‏إظهار الرسائل ذات التسميات العقل والنقل. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات العقل والنقل. إظهار كافة الرسائل

20/07/2022

ثنائية الاتباع والابتداع

أميل للظن بأن مسار التحديث ، سيقود الى توسيع الشريحة المؤمنة بقيمة العقل والعلم ، وبالتالي تعزيز الاتجاه العقلاني في الثقافة العامة والسلوك الجمعي. لكن ستبقى – مع ذلك – شريحة معتبرة ، متمسكة بالركون الى الإرث الثقافي والديني ، حيثما تعارضا مع املاءات العقل او العلم الحديث.

في أزمنة قديمة ، ابتكر بعض العلماء ثنائية "الاتباع والابتداع" كوصف للجدل بين الاخباريين والاصوليين ، مع ان غرضها الرئيس – فيما يبدو - هو التشنيع على القائلين بتحكيم العقل في أمور الدين. ان معظم المشككين في دور العقل ، في عصرنا الراهن ، انما يعبر عن موقفه الخاص من تلك الثنائية ، باختيار الجانب الأول ، لأن مشايعة الجماعة ارجى للسلامة. والمقصود بالاتباع هو التعويل على رأي قدامى العلماء وتفسيرهم الخاص للنص الديني. أما الابتداع فيشير الى ترك تلك الآراء واعتماد تفسيرات جديدة ، قد لا تكون مطابقة تماما لمألوف الجماعة وميولها.


والمعلوم ان الابتداع بذاته ، لا يخالف القواعد الشرعية ، ولو جادلت أصحاب هذا الوصف لأخبروك عن الأصل اللغوي للكلمة ، حيث يطلق اسم البدعة على كل بديع ، حسنا او سيئا. لكن كثرة استعمالها في وصف الخارجين عن الجادة ، القى عليها ظلالا سلبية كثيفة ، بحيث لم يعد الاخباريون يطلقونها الا في مقام الذم والانكار.

ثمة ادلة كثيرة جدا ، من الكتاب والسنة والتجربة التاريخية ، على ترجيح الاخذ بالأدلة العقلية ومستخلصات العلم ، وجعلها أصلا من أصول الشريعة ، موازيا للكتاب والسنة. الا اني لست متفائلا بأن النقاش سيحسم الخلاف بين الطرفين ، دعاة العقل ومخالفيه. ونحن جميعا نعرف السبب ، وهو ببساطة: التأكيد على اللامسؤولية كطريق للنجاة.

بيان ذلك: يقول الاخباريون ان النص معصوم او صادر عن المعصوم. اما نتائج العقل ومستخلصات العلم فليست معصومة. بل هي اقرب الى النقص والخطأ ، لتأثرها بالغرائز والشهوات والنزعات الانفعالية ، التي لا يخلو منها انسان. يترتب على ذلك ان اتباع النص والأشخاص الملتزمين به ، يجعلك متبعا – وان بصورة غير مباشرة – للمعصوم. ولهذا أيضا فان الخطأ غير محتمل عندك. ولو جئت ربك يوم الحساب ، فيكفي الاحتجاج بانك اتبعت قول المعصوم. اما لو اتبعت عقلك او حكم العقل بصورة عامة ، فسوف يتوجب عليك ان تبرهن على صحة اختيارك في كل جزء وكل نقطة ، لأن الانسان مسؤول عن خياراته وأفعاله الارادية.

بعبارة أخرى فان الطريق الأول يخليك من المسؤولية ، بينما الثاني يحملك إياها. هذا هو خلاصة الاحتجاج الخاص باتباع النقل والعقل. بقية الاحتجاجات هي نقل لأقوال علماء سابقين اتخذوا هذا المنهج ، لذا فان قولهم تأكيد على رأيهم وليس دليلا على الرأي المضاد.

واضح ان هذه الرؤية تتعامل مع الدين باعتباره صندوقا محكما لا يحق للإنسان فتحه ، ومع علماء الدين باعتبارهم حراسا على بيت الله. اما الرؤية العقلية فتنظر للدين كمنهج حياتي ، يتجدد من خلال التجربة والتفاعل بين رؤاه النظرية وتطبيقات اتباعه. ربما يخطئون هنا او هناك ، لكنهم - في الاطار العام - يحفظونه حيا ، بتمكينه من استيعاب التحديات التي يأتي بها الزمان وأهله.

هذا هو السبب الذي يجعل دعاة الالتزام بالنقل ، ملتزمون أيضا بالتاريخ ورجالاته وقضاياه. بل ان بعضهم يصف نفسه بالأثري والعتيق ، للتأكيد على انه امتداد لآثار السابقين واعمالهم ، اثري وعتيق ، وان عاش في عصر جديد. بينما ينتسب العقلانيون الى العصر الحاضر وعلومه ومناهجه ،  كما يتحدثون عن تحدياته.

الشرق الأوسط الأربعاء - 20 ذو الحجة 1443 هـ - 20 يوليو 2022 مـ رقم العدد [15940]

https://aawsat.com/node/3767556

13/07/2022

دين العقلاء .. أي دين نتحدث عنه؟

دعوت في مقال الأسبوع الماضي للاعتراف بالعقل مرجعا مستقلا ، في وضع الاحكام الشرعية ، موازيا للكتاب والسنة. وقلت يومها ان هذا نقاش قديم في الفكر الإسلامي.

سوف أعرض اليوم ما احسبه امورا بديهية ، تجيب على السؤال الذي زعمت انه مركز الجدل في دور العقل ، سؤال: هل الفعل بذاته ينطوي على قيمة (صحيح/خطأ ، حسن/قبيح). وهل العقل قادر على تشخيص تلك القيمة في الأفعال؟.

اعتقد ان كل عاقل "في هذا الزمان" يعرف الجواب. ويطبقه فعليا: تخرج من بيتك صباحا فترى الاف الناس قاصدين أعمالهم مثلك. تراهم يقودون سياراتهم في الاتجاه الصحيح وليس العكس. وحين يصلون أعمالهم ، سينجزونها بالصورة المتفق عليها. وفي نهاية الدوام سيقصدون بيوتهم وسيأكلون ما يعرفون انه صحي. خلال هذا اليوم نقابل عشرات الناس ، ونراهم يحددون مصالحهم ويتبادلونها فيحصل معظمهم على بعض ما أراد. في اليوم نفسه نكتشف أشياء نعتبرها خاطئة ، مثل شخص يسوق سيارته بتهور ، او موظف يتلاعب في معاملة ، او ربما نذهب للبقالة فنجد الحليب فاسدا ، او نقرأ خبرا في جريدة فنقبله او نرفضه.

أطباء بلاحدود

نحن نقوم بهذه الأفعال اليومية لأننا نظنها صحيحة. ونعترض على أخرى نراها خاطئة. فهل قرأنا في أي نص ديني وصفا لهذه الأفعال وحكما عليها ، ام أن عقولنا هي التي عرفتها فحكمت بصحتها او خطئها وبأنها تستحق الشكر او  التنديد؟.

هذا ببساطة ما نسميه ذاتية الحسن والقبح في الأفعال ، وقدرة العقل على ادراكها. ترى هل يختلف الناس في الموقف من السائق المتهور ، أو تحديد قيمة الموظف المتلاعب ، او وصف الطالب المجتهد في دراسته؟.

دعنا الان نضرب امثلة من تاريخ البشرية القريب. ونبدأ باتفاقيات جنيف (1949) التي وضعت ضوابط الزامية لتصرفات المقاتلين في الحرب ، غرضها حماية المدنيين ومنع الإبادة ، وتخفيف الخسائر في البشر والعمران. خذ أيضا المواثيق الدولية لحماية البيئة الكونية ، مثل اتفاقية باريس للمناخ (2015) التي غرضها تنظيم الجهد الإنساني الطويل الأمد ، لتلافي الكوارث البيئية. وخذ أيضا المبادرات الكبرى ، مثل منظمة أطباء بلا حدود ومنظمات السلام الأخضر ، ومنظمة الأغذية والزراعة الدولية ، وغيرها. ثمة امثلة كثيرة جدا من التاريخ القديم والحديث ، تخبرنا عن قدرة الانسان على تحديد ما يصلح حياته وما يفسدها. ان المسيرة التصاعدية في التاريخ البشري دليل قاطع على هذه القابلية.

تلك الأمثلة تحقق دون شك ، غايات يريدها الدين ، كالتراحم بين الناس وتنظيم مجتمعهم وتطوير معارفهم وحماية بيئتهم ومصادر عيشهم ، وكبح انزلاق النزاعات الى فجائع. هذه الأمثلة وكثير غيرها ، تبلورت ونضجت خارج اطار الدين ، أقامها عقلاء البشر حين رأوها  مصلحة راجحة او دفعا لفساد جسيم.

لاحظ اننا نتحدث عن اتفاقات تنظم العلاقات بين دول ، ويشارك في تنفيذها ملايين الافراد ، جميعهم يسعى نحو هدف واحد. ترى.. اذا كان العقل البشري مؤهلا لانجاز مهام كهذه ، فما هي المهام التي يعجز عنها في اطار الدين؟. واذا كان العقلاء قادرين على إدارة الاختلاف بين عقولهم ، على نحو يقيم اتفاقات بالحجم الذي اشرنا اليه ، فلماذا تعجز العقول المختلفة عن فعل الشيء نفسه في الاطار الديني؟.

اليس موضوع الدين هو سلوك البشر وافعالهم. اليس مقصود الفقه هو تنظيم هذا السلوك ، كي يؤدي اغراضا محددة .. فما هي الصعوبة الهائلة التي تسمح لعقل الانسان بوضع اتفاقية تنظم العمل المشترك في 194 دولة ، لكنه يعجز عن وضع حكم شرعي ينظم العلاقة بين شخصين؟.

هل نريد الحديث عن دين في واقع الحياة ، وقد عرضنا بعض جوانب هذا الواقع ، ام نتحدث عن دين اسطوري يحلق في أجواء الخيال وبين الكتب؟.

الشرق الأوسط الأربعاء - 13 ذو الحجة 1443 هـ - 13 يوليو 2022 مـ رقم العدد [15933]

https://aawsat.com/node/3754591


مقالات ذات صلة

 الاستدلال العقلي كاساس للفتوى

تأملات في حدود الديني والعرفي

جدل الدين والتراث ، بعد آخر

حول الفصل بين الدين والعلم

حول المسافة بين الدين والمؤمنين

حول تطوير الفهم الديني للعالم

دور الفقيه ، وجدلية العلم والحكم

الـدين والمعـرفة الدينـية

شرع العقلاء

عقل الاولين وعقل الاخرين

عن الدين والخرافة والخوف من مجادلة المسلمات

كي لايكون النص ضدا للعقل

كيف تتقلص دائرة الشرعيات؟

ماذا يختفي وراء جدل العلاقة بين العلم والدين

مثال على طبيعة التداخل بين الدين والعلم

نسبية المعرفة الدينية

نقاشات "عصر التحولات"

هكذا خرج العقل من حياتنا

هيمنة الاتجاه الاخباري على الفقه

21/03/2018

المرحوم ستيفن


وفاة عالم الفيزياء الشهير ستيفن هوكنج ، احيت جدلا مزمنا ، محوره سؤال: هل يصح لنا ان نعتمد على عقولنا كمصدر للقيم واخلاقيات التعامل مع الناس ، المشابهين لنا والمختلفين عنا؟. سبب هذا السؤال هو اصرار بعض الناس ، على ان هوكنج وأمثاله من العلماء الذين أغنوا حياة البشر ، ليسوا مسلمين فلا يستحقون الرحمة.
لحسن الحظ فان غالبية المسلمين اليوم ، يعتبرون هذا الرأي افراطا بلا ضرورة. لأننا لا نعلم ماذا سيفعل الله بأمثالنا وأمثال ستيفن هوكنج. وذكرني هذا السجال بقصة شهدتها أيام دراستي الاولى ، خلاصتها ان زميلا لي جادل استاذنا حول المصير الاخروي لمن نعتبرهم كفارا. بدأت القصة حين اثنى الاستاذ على علم الفيلسوف اليوناني سقراط وفضائله. فقال التلميذ مازحا: "في نهاية المطاف.. سنتفرج عليه وهو يحترق في نار جهنم" فاجابه الاستاذ بلهجة حازمة: "اذا حظينا بعفو الله فقد نجد سقراط وتلاميذه قدامنا في الجنة". ثم شرح مسألة الحسن والقبح العقليين ، التي كانت في الماضي موردا للجدل بين علماء الكلام وأصول الفقه.

الرئيس الامريكي باراك اوباما يقلد ستيفن هوكنج وسام الحرية الرئاسي في 12-8-2009

منذ زمن قديم انقسم علماء المسلمين الى فريقين ، فريق اعتبر النص الوارد عن الله والرسول مصدرا وحيدا للتشريع والقيم الاخلاقية. وفريق قال ان العالم يتغير فتستجد قضايا ما كانت منظورة في زمن النص. فلا محيص من اعتماد العقل كمصدر للشرائع. صور هذه الاشكالية الفقيه الشافعي ابو الفتح الشهرستاني بقوله ان النصوص محدودة والحوادث لا متناهية ، ونعلم قطعا انه لم يرد في كل حادثة نص ، ولا يمكن للمحدود ان يستوعب اللامحدود.
كلا الفريقين لازال حاضرا في ساحة الفقه والدعوة. ولديه مبررات تدعم موقفه. ولعل اقوى حجج الاخباريين هي قولهم بان النص معصوم والعقل خطاء ، فالالتزام بمنطوق النص اقرب للسلامة ، لأن طاعة الله احرى ان لا تبنى على الظنون.
يعرض الفريق الآخر حجة لا تقل قوة ، وخلاصتها ان الله خلق العقل وأمر عباده بالاعتماد عليه في كل جوانب حياتهم ، واعتبره شرطا للتكليف ، فغير العاقل لا يسأل عن شيء ولا تكليف عليه. العقل اذن محور علاقة الناس بربهم. فاذا كان غير قادر على تمييز القبح والحسن المنطوي في أفعال البشر ، غير قادر على تمييز ما يستحق الثناء وما يستحق العقاب ، فكيف يكون قاعدة الحياة الدينية ومحور علاقة الانسان بربه؟.
وقالوا أيضا ان التفكر والاختيار العقلي المحض ، هو مبدأ معرفة الله والايمان به ، فليس في التوحيد تقليد. وهذا أصل الايمان ، وهو سابق لكل الشرائع. فكيف يكون العقل مبدأ في الاصول ، ولا يكون معتبرا في الفروع؟.
جوهر المسألة إذن يدور حول سؤالين ، اولهما: هل يمكن وصف فعل ما بانه حسن أو قبيح اعتمادا على حكم العقل ، ام ان جميع الافعال محايدة ، حتى يأتينا نص شرعي يخبرنا عن كونها حسنة او قبيحة. والثاني: اذا حكم العقل على فعل ما بانه حسن او قبيح ، فهل لهذا الحكم اعتبار في الشرع ، ام لا.
لو اردنا تطبيق المسألة على حدث اليوم ، فستكون على النحو التالي: هل نعتبر انجازات العلماء امثال ستيفن هوكنج ، ذات قيمة واحترام عند الدين ام لا. وبناء على الجواب ، هل يستحق هؤلاء العلماء الاجلاء التبجيل والدعاء لهم بالمغفرة والرحمة ام لا.
اظن ان اي انسان يقدر عقله قد توصل الى الجواب الان.
الشرق الاوسط الأربعاء - 4 رجب 1439 هـ - 21 مارس 2018 مـ رقم العدد [14358]
http://aawsat.com/node/1211376

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...