‏إظهار الرسائل ذات التسميات العراق. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات العراق. إظهار كافة الرسائل

05/07/2017

تجنبا لداعش أخرى: اربعة عوامل للوقاية



؛؛ أربعة عوامل هيأت لظهور داعش: الهوية المتأزمة ، تعثر التنمية ، غياب الحريات والمشاركة الشعبية ، وجمود الفكر الديني؛؛

سقوط تنظيم "داعش" في الموصل ، وفر فرصة لبعض المعلقين لتكرار القول بان داعش لم ينته ، طالما بقي الفكر الذي ولد في رحمه. من يتبنى هذه الرؤية ، ينظر الى داعش كتنظيم مغال في العنف والتشدد لا اكثر ، وان الفكر هو الذي يحول الانسان العادي الى قاتل. التحول الفكري يتمثل تحديدا في تبني نحلة او مذهب متشدد.

لكني انظر من حولي فأرى آلافا من الناس يحملون نفس القناعات ، لكنهم يعيشون في سلام مع العالم. "داعش" ليس مجرد تنظيم عنيف. بل نموذج معياري لمفهوم ومشروع سياسي ، يختلف كليا عن بقية الجماعات التي تشاكله ظاهريا. يتألف هذا النموذج من اربعة أجزاء متكاملة:
1- الخلافة التي تذكر باعتقاد سائد فحواه ان التاريخ عجلة تدور باستمرار حول نفس المحور ، وان ما أصلح حال المسلمين في الماضي سيصلحهم في الحاضر.
2- القوة الباهرة وممارسة الحسم في حده الاعلى. وهو الذي جعل التنظيم ودولته قضية ضخمة تشغل العالم. هذا الانشغال ملأ فراغا موحشا عند شريحة واسعة من المسلمين ، تشعر بان العالم لا يهتم بها ولا يقيم لها وزنا.
3- الانتصارات المتلاحقة خلال مدى زمني قصير. وهو يغذي اعتقادا عميقا بان من يملك مصدر قوة خفي (ربما يكون غيبيا او نوعا من الكرامات الخاصة) فانه سيكمل مهماته بنفسه ولا يحتاج للتفاوض مع أحد.
4- مشروع عابر للحدود والقوميات ، يفسح مجالا لأي مسلم من أي مكان ، كي يسهم في اعادة ما يعتقدون انه دولة الاسلام.
لا يؤمن الناس بهذا  المشروع النموذجي لأنهم ينتمون الى مذهب متشدد ، او لانهم يحملون افكارا متشددة. بل لأنهم – من جانب - يعيشون أزمات كبرى في أنفسهم وفي أوطانهم ، أزمات اقتصادية او اجتماعية او سياسية. ولانهم – من جانب آخر – يرون التساقط المتوالي للحلول والبدائل التي ظنها الناس حلولا ممكنة لتلك الأزمات. الفشل المتوالي هو الذي يعيد احياء الفكرة القائلة بانه "لا يصلح آخر الأمة الا بما صلح به أولها" ، حيث تشكل عودة الخلافة عمودها الأول.

هذا هو السر في تميز مشروع "داعش" بميزتين مؤثرتين ، أولاهما ان الذين التحقوا به جاؤوا من مذاهب وقوميات شتى ، وبعضهم لم يكن في الاساس متدينا ، اي ان الحاضن الاجتماعي للمشروع ليس مركزيا محصورا في نطاق اجتماعي محدد. والثانية ان شريحة مهمة ممن راقب هذا المشروع من خارجه لا يؤيدون داعش ، لكنهم في الوقت نفسه لا يستبعدون نجاحه. بل ربما شعروا بالسرور لما حقق من انتصارات ، حتى لو لم يكونوا مستعدين للاسهام فيها.
حين اعلنت دولة الخلافة في الموصل ، كتبت انها قصيرة العمر مستحيلة النجاح ، لانها ضد حركة التاريخ. لكن المهم الآن هو مراجعة الاسباب التي تجعل العالم العربي مهيأ لظهور نموذج كهذا. وأراها محصورة في أربعة عوامل: الهوية المتأزمة ، تعثر التنمية الاقتصادية/الاجتماعية في مفهومها الشامل ، غياب الحريات المدنية والمشاركة الشعبية في القرار ، وأخيرا جمود الفكر الديني وعدم تفاعله مع متغيرات العصر.
هذه العوامل الأربعة ساهمت في إفشال كل مشروع مستقبلي بديل ، وعمقت الشعور بالاحباط بين الجمهور العربي. وبالتالي وفرت الفرصة والشرعية للحلول المستوردة من التاريخ. ومن هنا فان المصل الوحيد للوقاية من ظهور مشاريع شبيهة لمشروع داعش (او ربما اكثر سوء منه) هو التعامل الجاد مع تلك العوامل.
الشرق الاوسط  05 يوليو 2017 
http://aawsat.com/node/967121

مقالات ذات علاقة

02/11/2016

مستقبل الموصل بعد داعش

تطهير الموصل من داعش قد يستغرق أياما او اسابيع. لكنها ستعود في نهاية المطاف الى أهلها. السؤال الذي يتداوله العراقيون اليوم يتناول مستقبل الموصل ، بعدهزيمة داعش المتوقعة.
كان رئيس اقليم كردستان مسعود البرزاني أول من أطلق صفارة الجدل ، حين قال ان حدود الاقليم هي النقطة التي ستصلها قوات البيشمركة المشاركة في عمليات الموصل. وهذا يعني تقريبا اطراف محافظة نينوى الشمالية والشرقية. لكن يبدو ان ما يسكت عنه أهل السياسة هو مرادهم وليس ما يقولونه. يريد البرزاني على الارجح المساومة بورقة الموصل على ضم ما يسمى بالمناطق المتنازع عليها الى اقليم كردستان ، وهذه المناطق تضم المدن التي يسكنها خليط من الاكراد وغيرهم ، وأبرزها كركوك ، المدينة النفطية الرئيسية في الشمال ، فضلا عن اجزاء من محافظة ديالى الشرقية ، التي تعتبر هي الأخرى نصف كردية.

عدد من وجهاء الموصل ، ابرزهم محافظها السابق اثيل النجيفي اراد استباق الاحداث ، فحاول تشكيل ميليشيا محلية ، واستعان بتركيا التي ارسلت بالفعل 2000 جندي لتدريب ما قيل انه الاف من الضباط الذين سبق ان خدموا في الجيش العراقي. لكن النجيفي افلح في استقطاب 1200 عنصرا فحسب ، اطلق عليهم اسم حرس الموصل.

برر الرئيس التركي دخول قواته الى الاراضي العراقية بالحيلولة دون تغيير ديمغرافي للموصل بعد تحريرها. ونعرف انه يشير الى العراقيين التركمان الذين تريد تركيا وضعهم تحت حمايتها. لكن مشكلة التركمان ليست في الموصل ، فمعظم هؤلاء يقطنون في تلعفر وهي أقرب الى الحدود التركية من الموصل ، ومحافظة كركوك ، التي يطالب بها الاكراد.
كثير من ابناء النخبة الموصلية يدركون التعقيدات التي تحيط بمحافظتهم. يعلمون ان تحريرها من سيطرة داعش قد يكون بداية لجولة جديدة من الصراع بين القوى التي تتنازعها وتلك التي تتخذها ورقة في نزاعات أخرى. مجموعة من هؤلاء من أبرزهم المؤرخ المعروف سيار الجميل بادروا لطرح مشروع اعتبروه طريقا للافلات من التقاطعات الخطرة للقوى المحلية والاقليمية التي تتنازع المحافظة.
يقترح هذا المشروع تحويل محافظة نينوى الى اقليم فيدرالي ، يتألف مبدئيا من ست محافظات. وقد جرى اختيار حدود المحافظات بحسب اكثريتها السكانية. فسهل نينوى سيكون محافظة واحدة او اثنتين للمسيحيين والاقليات الدينية الاخرى ، وستكون كل من مدينة الموصل وجنوبها محافظتين للعرب ، وسنجار لليزيديين ، ومخمور للاكراد ، وتلعفر للتركمان ، مع امكانية فصل جزء من تلعفر ليكون محافظة او اثنتين واحدة لعشائر ربيعة العربية واخرى لعشائر زمار الكردية.
يعتقد الدكتور الجميل ان محافظة نينوى تتمتع بهوية خاصة متمايزة عن محيطها كله ، وان هذا يبرر فكرة الأقليم الذي لن ينفصل عن العراق ، لكنه سيشكل تجربة ثانية بعد اقليم كردستان ، سيما وان الدستور العراقي يتسع لتحول محافظة او اكثر الى اقليم ذي صلاحيات واسعة.
لكني اميل الى الظن ان القلق من التصارع  الاقليمي والمحلي على الموصل ، هو الدافع الرئيس لهذا المشروع. فهو يقول ببساطة لكل المتنازعين: بدل ان تتقاتلوا ، دعونا نتفق على التفارق من دون حرب. التطليق باحسان يعطي كل طرف ما يريده بالتوافق مع الاطراف الأخرى.
أظن ان معظم العراقيين العرب سيعارض الفكرة لانها تشير الى التقسيم البغيض في الثقافة العربية. لكن ثمة من يقول ان الامريكان يودون تطبيقها. وهي على اي حال احد الحلول المحتملة ، مع ان اقرارها يحتاج للكثير من النقاش.
الشرق الاوسط 2 نوفمبر 2016 http://aawsat.com/node/775026


31/08/2016

تبعات الدولة الايديولوجية




ذكرت في مقال الاسبوع الماضي المعايير الثلاثة المقترحة لتطبيق وصف الدولة الفاشلة او المتردية. وابرزها عجز الدولة عن فرض سلطانها على كل اراضيها ، ثم انهيار نظام الخدمات العامة ، واخيرا تردد المجتمع الدولي في الاعتراف بالحكومة كممثل قانوني وحيد لبلدها. وقد رجحت المعيار الاول مع بعض التحفظ.
المعيار الاول ، وهو موضوع هذا المقال ، ينصرف عادة الى معنى محدد ، هو امتلاك الدولة لقوة عسكرية تمنع ظهور اي قوة مماثلة خارج نطاق القانون ، سواء كانت هذه جماعة سياسية مسلحة أو منظمات اجرامية كبيرة.
سبب التحفظ على هذا المعيار هو مسار الاحداث في ثلاث دول عربية هي العراق وسوريا وليبيا. قبل انفجار العنف كانت هذه الدول تخضع لحكومات قوية ، تملك منظومات أمنية شديدة الفعالية ، واسعة الانتشار ، متغلغلة في تفاصيل حياة المجتمع. لكنها فشلت جميعا في منع انزلاق المجتمع الى الانقسام وانفجار العنف الأهلي. بل ان القوات المسلحة نفسها ، فشلت في صون وحدتها ، فانقسمت وتصارعت.
هذا يستدعي اسئلة ضرورية ، مثل: هل تسبب انقسام المجتمع في انقسام القوات المسلحة ام العكس؟. وهل كانت بذور الانقسام كامنة في المجتمع او في القوات المسلحة ، حتى في ظل الدولة القوية؟.
لعل قارئا يجادل بان الانقسام ولد بعد انكسار النظام. بمعنى ان انكساره هو سبب الانقسام. وهذا الاستدلال غير صحيح. فهو قد يدل أيضا على ان الانقسام كان نشطا تحت السطح ، فلما انكسر السقف الامني ، ظهر الواقع المحتجب تحته. ولو كان انكسار الحكومة علة رئيسية ، لاستعاد المجتمع الليبي مثلا وحدته ، بعد خمس سنوات من سقوط النظام السابق.
فكرة احتكار الدولة للقوة المسلحة كدليل على نجاحها ، تنسب الى تراث ماكس فيبر ، عالم الاجتماع الالماني المعروف. لكن فيبر يشير ضمنا الى ان دور القوى المسلحة الحكومية يجب ان يفهم كقابلية لاستعمال السلاح وليس استعماله فعليا ، الا في مواجهة الجريمة او التمرد المسلح. وهو يستعمل في هذا السياق عبارة "التلويح بالقوة المسلحة".
اميل الى الاعتقاد بان تبني الدولة لخطاب ايديولوجي خاص ، هو العامل الرئيس للانقسام الاجتماعي. وهذا ما حصل في الدول الثلاث. تبنت النخبة الحاكمة في سوريا والعراق ايديولوجيا حزب البعث. وتبنى الليبيون ايديولوجيا الثورة الجماهيرية. وهي ايديولوجيات ما كانت تمثل – في احسن الاحوال - غير شريحة من المواطنين ، كبيرة او صغيرة. مالم يكن جميع الشعب مؤمنا بالايديولوجيا الرسمية ، فسوف تتحول بالضرورة الى عامل تقسيم للمجتمع ، بين اولياء الحكومة ،  المؤمنين بخطابها الايديولوجي ، واعداء الحكومة ، الرافضين لذلك الخطاب. وفي مثل العالم العربي ، فان رفض الخطاب الرسمي يتحول سريعا الى تصنيف سياسي ، يستدعي استعمال القوة العارية ضد الفريق الرافض. وبالتالي تحويل الانقسام من اختلاف في الرأي ، الى صراع نشط بين دائرة المحبين ودائرة الكارهين.
اتسمت علاقة المواطنين بالحكومة في الدول الثلاث بالارتياب المتبادل. وكان الخوف والحذر هو الطابع العام لموقف المواطنين من الدولة ، التي لم تتحفظ في استعمال قواها الامنية ضد من يختلف معها في راي او موقف سياسي او ايديولوجي.
هذا يحملنا على الظن بان مجرد احتكار الدولة للقوى المسلحة ، ليس معيارا لنجاحها كما رأى فيبر ، لانه لا يحول دون الانقسام الاجتماعي ، الذي قد يقود في لحظة ما ، الى انقسام تلك القوى المسلحة ، وعجزها عن ممارسة دورها كحارس للنظام الاجتماعي.
الشرق الاوسط 31 اغسطس 2016
http://aawsat.com/node/727171

11/11/2015

المأزق التركي


مع استعادة حزب العدالة والتنمية لاغلبيته البرلمانية ، يتوقع ان تلعب تركيا دورا اكثر فاعلية في التحالف الدولي ضد داعش ، سيما في هذه الايام التي تشهد تصاعدا في الاهتمام الدولي بانهاء الازمة السورية.
كانت تركيا تتبع سياسة حذرة جدا تجاه داعش. بل قيل ان الاراضي التركية كانت لاتزال حتى منتصف العام الجاري على الأقل ، ممرا شبه آمن لمعظم مؤيدي داعش الأجانب. مراقبون اوروبيون ظنوا ان الوضع السائد يومئد ربما كان مؤاتيا لتركيا ، فالهجمات المتكررة لمسلحي داعش على القرى الكردية حول عين العرب (كوباني) أدت فعليا الى تحجيم نشاطات المتمردين الأكراد واشغالهم بالدفاع عن انفسهم. بل ان بعض المعادين للسياسات التركية اتهموها بلعب دور الراعي الاقليمي لداعش. لكن هذا التقدير ليس واقعيا.
حدود تركيا الطويلة مع سوريا والعراق ، تجعلها الخيار الوحيد تقريبا لانطلاق عمليات عسكرية واسعة لعزل مسلحي داعش في جيوب قابلة للمحاصرة كما يفكر الامريكيون. لكن هذا بالتحديد ما يجعل الخيارات متباينة. ان اي عمليات من هذا النوع تستوجب التعامل مع "وحدات حماية الشعب" الكردية ، كحليف استراتيجي. كانت واشنطن قد قررت ذلك بالفعل واعتبرت هذه الميليشيا رأس الحربة في صراعها لانهاء وجود داعش في المنطقة. وخلال الاسابيع الثلاثة الماضية أنزلت الطائرات الامريكية شحنتي اسلحة على الاقل للاكراد. كان بوسع القوات الامريكية تنفيذ العملية عبر الحدود التركية ، لكن الواضح ان الاتراك لازالوا متحفظين على هذه السياسة ، الامر الذي جعل الانزال الجوي خيارا وحيدا امام واشنطن.
ينطوي هذا التباين في موقف الحليفين على مفارقة ساخرة. فواشنطن تقول بكلام شبه صريح انها لا تجد حليفا يمكن الاعتماد عليه اكثر من "قوات حماية الشعب" الكردية ، بينما تقول أنقرة ان هذه الميليشيا ليست سوى ذراع غير معلن لحزب العمال الكردستاني ، عدوها اللدود ، وأن دعمها عسكريا سيقود - موضوعيا - الى تمكينها من اعلان "كردستان الغربية" كمنطقة حكم ذاتي شبيهة تماما بكردستان العراقية. ومثل هذا التطور لن يكون ابدا في مصلحة تركيا ، التي لم تستطع حتى الآن حل نزاعها التاريخي مع الاقلية الكردية في الجنوب.
أمام تركيا حلول بديلة لكنها غير ناضحة. ابرزها المجادلة بامكانية دفع عدد من الجماعات الجهادية التي لها وجود فعلي في الميدان ، الى مواقف اكثر اعتدالا. هذا يتوقف بطبيعة الحال على تغيير في الموقف الامريكي ، الذي يتبنى تصنيفا متشددا للمعارضة ، يضع كافة الاسلاميين في خانة الجماعات الارهابية. يعتقد الاتراك ان داعش هي الجماعة الوحيدة التي ينطبق عليها وصف الارهاب ، اما البقية فهم بين معتدل فعليا أو قابل للاحتواء.
في كل الأحوال يبدو ان الوقت ليس في صالح أنقرة. الامريكان يريدون تركيز جهودهم على تفكيك الجماعات المتشددة ، حتى لو ادى ذلك الى إطالة عمر النظام. الاوروبيون الذين فوجئوا بمئات الالاف من اللاجئين ، يريدون حل الازمة حتى لو بقي بشار الاسد على راس النظام. والروس والايرانيون يرسلون المزيد من القوات الى الاراضي السورية ، سعيا لاحداث تغيير جوهري في موازين القوى على الارض.
ليس متوقعا ان يتغير الحال في سوريا خلال الاسابيع القليلة المتبقية على نهاية العام. لكن لو تواصل الحراك بنفس المعدلات الحالية ، فمن المؤكد ان تركيا سوف تضطر الى إعادة نظر جذرية في علاقاتها مع الاكراد ، الذين باتوا قاب قوسين أو أدنى من إعلان كردستان الغربية اقليما شبه مستقل ، اي بلوغ نصف الطريق نحو تحقيق حلم كردستان الكبرى ، التي يفترض ان تضم في المستقبل الاقاليم الكردية في ايران وتركيا أيضا.
الشرق الاوسط  11/11/2015
http://aawsat.com/node/494216

31/12/2014

موسم الهجرة الى السلاح



ثمة حولنا ما يمكن وصفه بجيش أممي يتألف من الاف الشبان المستعدين للهجرة من أوطانهم الى سوح القتال. من افغانستان الى لبنان ومن اواسط آسيا الى تشاد والبلقان. انه جيش غير منظم ولا منضبط ، لا يسعى رجاله وراء الرواتب والرتب العسكرية ، مقصدهم الوحيد مكان يتيح لهم المشاركة في الحرب.

عرفنا رجالا من الخليج قاتلوا في الشيشان والبوسنة ، وجزائريين قاتلوا في افغانستان ، وتونسيين ذهبوا الى العراق وسوريا ، وهكذا. شهد العالم ظاهرة شبيهة في اربعينات القرن المنصرم حين تنادى الشيوعيون للمشاركة في الحرب الاهلية الاسبانية (1936-1939) نصرة للجمهوريين بقيادة "الجبهة الشعبية"  اليسارية. كذلك الحال في السبعينات حين انضم عشرات من الناس من دول مختلفة الى المقاومة الفلسطينية. لكن هذه مثل تلك كانت اضيق نطاقا من الحشد الاممي الذي نشهده اليوم.

اظن ان الاف الشبان الذين تسللوا من بلدانهم للالتحاق بالجماعات المقاتلة منذ اوائل الثمانينات ، كانوا يسعون وراء تحقيق ذواتهم من خلال القيام بعمل ، قدروا انه يسهم في تغيير العالم. الاف مثلهم حاولوا تحقيق ذواتهم من خلال التجارة او العلم او الدعوة الدينية او حتى من خلال المشاركة في الصراعات السياسية السلمية ، او غيرها من الحقول. لكن اولئك الشبان على وجه التحديد رأوا في الحرب ظرفا وحيدا لتحقيق الذات. 
والمثير في الامر ان هؤلاء اشد ميلا الى الجماعات الاكثر تطرفا ، اي الاكثر استعمالا للعنف. ثمة عشرات من الجماعات المسلحة التي توصف احيانا بانها معتدلة ، لكن المهاجرين للحرب يتجهون عادة للجماعات المشهورة بالتطرف. هذا يكشف ربما ان العامل المحرك لهم ليس الجهاد كموضوع ديني ولا التحرير كموضوع سياسي ، بل الحرب ذاتها كأداة للتغيير. السلاح هو عباءة سوبرمان التي يرتديها الانسان العادي فيمسي قادرا على قهر الغير والزامه بمشيئة المسلح او الجماعة التي ينتمي اليها.
من يستمع لأحاديث الشباب الذين تضيق نفوسهم بأساليب الدعوة البطيئة والحوارات الطويلة المملة والاساليب البيروقراطية التي تتبعها الحكومات ، فسوف يكتشف دون عناء انهم يبحثون عن عصا سحرية ، يهزونها في وجه المشكلة فيولد الحل. بالنسبة لكثير من الشباب الحالم ، فان السلاح هو العصا السحرية التي تغير الحقائق على الارض ، وتحولهم من كائنات متسائلة معطلة او مقيدة الى شركاء في تغيير العالم.
بحث الشباب عن ذاتهم ، بحثهم عن دور في تغيير الواقع ، ليس السبب الوحيد الذي حرك الاف المهاجرين نحو ساحات الحرب المتنقلة. لكنه – كما أظن – عامل يستحق التأمل. لو درسناه كواحد من الاحتمالات فلربما ساعدنا في كشف نقاط ضعف في نظامنا الاجتماعي او في سياساتنا او في نظامنا القانوني ، تشكل في مجموعها الثقب الاسود الذي يتساقط فيه هؤلاء الشباب ، فيتحولون من قوة بناء الى مكينة قتل وتدمير في هذا البلد او ذاك.
الشرق الاوسط 31 ديسمبر 2014 مـ رقم العدد [13182]
http://aawsat.com/node/255216

24/12/2014

يوم رحب الناس بالخلافة


التمدد السريع لتنظيم الدولة الاسلامية "داعش" على مساحات شاسعة في سوريا والعراق ، وانضمام الاف المقاتلين الى صفوفه ، يكشف عن ظرف اجتماعي متأزم ، مستعد للترحيب بأي قوة ترفع شعارا مواتيا ، او على الاقل غير مبال بانهيار الدولة القائمة وحلول جماعة مسلحة مكانها.
صحيح ان النزاعات الاهلية توفر مثل هذه الفرص في أي مكان. لكن هذا لا يحدد المسؤولية عن العوامل التي تدفع الناس للترحيب او عدم الاكتراث بتطور من هذا النوع. كما لا يحدد مستوى وطبيعة النزاع الذي يسمح بظهور نظائر لتنظيم "الدولة". بعبارة اخرى فنحن امام سؤالين ، اولهما: هل هناك ظرف آخر غير الحرب الاهلية يمكن اعتباره مواتيا لظهور جماعات مسلحة نقيضة للدولة؟. والثاني: اذا كان ظرف النزاع الاهلي هو الوحيد الذي يعتبر مواتيا ، فهل ثمة نوع معين من الصراعات الاهلية او مستوى معين نعتبر الوصول اليه ضروريا لظهور تلك الجماعات؟. الاجابة على هذين السؤالين سوف تمهد ايضا لتحديد بعض الحلول الممكنة ، ولا سيما تحريك الظرف الاجتماعي باتجاه جعله ممانعا لانتشار جماعات كهذه او لافظا لها.

يكشف مثال الجزائر (1997-2001) والصومال (1991-1997) عن مفارقة جديرة بالاهتمام ، وهي بقاء "الايمان بالدولة" في الحالة الاولى وغيابه في الثانية. واظن هذا اهم الاسباب التي جعلت الجزائر قادرة على اطلاق مشروع حل سياسي تمثل في قانون الوئام الوطني لعام 1999 ، بينما فشلت كافة مبادرات الحل السياسي السلمي في الصومال. الايمان بالدولة يعني تحديدا الاقتناع العميق عند عامة الناس بان حكومتهم ضرورية لحياتهم وانها تقوم فعليا بما يتطلبه هذا الدور. يتلاشى هذا الايمان اذا توقفت الدولة عن القيام بواجباتها او انحازت بشكل مفرط الى طرف اجتماعي ضد بقية الاطراف ، او فشلت لوقت طويل في معالجة مشكلات البلد الملحة.
في مقالته الشهيرة "التنمية السياسية والتفسخ السياسي-1965" ركز صمويل هنتينجتون على ما يسميه ظرف انفجار التطلعات ، وفشل الدولة في الوفاء بالوعود التي ترفع سقف توقعات الجمهور ، ويعتبره ابرز العوامل التي تنشر الاحباط في المجتمع ، وربما تمهد الطريق امام تحولات دراماتيكية ، مثل الاستيلاء على الدولة. واحتمل ان هذا هو السر وراء نجاح داعش في السيطرة المباغتة على محافظة الموصل العراقية منتصف يونيو الماضي. فرغم وجود الدولة وقواتها ، الا ان النزاعات السياسية المريرة في السنوات الماضية قضت تماما على الثقة المتبادلة بين الدولة المركزية والمجتمع. وتكرر هذا الامر في محافظة تكريت التي نعرف ان شريحة واسعة من سكانها شاركت قوات داعش في اسقاط مؤسسات الدولة.
لم يكن ثمة حرب اهلية فعلية في العراق كحال سوريا ، ولم تكن الدولة غائبة. الغائب الحقيقي كان الايمان بالدولة القائمة وانهيار الثقة بينها وبين مواطنيها. وهي حالة قد تظهر حتى في الدول القوية. ترى هل نستطيع تطوير وسيلة لقياس مستوى "الايمان بالدولة" في كل مجتمع عربي؟. هل نستطيع كعرب مصارحة انفسنا بالعوامل التي تؤدي الى تعزيز هذا الايمان او اضعافه؟. 
الشرق الاوسط  24  ديسمبر 2014 

مقالات ذات علاقة

02/12/2014

داعش الباقية




في 1997 ظهر شبيه لداعش في الجزائر. لم يعلن دولة او خلافة ، لكن عمله الميداني وخطابه الديني لم يكن مختلفا عن داعش. تلاشت الظاهرة الجزائرية بعدما طبقت الحكومة قانون الوئام الوطني لعام 1999 ثم قانون المصالحة الوطنية (2005). طبقا لبيانات رسمية ، فان عدد الذين سويت اوضاعهم بلغ 17 الف مسلح ، عدا المئات الذين قتلوا في مواجهات مع الجيش. بعبارة اخرى فان الحجم المادي للظاهرة الجزائرية كان اكبر من شبيهتها داعش. لكنها مع ذلك اخفقت في مواجهة تيار الحياة المدنية الجارف ، رغم مقاومتها الشرسة لما يزيد عن سبعة اعوام.
نعلم من هذا ومن تجارب شبيهة ان الحياة الحديثة لا تسمح ببقاء دولة مثل دولة داعش. هذا لا يتعلق فقط بالنظام الدولي ، بل ايضا بالحاضن الاجتماعي المحلي وحركة الاقتصاد والسياسة في ابعادها المختلفة والمعقدة.  ولئن كانت الظروف الحرجة الراهنة في العراق وسوريا قد افرزت نشازا سياسيا من هذا النوع ، الا ان منطق الامور لا يسمح له بالاستمرار فترة طويلة.
سواء انتهينا من دولة داعش اليوم او غدا ، فلا ينبغي ان نغفل عن حاضنها الثقافي – الاجتماعي ، اي الذهنية الفردية او الجمعية التي تنظر الى نموذج داعش كعلاج مؤكد او محتمل لمشكلة يشعر بها الناس. وليس مهما ان تكون هذه المشكلة حقيقية او متوهمة. المهم انها تشغل اذهان الناس ويشعرون بالحاجة الى علاجها بأي طريقة.
السؤال الذي يستحق ان نتأمله بجدية وتركيز هو: ما هي المشكلات التي تشغل اذهان الناس على نحو يجعلها مهيئة لقبول نموذج الحل الذي تمثله داعش او تقترحه؟.
يذهب ذهني الى عدة احتمالات. لكن ابرزها في ظني اثنان ، احدهما محلي ينطبق خصوصا على الوضع في المملكة والثاني اكثر عمومية. المشكلة الاولى هي الرغبة في اكتشاف الذات وتحقيق الذات ، وهذه تخص الشباب. اما الثانية فهي مشكلة العجز عن التعامل مع ما يعتقد من تغول الغرب ضد العالم الاسلامي.
الدواء الانجع للمشكلة الاولى هو جمعيات العمل المدني التطوعي. اما المشكلة الثاني فهي اكثر تعقيدا ، وهي اقرب الى فحوى التفسير الرسمي لظاهرة التطرف ، اي ما يسمى بالغلو في الدين. لكن العلاج ليس بالنصائح وسرد الايات والروايات الدالة على الوسطية ، بل بتطوير خطاب ديني جديد يركز خصوصا على ظاهرة التنوع الثقافي والعلمي والسياسي ، ودور المسلم في العالم الجديد ، وسبل استثمار التنوع وعولمة الثقافة والاقتصاد. بعبارة اخرى فنحن بحاجة الى صياغة جديدة لمفهوم العلاقة مع المختلف سياسيا ودينيا ، سيما الغرب الذي ينظر اليه كقوة عدوان ذات واجهة سياسية ومضمون او محرك ديني (مسيحي غالبا).  وتبعا لهذا تطوير رؤية عصرية لقيمة الجهاد والدعوة ودور الافراد والجماعة المسلمة في هذا السياق. 
الاقتصادية 2-12-2014
مقالات ذات علاقة


30/09/2014

درس عراقي لليمن


طيلة ثلاثين عاما (1978-2012) حاول الرئيس السابق علي صالح استعادة السيطرة على المناطق القبلية التي كانت – تقليديا – خارج سلطة الدولة. لكنه في نهاية المطاف نجح فقط في جعل نفسه القوة الاكبر بين قوى متعددة ، واقناع الجميع بأنه الخيار الاقل سوءا بين مجموع المتنافسين على السلطة. كانت الثورة الشعبية فرصة لتغيير هذا الميزان الذي استقر نسبيا منذ 1994 ، حين اثمرت الحرب الاهلية عن اضعاف ابرز منافسي الرئيس ، اي الحزب الاشتراكي اليمني في الجنوب وحزب الاصلاح في الشمال.
يعرف دارسو العلوم السياسية ان الثورات الشعبية والصراعات الاهلية تؤدي دائما الى قلب موازين القوى: اقوياء الامس يضعفون وضعفاء الامس يستقوون ، كما تولد قوى جديدة من رحم الصراع. حصل هذا في مصر وليبيا وتونس وسوريا والعراق ، وجميع الاقطار التي مرت بتجارب مماثلة. لكن هذا التغيير يبقى غالبا في الشارع ، ولا ينعكس على تشكيل الحكومة. ذلك ان النخب القديمة وحلفاءها في الاعلام والجيش والاقتصاد وحتى في المؤسسات الاجتماعية يعيدون انتاج قوتهم السياسية في اطار يناسب التحولات الجديدة. تتمتع النخب القديمة بخبرات متراكمة في العمل السياسي والقيادة. اما القوى الجديدة فهي تحسن تنظيم الاحتجاجات لكنها لا تجيد ترجمتها الى قوة انتخابية. في مصر مثلا ، كان الشباب صناع ثورة يناير 2011 ووقودها ، لكنهم فشلوا في تحقيق اي مكسب مهم في الانتخابات التالية للثورة. كذلك الحال في العراق بعد 2003. واظن هذا سببا رئيسيا لاستمرار الفوضى والتوتر في هذا البلد.
في ينايرالماضي انتهى مؤتمر الحوار الوطني في اليمن بعد عشرة اشهر من النقاش حول صورة النظام السياسي الجديد. علق اليمنيون آمالا عريضة على نتائج الحوار ، باعتبارها اساسا لما يعرف في العلوم السياسية بالاجماع الوطني الجديد. ولأنها شكلت نوعا من الاقرار الجمعي بتغير التوازنات السياسية وضرورة استيعاب القوى الجديدة والمهمشة. لكن الواضح ان النخب القديمة واصلت محاولاتها للالتفاف على تلك النتائج ، فلم تفلح الحكومة في تطبيقها رغم مرور ثمانية اشهر.
سيطرة الحوثيين على صنعاء كشفت عنصرا جديدا في  الصراع الاهلي: استمرار هيمنة النخب القديمة على المشهد السياسي قد يدفع القوى المهمشة الى اعاقة الدولة. الامساك بمراكز القيادة والقرار لا يعني بالضرورة سيطرة موازية على الارض. واذا قرر المنافسون خوض الصراع ، فقد يجد القائد نفسه مثقلا بالاوصاف والنياشين ، لكن من دون سلطة على الارض.
ليس ثمة حلول سهلة للازمة اليمنية. والحل لن يكون محليا بالكامل. اعتقد ان الحل يبدأ باستيعاب القوى الجديدة ، سيما الحوثيين والحراك الجنوبي وشباب الثورة ، في منظومة القرار السياسي والقوات المسلحة. كما اعتقد ان اليمن بحاجة الى حلفائها التقليديين ، سيما المملكة ومصر ، للعب دور الوسيط والضامن لما يجري من تفاهمات تجنب المنطقة ويلات وآلاما ، فيما لو تطاولت الازمة وتفكك الجيش والدولة.
الاقتصادية 30 سبتمبر 2014

http://www.aleqt.com/2014/09/30/article_892078.html

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...