20/08/2013

الإخوان .. خطاب بديل

بالغ الإخوان المسلمون في تقدير قوتهم، كما بالغوا في تقدير قيمة انتصاراتهم الانتخابية المتوالية، فتصرفوا كمن يعيد كتابة التاريخ. حقيقة الأمر أن التاريخ لا يتغير في حملة انتخابية، وأن العالم لا يتغير بانتصار حزب على منافسيه. تلك كانت مجرد صافرة البداية في صراع سياسي طويل، لم يظهر سوى فصله الأول فحسب. كان على الإخوان أن يفهموا مكاسبهم ضمن حدودها الطبيعية، أي كنصر سياسي مرحلي ضمن معركة ما زالت فصولها الأخرى في رحم المستقبل.
على أي حال فقد انتهى زمن هذا الكلام، وذاق أطراف اللعبة مرها مثلما ذاق غيرهم عسلها، وهكذا تدور الأيام، يوم لك ويوم عليك.
المهم الآن هو احتساب العبر من تجارب الماضي، والتفكير في المستقبل. يحتاج الإخوان المسلمون وأنصارهم إلى الإقرار بما جرى باعتباره مرحلة وليس نهاية التاريخ. معركة سياسية وليست حربا كونية. وهم في حاجة إلى تجديد شباب الجماعة، بتقديم خطاب سياسي بديل وقيادة بديلة. الخطاب السياسي القديم هزم، مثلما هزمت القيادة التقليدية. الإخوان في حاجة إلى فهم جديد للصراع الذي يخوضونه. هذا ليس صراعا على الدين، وليس صراعا بين الإسلام والكفر. الإخوان – مثل بقية الأحزاب المصرية – أطراف في صراع سياسي محوره وهدفه هو السلطة الدنيوية. هذه أحزاب تتباين خلفياتها الاجتماعية وأيديولوجياتها، لكنها جميعا تملك حقوقا متساوية في بلدها. إسلامية الإخوان لا تجعلهم أكثر حقانية، فهم ليسوا في جدل حول مسألة فقهية، وموضع الخلاف ليس تعريف الأولى بإمامة المصلين.
الاعتبار بما جرى مطلوب أيضا من الطرف الآخر: القاضي الذي احتل مقعد الرئيس، والعسكري الذي قاد الانقلاب، والأحزاب التي وقفت معهم. إذا واصلوا إدارة الدولة بالطريقة التي جرت منذ انقلاب الثالث من يوليو، فقد تتحول مصر – لا قدر الله – إلى دولة فاشلة. مهما قيل من مدائح وأوصاف في الجيش والأمن المصري، فإن تجربة الدول المماثلة تخبرنا أن لا أحد يستطيع إعادة النيل إلى مجراه لو هدم السد العالي. سد مصر العالي ليس الجيش وليس الشرطة، بل توافق المصريين على قواعد لحل اختلافاتهم، وضمان حرية العمل السياسي والاجتماعي لكل القوى، بما فيها تلك التي هزمت.
أسمع اليوم أن رئيس الوزراء يريد حل جماعة الإخوان المسلمين. هذه خطيئة في حق مصر. وربما تكون العتبة التي تقود البلد إلى عصر الفوضى، وتحولها إلى دولة فاشلة. مهما بلغت عيوب الإخوان المسلمين، فلا يمكن إنكار كونهم قوة استقرار في مصر، بديلها الوحيد جماعات على نمط ''القاعدة'' وتفريعاتها. حل جماعة الإخوان سيجعل أشباه ''القاعدة'' مشروعا طبيعيا. وإذا حصل هذا، فليس أمام مصر سوى تاريخ طويل من الفشل والخراب.
الاقتصادية - 20 اغسطس 2013

13/08/2013

متى تملك بيتك؟


في مايو 2012 شهد مجلس الشورى جدلا حاميا حول مشكلة السكن في المملكة ، اثر معلومات قدمها وزير الاقتصاد، فحواها ان 61 بالمائة من السعوديين يملكون مساكنهم. استند الرقم الى تقدير لمصلحة الاحصاءات العامة. لكنه يتعارض مع ابحاث عديدة اجرتها هيئات مستقلة وتجارية، اظهرت ان النسبة الحقيقية لا تتجاوز 40 بالمائة.
والحقيقة انه لا يمكن الجزم باي من التقديرين ، فليس لدينا قاعدة معلومات موثوقة عن عدد المساكن ونسب التملك. لكن الواضح ان المسألة امست هما شاغلا لشريحة عريضة من المواطنين. وحين انظر حولي ارى ان الاغلبية الساحقة ممن اعرفهم تملكوا منازلهم بعدما جاوزوا 45 سنة من العمر. في المقابل،  كشفت دراسات حديثة في بريطانيا ان معظم الناس يملكون منزلهم الاول في سن 35.
واظهر مسح ميداني في مدينة الرياض ان تملك منزل متوسط الكلفة (850 الف ريال) يعادل سبع سنوات من الدخل السنوي لاسرة متوسطة. هذا يعني ان اقلية صغيرة سيملكون بيتهم الاول قبل تجاوز الاربعين عاما من العمر. وتظهر تقديرات متقاربة ان المملكة بحاجة الى 2,5 مليون وحدة سكنية جديدة في السنوات السبع القادمة.
السؤال الملح هو: لماذا لا نستطيع تطبيق المعالجات التي جربتها مجتمعات كثيرة قبلنا؟
قيمة المنزل في الولايات المتحدة مثلا تعادل دخل الاسرة لثلاث سنوات ونصف ، وفي دول الاتحاد الاوربي تعادل اربع سنوات ونصف ، فلماذا تزيد في المملكة عن سبع سنوات؟
احتمل ان السبب الرئيس هو مركب من انخفاض الاجور + افتقار البلاد الى قنوات تمويل بشروط تناسب الطبقة الوسطى+ تمحور جزء كبير من الاستثمارات الخاصة حول العقار.
لا اظننا قادرين على حل المسألة طالما بقي المتوسط العام للرواتب دون 200 الف ريال في السنة. ولن نستطيع حلها ما لم تفرض الحكومة على البنوك نظاما للتمويل السكني، يختلف جوهريا عن انظمة الاقراض القائمة ، ويتجه خصوصا نحو دعم الاقل دخلا وليس العكس ، او السماح – بدل ذلك - بانشاء مؤسسات متخصصة في التمويل السكني خارج النظام المصرفي الحالي.
اتفهم قلق الاقتصاديين من شبح التضخم الذي سيرافق مضاعفة الاجور. وقد شهدت ظرفا مثيلا لهذا في بريطانيا في اواخر الثمانينات. ولهذا فاني ادعو للتفكير في اعادة هيكلة شاملة للاقتصاد الوطني ، على نحو يمكن من حصر التضخم ضمن امد زمني محدد ، وانشاء شبكة حماية رسمية لتلك الشريحة العاجزة عن مجاراة التحول. وثمة تجارب رائدة في هذا المجال من بينها التجربة الصينية بعد اصلاحات 1980 الاقتصادية.
زبدة القول ان مشكلة السكن التي كانت بسيطة نوعا ما قبل 15 عاما ، اصبحت الان عسيرة. وما لم نتداركها فانها ستمسي في 2020 معضلة مستحيلة. اعلم ايضا ان المشكلات العسيرة لا يمكن حلها دون قرارات شجاعة، مهما كانت مؤلمة.
الاقتصادية 13 اغسطس 2013

06/08/2013

التاجر "فلان"


التاجر "فلان" يملك 300 شاحنة ، توفر له عائدات سنوية تصل الى 90 مليون ريال. تستهلك هذه الشاحنات وقودا قيمته 2.5 مليون ريال سنويا. نعلم ان وقود السيارات في المملكة مدعوم من جانب الدولة. متوسط السعر العالمي للديزل مثلا هو 2.85 ريالا للتر ، بينما سعره في السوق المحلية 25 هللة. حين تبيع سلعة باقل من عشر قيمتها ، فهذا يعني انك تقدم الفارق بين السعرين كدعم للمشتري. بعبارة اخرى فان التاجر "فلان" يحصل على دعم سنوي من بيت المال يزيد عن 17.5 مليون ريال. نعرف طبعا ان التاجر "فلان" لا يدفع ضريبة دخل على ثروته ، ولا ضريبة طرق مقابل اهلاك شاحناته للطرق ، ولا ضريبة صحة مقابل تلويثها للهواء.
حين اقرأ هذه الارقام ، اشعر ان اي مواطن مثلي يستحق الحصول على دعم مماثل. فانا وبقية ال 20 مليون سعودي ، مثل "التاجر فلان" متساوون في حقوق المواطنة. كل منا يستحق 17.5 مليون ريال سنويا.
ربما لا تستطيع الحكومة توزيع هذه المبالغ علينا جميعا لاننا لا نملك 300 شاحنة ، او لانها  لا تملك ما يكفي من المال. لكن هذا لا يحل المشكلة. فامامنا صورة واضحة عن توزيع غير منصف لثروة البلد. مواطن واحد يستأثر بالملايين من اموال الدولة ، لا لسبب الا لانه ثري ، بينما ملايين المواطنين الاخرين لا يحصلون على نفس القدر من المال العام ، لان اباءهم لم يورثوهم شاحنات او اموالا تشتري شاحنات.
ما هو الحل اذن؟
المجتمعات المتقدمة وجدت حلا في المبدأ العقلي الذي اقره الاسلام :"من له الغنم فعليه الغرم". وترجمة هذا الكلام بلغة تلك المجتمعات ، ان من يحصل على اموال اكثر ، فعليه ان يدفع ضرائب اكثر الى بيت المال.
مجتمعات اخرى قررت تغيير نظام الدعم من نظام المسطرة ، المطبق عندنا، الى نظام متعدد المستويات ، بحيث يذهب الدعم مباشرة الى ذوي الدخول المتدنية والمتوسطة ، وليس للتاجر فلان الذي يكسب سنويا 90 مليون ريال.
اذا لم نكن راغبين في زيادة الاجور خشية التضخم مثلا ، فلنفكر في تطوير نظام مختلف لتوزيع الدعم الحكومي – القائم فعلا - بشكل صحيح ، ننفقه مثلا في توسيع نطاق الخدمات العامة او تحمل الدولة لاستقطاعات  التامين والتقاعد ، او تعديل نظام الرهن العقاري المنتظر ، بتحميل جزء من الاقساط على الميزانية العامة ، او تقديم اعانة للاطفال وكبار السن.
هذه خيارات مطبقة فعلا في دول عديدة. المهم في الموضوع كله ان مئات الملاييين من المال العام تذهب الان لمن لا يحتاجها او لا يستحقها ، بينما يتوجب توجيهها الى من يحتاجها فعلا. فهذا ما نسميه بالتوزيع العادل للثروة الوطنية.

 الاقتصادية 6 اغسطس 2013
http://www.aleqt.com/2013/08/06/article_776295.html

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...