‏إظهار الرسائل ذات التسميات القاعدة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات القاعدة. إظهار كافة الرسائل

01/07/2014

في مواجهة التيار الداعشي


اعلان داعش عن دولتها وتنصيب زعيمها خليفة للمسلمين ، يمثل نقطة تحول كبرى تستدعي حسم الخيارات: مع نمط الحياة الذي يمثله التيار الداعشي او نمط الحياة الذي اختاره المجتمع بارادته. لقد جربنا العيش كما نريد وعلمنا عن نمط العيش الذي ارادته داعش في العراق وسوريا وشقيقتها طالبان من قبلها. 
داعش ليس فزاعة صنعتها طهران او دمشق او واشنطن كما حاول البعض ايهامنا. حوادث العقدين الماضيين علمتنا ان هذا التيار لا يستطيع العيش الا منفردا متحكما في محيطه. لا يتعلق الامر بهزيمة الشيعة كما يود البعض ، ولا بالمشاركة في السلطة كما يتمنى آخرون. اجتهد الجزائريون عقدا كاملا لاقناع زعماء هذا التيار بترك العنف والمشاركة في الحياة السياسية. كذلك حاولت الحكومة الافغانية لما يزيد عن ثمان سنين. وتكرر الامر في الصومال. لكن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل التام. هذه تجارب تكفي لاستنتاج ان التيار الذي تمثله داعش ، لا يرى نفسه مدينا لاحد ولا شريكا لاحد ، ولا جزءا من اي عملية سياسية طبيعية. هذا تيار يتمثل مقولة اسامة بن لادن المشهورة في 2001 "هذه الأحداث قد قسمت العالم بأسره إلى فسطاطين ، فسطاط  ايمان لا نفاق فيه وفسطاط كفر أعاذنا الله وإياكم منه ". والرسالة التي ينطوي عليها هذا القول هي ببساطة: اما ان تكون جنديا في صفوفنا والا فانت في فسطاط الكافرين.
قبل بضعة ايام نشرت على الانترنت خريطة تظهر ان قوات داعش اصبحت على بعد 60 كيلومترا من الحدود السعودية. واعلم ان هذه كذبة واضحة ، هدفها استثمار القوة الظاهرة للتشكيك في شرعية الانظمة الاجتماعية القائمة. لكن على اي حال فانه لاينبغي التهوين من خطر داعش او اخواتها ، على السلم الاهلي والاستقرار في منطقة الشرق الاوسط باكملها. وعلى حكومات المنطقة ان تأخذ الموضوع بمنتهى الجدية ، قبل ان يصبح الخطر على ابوابها او ربما اقرب.
وفي ظني ان الخطوة الحاسمة لمواجهة خطر التيار الداعشي هو حسم الخيارات باتجاه الحداثة الصريحة واستيعاب المتغيرات الثقافية والاجتماعية الناتجة عن تحولات الاقتصاد وانضمام الاجيال الجديدة الى ساحة الفعل الاجتماعي. لن نستطيع مقاومة المد الداعشي بالاعتماد على سياسات الاحتواء والاستيعاب القديمة ، ولن نستطيع صيانة السلم الاجتماعي والتطور المنتظم من دون تحولات كبيرة في اتجاه المشاركة الشعبية في صناعة القرار وتحقيق اكبر قدر من الرضا العام عن سياسات الدولة.
لن تصل داعش الى الحدود السعودية اليوم ولا بعد خمس سنين. ولا ينبغي ان نخدع انفسنا بهذا الخطر المتوهم. الخطر الواقعي يكمن في امكانية احتلال داعش لقلوب الناس من خلال التشكيك في شرعية النظام الاجتماعي ونمط الحياة القائم. ولهذا نحتاج الى حسم خياراتنا ، اليوم وليس غدا. واظن ان المشاركة الشعبية في صناعة القرار هي اول الطريق.
الاقتصادية 1 يوليو 2014
http://www.aleqt.com/2014/07/01/article_863117.html
مقالات ذات علاقة
·          خيار الصفر
·          فلان المتشدد


18/09/2012

اعلام القاعدة في تظاهرات عربية

في التظاهرات التي شهدتها الاسبوع الماضي بنغازي وتونس والخرطوم وصنعاء احتجاجا على الفلم الامريكي المسيء للرسول (ص) ، هتف بعض المتظاهرين بشعارات تؤيد "القاعدة" ورفعوا اعلامها السوداء.

مبدئيا لا استطيع الجزم بان هؤلاء اعضاء في التنظيم او مناصرون ملتزمون له. في غالب الاحيان يبحث الناس عن اشد التعبيرات نكاية بعدوهم ، اذا شعروا بالعجز عن رد ظلمه. انها عملية تعويض نفسي تجري بشكل عفوي ، مثلما قيل في المثل العربي القديم "اوسعتهم سبا واودوا بالابل". 

لكن المسألة اعمق من مجرد غضب مؤقت. المسألة هي ان شريحة في الشارع العربي تؤمن في اعماقها بان "القاعدة" هي المعادل السياسي "المسلم" للتحدي الغربي ، الامريكي على وجه الخصوص. هذا يعني اولا انها تفهم العلاقة بين المسلمين والغرب باعتبارها حربا ، وليست مجرد صراع سياسي او ثقافي. ويعني ثانيا ان هذه الشريحة ترى في عمل "القاعدة" نموجا صحيحا لمواجهة ذلك التحدي.

كتب استاذنا د. عبد الوهاب الافندي قائلا ان الهجوم على السفارات الامريكية قد لا يكون عملا عفويا. وان علينا ان نضع في اعتبارنا احتمال وجود ايد خفية تعمل لدفع الامور في الشارع العربي في اتجاهات تخدم اجندات خاصة ، معلنة او مكتومة. ولا استبعد وجود من يسعى لاقناع الاجيال العربية الجديدة بالعودة الى تراث العنف القديم ، بعدما اصبح "اللاعنف" قيمة معيارية في الجدل السياسي . وهو امر لم تعرفه  المجتمعات العربية قبل انطلاق الثورة التونسية. كما لا استبعد وجود من يسعى لدفع الحكومات الجديدة نحو قمع المعارضين بدل ترسيخ الحريات المدنية والسياسية.

في كل من تونس وليبيا ، قال مسؤولون حكوميون انهم حددوا الاشخاص المتورطين في الهجوم على السفارات. وظهر لهم ان المسالة لم تكن عفوية كما بدا لأول وهلة. هذا قد يعزز الاحتمال الذي ذكرته ، رغم اني لا اثق في كلام الرسميين في حالات كهذه.

ايا كان الامر ، فان ما يهمنا في المسألة كلها نقطتان:

 الاولى: اذا صح ان شريحة في المجتمع العربي تنظر لتنظيم القاعدة كمعادل للغرب ، فهذا يعني ان التنظيم يرسخ وجوده في الثقافة والمجتمع العربي ، خلافا للاعتقاد القديم بانه يحتضر بعدما فقد زعيمه.

الثانية: يكشف تاريخ التنظيم ان المجتمع السعودي كان من بين البيئات التي افتتنت بخطابه. وقد تحمل جراء ذلك عسرا وعنتا وكلفا جسيمة ، بشرية ومادية وسياسية.

نحن بحاجة الى دراسة معمقة لتلك الاحتمالات ، ولا سيما انعكاساتها في مجتمعنا . وربما نحتاج – على ضوء هذه الدراسة - الى مراجعة سياسات الاحتواء والمواجهة التي طبقت في السنوات الماضية. ظهور "القاعدة" في الشوارع ليس مجرد حدث نرد عليه باستنكار الغلو او رمي الناس بالجهالة. فهو اكثر جدية واشد خطرا من كلام بارد يقوله مذيع في التلفزيون او خطيب على منبر.

07/09/2009

تفكيك التطرف لتفكيك الإرهاب-1


أتفق تماما مع الأستاذ مشاري الذايدي بأننا لم نفعل ما يكفي لتحييد التطرف الذي يوفر المدد البشري والفكري لشبكات الإرهاب. المحاولة الفاشلة لاغتيال سمو الأمير محمد بن نايف أعادت التذكير بأن المملكة لا زالت هدفا لشبكات العنف الذي ظننا أنه قد تراجع في العامين الماضيين. المؤكد أن معظم السعوديين متفقون على إدانة التوسل بالعنف المسلح لأي غرض سياسي أو ديني أو اجتماعي.
الحوادث الأخيرة كشفت عن حقيقة مؤلمة ربما أغفلناها طوال الأشهر الماضية، وهي أن هناك من يعمل بقصد أو بجهالة على تغذية اتجاهات العنف في المجتمع، من خلال تصوير المنافسين كأعداء للدين أو تصوير الصراع الفكري والسياسي الطبيعي كمعركة حياة أو موت بين الاتجاه الديني التقليدي والاتجاهات المنافسة. ذلك الشخص الذي يقول على شاشات التلفزيون إنه لو التقى بالدكتور تركي الحمد لبصق في وجهه، وذلك الذي يتحدث عن القتل والقتال والردة كما لو كان الأمر يتعلق بعنز في سوق المواشي، وذلك الذي يدعو الشباب إلى التصدي بأيديهم لكل من خالف تقاليده أو متبنياته الدينية، وذلك الذي يبرر قتل الناس في دول أخرى لأن مذهبهم باطل أو لأن دينهم محرف.
كل هؤلاء ينفخون في شراع الإرهاب عن وعي أو عن جهالة. فهم يصورون العنف كتعبير وحيد عن صفاء العقيدة، وهم يهونون من قيمة الدم الحرام حتى تتحول إراقة الدم إلى حلم يلح على ذهن الشاب البسيط الذي يريد إن يكتشف ذاته إو يجسد رجولته إو يفي بدينه تجاه ربه إو تجاه شيخه. 
نحن لا نتحدث عن حالات فردية. لقد تحول التطرف الديني إلى غول يأخذ بخناق البلاد، وتراه أمامك في كل يوم، في المساجد والمدارس والتلفزيون والصحف والإنترنت. هذا الغول أدرك اللعبة السياسية وأجادها، في مثل هذه الأيام تراه ساكتا خامدا، حتى إذا تراخى اهتمام الناس بحوادث العنف السياسي، نهض من بياته محاربا هذا وشاتما ذاك. يعمل هذا الغول السياسي على استغلال كل قضية لتجنيد الناس ونفخ ثقافة العدوان فيهم وتعزيز الكراهية بينهم وبث اليأس والارتياب في نفوسهم. وهو يضع كل عمل من هذه الأعمال في قالب ديني، فكأنه صاحب الشريعة أو ممثلها الوحيد، وكأنه الناطق بالحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
يحرص الشباب جميعا على دينهم وسلامة مجتمعهم. هذه المشاعر النبيلة تمثل مدخلا لتعزيز شعورهم بالمسؤولية وحماستهم لتنمية ذواتهم والمساهمة في إنماء مجتمعهم. لكن دعاة التطرف يستثمرونها في زرع الإحباط والشعور بالمهانة عند الشباب. وهم يوجهون هذه المشاعر السلبية نحو منافسيهم السياسيين أو الاجتماعيين، أي جميع شرائح المجتمع عدا الفئة التي تدور حولهم وتردد أقوالهم. ينظر أولئك المتطرفون إلى كل إنسان باعتباره عدوا فعليا أو عدوا محتملا. أما لأنه يتبع منهجا دينيا منفتحا، أو لأنه يركز على قضايا الإصلاح الاجتماعي والثقافي، أو لأنه يتطلع إلى أسلوب حياة مختلف، أو لأنه يعبر عن آراء غير تلك التي تحمل ختم «الفرقة الناجية»، أو لعشرات الأسباب غير هذه وتلك. في كل الأحوال فإن يوميات دعاة التطرف هؤلاء مكرسة للبحث عن أعداء أو اصطناع أعداء أو وصف أعداء . كتاباتهم وخطاباتهم ومجالسهم مكرسة في معظمها للحديث عن «الآخرين» أي الأعداء الفعليين أو الأعداء المحتملين.
الشاب الذي ساقته أقداره إلى حلقات هؤلاء المتطرفين سوف ينزلق بالتدريج إلى حمأة العداوة، سوف ينشغل ذهنه بالتخلص من الأعداء الواقعيين والمتخيلين بدل انشغاله بتطوير كفاءاته وبناء حياته. نموذج الحياة الفاضلة الذي يرنو إليه سوف يتجسد في الانتصار على أولئك الأعداء المفترضين، بدل الانعتاق من الجهل والخرافة والفقر.
التطرف والتطرف الاجتماعي والثقافي هو الذي يبرر العنف ويجعله اعتياديا، مقبولا، بل ومحبذا. ولهذا فإن تجفيف منابع الإرهاب ، يتطلب إيضا كسر شوكة التطرف وإعادة المتطرفين إلى مكانهم الطبيعي، بعدما تحولوا إلى غول يسعى للهيمنة على حياة البلاد الثقافية والفكرية والاجتماعية.

صحيفة عكاظ   7 سبتمبر 2009م - 
http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20090907/Con20090907303172.htm

مقالات ذات علاقة

جرائم امن الدولة : وجهة نظر اخرى

الحريات العامة كوسيلة لتفكيك ايديولوجيا الارهاب

إشارات على انهيار النفوذ الاجتماعي للقاعدة

اعلام القاعدة في تظاهرات عربية

تحولات التيار الديني – 5 السلام مع الذات والسلام مع العالم

عن طقوس الطائفية وحماسة الاتباع

فلان المتشدد

خديعة الثقافة وحفلات الموت

ما الذي نريد: دين يستوعبنا جميعاً أم دين يبرر الفتنة

اتجاهات في تحليل التطرف

ابعد من تماثيل بوذا

ثقافة الكراهية

تجريم الكراهية

تجارة الخوف

في انتظار الفتنة

كي لا نصبح لقمة في فم الغول

تفكيك التطرف لتفكيك الإرهاب-1

تفكيك التطرف لتفكيك الارهاب-2

العامل السعودي

غلو .. ام بحث عن هوية

31/12/2008

حيثما كنت ، غول العنف في انتظارك


غول الارهاب يتربص بالجميع . كل فرد هو هدف لهذا الغول السياسي الذي يتمظهر حينا على شكل عصابات مسلحة ، ويتمظهر حينا اخر على شكل مجموعات تدعو للتطرف الديني وتعمل على تفكيك المجتع الى فسطاطين : فسطاط اهل الحق ، وفسطاط اهل الضلال . سواء كنت سعوديا او كنت عراقيا ، سواء كنت مسلما او مسيحيا ، سواء كنت عسكريا يشارك في حماية امن الناس او عاملا يكدح من اجل قوت عياله ، وسواء اكنت ممن يقاوم العنف او كنت عابر سبيل .
 ايا كنت ، في اي  مكان كنت ، اي مذهب اتبعت ، واي طريقة من الحياة اخترت ، فانت مستهدف بالعنف الاعمى الذي يحصد الارواح ويدمر الممتلكات . الاسبوع الاول من رمضان حصد ارهاب القاعدة تسعين عاملا القت بهم اقدارهم الى شارع ما في بغداد. منتصف رمضان سيارة مفخخة دمرت نصف البيوت في قرية فلاحية صغيرة في شمال العراق . لم يكن هناك عسكر ولا امريكان ولا رجال دولة ، كان هناك فقط فلاحون وفلاحات فقراء يستقبلون نهارهم بالعمل او البحث عن عمل.

في زمان الجاهلية كانت العرب تمتنع عن الحرب في الاشهر الحرم ، وفي كل ازمان المسلمين كان المتحاربون يتقون القتل في المساجد . وفي كل انحاء العالم ثمة اتفاق ضمني على عدم استهداف القادة والشخصيات العامة التي لها قيمة رمزية او وطنية . عرب الجاهلية ويهود ونصارى هذا العصر التزموا – بدافع اخلاقي بحت – باحترام كرامة عدوهم لانه ، مهما كان سبب عداوته ، انسان مثلهم. وقد نهى الشرع الاسلامي قبل قرون من معاهدة جنيف التي تحمي حقوق المتقاتلين عن التمثيل بالقتيل وتدمير مصادر الحياة ووسائلها ، والعف عن الضعيف والعاجز . تلك هي تجربة الانسان وتراث الانسانية الذي ميزها عن الحيوان حتى في العدوان والحرب .

اما وقد وصلنا الى "زمن القاعدة" فان تراث الاديان وتراث الانسانية لا يعني شيئا ، فحربهم قائمة في كل زمان وفي كل مكان وعلى كل انسان . القتل عندهم مثل الصلاة ومثل شرب الشاي . الكلام في القتل مثل السؤال عن الصحة والاحوال. 

المسدس مثل سكين الفاكهة والقنبلة مثل التفاحة والبشر الذين يموتون في الانفجارات مثل اضاحي العيد ، تذبح ثم تروى القصص ويتبارى المتحدثون في استذكر الطرائف التي حدثت اثناءها . لا شيء في القتل يبعث على الرهبة ولا مشهد الدم الحرام يثير الاسئلة ولا صرخات الجرحى والمكلومين تحث على التعوذ والاسترجاع . كل شيء مباح ما دام طريقه متاحا.
لم تعد القاعدة واخواتها وتيارها مجرد تنظيم سياسي يسعى لاغراض محددة معلومة . منشوراتهم لا تذكر اهدافا وانصارهم لا يعرضون غايات محددة كي يناقشهم الاخرون في سلامة الوسائل التي يتوسلون بها . فكأن القتل اصبح غاية بذاته ، وكان ارهاب الناس وتخويفهم اصبح مقصدا بذاته .

ما الذي اوصل جماعة انطلقت من دوافع دينية الى هذا التفريط المريع في قيم الانسانية وحدود الدين ؟. اهو الدين نفسه ، ام تراكم القهر ، ام الشحن الايديولوجي المبالغ فيه ، ام الاحباط المطلق والياس من كل وسيلة انسانية ؟

ربما يحتاج الامر الى دراسات معمقة ونقاشات طويلة حتى نتبين السبب الذي اوصلنا الى هذا الحال . لكن دعونا نتامل في اقوال المتراجعين من انصار القاعدة والسائرين على خطها الذين اصدروا ما وصف بمراجعات ، وقد راينا امثلة عن هؤلاء بين من عادوا من افغانستان وبين الجهاديين المصريين والجزائريين والليبيين . هؤلاء جميعا يتحدثون عن الطريق الذي قادهم الى طريق العنف . ذلك الطريق هو التطرف الديني او الغلو في الدين او ما شئت فسمه . اي بعبارة اخرى الشحن الايديولوجي الذي يساوي بين الصفاء الديني وبين الخروج على المجتمع واستهدافه بالحرب.

تبدا المسالة بنقاط بسيطة حيث يقوم دعاة مؤدلجون بتصوير الصراع بين التيار الديني وتيارات المجتمع الاخرى على انها حرب وجود بين الاسلام والكفر : اذا اردت للاسلام ان يبقى فيجب ان تستأصل جميع معارضي التيار الديني . وهم لا يقصدون بالتيار الديني الملتزمين بالشعائر الدينية ولا يقصدون الدعاة ولا يقصدون النشطين في الحقل العام العاملين لرفعة مجتمع المسلمين ، بل يقصدون على وجه التحديد اعضاء الجماعة الخاصة التي تتبع منهجا معينا منفردا في لغته واستهدافاته وهمومه. يجري اقناع الافراد بان جميع الناس – خارج الجماعة - منحرفون او مبتدعون او جاهلون او  ضالون ، وان الدولة واجهزتها ومؤسساتها والعاملين فيها اعوان للضلال او متسامحون فيه او ساكتون عنه . يؤدي اقتناع الفرد بهذه الرؤية الى جعله يائسا من كل وسيلة للاصلاح تتوسل بالقانون او اعراف المجتمع او العلاقات الانسانية .

 وياتي بعد ذلك التصوير الايديولوجي للدعوة الدينية التي قامت – حسب تلك الرؤية - وانتشرت وغلبت بقوة السلاح لا بقوة الحجة والمنطق. ويقال  للفرد حينئذ : اذا اردت طريق الجاهلية فالقانون والمجتمع يقودك اليها ، واذا اردت طريق الرسول فالبندقية اول الطريق.

اذا كان التطرف هو احد مداخل العنف ، فدعونا نفكر في صور التطرف المنتشرة في مجتمعنا ، دعونا نفكر في انعكاساتها على هذه المسألة بالذات. لقد سكتنا طويلا عن مشكلة العنف وقد حان الوقت الان كي نتكلم او على الاقل كي نفكر بصوت عال . سنوات طويلة ونحن نحاول الفرز بين التطرف الديني والارهاب الاعمى المغطى بدوافع دينية . من الواضح الان ان المتطرفين ومن يحمونهم ويمولونهم ويشجعونهم يمثلون الخط الثاني والثالث في حملة الارهاب المتواصلة .

 وقد حان الوقت لرفع الصوت ضد هؤلاء سواء كانوا يلبسون عباءة الدين او يعملون في اجهزة الدولة او يحتمون بمتراس الاحزاب السياسية . كل المتطرفين شركاء في جريمة الارهاب الاعمى ويجب ان نقول لهم بصراحة اننا نفهم العلاقة التي تربطهم بالارهاب ، سواء كانت مباشرة او غير مباشرة ، وسواء كانت خفية ام ظاهرة.

31/01/2007

تجربة التعامل مع العنف بين العلم والسياسة


يبدو ان موجة العنف التي شهدتها البلاد في السنوات القليلة الماضية قد انحسرت واصبح بالامكان دراستها وتوثيقها كتجربة تنطوي على كثير من الدروس. بعض الذين درسوا تلك الموجة اعتبروها حدثا عارضا لا علاقة له باي عامل فعلي في النظام الاجتماعي او استراتيجيات العمل السائدة. وعلى هذا الاساس فهم يصنفون اعمال العنف تلك كحوادث فردية، فهناك دائما احتمال ان يقدم فرد ما على عمل غير متوقع لاسباب او دوافع تخصه وحده ولا يمكن التنبؤ بها.
ثمة رأي اخر يميل الى اعتبارها انعكاسا كاملا لتطورات خارجية، فهي لا تستمد وجودها من أي عامل محلي، ولا يمكن ان تستمر في الحياة من دون ذلك العامل الخارجي. الذين يقولون بهذا الراي يخلصون الى ان الوسيلة الوحيدة لمعالجة هذه المشكلة تكمن في الردع الفوري على المستوى الداخلي والعمل الدبلوماسي لتحييد العوامل الخارجية. الرأي الثالث الذي تبناه كثير من الكتاب في البلاد ينسب تلك الموجة الى تركيب من العوامل المحلية والخارجية، كما يميز بين البيئة المنتجة للعنف وبين عوامل فردية تجعل شخصا بعينه مرشحا للمشاركة فيه دون بقية الناس.

على أي حال فهذه الاراء وكثير من الاراء الاخرى التي طرحت خلال السنوات القليلة الماضية، وكذلك السياسات والاجراءات الحكومية، والمبادرات الاهلية، تشكل في مجموعها ارضية مناسبة لتحويل مسألة العنف الى موضوع للبحث العلمي بغرض اكتشاف جميع العوامل التي انتجته او يمكن ان تنتجه في المستقبل، العوامل المتوفرة فعلا او المحتملة. وكذلك اكتشاف البيئة او البيئات الاجتماعية الاكثر اهلية لتوفير القوة البشرية لجماعات العنف. واخيرا دراسة الوسائل الكفيلة بالتصدي له كحدث طارئ ثم معالجته كمظهر لعلة او مرض ذي جذور، وهذا يتضمن دراسة السياسات الرسمية المكرسة للتعامل مع هذا النوع من الاحداث وتوجيه المجتمع ومؤسساته، ومساعدتها في ابداع وسائل العمل الاهلية الضرورية لاستيعاب وتحييد هذه المشكلة فور وقوعها

ثمة سببان وراء هذه الدعوة، سبب علمي وسبب سياسي. بالنسبة لبلد نام مثل المملكة فان تطوير الانتاج العلمي يتخذ في المقام الاول صيغة «اعادة انتاج العلم ضمن شروط البيئة المحلية» ويتحقق هذا من خلال التطبيق النقدي للمقولات النظرية العامة او المستخلصة من تجارب سابقة محلية او اجنبية على الحدث او الظاهرة بغرض اكتشاف صحة او خطأ تلك المقولات، ومدى ملاءمتها لهذه المشكلة او هذه البيئة بالذات، الامر الذي سيقود بالضرورة الى تعديلها او استبدالها بغيرها او ابتكار مفاهيم وقواعد نظرية جديدة كليا.

 في هذا الاطار فان عددا كبيرا من الباحثين سيعالجون مختلف الجوانب التي تشترك في تشكيل الحالة او الظاهرة، كل من زاوية اختصاصه او بناء على المدرسة النظرية التي يميل اليها. وبالنظر الى خلفيتهم الثقافية والاطار الاجتماعي الذي تدرس فيه المسألة فان الناتج العلمي سيكون محليا لكنه متواصل مع النتاج العلمي المتوفر في العالم. مثل هذه التجربة ستكون من غير شك اضافة بارزة الى البحث العلمي المحلي وقد تشكل منطلقا للعديد من البحوث في مجالات مقاربة

اما السبب السياسي، فهو يشير الى حاجتنا لوضع سيناريوهات عمل مسبقة التجهيز. سيناريو العمل هو عبارة عن اجراءات محددة تستند الى دراسات موضعية تربط بين النظرية المجردة وظروف العمل المتوفرة في الواقع، أي الامكانات المادية وغير المادية والحدود القصوى لما يمكن فعله ضمن اطار اجتماعي او سياسي محدد. ما يفرق بين سيناريوهات العمل وبين البحوث العلمية البحتة هو اهتمام الاولى بالتطبيق الفعلي، مقابل تركيز الثانية على فهم الحالة او الظاهرة بغض النظر عن الامكانيات المتاحة لعلاجها.

نحن بحاجة الى وضع سيناريوهات مختلفة للتعامل مع الظروف الطارئة لاسباب كثيرة، من ابرزها حاجتنا الى احتساب الكلفة التفصيلية للتعامل مع تلك الحالات. من المفهوم ان التخطيط العام يستهدف دائما تحديد المشروعات المراد القيام بها سلفا لتوفير الاموال والقوى البشرية والاطار القانوني والتمهيد الاعلامي والاجتماعي وغير ذلك مما يحتاجه المشروع لضمان انجازه في الوقت المحدد. يمثل التنبؤ ووضع الاحتمالات وسيناريوهات العمل المقابلة لها مرحلة متقدمة في مجال التخطيط، اذ انه يدرس حالة غير قائمة او مقررة بالفعل، لكنه – من خلال هذه الدراسة – يحولها من مجهول الى معلوم، فيتعامل معها عند وقوعها باستعداد كامل كما لو كانت حدثا معروفا، محددا ومنتظرا.

مثل هذا المستوى من التخطيط سوف يوفر على الادارة الحكومية والمجتمع مؤونة التجريب وربما اللجوء الى حلول غير مدروسة، بما تنطوي عليه من كلف غير ضرورية.
زبدة القول ان تجربة المجتمع السعودي مع العنف تمثل موضوعا جديرا بدراسات اوسع مما جرى حتى الان، واملي ان يتحول الى منطلق لتطوير اساسي في حقل البحوث الاجتماعية، وهو حقل لا يزال فقيرا في بلادنا.

عكاظ 31  يناير 2007  العدد : 2054

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...