتهدأ النفوس ، مثلما حصل في سابقاتها. لكن ما يستحق التوقف هو سلوك بعض النخبة، من كتاب ودعاة وناشطين، اتخذوا التجييش الطائفي مصعدا للنفوذ الاجتماعي. هذا سلوك ينطوي على مخاطرة شديدة قد تطيح بوحدة البلد وسلامه الاجتماعي واستقراره.
تستطيع استعمال فنون البلاغة كلها في تجييش مشاعرالمتفرجين. لكن هل ستتحمل المسؤولية عن عواقب هذا المسار .. انقسام المجتمع واندلاع الصراع بين شبابه؟.
ما يحدث في سوريا ليس معركتنا ، وما حدث في العراق وافغانستان والبوسنة واسيا الوسطى لم تكن حروبنا. غيرنا قرر الحرب وغيرنا سيكسب المعركة او يخسرها. لسنا سوى متفرجين في ملعب لكرة القدم. فلماذا ننقل هذه المعارك الى مجتمعنا ؟ لماذا نحارب بعضنا في معركة قررها الاخرون؟. اليس بلدنا يكفينا ، اليست مشاكلنا تكفينا؟. اي واحدة من اولوياتنا تمثل سوريا او غيرها ؟. اهي مقدمة على تحدي البناء والتنمية والوحدة الوطنية والاستقرار في بلدنا؟.
ايها المغامرون بوحدة الوطن ومستقبله وسلامه.. تأملوا في عواقب افعالكم .. وخافوا الله في وطنكم ومستقبل شبابكم.
الاقتصادية 7 اغسطس 2012






10/04/2012

الواعظ السياسي


كاننا نعيد اكتشاف العجلة ، وكاننا نحاول تفسير معنى الماء. الثورة الشعبية في سوريا ، استهدفت – فقط وفقط – اصلاح نظام سياسي عجز عن اصلاح نفسه. لكن شريحة من الوعاظ والحركيين في بلادنا اختزلوا انتفاضة الشعب السوري وتضحياته في الفارق المذهبي- الطائفي بين الحاكم واغلبية المحكومين.
كأن السوريين لم ينتفضوا من اجل الحرية ، ولا ضحوا بانفسهم من اجل كرامة العيش ، ولا دفعوا  الغالي والنفيس من اجل العودة ببلادهم الى مصاف البلاد المتحضرة. المسألة عند اولئك الوعاظ ابسط كثيرا من الحرية وتقرير الشعب مساره ومصيره ، ابسط من التنمية الشاملة واجتثاث الفساد. المسألة عندهم لا تتعدى نزاعا شخصيا او شبه شخصي بين طرفين يختلفان في المذهب. لكأن الصراع الدامي في سورية مجلس درس فقهي يجادل حضاره في العقائد ، وكأن الصراع الدامي في حمص ودرعا وادلب محاورة شعرية بين ممثلي قبائل يتبادلون الفخر باحسابهم وانسابهم. كأن الذين يتصارعون على الارض السورية جرير والفرزدق ، كل منهما يهجو الاخر بذكر معايب اهله.

الثورة السورية ، مثل نظيرتها في تونس وليبيا ومصر واليمن ، حركة شعبية همها الاول والاخير هو تمكين اهل البلد من اصلاح بلدهم وتقويم اقتصاده وادارته ، وتحريك عجلة النمو التي توقفت او تعثرت بسبب الفساد واستئثار اقلية صغيرة بالقرار والثروة ومصادر القوة. بعبارة اخرى فان الشعب السوري يحاول الانفلات من تاريخ القهر والتفرد والاستبداد. اما وعاظنا الذين ا كتشفوا السياسة من فوق  المنابر ، فان تلك الهموم والاهداف لا تعني لهم شيئا ولا تهمهم. الحرية عندهم انفلات ، ومشاركة المجتمع في تقرير حاضره وغده اقحام للعوام في شغل اهل الحل والعقد. اما مكافحة الفساد فعلاجها خطبة او خطبتين ، وكفى الله المؤمنين القتال.

لا اجد ضرورة للتحفظ حين ادعو الوعاظ والخطباء الى ترك السياسة والحديث فيها ، لانني اجد معظمهم غير مدرك لما يجري ، بسيطا وسطحيا الى حد السذاجة. ولهذا السبب – ربما – يستبدل التوجيه العقلائي للمستمعين بالشحن المذهبي وكيل الشتائم للاشخاص والطوائف ، والمبالغة في اللغة الخشنة والكلام الذي ينبغي ان يعف الانسان عن قوله ، سيما في بيوت الله.

جهل هؤلاء بالسياسة والكلام السياسي هو الذي يؤدي الى تحويل الخطاب الديني من مناصرة الشعب السوري الى اعلان العداوة والكراهية ضد كل من وقف على الحياد او تردد في هذا الموقف او جمعه مع اهل الحكم هناك مذهب او نسب.
العارفون في السياسة يفهمون ان اول الحرب استمالة حلفاء العدو او تحييدهم لتفكيك جبهته واضعافها. اما وعاظنا فاول حربهم هو تقسيم العالم الى فسطاطين: من لا يقف معنا في كل موقف فهو هدف لحربنا. لا مجال عندهم لتدوير الزوايا الحادة، ولا مجال للتفصيل ، لانهم في الاساس ليسوا مشغولين بالسياسة قدر انشغالهم بتدبيج الخطب العصماء وقصائد الفخر والهجاء.

هؤلاء الوعاظ لا ينصرون شعب سوريا ، بل يزرعون الكراهية في اوطانهم ، وهم لا يفهمون الاهداف السامية التي يضحي من اجلها السوريون ، فشغلهم الشاغل هو اعلاء الجدار الفاصل بين الفسطاطين.

جريدة الاقتصادية  11 ابريل 2012

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...