لا بد ان السيد ايمن
الظواهري واتباعه منشغلون الان في اعداد بيانات التنديد بالسيد طيب
اردوغان وحزبه، لا سيما بعد تعهده بالمحافظة على النهج العلماني واشادته بمؤسس
الجمهورية التركية كمال اتاتورك. حقق حزب العدالة والتنمية فوزا كاسحا للمرة
الثانية على التوالي. واصبح اردوغان ثاني رئيس حكومة في التاريخ التركي المعاصر
يحافظ على اغلبية برلمانية في دورتين متتابعتين. وسبقه الى هذا عدنان مندريس، ذي
التوجهات الاسلامية ايضا، في مطلع الستينات.
ركزت الاحزاب العلمانية دعايتها
الانتخابية على تخويف الجمهور التركي مما اسمته باجندة سرية لحزب العدالة
والتنمية، تستهدف خصوصا الغاء العلمانية واحياء التراث العثماني المتخلف. بينما
ركز حزب العدالة على ما حققه من انجازات فعلية على مستوى الاقتصاد والحريات العامة
راهن العلمانيون على الطبقة الوسطى والعليا التي يفترض انها اكثر التزاما
بالعلمانية، لكن هذه الطبقة اعطت اصواتها لحزب العدالة. قطاع الاعمال شهد خلال
السنوات الخمس الماضية ازدهارا لم يسبق له مثيل في العقدين الاخيرين.
والاكاديميون والمثقفون وكبار
الاداريين لمسوا للمرة الاولى الفارق بين العيش تحت سطوة الجيش والمخابرات والعيش
بحرية في ظل نظام سياسي يحتضن الجميع. بالنسبة لهؤلاء واولئك فان الازدهار
الاقتصادي وضمان الحريات المدنية والحصانة الشخصية ضد قمع السلطة هو المعيار
الاساس لصلاح الحكم او فساده. ولعله من سوء حظ العلمانيين ان قادة الجيش قد وقفوا الى
صفهم، وهو امر يذكر الطبقة الوسطى بسنوات الحكم العسكري السابقة.
خلال السنوات الثلاث الماضية كانت
السوق التركية محطة بارزة للاستثمارات الخارجية، التي جاء معظمها من اوربا. وتحقق
هذا بفضل ما فعلته حكومة السيد اردوغان لابعاد العسكر عن الحياة العامة، وتطوير
النظام القانوني وبيئة الاستثمار كي تتوافق مع المعايير الاوربية. حين تولى حزب
العدالة الحكم في 2002، كانت تركيا قد خرجت للتو من انهيار اقتصادي شامل، لكن
الحزب نجح في اعادة احياء الاقتصاد وتوفير فرص عمل جديدة من خلال تشجيع الاستثمار
المحلي والاجنبي. ولهذا اصبح الحزب حليفا طبيعيا لقطاع الاعمال ولعامة الناس على
السواء.
لم ينجح حزب العدالة بسبب طابعه
الاسلامي. ولو كان الامر كذلك لنجح حزب السعادة، الاقوى تمثيلا للتيار الديني،
والذي يضم ابرز الشخصيات الاسلامية التركية، ولا سيما رفاق نجم الدين اردكان
وتلاميذه.
صوت الاتراك لحزب العدالة لانه نجح
في تقديم حلول ملموسة لمشكلات حياتهم اليومية، ولانه نجح في تامين حرياتهم المدنية
التي طالما خرقها النظام الامني الشديد القسوة. وليس من شك ان الطابع الاسلامي
العام للحزب كان له دور مساعد، فالناس يقدرون الرجال المكافحين من اجل مبادئهم،
والذين لم يكلفوا انفسهم عناء التزلف الى قادة الجيش كما اعتاد اسلافهم من رجال
السياسة.
الفوز الكاسح لحزب العدالة والتنمية
درس بليغ للحركيين والدعاة الاسلاميين: الديمقراطية هي الطريق الامثل لخدمة
الاسلام. خدمة الاسلام قد تتحقق بزيادة عدد المصلين في المساجد، لكنها ستكون اعمق
وابلغ اثرا اذا اصبح قائدا لمسيرة مجتمع كامل كما هو الحال في تركيا. جرب
الاسلاميون طرقا عديدة، مثل الثورة على الطريقة الايرانية، والانقلاب العسكري على
الطريقة السودانية والحرب الاهلية على الطريقة الافغانية والعنف الاهوج على طريقة
القاعدة وروافدها، ويظهر الان واضحا ان التجربة التركية هي الاكثر سلامة.
نجحت هذه التجربة لانها تخلت عن
التقاليد القديمة وما يلحق بها من قيم ومعايير، والتزمت بالحداثة في قيمها المؤسسة
ونظام علاقاتها واهدافها وادوات عملها ومعاييرها. الديمقراطية والقبول بالتعدد
والمنافسة، والالتزام بالكفاءة والانجاز كارضية للمكانة، والتعويل على المصلحة
المادية لمجموع الشعب كمحور للعمل، والانفتاح على العالم وتشبيك المصالح معه،
والتطوير التدريجي للاهداف والوسائل، وقبول النقد.
هذه كلها قيم الحداثة التي
ينبغي لنا جميعا ان نتعلم درسها. سواء تعلق الامر بعمل سياسي او باصلاح اجتماعي
فاننا نحتاج الى نموذج جديد، غير هذا الذي رافقنا طوال القرون ولم نفلح معه، ولم
يفلح في اي مكان. التجربة التركية تشير بكل وضوح الى فضل نموذج الحداثة السياسية
على سواه. وهي تدعونا الى الاعتبار ان كنا نرى في دروس التاريخ عبرة.
- « صحيفة عكاظ » - 25 / 7 / 2007م
-
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق