قرار مجلس الوزراء بتوحيد ادارات تقنية
المعلومات في كل وزارة هو خطوة أخرى ضمن برنامج اقره المجلس في بداية العام الماضي
(2006) بهدف تحويل المعاملات الحكومية إلى معاملات الكترونية خلال خمس سنوات. وخصص
للمشروع مبلغ ثلاثة مليارات ريال. من الناحية الشكلية على الاقل نرى اجهزة
الكمبيوتر في جميع الوزارات وفروعها والدوائر التابعة لها.
لكن وجود هذه الاجهزة
لم يقربنا من مفهوم الحكومة الالكترونية التي ينشدها جميع المخططين في عالم اليوم.
امامنا على سبيل المثال تجربة وزارة التعليم العالي، فقد توقع الجميع ان تكون
السباقة في تطبيق المفهوم لانها الجهة التي تعلم الناس جميعا كيف يمتلكون ناصية
التكنولوجيا الرقمية. لكن ولشديد الاسف فان حالة استعلامات الوزارة وموقعها
الالكتروني هي ابسط دليل على الفارق بين ما يقال على الورق وما يجري على الارض.
يكفي الانسان مراجعة الوزارة شخصيا أو هاتفيا أو زيارة موقعها على الانترنت ليعرف
أي تكنولوجيا واي حكومة الكترونية سوف نصل اليها الآن أو في المستقبل القريب.
على أي حال فان المجال يضيق عن بسط هذه الهموم
التي يعرفها كل الناس. وما يهمنا في هذه السطور هو التأكيد على الاطار المفهومي
الذي يندرج فيه مفهوم الحكومة الالكترونية أو تسويد التعاملات الالكترونية بشكل
اعم. افترض ان هذا الاطار هو تحقيق «الجودة النوعية» في اداء الدوائر الرسمية. وهو
يعني على وجه التحديد انجاز الخدمات العامة على افضل وجه بأقل كلفة في اسرع وقت.
اذا اعتبرنا هذه العناصر الثلاثة اهدافا للتطوير، فان تطبيق التعاملات الالكترونية
يمثل احدى الوسائل الضرورية للوصول اليها. لكن انجازها بصورة كاملة يتوقف على
مقدمات اخرى، قانونية ومالية وادارية.
على المستوى القانوني، نحن بحاجة إلى مراجعة انظمة
ولوائح العمل السائدة حاليا، ووضعها جميعا امام اسئلة محددة، منها مثلا: كم من
الاجراءات المقررة في تلك اللوائح يعتبر ضروريا، وما هي هذه الضرورة على وجه
التحديد، وما هي كلفتها من حيث الوقت والمال على الموظف والمواطن، وما هي البدائل
الممكنة.
سوف اضرب مثالا على هذا بواقعة محددة. طفل لابوين سعوديين ولد خارج
المملكة، بلغ السابعة عشرة فاحتاج إلى استصدار بطاقة شخصية، بحسب اللوائح الجارية
فان من واجبه اثبات مشروعية دخوله إلى البلاد، لكن الامر حدث قبل سبعة عشر عاما،
والجواز الذي دخل به حين كان رضيعا مفقود. خلال هذه السنوات جميعها كان الولد
مقيما في البلاد ويدرس في مدارسها، وقد سبق لاخوته الذين ولدوا في الخارج مثله ان
حصلوا على بطاقات شخصية. لكن حسب التعليمات فان عدم توفر الجواز يقتضي بحثا وربما
قرارا من اعلى مرجع في الاحوال المدنية. يستغرق الامر شهورا مع ان الموافقة شبه
مضمونة كما في كل الحالات المماثلة، تدور المعاملة بين العديد من الدوائر
والموظفين، رغم ثبوت جنسية ابويه وسبق اخوته في المعاملة وكونه مقيما مؤكدا في
البلاد (من خلال سجلات المدارس على الاقل).
هذه المعاملة تكلف المواطن والدائرة
الرسمية الكثير من الوقت والمراجعات (وكلها ذات قيمة مالية)، مع ان الجميع يقول لك
بان جميع المعاملات المماثلة تنتهي بالموافقة بسبب القرائن الاخرى.السبب الوحيد
لهذه المعاملة الطويلة هو ان الموظف المباشر وكذلك مديره المباشر لا يملك
الصلاحيات الضرورية للموافقة أو الرفض. هذه المعاملة هي نموذج عن عشرات في مختلف
دوائر الحكومة. والواضح انه لا يمكن حلها الا باجراءات قانونية تتلخص في مراجعة
اللوائح واعادة هيكلة الصلاحيات.
على المستوى الاداري، ينبغي لكل وزارة الطلب من فروعها تحديد وقت اقصى لكل معاملة واخبار المراجعين بهذا باعتباره حقا لهم. ومنح الفرصة للمراجع كي يتظلم اذا تعرض للتأخير أو الاهمال. في نفس السياق ايضا فاننا نحتاج إلى تمييز دقيق بين المعاملات التي تحتاج إلى «موافقة» من الادارة الحكومية، وتلك التي تحتاج فقط إلى «علم» الدائرة بحدوثها. من ذلك مثلا الزام المواطنين بالكثير من التراخيص من البلدية أو وزارة التجارة أو غيرها من الوزارات.
على المستوى الاداري، ينبغي لكل وزارة الطلب من فروعها تحديد وقت اقصى لكل معاملة واخبار المراجعين بهذا باعتباره حقا لهم. ومنح الفرصة للمراجع كي يتظلم اذا تعرض للتأخير أو الاهمال. في نفس السياق ايضا فاننا نحتاج إلى تمييز دقيق بين المعاملات التي تحتاج إلى «موافقة» من الادارة الحكومية، وتلك التي تحتاج فقط إلى «علم» الدائرة بحدوثها. من ذلك مثلا الزام المواطنين بالكثير من التراخيص من البلدية أو وزارة التجارة أو غيرها من الوزارات.
وفي المنطقة الشرقية مثلا، انت تحتاج إلى موافقة وزارة الزراعة وشركة ارامكو اذا
اردت استخراج صك ملكية لمزرعة. الواضح ان جوهر هذه الموافقات هو «عدم الاعتراض» أو
ما يعرف احيانا بالعلم والخبر وليس الموافقة بمعناها الفني، لانه ليس لاي من هذه
الدوائر شأن بما هو ملك ثابت للاشخاص بحسب رأي القاضي الشرعي.
هذه المعاملات
تستغرق الكثير من الوقت والمال والجهد، وربما يجتهد موظف فيعترض على جانب من
المعاملات لا يخص دائرته، وكثيرا ما تعطلت المعاملات لهذا السبب. والخلاصة اننا
بحاجة إلى اعادة تعريف المقصود بالموافقات الرسمية، هل هي مجرد تبليغ لأخذ العلم
ام هي حقا طلب موافقة على اثبات الملك، واذا كان الاخير هو الصحيح فيجب ان يسأل
القاضي : وما شأن البلدية أو ارامكو في ذلك طالما ان المزرعة مملوكة في الاصل؟.
مختصر القول ان تحقيق الجودة النوعية في العمل
الحكومي هو اطار اوسع من مجرد الميكنة أو الانتقال إلى المعاملات الالكترونية. هذا
التحول هو خطوة، لكن تحقيق الجودة بكمالها يتوقف على مقدمات اخرى، قانونية وادارية
ومالية. ولنا عودة للموضوع في وقت اخر.
عكاظ 29 أغسطس /2007 العدد : 2264
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق