"الذين
إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم
ورحمة وأولئك هم المهتدون"
لا توجد كلمة تصف هول الفاجعة التي
اصابت ابناء القديح الأبية. دماء المؤمنين وأشلاء العابدين المصلين التي تناثرت في
بيت الله اشد هولا من ان تصفها كلمة. لا نستطيع سوى استعادة قول الحق سبحانه
"انا لله وانا اليه راجعون".
أعزي ابناء القطيف جميعا واهل القديح
خاصة في الانفس الزكية التي أزهقت لا لجرم ولا جريرة سوى تمسكهم بدينهم وحبهم
للمصطفى وأهل بيته صلوات الله عليهم وعلى محبيهم واتباعهم. لقد دفع اتباع اهل البيت
ارواحهم الغالية في الماضي والحاضر من أجل الحفاظ على ميراث محمد ، وسيفعلون الشيء
نفسه في المستقبل دون خوف ولا وجل ولا تردد. وليعلم التكفيريون والقتلة والجهلة ان
ميراث محمد واهل بيته جزء من وجودنا ، وسوف نصونه بالغالي والنفيس ولو كان فناء
دنيانا.
ليعلم أبناء ابي لهب ان حطبهم سيحرقهم
اليوم او غدا ، وان دعوتهم البائسة الى زوال مهما طال الزمن وتراكمت الخطوب. هذا
وعد الله وهو ميعادنا "كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض
فسادا والله لا يحب المفسدين". لو كنا سنهون او ننكل ، لفعلنا ذلك يوم بدر او
يوم الاحزاب او يوم صفين او يوم عاشوراء او يوم التوابين. لكننا ، منذ عرفنا ربنا
وعرفنا انفسنا ، آمنا بأن الله غالب على أمره ، وان الدم ينتصر على السيف. ربما لم
يعرف دعاة جهنم هؤلاء زينب ولا سمعوا كلمة
زينب التي خطت تاريخنا: "فكد كيدك ، واسع سعيك ، وناصب جهدك ، فوالله
لا تمحو ذكرنا ، ولا تميت وحينا ، ولا يرحض عنك عارها. وهل رأيك إلا فند وأيامك
إلا عدد ، وجمعك إلا بدد ، يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على
الظالمين".
يادعاة السوء ، ياقتلة المصلين ، ياشهود
النار، تبا لكم وترحا. لو حولتم ديارنا قفارا ، ولو أسلتم دماءنا انهارا ، فسننهض
ثانية من تحت الركام ، وستجدونا دائما شوكة في حلوقكم وغصة في قلوبكم ، الى ان يرث
الله الارض ومن عليها ، وعند الله تحتكم الخصوم.
أما انتم يا أهل القديح خاصة ، ويا أهل
القطيف عامة ، فاعلموا ان عصابة التكفيريين التي قتلت ابناءكم مجرد أداة ، وأن
الفاعل الحقيقي هو من حرض على قتل الشيعة وقهرهم من شيوخ متعصبين وصحافة جاهلة ،
وقد رأينا ذلك كل يوم خلال الاشهر الماضية. ان هدفهم هو الانتقام من التزامكم
ومدنيتكم وتعاونكم واخلاصكم وايمانكم بربكم وأهل بيت نبيكم وايمانكم بذاتكم
ومجتمعكم وثقافتكم.
فليكن ردنا جميعا على هؤلاء الجهلة
المتعصبين هو المزيد من الالتزام ، التمسك بالمدنية وتعميق التعاون والاخلاص
والايمان. لن ننزلق الى فتنهم ، ولن ننزل الى مستواهم ، ولن نسعر الحطب الذي
حملوه.
لقد شهدت مثلكم في يوم الجمعة ، في وسط
الفاجعة ، شهدت الالاف يتجهون الى المستشفيات للتبرع بالدم لأخوانهم الجرحى ،
وشهدت العشرات من الطواقم الطبية ، من أطباء وممرضين ، وسائقي سيارات الاسعاف ،
قطعوا اجازاتهم واتجهوا الى المستشفيات للمساعدة حيث استطاعوا ، وقد حصل ذلك بعد
اقل من 90 دقيقة من شيوع خبر الهجوم البربري ، ونداء المستشفيات للتبرع بالدم.
فهنيئا لك من مجتمع ينهض فيه الصغير بهمة الكبير ويلتحم فيه القريب والبعيد ، جسدا
واحد وروحا واحدة. هنيئا لكم بهذه الروح الوثابة ، وهنيئا لنبيكم بكم ، بشجاعتكم
وتفانيكم في سبيل اخوتكم.
هذه ليست الفاجعة الاولى.
قبل ثمانية
أشهر حدث مثلها في الدالوة الحبيبة. وقتذاك دعونا حكومتنا للتعجيل بوضع قانون يوقف
حملات التكفير والتخوين والكراهية. وقد تبنى هذه الدعوة المئات من نخبة المملكة ،
من علماء ومفكرين ورجال اعمال واعضاء في مجلس الشورى وناشطين ورجال قانون من السنة
والشيعة. لكن الحكومة لم تصغ لهذا النداء. بل على العكس فقد الغت قرار وزير
الاعلام الموقر بوقف قناة "وصال" الخارجية التكفيرية.
لقد فضلت مجاملة أقلية من الشيوخ المتعصبين
ودعاة الفتنة على الاصوات الداعية لتعزيز وحدة الوطن وصون السلام الاهلي ونبذ
القتل والكراهية. وخلال الشهرين الماضيين تصاعدت موجات التكفير وتأجيج الكراهية
والبغضاء ، وخصوصا ضد الشيعة. وها نحن اليوم نرى
ثمرة اخرى لهذه الشجرة الملعونة. فمتى ستصغي حكومتنا الى أصواتنا ، متى
ستضع القانون الذي يصف اثارة الكراهية والتحريض المذهبي والطائفي كجريمة تستوجب
العقاب؟
يارجال الدولة: هل تنتظرون مزيدا من
الجثث حتى تصغوا لاصوات الناصحين؟
هل يجب ان يموت الالاف بالنار التي
يسعرها دعاة البغضاء والكراهية حتى تقتنعوا بالحاجة الى القانون الذي يهذب الاخلاق
ويحمي البلد من شر هؤلاء الأفاكين وتجار الدم؟.
الدولة مسؤولة عن كل قطرة دم تراق في
البلد ، مسؤولة عن أحزان كل أم فقدت ابنها في هذه الكوارث المتنقلة. لافرق في ذلك
بين شهيد في القديح او القصيم او الدالوة او جدة او الرياض او غيرها. الدولة
مسؤولة سياسيا واخلاقيا عن كل هؤلاء. الذين قتلوا في القديح ، مثل الذين قتلوا في
القصيم وغيرها ، قتلوا بسلاح واحد هو التحريض والتكفير وتأجيج الكراهية. من يقوم
على هذا الفعل الشنيع معروف باسمه ، فلماذا لا تضربون على ايديهم ، ليس بسيف الظلم
بل بهيبة القانون. لا يمكن لأي دولة في العالم ان تضع شرطيا على كل شارع ، لكن
القانون هو الذي يهذب الاخلاق وهو الذي يمنع الجريمة قبل ان تقع.
أول الحل ان كنتم حريصين على وحدة البلد
وسلام البلد هو اعلان المساواة بين المواطنين وقانون تجريم الكراهية ، ايا كان صاحبها ومهما كان مبررها. نحن نعلم
اننا سندفع ايضا ثمنا لمثل هذا القانون ، لكننا راضون بذلك لان صون وحدة البلد
وسلامة ابنائه اعلى عندنا من اي اعتبار. من يقع ضحية للكراهية في اي شبر من بلادنا
هو اخ لنا وعزيز علينا ، وليس عند الله وعند عباده شيء اعظم قيمة من الدم الحرام.
لا مبرر ابدا للتراخي والتأخر. المجتمع
السعودي كله يعاني من دعاة الكراهية المذهبية والقبلية والمناطقية والعرقية
وأمثالها ، وأول الحل هو صدور قانون يجرم هذه الدعوات. ان لم تفعلوا فانكم تفرطون
في مسؤوليتكم ، تفرطون في أمن البلد وسلامه وكرامة أهله ، ولا أحسبكم تريدون هذا.
أقول لرجال الدين والحركيين الذين
وصفناهم يوما بالمتنورين والمعتدلين: لقد انزلقتم – ويا للاسف – في مستنقع
الكراهية والتحريض ، وبعضكم لازال الى اليوم غير مكترث بالدماء التي سالت والارواح
التي ازهقت ، قدر اهتمامه بتأجيج الكراهية والبغضاء. اقول لهؤلاء: لقد استخدمكم
الصغار والجهلة لاجنداتهم ، وقد ارتضيتم ان تكونوا شركاء صغارا في حمل الحطب التي
اججت هذه النار ، وقد رأينا حصادكم المر ويا للاسف.
اما انتم يا شيوخ القطيف ويا أهل الرأي
فيها ، فلتكن هذه الفاجعة الجرح الذي ينفذ منه نور الله الى قلوبكم. ادعوكم ،
وأنتم أهل للاستماع الى اصغر اخوتكم ، لبذل كل جهد ممكن لتطييب خواطر اهالى القديح
العزيزة ومواساتهم وحث جميع اهل البلاد على التكاتف والتعاون ونبذ الفرقة والتحوط
من السلبيات. رجائي لكم ان يكون ردكم على هذا المصاب هو الدعوة الى المدنية ونبذ التعصب وسد الطريق امام الصغار
ودعاة الفتنة.
وادعو في ختام هذه السطور شباب القطيف
الشجعان الى اتخاذ ما جرى درسا وعبرة لنبذ شجرة التعصب الملعونة. فليس فيها من ثمر
غير المرارة والالم. كما ادعوهم واحدا واحدا لتكريس حياتهم من اجل التفوق والتقدم
في كل مجالات الحياة. اعداؤكم غرقوا في مستنقع الماضي والتقاليد المتخلفة فانتجوا
هؤلاء القتلة الذين يزرعون الدم والدمار اينما حلوا. فليكن عملكم عكس عملهم ، اي
صناعة المستقبل المتفوق. ابذلوا كل جهد للتفوق في دراستكم وعملكم. كونوا كما قال
امامكم الصادق صلوات الله عليه: "كونوا دعاة لنا بغير السنتكم... كونوا زينا
لنا ولا تكونوا شينا علينا .. حتى اذا رآكم الناس قالوا هذا ادب جعفر". لا
تسجنوا انفسكم في آلام التاريخ ، بل كونوا صناع مستقبلكم ومستقبل البلد. حفظكم
الله.
كما ادعوا جميع أهل القطيف ، عامتهم
وشيوخهم ورجال الفكر والثقافة فيهم ، الى المشاركة الفاعلة في تأبين الشهداء
ورعاية اهليهم معنويا وماديا. كلكم اهل مصاب وعزاء ، وكلكم شركاء فيه.
عظم الله لكم الاجر وانعم عليكم بلطفه
ومحبته والحق شهداءنا بالحبيب المصطفى وأهل بيته في مستقر رحمته ، وصان بلادنا من
كل مكروه.
اصغر اخوتكم
توفيق السيف