تصنف منطقة الخليج والجزيرة العربية ضمن المناطق النظيفة البيئة نسبيا ، ويرجع هذا الى اتساع الرقعة الجغرافية ، وقلة عدد السكان والمصانع التي تعزى اليها الاسباب الرئيسية لتلوث البيئة .
ومن
المفترض ان يبقى هذا الوضع الايجابي لفترة طويلة في المستقبل ، اذا مابقي معدل
النمو في النشاط الصناعي على مستواه الحالي ، وتم الالتزام بالاجراءات الوقائية ،
التي بدأت حكومات المنطقة في اتخاذها ، لتقييد حجم ونوعية النواتج الصناعية
الملوثة ، باشتراط مقاييس معينة في عمليات الانتاج ، او معالجة ذلك النوع من
النواتج لابقائها عند الحد الادنى ، ثم التحكم في ظروف تخزينها ، وفي ظل هذا
الاهتمام فمن الممكن الاطمئنان ، الى اننا سنتمتع ببيئة نظيفة خلال المستقبل
المنظور .
البيئة
والحياة
والحقيقة
ان (الهم البيئي) بمعناه الشامل لم يصل الينا بعد ، لاننا لانعاني مشكلات بيئية
واسعة النطاق او موجعة ، خلافا للدول الصناعية او المزدحمة السكان ، او تلك التي
تحتوي اراضيها على تضاريس جغرافية غير مناسبة .
وثمة
مدن في العالم الثالث ، ترتفع معدلات تلوث الهواء فيها الى اضعاف المعدل المسموح
به للصحة العامة ، مثل القاهرة وطهران ومومباي ، حيث يقال ان نسبة الغازات
الضارة المتواجدة في هواء المدينة ، تزيد عن اربعة اضعاف المعدل ، الذي يتحمله
الجهاز التنفسي للانسان دون مشاكل صحية ، ولهذا السبب فان نسبة عالية من سكان هذه
المدن او العاملين فيها ، يعانون من امراض الجهاز التنفسي والصداع المتكرر ، فضلا
عن الامراض الاخرى ، التي لاتعتبر نتيجة مباشرة لتلوث الهواء ، على الرغم من ان
التلوث يعتبر عاملا مهما في ظهورها.
موضوع
جديد
ويعتبر
الاهتمام بالبيئة موضوعا حديثا في العالم ، اذ لايبدو ان اهتماما جديا كان يبذل في
هذا السبيل ، قبل منتصف الستينات الميلادية ، وهو لايزال على اي حال موضوعا ثانويا
عند عامة الناس ، بالقياس الى معظم المشكلات التي يعاني منها المجتمع البشري ، لكن
من الواضح ان سلامة البيئة تحظى باهتمام متعاظم عند جميع الامم .
وفي
معظم الاقطار الاوربية تشكل السياسات البيئية للحكومات ، احد عناصر النشاط اليومي
للجماعات السياسية ، التي يخصص كل منها مفوضين ولجانا خاصة ، لمراقبة وضع البيئة
المحلية ، وتاثير السياسات الحكومية عليها ، بل ثمة احزاب سياسية مختصة بقضايا
البيئة ، يطلق عليها حركات الخضر ، او (السلام الاخضر) وهو اسم الحركة
البيئية الرئيسية في اوربا الغربية .
قمة
الارض
وقد
شهد العام 1992 بلوغ الاهتمام الدولي بالبيئة الكونية مداه الاعلى ، حيث عقدت هيئة
الامم المتحدة ، أول اجتماع على مستوى القمة ، يستهدف اثارة اهتمام الدول الاعضاء
فيها ، بالتحديات التي تتعرض لها حياة البشر بسبب تلوث البيئة ، او اختلال التوازن
بين عناصرها .
وشارك
في (قمة الارض) التي عقدت في ريو دي
جانيرو بالبرازيل 35 ألف مندوب من بينهم 117 رئيس حكومة ، وقعوا خلالها او بعدها ،
مجموعة من الاتفاقيات الدولية الرئيسية ، من اهمها اتفاقية تحديد الغازات التي
تعتبر مضرة بالغلاف الجوي ، والزام الدول الاعضاء بالعمل على معالجة اسباب التلوث
البيئي ، والحفاظ على المصادر الطبيعية والتنوع الحيوي ، في اي جزء من الارض
باعتبارها حاجة انسانية عامة .
ومع
ان الولايات المتحدة تحت ادرة الرئيس السابق جورج بوش ، كانت شديدة التحفظ في
الالتزام بمعظم الاتفاقيات ، التي وجد فيها الجمهوريون سببا اخر للضغط على فرصهم
الانتحابية القريبة ، بالنظر لما تتحمله الدول الموقعة من نفقات اضافية ، او من
اجراءات تزيد من الاعباء الاقتصادية التي تتحملها الحكومات ، الا ان الزخم السياسي
القوي جدا ، الذي شكله اجتماع هذا العدد الكبير من رؤساء الدول والحكومات ، دفع
المتحفظين الى مواقف اكثر اعتدالا ، لاسيما في مواجهة مطالب الدول الفقيرة
بمساعدات مادية وتقنية ، لمواكبة التطور العالمي في مجال الحفاظ على البيئة .
تكاليف
الوقاية
ويبدو
ان المجموعات الاقتصادية الرئيسية في الدول الصناعية ، ليست شديدة الحماس لمطالبات
البيئيين المكلفة ، ويقول محللون بريطانيون في القطاع الصناعي ، ان الاجراءات
المقترحة لتقليل التلوث الناتج عن الصناعة ، تحتاج الى استثمارات جديدة مرتفعة
لتجديد المنشآت ووسائل الانتاج ، أو ابتكار اساليب جديدة في تدوير المنتجات
القابلة لاعادة التصنيع ، بما يقلل من استهلاك المواد الطبيعية الآخذة في النفاذ .
ومع
الاخذ بعين الاعتبار اشتداد المنافسة وارتفاع تكاليف الانتاج ، فان من الصعب على
المجموعات الصناعية الوفاء بتلك المتطلبات .
وبالنسبة
لدول مثل ايطاليا واليابان فقد حاولت التخلص من مشكلات البيئة ، بتصدير اسبابها
الى خارج الحدود ، اما ببيع المصانع القديمة الى الدول الفقيرة كما تفعل اليابان ،
او بتصدير النواتج الصناعية الخطيرة كما تفعل ايطاليا .
ولازالت
الطريقة اليابانية مقبولة ، لاسيما وان معظم الاقطار النامية تعاني صعوبات في نقل
التكنولوجيا الضرورية للنمو ، فهي تقبل بما تستطيع الحصول عليه ولو كان متخلفا ،
بالقياس الى ماهو موجود في الدول الصناعية الرئيسية ، اما الطريقة الايطالية فهي
تثير استنكارا في العالم اجمع ، مع ان الحكومة الايطالية قد دابت على التبرؤ منها
وشجبها .
وينسب
الى ايطاليا والمانيا معظم الحوادث ، التي كشفت عن تصدير براميل نفايات سامة او
ملوثات صناعية ، في دول العالم الثالث سيما تلك التي تعاني من حروب ، او انحسار في
قدرة السلطة الرسمية ، كما هو الحال في لبنان خلال العقدين الماضيين ، او الصومال
خلال السنوات الخمس الماضية .
-
هل تواجه منطقة الخليج تحديات جدية على المستوى البيئي ؟
-
يبدو انه من الصعب تجاهل التحولات المستقبلية المحتملة ، واذا كان الهم البيئي في
الدول الاخرى يتمحور حول التلوث بصورة اساسية ، فان مايواجهنا هو اختلال التوازن
البيئي وانكماش المصادر الطبيعية ، ولهذا الموضوع حديث آخر نعود اليه الاسبوع
القادم .
اليوم
3 ابريل 1995
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق