13/06/2018

اي دور للثقافة في هذه الايام



انشاء وزارة للثقافة في المملكة يشير لاهتمام مستجد بهذا الحقل واعتباره مجال عمل مستقلا. وخلال الاسبوعين الماضيين عرض العديد من المثقفين السعوديين رؤاهم فيما يخص الدور الذي يأملون ان تضطلع به الوزارة الجديدة. في السياق نفسه ، تدعو هذه المقالة للتركيز على دور محدد ، يناسب ما يراه الكاتب ايمانا مستجدا بين السعوديين ، بالقدرة على خوض تجربة النهضة ، بل والرغبة الشديدة فيها.
الجنادرية.. مناسبة وطنية يمتزج فيها عبق التاريخ بشذى الحاضر - المدينة
تتغير هموم المجتمع واهتماماته الرئيسية بين زمن وآخر ، كامتداد لتغير مسارات الحياة فيه ، أو كانعكاس لتحولات مماثلة تجري في المحيط ، وتخلف آثارا على رؤية المجتمع لقضاياه او تعاملاته او تفكيره في مستقبله.
عدا عن تحولات الاقتصاد ، شهد المجتمع السعودي في السنوات القليلة الماضية تحولا في المفاهيم ، ناتجا عن تغير اتجاهات التعليم ، والاتساع الهائل في شبكات الاتصال ومصادر المعلومات. يتفق دارسو علم الاجتماع على ان اي حراك جديد في جانب من حياة المجتمع ، كالاقتصاد والتعليم مثلا ، يهز البنى المستقرة في جوانب الحياة الأخرى.  وهذا وذاك يسهمان في تغيير السلوكيات الفردية والقيم والتطلعات.
تحولات المجتمع السعودي في هذه الحقبة ، لا تقتصر على "وسائل الحياة" كما حصل في فترات سابقة. فهي أوسع نطاقا واعمق تاثيرا ، وتمتد الى القانون والثقافة العامة والعلاقات الداخلية. حين تنظر في مواقع التواصل الاجتماعي ، التي تكشف انطباعات عامة الناس عما يرون ويعملون في حياتهم اليومية ، وعما يتطلعون اليه ويأملون فيه ، سترى نوعا من الاجماع الضمني على مفهوم "نحن قادرون". وفحواه ان مشاعر السعوديين متحدة في الايمان بقدرتهم كمجتمع ، على خوض غمار نهضة واسعة ، تعيد تشكيل صورة بلادهم وموقعها على خريطة العالم الجديد.
في اوائل العقد الجاري تبنى مجموعة من الشبان الدارسين في الخارج هذه الفكرة ، واختاروا لها عنوان "الا_نقدر". وبذلوا جهدا طيبا لنشرها. لكن يبدو انها جاءت قبل أوانها فتعثرت. نستذكر هذه المحاولة الطيبة للتأكيد على ان ما أراده نفر قليل يومذاك ، اصبح اليوم مورد انشغال لعامة السعوديين ونخبتهم وحكومتهم معا. وهو يؤكد ان المبادرات القيمة لا تضيع هباء ، وان تأثيرها سيظهر ولو بعد حين.
انتقال المجتمع من الشك الى الايمان بامكانية النهضة وقدرته على حمل اثقالها ، يولد حاجات جديدة ، أهمها الحاجة لتوجيه هذا الايمان نحو الاولويات التي تستحق العناء ، وهي في اعتقادي ثلاث:
 أ) التحول من الاقتصاد الريعي الى  اقتصاد انتاجي ذي قاعدة واسعة.
ب) مشاركة المجتمع كله في تحريك عجلة النهضة وحمايتها واستثمار عائدها.
ج) تموضع العلم في قلب منظومة المعايير والقيم الاجتماعية ، باعتباره هاديا ومرشدا للحراك الرامي لتشكيل صورة المستقبل.
هذه الاولويات الثلاث ليست من النوع الذي يتوصل اليه الناس بمجرد التأمل والتفكير في احوالهم. فهي ليست من القضايا البديهية ، وليست من المسائل المتداولة في النقاشات العامة. انها تحتاج الى جهد توجيهي واسع ، يركز على لفت الرأي العام الى اهميتها ، وبيان تفاصيلها وجزئياتها ، وحث الجمهور على ان يكون طرفا فاعلا في النقاش حولها. اذا نجحنا في هذا ، فسوف يتحول الايمان الاولي بالنهضة الى توجه ذهني عام للمشاركة فيها. حين يكون المجتمع كله جزء من الحراك النهضوي ، تتحول النهضة من دعوة الى واقع يمشي على قدمين.
اعتقد ان هذه هي المهمة الرئيسية التي يجدر بوزارة الثقافة ان تتجه اليها وان تعمل على انجازها.
الشرق الاوسط الأربعاء - 29 شهر رمضان 1439 هـ - 13 يونيو 2018 مـ رقم العدد [14442]
http://aawsat.com/node/1298666

30/05/2018

الاصلاح يبدأ من الخارج


قدم الفيلسوف المعاصر توماس كون ، مجادلة متينة حول تخالف الانساق الاجتماعية والعوامل التي تقدم بعضها وتهمش الآخر. وهو يقول في كتابه "بنية الثورات العلمية" ان نظريته قادرة على تفسير الانقلابات الكبرى في مجال العلوم الطبيعية. لكنها لا تنطبق بشكل دقيق على التحولات المماثلة في العلوم الانسانية. لكني توصلت في دراسة سابقة الى ان فكرة الانقلاب النسقي ، قابلة للتطبيق في مجال العلم كما في مجال السياسة ، مع بعض التعديلات.
وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الأشرف (واحة): فلسفة الحجاب ...
مرتضى مطهري

في رايي ان بذور التحولات الاجتماعية المفاجئة ، تكمن في الاسئلة والتحديات الثقافية القادمة من خارج النسق المهيمن. استعيد هنا مجادلة مطولة للمرحوم هاني فحص فحواها ان الاصلاح الديني الجذري ، لن يأتي من داخل المجتمع الديني. هذا يقترب كثيرا من رؤية توماس كون ، وفحواها ان كل نسق ينتج في داخله ادوات إصلاح جزئي ، دورها الرئيس هو مقاومة التحولات الجذرية.
فيما يخص دعوة الاصلاح الديني ، التي تشهد صعودا ملحوظا في هذه الايام ، فالواضح انها لا تأتي من جانب النخبة الحارسة للنسق الديني الموروث. بل لا نغالي لو قلنا انها تتعارض حديا مع طروحاتهم. هذا لا يقلل مع قيمة المبادرات الاصلاحية في داخل النخبة الدينية التقليدية. لكن يجب القول ، ان غالب هذه المبادرات يأتي ردا على تحدي الرؤى الناقدة للنسق المهيمن ، انطلاقا من فرضيات نقيضة له.
عدت هذه الأيام لمراجعة أعمال اثنين من أبرز الاصلاحيين في النسق التقليدي ، هما محمدباقر الصدر ومرتضى مطهري ، بحثا عن المنهج الذي افترضت انهما اتبعاه في محاولتهما لتقديم بدائل عن الرؤية التقليدية. ركزت اهتمامي على كتاب "اقتصادنا" للصدر و "العدل الالهي" لمطهري ، وهما يشكلان واسطة العقد في التنظير الفلسفي للرجلين. النتيجة التي خرجت بها ، تطابق تماما ما زعمته في السطور السالفة. فالآراء التي يمكن اعتبارها اكثر تقدمية ، جاءت في سياق محاججة الانتقادات الآتية من خارج النسق ، سيما فيما يخص مسألة المساواة والعدالة الاجتماعية.
لازال النتاج الفكري للصدر ومطهري يحظى بالكثير من التقدير. وهما بالتاكيد يستحقانه. لكن بالنظر للتحولات الراهنة فان التفكير الاسلامي قد تجاوز النتائج التي  توصلا اليها. وإنما ذكرتهما كدليل على الاهمية الكبرى للرؤية من خارج النسق ، في بعث الاسئلة وتحديد اتجاهات النقاش ، وصولا الى اطلاق عملية التجديد الفكري.
ولمناسبة الحديث عن الصدر ومطهري ، يحسن القول ان اهم اعمالهما جاءت في سياق مجادلة الطرح  الماركسي للعدالة الاجتماعية. وهي مسألة تشكل حتى اليوم ، تحديا رئيسيا. رغم ان اطار النقاش فيها قد تغير. حيث باتت جزء من جدل أوسع ، يتناول مكانة العامة في انتاج واعادة انتاج التجربة الدينية والخطاب الديني ، والتناسب بين مرجعية النص والعقل في التشريع ، وقضايا مثل موقع غير المسلمين وغير المؤمنين في الخطاب الديني.
هذه امثلة عن مسائل ما كانت ستثير اهتمامنا لولا التحدي الخارجي. ان السبب في بروزها هو عجز الخطاب التقليدي عن معالجتها باجتهادات متينة من داخل نسقه الخاص ، وتوفر معالجات مقترحة من انساق بديلة ، بعضها مؤسس على ارضية دينية وبعضها من خارج الاطار الديني.
هذه وامثالها تخبرنا ان قابلية المجتمع المسلم لاطلاق حركة تجديد ، رهن بمدى انفتاحه على الاراء القادمة من خارج نسقه الخاص ، ليس فقط في اثارة الاسئلة ، بل ايضا في تحديد زوايا النظر ومنهج المعالجة والاجتهاد.
الشرق الاوسط الأربعاء - 15 شهر رمضان 1439 هـ - 30 مايو 2018 مـ رقم العدد [14428]
http://aawsat.com/node/1284421

23/05/2018

حلم العودة الى منبع النهر

 

من حيث المبدأ ، تتألف الفكرة الدينية من قيم ومعايير مجردة ، متعالية على الواقع. لكن الدين لا يريد البقاء فكرة مجردة ، بل يدعو لتطبيق قيمه في واقع الحياة. دين الله نور يشق ظلمات الحياة. ولا قيمة للنور ما لم يكن ثمة مستنير ، انسان يبحث عن طريق وسط الظلام. لهذا السبب اهتمت الاديان بانشاء منظومة تفسيرات وأحكام تنظم الحياة اليومية وما تشهده من وقائع. ونظرا لاتصالها المباشر بوقائع الحياة ، فهي تشبه ما نسميه اليوم "لوائح تنفيذية" تحدد ما ينبغي للمكلف ان يفعل او يترك.

ربط القيم مع الوقائع يؤدي – بالضرورة – الى تغيير صورتها التي عرفتها يوم كانت فكرة مجردة. ويبدا هذا الربط بالاحكام المتصلة مباشرة بالسلوكيات الفردية ونواظم العلاقة بين الافراد. ثم يتمدد تدريجيا ، ليشمل المثاليات والمجردات ، فيمسي كل شيء في الدين متجسدا في صورة مادية او شبه مادية ، على شكل تطبيق لحكم او تفسير لقيمة او توليد لمعنى محدد ، عملي او نظري. وهكذا لا يعود للقيم والمعايير النظرية اي وجود مستقل او متعال على الوقائع.

لتوضيح الفكرة السابقة ، نشير الى الجدل الدائم حول الفرق بين الدين والمعرفة الدينية ، او بين الدين والتدين. ولا بد ان كلا منا قد قرأ او سمع يوما بالدعوى الرائجة ، التي ملخصها ان الاسلام لا يتحمل وزر  تخلف المسلمين او تقصيرهم. فهذا القول يشير – ضمنيا – الى تقبل اصحابه ، واظنهم الشريحة الاوسع ، لفكرة وجود نسختين من الدين مختلفتين: نسخة اصلية سابقة للتجربة الحياتية ، ونسخة تشكلت بعد اختلاط القيم الدينية بمؤثرات الحياة الاجتماعية وأفهام الناس ، وهي لا تطابق – بالضرورة – مثاليات الدين وصورته المتعالية.

نعلم من تجربة البشر ، ان فهمهم للاشياء يتغير باستمرار ، نتيجة لتطور معارفهم الشخصية او امتدادا لتغير الوسط الاجتماعي. ويترتب على هذا تغير رؤيتهم لقيمة تلك الاحكام ، والمعاني التي  تولدها ، وموقعها في خريطة حياتهم.

زبدة القول ، ان تطبيق الفكرة الدينية ، حكما كانت او قيمة او تفسيرا ، يجري ضمن سيرورة تفاعلية ، بين الفكرة والفاعل وعناصر الواقع الذي يجري فيه التطبيق. هذا التفاعل متعدد الاتجاهات بالضرورة. تطبيق الحكم يحدث تغييرا في الواقع ، كما ان شروط الواقع والزاماته ، تحدد نطاق عمل الحكم ومفهومه ، وموقعه في النسيج الثقافي للجماعة. ومثل هذا يقال أيضا عن فهم الفاعل/المكلف للفكرة ، فهو يحدد معناها النهائي وطبيعة المعنى الذي تولده ، وبالتالي رتبتها المقارنة مع القيم الموازية.

تبعا لهذا التحليل ، نستطيع القول ان الاحكام والقيم الدينية التي نعرفها اليوم ، ليست هي ذاتها التي كانت قائمة في الازمان السابقة. فقد مرت بتحولات في الفهم والتطبيق ، شبيهة للتحولات التي عاشتها الاجيال التي فهمتها وطبقتها ثم اورثتها لمن جاء بعدها.

معظم العاملين في الدراسات الدينية يعرفون هذا. ولهذا قرر بعضهم اغفال الفاصل التاريخي ، والذهاب مباشرة إلى النص الحامل للقيمة او الحكم.

يعتقد كثير من الناس ان الحل موجود في منبع النهر. "العودة للكتاب والسنة" ستوفر فرصة افضل لفهم الدين ، كما كان في الاصل عند المنبع.

لكن هذه المحاولة التي تبدو جذابة ، تواجه سؤالا جديا خلاصته: هل يستطيع الباحث ان يغادر زمنه الثقافي فيتحرر من ادوات الفهم التي تشكل عقله ، كي يقفز الى مرحلة سابقة لها ، فينظر فيها بعقل متجرد؟. هل هذا ممكن في الواقع ام هو مجرد حلم؟.

الشرق الاوسط الأربعاء - 8 شهر رمضان 1439 هـ - 23 مايو 2018 مـ رقم العدد [14421]https://aawsat.com/node/1277051

 

مقالات ذات علاقة 

 

الاسلام الجديد

الاسلام في ساحة السياسة: متطلبات العرض والتطبيق

اصلاح المجال الديني

نسبية المعرفة الدينية

التدين الجديد

حزب النهضة الجديد

حول طبيعة السؤال الديني

داخل الدين.. خارج الدين

الغنوشي المثير للجدل

في رثاء د. طه جابر

في معنى الوصف الديني

ما ينبغي للتيار الديني ان يخشاه

المعنى الدنيوي لتجديد الدين

نقد التجربة الدينية

 

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...