||عدالة القاضي ليست
كافية لضمان عدالة النظام. ثمة ضمانات أخرى في القانون ولوائح العمل وتوزيع
السلطات ، كلها ضرورية كي يكون النظام الاداري كله عادلا.||
ينظر ديوان
المظالم في دعوى رفعها مواطنون لنقض احكام اصدرها موظفون في ادارة الجوازات ، وتضمنت
فرض غرامات وعقوبات. واعترض اصحاب الدعاوى بان الموظفين المذكورين ليسوا جهة
اختصاص ، وان الاحكام لم تستوف المقدمات القانونية اللازمة في مثل هذه الأحوال.
في ماضي الزمان كان «تطبيق العدالة»
يعني الرجوع الى قاض ذي معرفة في امور الشريعة ، يسمع من طرفي الدعوى رواية كل
منهما للقضية ثم يتخذ ما يراه. وكان بعضنا يتباهى بالسرعة والحسم في نظامنا
القضائي مقارنة بالبلدان الاخرى ، التي تأخذ فيها القضايا شهورا وربما سنوات قبل
النطق بالحكم. ومضى الزمان وفهمنا ان الوقت الطويل الذي تنفقه محاكم تلك البلاد لا
يخلو من حكمة. فتأخير الحكم بحثا عن ادلة واحتمالات، اقرب الى تحقيق العدل من
قراءة متعجلة.
ثم تعلمنا بعد ذلك ان ضمان العدالة ، يحتاج
الى ما هو اكثر من قاض مؤهل. واكتشفنا ما يعرف اليوم بالضمانات القضائية ، التي
تشمل سلسلة من الاجراءات القانونية هدفها ضمان تساوي الفرص بين طرفي القضية ، وتمكين
كل منهما من تبرئة نفسه ، او تخفيف العقوبة التي يمكن ان تصدر بحقه.
وفهمنا ان القضايا لا تحال جميعا الى
جهة واحدة ، وان اختصاص الجهة بموضوع القضية هو واحد من الضمانات الضرورية لتحقيق
العدالة. أشارت القضية المذكورة اعلاه الى عدد من النقاط التي تستحق الاهتمام ،
لانها ليست مبادرات فردية تقع مرة في السنة ، بل هي مثال على سلوك شائع بين الادارات الرسمية. وقد اشرت في مقال الاسبوع
الماضي الى ما يفعله بعض الموظفين والمديرين من اصدار الزامات على المواطنين
من دون سند قانوني. واريد الاشارة اليوم الى ما يعرف في القانون بالاحكام
الادارية.
تختلف هذه عن سابقتها باستنادها الى
تعليمات او لوائح تنفيذية. ومن هذه الزاوية فهي – نظريا على الاقل – تتمتع بسند
قانوني. لكن تطبيق بعضها قد تشوبه عيوب جوهرية. ومن بين تلك العيوب المحتملة مثلا ،
تمتع الجهة التي اصدرتها بالصلاحية اللازمة لتقرير عقوبات او فرض الزامات. ومن
بينها وجود مسببات ومبررات واضحة وقابلة للنقض من جانب المتضرر ، كي لا يكون
الموظف المخول باصدار او تنفيذ القرار هو الخصم والحكم في الوقت نفسه. وأذكر مثلا
على ذلك قرارا جرى الغاؤه
العام الماضي بعدما وضع قيد التطبيق مدة تزيد على عقدين. بموجب هذا القرار
كانت البلدية في مدينتنا تمنع المواطنين من بناء قبو كامل في بيوتهم وكان الحد
الاقصى المسموح به هو خمسين بالمائة من مساحة البناء. (الموقع الالكتروني للمجلس البلدي بالقطيف –
نقلا عن جريدة الحياة 6 نوفمبر 2006)
وفي كثير من الحالات فرضت البلدية على
المخالفين غرامات تصل الى اربعين الف ريال، وبعد التحقيق والمتابعة، تبين ان
البلدية لا تملك أية تعليمات مكتوبة بهذا المعنى، وكل ما في الامر ان بعضهم قد
تبادل الحديث واقترح وضع ذلك القرار الذي لم يثبت في أي محضر رسمي يمكن للمواطنين
مراجعته. ومثل ذلك ان شركة الكهرباء (وهي قطاع تجاري بحت كما هو معروف) تلتزم
بأوامر من البلدية تتضمن ما يشبه العقوبات على المواطنين، مثل عدم توصيل التيار ما
لم ينفذ المواطن تعليمات معينة للبلدية. والمفهوم ان البلدية لا تملك حقا قانونيا
يخولها التدخل في العلاقة بين شركة تجارية وعملائها، كما ان القانون لا يسمح لشركة
الكهرباء بحجب الخدمة عن مواطن اذا حصل خلاف بينه وبين جهة اخرى حكومية كانت او
اهلية.
هذه بعض الامثلة على ذلك النوع من
الاحكام الادارية التي تصدر من جانب جهات رسمية او شبه رسمية، وهي تتمتع بسند
قانوني احيانا، كثير من هذه الاحكام تستند الى تعليمات قديمة جدا، واظن ان الكثير
منها لم يعد منسجما مع الانظمة التي اصدرتها الحكومة. ويبدو لي ان من حق مجلس
الشورى ان يتخذ مبادرة لمعالجة هذا النوع من الاحكام وهي كما قلت شائعة ومتكررة،
وتطبقها كثير من الوزارات والدوائر.
المبادرة المقترحة يمكن ان تكون على
شكل قانون جديد يحدد كيفية اصدار التعليمات والجهات المخولة باصدارها، والشروط
اللازمة لانفاذ أية تعليمات تنطوي على كلفة او الزام او عقوبة. ومن هذه الشروط
مثلا تقديم شرح مكتوب بالمبررات والعقوبات وحدها الاقصى وموارد الاستثاء والجهة
المرجعية وكيفية الاعتراض على الاحكام.. الخ. يستهدف هذا الاقتراح في المقام الاول
تليين العلاقة بين المواطن والادارة الرسمية، من خلال رفع الاعباء غير الضرورية عن
كاهله، وتعزيز ثقافة الخدمة والعدل بين المواطنين.
مقالات ذات علاقة
عكاظ 7 مارس 2007
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق