‏إظهار الرسائل ذات التسميات النقاش في الحرية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات النقاش في الحرية. إظهار كافة الرسائل

08/07/2020

الحرية والانفلات



يبدو لي ان المجتمعات العربية بشكل عام ، لا تنظر بعين الرضا الى فكرة الحرية. لعلها تتمناها ، لكنها في الوقت عينه ، تخشى عواقبها ، كما ترتاب في نوايا المؤمنين بها والداعين اليها. ان السبب الابرز للارتياب في الحرية ، هو القلق من الانفلات الاجتماعي. 
حين يدعو شخص ما لاحترام قيمة الحرية او ضمانها لكافة الناس ، فان قليلا من الناس سيناقشه في فوائد الحرية واضرارها كقيمة قائمة بذاتها. اما اكثر الناس فسوف يرد عليه بالقول مثلا: ولكن اقرار الحرية سيزيد من التمرد على التقاليد ، وسوف يشجع الفتيات والفتيان على التمرد على الآداب العامة ، وربما تجدهم في الاسواق والمتنزهات بملابس غير لائقة ، وقد يكرر الكذبة التي شاعت في السنوات الماضية "هم لايريدون حرية المرأة بل حرية الوصول اليها". وقد تسمع ايضا من يقول: ومن يضمن ان الحرية لن تمنح فرصة للمرتد عن الدين ، وداعية التطبيع مع العدو ، او المحرض على الارهاب ، كي يعلنوا اراءهم في المجال العام ، فيتمكنوا من استقطاب مناصرين لمبادئهم. وهذا يؤدي في نهاية المطاف ،  الى توسيع شريحة المنحرفين عن الطريق المستقيم.
اقول ان هذا ما يقال في الغالب. وهو يكشف عن حقيقة مؤلمة ، فحواها ان غالبية العرب لا يفكرون في الحرية كموضوع قائم بذاته ، او كقيمة سامية هي السر الاعظم في ازدهار العلم وارتقاء الانسان الفرد ، وتقدم المجتمعات الانسانية ككل.
بدلا من هذا فانهم ينظرون الى قيمة الحرية من زاوية اخلاقية بحتة. فهم ينطلقون من فرضية فحواها ان شيوع المفاسد والنزاعات الاجتماعية ، سببه ضعف الانضباط الاجتماعي ، اي – على وجه التحديد – تمرد الاصلاحيين والاجيال الجديدة على الموروث القيمي ومجموعة التقاليد التي تحمي التراتبية الاجتماعية.
من حيث المبدأ فاني أرى هذا الاعتبار بعيدا جدا عن جوهر مفهوم الاخلاق. وان حجب الحريات الفردية بذريعة الحفاظ على الاخلاق ، هو مجرد لعب بالكلمات. لكن هذا نقاش لايتسع له المجال اليوم. والذي أريد التركيز عليه هو ان إغفال الحرية كقيمة عليا مستقلة ، كلفنا خسائر عظيمة في مجالات أساسية لحياتنا ، من بينها تعزيز الرابطة الاجتماعية وتطوير الاخلاق العامة ، ومنها توسيع الحياة العلمية وتجديد الفكر ، فضلا عن زيادة الثروة الوطنية. نحن نخسر في كل واحد من هذه المجالات ، لاننا معرضون عن  تبني قيمة الحرية.
اعلم بطبيعة الحال ان القبول بهذا ، سيأتي بالكثير من المنغصات والأمور غير المحببة الى نفوس بعضنا. لكن علينا ان نسائل انفسنا من دون مناورة او مداورة: هل الذي تحبه نفوسنا معيار للخطأ والصواب ، وهل الذي ورثناه عن ابائنا ، من مفاهيم واعراف وقواعد تفكير ، قرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؟.
سوف نكون اقرب الى العقلانية ، واقرب الى احترام الذات الانسانية ، بمجرد الاقرار بأن مانعرفه ليس حقا مطلقا ، وان ما لدى الاخرين الذين جربوا الحياة في ظل الحرية ، ليس باطلا مطلقا. الذي عندنا مثل الذي عندهم – مهما بالغنا في تبجيله – خليط ضخم يحتمل الصواب والخطأ ، وان علينا تشغيل عقولنا في اختيار ما نظنه مفيدا وما اثبتت التجارب فائدته.
تجربة المجتمعات التي تبنت الحرية في الماضي والحاضر ، تكشف دون لبس عن خطأ التفكير في الحرية من زاوية كونها مشكلة او سببا للانفلات. هذا التجارب بذاتها حجة علينا تستدعي التأمل.
الشرق الاوسط الأربعاء - 17 ذو القعدة 1441 هـ - 08 يوليو 2020 مـ رقم العدد [15198]
مقالات ذات علاقة



01/07/2020

ملاحظات على حديث قصير – غريب


انه شريط فيديونشر الاسبوع الماضي على الانترنت ، شريط لا يصل طوله ثلاث دقائق ، يوجز الفارق بين حرية التفكير التي ينبغي ان تكون مطلقة ، وحرية الفعل والسلوك التي ينبغي ان تلتزم حدود القانون. ردود الفعل على هذا الشريط كشفت لي ان قيمة رفيعة مثل الحرية لازالت غريبة في ثقافتنا العامة. ولذا لا يبعد ان ترى اناسا يديرون رؤوسهم قائلين: ولكن الحرية مفهوم غير واضح .. فما هي الحرية التي تقصدها؟.
هذا القول مما ينطبق عليه عنوان "المضحك المبكي".. فمن الذي لايعرف معنى الحرية في هذا العالم ، لاسيما في هذا العصر؟.

لكن هذا يهون حين تقرأ لاستاذ جامعي بارز قولا فحواه ان حرية التفكير مثل حرية السلوك ، يجب ان تحكمها  قواعد. ويستدل على هذا بأن جماعة متعصبة مثل "داعش" انحرفت أولا على المستوى الذهني ، ثم تمظهر انحرافها في السلوك اليومي.
لقد لاحظت تكرار ا ان النقاش حول قيم عليا ، كالمساواة والحرية والنظام ، يستدرج سريعا نقائض متخيلة من زاويتين: زاوية تتعلق بتطبيق هذه القيم في الغرب. فكأن المعترض فهم ان الكلام عن المساواة مثلا ، هدفه تقليد نمط العيش الاوربي. وهذا بدوره يستدعي أزمة الهوية والعلاقة المتازمة بين المسلمين والحضارة الغربية. اما الزاوية الثانية ، فتتمثل في السؤال الأبدي المضمر ، الذي فحواه: اذا كانت المساواة قيمة طيبة فلم أمر الاسلام بخلافها ، واذا كانت الحرية امرا طيبا فلم نرى ان الدعوة اليها تأتي من الغرب ، بينما يعارضها المسلمون؟.  
أقول ان هذا سؤال مضمر. لأن الغالبية تدرك انه غير معقول. فعدم معرفتنا سابقا بهذه القيم ، او عدم اكتراثنا بها ، لايعني انها معيبة. انهم يدركون حقا انها قيم رفيعة ، لكنهم لايشعرون بالارتياح النفسي لها بذاتها ، كما لا يرتاحون لفكرة ان يتقبلوا دعوة قادمة من الغرب ، وكان بالامكان ان تأتي من داخل تراث المسلمين ، كي تكون امتدادا لنفس النسيج ، لاعضوا غريبا يجري اقحامه كيفما اتفق.
احتمل ايضا ان عدم ارتياحنا للحديث حول الحرية والمساواة وأمثالها من القيم ، مرجعه خوف دفين من فقدان النظام القيمي ، الذي نتخيل ان سنده الوحيد هو التوزيع الموروث للسلطة في المجتمع: الاباء والامهات بالنسبة لابنائهم والرجال على نسائهم وهكذا.
هذا الموقف مدعوم ثقافيا بكم ضخم من التوجيه الايديولوجي ، تلقيناه خلال الربع الاخير من القرن العشرين ، على يد الموجهين والاساتذة الذين تولوا دفة التعليم والثقافة في بلادنا. وقد استهدف هذا التوجيه بصورة متعمدة ، تأكيد النظام الابوي في المجتمع ، وتعزيز منظومة قيمية تستهدف عن قصد ، تعميق أوجه التناقض مع المجتمعات الصناعية. والمبرر في هذا هو خوف التأثر بالأمم الغالبة ، على النحو الذي قرره عبد الرحمن بن خلدون في مقدمته الشهيرة.
اختتم هذه الملاحظات بالاشارة الى حاجتنا لتعميق معرفتنا بالقيم الرفيعة في حياة البشر ، مثل قيمة الحرية والمساواة والعدل وحقوق الانسان والتراحم والنظام ، وامثالهم ، وذلك بجعلها موضع نقاش لا يتوقف ، من اجل ان نعزز في أذهاننا وفي نفوسنا جميعا ، الاسس الكبرى التي تقوم عليها الحياة الانسانية الكريمة ، والعلاقات البناءة في داخل المجتمع ، وبين مجتمعنا ونظرائه. 
نحن بحاجة حقا الى هذا النقاش ، كي لا نتأخر عن مسيرة البشرية فوق ما تأخرنا حتى الآن.
الشرق الاوسط الأربعاء - 10 ذو القعدة 1441 هـ - 01 يوليو 2020 مـ رقم العدد [15191]

14/06/2010

من يتحدث حول الحرية.. وماذا يقول ؟


يقال إن سائحا أمريكيا زار العراق في العهد السابق، فسأله أحد المواطنين عن أهم شيء في الولايات المتحدة فأجابه: الحرية، وشرح الفكرة قائلا: إن القانون الأمريكي يسمح لي بنقد الرئيس الأمريكي وجميع العاملين في حكومته، لكنه يمنعني من الكلام عن عامة الناس أو عائلاتهم وحياتهم الخاصة. فأجابه العراقي: الحرية لدينا أوسع منكم، لأن القانون يسمح لي بشتم الرئيس الأمريكي ومساعديه وشعبه وزوجاتهم وأبنائهم وكل من يلوذ بهم. 

النقاشات الدائرة حول مفهوم الحرية أو ممارستها مشوبة باختلاط يجعلها في كثير من الأحيان كلاما مكررا أو ربما فارغا، وقد يصرف المعنى إلى ضده. يمكن تقسيم هذه النقاشات إلى خمسة مسارات:
1 ــ النقاش حول أصل فكرة الحرية وكونها جزءا من فطرة الإنسان وشرطا لكمال إنسانيته، أو كونها ضرورة لنهضة المجتمع وإصلاح الحياة. يهتم بهذا المسار دعاة حقوق الإنسان وطلاب الفلسفة. وهم يقدمون الحرية كحق أصلي للإنسان سابق من حيث الرتبة على القوانين والأحكام والسياسات، أي قيمة عليا معيارية، وأن تطبيقاتها ضرورية لتأمين المصالح العامة للفرد والمجتمع على السواء. معظم هؤلاء يعرفون الحرية في معنى عدم التدخل في خيارات الفرد المتعلقة بطريقة حياته أو متبنياته الثقافية والعقيدية. النتائج التي يتوصل إليها مسار النقاش هذا غالبا ما تقارب المفاهيم الليبرالية في التنظيم الاجتماعي.
2 ــ النقاش حول المفهوم الفكري للحرية، أي ما إذا كان التراث الفكري السابق قد أقر المفهوم المتداول اليوم أو قدم مفهوما بديلا، ومدى التقارب أو التباعد بين المفهوم التراثي والمفهوم المعاصر. يهتم بهذا المسار الحركيون ودعاة الإصلاح الذين يحاولون إقناع نظرائهم أو جمهورهم بضرورة الحرية. لكنهم يواجهون ثقافة عامة وأعرافا تنكرها أو تعتبرها ذريعة للانفلات. ولهذا فهم يستعينون ــ لإثبات دعواهم ــ بتفسيرات جديدة للنصوص أو الحوادث المثبتة في التراث القديم. ينتهي هذا المسار غالبا إلى تقرير نوع من الفهم الحركي التجريبي الذي يراوح بين الليبرالية والمحافظة.
3 ــ النقاش حول الحدود القانونية للحرية، أي مدى التدخل الممكن من جانب المجتمع أو الدولة، تدخلا يفضي إلى تقييد حركة الفرد وخياراته. ويهتم بهذا المسار بصورة متعاكسة فريقان: فريق يتمتع بنفوذ ويتضمن سياسيين ورجال دين يحملون صفة رسمية أو نفوذا اجتماعيا، وفريق مضاد يشمل نشطاء المجتمع المدني وخبراء القانون. يسعى الفريق الأول لتبرير محورية الجماعة والقانون وتبعية الفرد لهما، بينما يبرر الطرف الثاني استقلال الفرد والعلاقة التفاعلية بين عدالة القانون ومساحة الحرية التي يحميها أو يقيدها. ينتهي هذا النقاش غالبا إلى الفصل بين المجال الشخصي والمجال العام لحركة الفرد وفعله، ويعطي القانون ورأي الجماعة مرتبة أعلى.
4 ــ النقاش حول الآثار الأخلاقية أو السلوكية لممارسة الحرية من جانب الأفراد، لاسيما في حال تعارض خيارات الفرد مع الأعراف والتقاليد السائدة. لعل هذا المسار هو أكثر المسارات شعبية. وينعكس فيه بشكل واضح صراع الأجيال والطبقات. كما أنه يجتذب شرائح اجتماعية عديدة ومتباينة. نظرا لأنه ينطوي على جدل يومي بين الأعراف والتقاليد المستقرة وحراسها والمؤمنين بها، وبين محاولات الأفراد ــ لاسيما من الأجيال والطبقات الجديدة ــ إرساء قيم وأنظمة علاقات تتناسب مع تطلعاتهم وفهمهم المغاير للعصر الجديد وما يحويه من أنماط عيش وطرق إنتاج ومعارف وسلوكيات. ينتهي هذا المسار عادة إلى تفكيك القيم القديمة من دون إرساء قيم أو معايير سلوك بديلة..
5.النقاش حول حرية نقد الآراء والتقاليد والأعراف التي لها أساس تراثي أو تعتبر عرفا. هذا يتناول تحديدا حرية التفكير وحرية التعبير. ويهتم بهذا المسار المفكرون ودعاة الإصلاح في المجال الفكري، وكذلك النخب التي تبلورت ثقافتها أو مصالحها في إطار الاقتصاد الحديث، وهي تهتم بالمحافظة على الإطار الفكري لحياتها، لكنها أيضا تجد قدرا من التفارق بين القيم والمفاهيم الموروثة وبين الإطارات والمبررات النظرية لأنماط الحياة الجديدة. ينتهي هذا المسار إلى إقرار نمط محافظ/عقلاني، يعارض الرؤية التقليدية لكنه لا يتبنى الليبرالية بشكل كامل.
الغرض من هذا التقسيم هو تفصيح النقاش حول مفهوم الحرية وتوضيح الفوارق بين منطلقات وموضوعات ومسارات النقاش ونهاياتها. قد لا يكون هذا التقسيم مفيدا جدا لمن يكتبون في الحرية، لكنه بالتأكيد مفيد لمن يقرأون تلك الكتابات.

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...