‏إظهار الرسائل ذات التسميات العدالة الاجتماعية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات العدالة الاجتماعية. إظهار كافة الرسائل

07/07/2021

العدالة الاجتماعية: رؤية جون رولز

 

"العدالة الاجتماعية" هي الموضوع الأكثر إثارة للجدل السياسي على امتداد العالم. ربما لا يذكر كثير من الناس هذا العنوان ، لكنهم يتحدثون عن التفصيلات التي تندرج تحته. خذ مثلا مسألة السكن: هل هي مسؤولية الدولة ام مسؤولية الافراد؟. خذ أيضا كفاءة الخدمات العامة كالتعليم والرعاية الصحية والمواصلات وتوليد الوظائف.

لم يكن هذا الموضوع محل نقاش جدي حتى الحرب العالمية الأولى ، التي شهدت نهاياتها انتصار الثورة الاشتراكية في روسيا ، وإعلان الحكومة التزامها بتأمين الحاجات الأساسية للمواطنين ، ومن بينها كافة الخدمات العامة المذكورة أعلاه ، من دون تمييز بين سكان المدن والقرى ، او بين من يدفعون الضرائب ومن لا يدفعون.

وقد كان لهذا النموذج انعكاس قوي جدا في المجتمعات الأوروبية ، حيث تحول المنظور الاشتراكي الى ملهم للطبقات الفقيرة. ومنذ ذلك الحين ، اتسع النقاش حول "واجب" الدولة في تأمين حد أدنى من ضرورات المعيشة لمواطنيها ،  وكون وفائها بهذا الواجب معيارا لشرعيتها السياسية ، أي حقها في الأمر والنهي والتصرف في الشأن العام.

ثمة فلاسفة انكروا ان تكون "العدالة الاجتماعية" موضوعا حقيقيا او شيئا يستحق النقاش. ابرز هؤلاء على الأرجح هو الاقتصادي والفيلسوف النمساوي فريدريك فون هايك ، الذي رأى ان العدالة وصف للفرد وليس للفعل ، خاصة الأفعال التي يشارك في انشائها مئات الأشخاص (كما هو الحال في الخطط الحكومية). لكن الاتجاه العام في  الفلسفة السياسية الحديثة ، يدور حول النظرية التي طورها الفيلسوف الأمريكي جون رولز ، والتي يطلق عليها اختصارا اسم "العدالة كانصاف".

وفقا لرؤية رولز ، فان العدالة الاجتماعية تسمح بتوزيع للمنافع ذي طبقات متعددة. فهناك منافع اجتماعية يجب ان توزع بالتساوي ، ومنها الحقوق الأساسية للإنسان كحرية التعبير والاعتقاد والتقاضي والعمل والانتقال وتكوين العائلة ، وكذلك الحقوق المرتبطة بالمواطنة ، لا سيما حق الوصول الى الوظائف العامة ، والاستفادة المتساوية من الأموال العامة والتساوي امام القانون.

وثمة منافع ينبغي توزيعها تبعا لحاجة المتلقين ، ومنها الدعم المباشر لمحدوي الدخل ، وتوفير السكن والرعاية الصحية لمن تقصر مداخيلهم عنها. والغرض من هذا هو ضمان حد أدنى من لوازم العيش الكريم لكافة المواطنين ، بمعنى ان الأكثر حاجة قد يتلقى منافع أكثر من غيره.

أخيرا ، ثمة منافع يمكن توزيعها بشكل متفاوت ، شرط ان يتاح لكل المواطنين فرص متساوية للحصول على نصيب أكبر منها. مثل مكافأة ذوي الإنجازات والمبتكرين ، والموظفين الذين يقدمون خدمات نادرة.. الخ. يمكن تبرير هذا التمايز اعتمادا على مبدا الاستحقاق والجدارة. كما يمكن تبريره بأن منح الأشخاص المنتجين حوافز مادية ، سوف يعزز قيمة الابداع والعمل الجاد ، ويشجع على توسيع إنتاج السلع والخدمات التي تحتاجها السوق ، الامر الذي ينعكس إيجابيا على معيشة أعضاء المجتمع كافة.

زبدة القول ان النظام الاجتماعي العادل ، يتسم – وفقا لهذه النظرية - بثلاث خصائص:

الأولى: يجب أن يحصل كافة الافراد على منظومة شاملة من الحريات الأساسية والمدنية المتساوية.

الثانية: الوظائف العامة التي يتمتع شاغلوها بمزايا أكبر (الوظائف الأعلى أجرا ، على سبيل المثال) يجب ان تكون متاحة لجميع الأفراد على أرضية مبدأ تكافؤ الفرص.

الثالثة: يسمح بعدم المساواة في الدخل والثروة ، إذا كانت ستفيد أفراد المجتمع الأقل حظا. ومن ذلك أيضا الحوافز التي تزيد الإنتاجية الإجمالية للمجتمع ، وبالتالي تسمح بتوجيه مزيد من الموارد المادية إلى الطبقات الأقل دخلا.

الشرق الاوسط - الأربعاء - 27 ذو القعدة 1442 هـ - 07 يوليو 2021 مـ رقم العدد [15562]

https://aawsat.com/node/3066306

مقالات ذات علاقة

 "شراكة التراب" كتطبيق لمبدأ العدالة الاجتماعية

التنمية على الطريقة الصينية : حريات اجتماعية من دون سياسة

عدالة ارسطو التي ربما نستحقها

العدالة الاجتماعية كهدف للتنمية

العدالة الاجتماعية وتساوي الفرص

العدالة كوصف للنظام السياسي

الغول

الليبرالية في نسخة جديدة: رؤية جون رولز

مجتمع العقلاء

معالجة الفقر على الطريقة الصينية

مفهوم العدالة الاجتماعية

من دولة الغلبة الى مجتمع المواطنة: مقاربة دينية لمبدأ العقد الاجتماعي

نحن مدينون لليسار المكافح

هل نحتاج حقا إلى طريق ثالث ؟

07/03/2018

العدالة الاجتماعية كهدف للتنمية




يعد جون رولز واحدا من اعظم فلاسفة القرن العشرين. وقد ساهمت اعماله في تغيير وجهة البحث في العدالة وتطبيقاتها بشكل جذري. هذا ما قاله امارتيا سن ، الفيلسوف والمفكر الهندي الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد. قد تكون عبارات مثل "أهم" و "اعظم" انطباعية ، سيما اذا صدرت عن أشخاص تأثروا فعليا باعمال رولز. لكن ثمة ما يدلنا على انه كان بالفعل مفكرا استثنائيا ، يندر اغفاله في اي دراسة جادة حول العدالة او التنمية البشرية في العالم المعاصر. طبقا لتقارير غوغل الاكاديمية ، فان اسمه يظهر كمرجع لدراسات عامة واكاديمية بما يزيد عن 160 الف مرة ، من بينها 110 الاف مرة خلال السنوات الخمس الماضية فحسب. وهذا رقم يتجاوز عدد الارجاعات المسجلة لأي مفكر آخر في العالم.
السر الذي جعل اعمال رولز واسعة التأثير ، هو نجاحها في البرهنة على ان التزام السياسات العامة بقيمة العدالة ، طريق لتسريع النهوض الاقتصادي والاجتماعي ، وتعزيز الاستقرار الذي تنشده كافة الحكومات ، خلافا لانطباع عام بين السياسيين والاقتصاديين ، فحواه ان النمو الاقتصادي قد يتطلب تأجيل حقوق الانسان الاساسية. في هذه النقطة بالذات ، تتمايز رؤية رولز عن الليبرالية الكلاسيكية التي افترضت امكانية التضحية بالمساواة أو على الاقل تأجيلها ، في سبيل النهوض بالاقتصاد والمعيشة وتعزيز الحريات الفردية.  كما تمايزت عن الرؤية الماركسية التي نادت بتأجيل الحريات الفردية والمدنية ، حتى إقرار المساواة الكاملة بين جميع المواطنين.


يصر رولز على ان نظريته "العدالةكانصاف" نظرية سياسية ، بمعنى انها قابلة للتطبيق في إطار سياسات وبرامج عملية ، غايتها اعادة تشكيل البنية الاساسية للنظام الاجتماعي ، بما فيها القانون والسياسات الرسمية وبرامج العمل ، وصولا الى اقامة نظام اجتماعي عادل.
نعرف ان هذا التقدير لم يكن مجرد تأمل فلسفي. لقد ثبت فعليا ان رؤية رولز – رغم ما يظهر عليها من نزوع مثالي – قابلة للتحول الى برامج عمل. في العام 1990 تبنت الجمعية العامة للامم المتحدة جدول مؤشرات لقياس النمو الاقتصادي/ الاجتماعي الذي تحققه اقطار العالم في كل عام. وضع الجدل على يد محبوب الحق ، احد اشهر منظري التنمية المعاصرين ، بمساعدة امارتيا سن ، والسياسي الاسكوتلندي تام داليل. يشكل مجموع تلك المؤشرات دليلا للمخططين في كل بلد ، نحو تحقيق الهدف الأعلى للتنمية ، اي تعزيز العدالة الاجتماعية ، من خلال توسيع خيارات الافراد وتمكينهم من ادارة حياتهم ، على النحو الذي يترجم تصورهم الخاص للسعادة.
وفقا لرؤية رولز فانه يمكن للعدالة ان تتحول من تطلع مثالي الى قيمة متحركة في واقع الحياة ، اذا صيغ مفهومها في سياق نقاشات مفتوحة بين مواطنين عقلاء أحرار. ان نقاشا حرا بين الناس ، سيفضي الى إبراز مفهوم للعدالة ، واقعي وقادر على توحيد الاطياف الاجتماعية المختلفة. وهو يقرر  في كتابه "الليبرالية السياسية" أن النظم الليبرالية تواجه تحديا جديا ، يتمثل في قابليتها لانشاء فضاء واحد يوفر العدالة لجميع المواطنين ، مهما اختلفت مشاربهم ومتبنياتهم الدينية والايديولوجية ومستوى معيشتهم.
عقلانية الانسان تتجلى – حسب رولز – في قدرته على ادراك حقيقة العدل وتمييز ما هو خير لنفسه وللآخرين. وبهذا فهو يؤكد على قيمة محورية غالبا ما تناساها السياسيون ، وهي ان سعي الانسان لصالحه الخاص ، لا يغير من حقيقة ان ذاته وفطرته خيرة ، وانه قادر على تدبير حياته دون عدوان على حقوق غيره. 

الشرق الاوسط الأربعاء - 19 جمادى الآخرة 1439 هـ - 07 مارس 2018 مـ رقم العدد [14344]

15/07/2015

تمكين المجتمع .. الخطوة الاولى



يتفق الجميع فيما اظن على ان العدالة هي ابرز تطلعات الناس في مختلف بلاد العالم ، في هذا الزمان وفي سائر الازمنة. ويحفل تراثنا الثقافي بالكثير من القيم والمقولات التي تمجد العدالة وتدعو اليها. لكن نقاشاتنا الراهنة تبدو مشغولة بالمثال الاعلى ، اي العدالة في صورتها المجردة ، فقيرة فيما يخص التفصيلات القابلة للتطبيق والحساب.
التوزيع العادل للموارد والفرص المتوفرة في المجال العام ، هو – على الارجح - الموضوع الأكثر إثارة لنقاشات الفلاسفة وعلماء السياسة في القرن العشرين. السبب في ذلك هو ان هذا المفهوم يشكل جوهر الرابطة الاجتماعية ، والهدف الاعلى لأي نظام سياسي. لقد تباعد مفهوم العدالة التوزيعية الحديث عن جذوره الفلسفية النظرية التي ورثناها عن ارسطو ، واندرج بشكل متزايد في النقاشات المتعلقة بالاقتصاد والسياسة ، حيث اتخذ عنوانا اكثر خصوصية ، هو "العدالة الاجتماعية". التطور الاخر البارز في الابحاث الخاصة بهذا المجال ، هو التركيز على "تمكين" المجتمع والافراد ، باعتبارهم محور الجدل حول مسألة العدالة.
يدور مفهوم التمكين حول جعل الافراد ، ومن ورائهم المجتمع الاهلى ككل ، مساهمين فاعلين في تحقيق العدالة لأنفسهم ، بدل التعويل الكامل على الدولة ، كما كان الامر في الماضي. من المفهوم ان الدولة ستحتفظ بدور توجيهي في هذا المجال ، لكن المجتمع سيكون الحامل الرئيس لعملية توزيع الموارد. نجاح هذا التحول مشروط – على اي حال – بتقبل رجال الدولة لتحويل هذه المهمة الى المجتمع. وقد اشرت الى هذا الشرط بالخصوص لسبب واضح ، هو الميل الطبيعي عند الدولة للتمركز واحتكار مصادر القوة. وهو ميل يظهر بوضوح اكبر في الاقطار النامية والمجتمعات التقليدية مثل مجتمعنا.
وللمناسبة فان شرائح مؤثرة في النخب السياسية ، حتى في البلدان الصناعية ، لا  تظهر تعاطفا مع هذا الاتجاه ، سيما مع الربط العضوي بين تمكين المجتمع وتخلي الدولة عن مصادر القوة ، وبينها قوة التأثير في الاقتصاد. لعل ابرز النجاحات التي تحققت في هذا المجال ، في الولايات المتحدة مثلا ، هو تقبل الدولة بشكل نهائي لفكرة تخليها عن اي عمل ذي طبيعة تجارية ، وهو جزء من المهمة. بعض المفكرين يربط تلك المقاومة بمفهوم التمايز الذي يسم ثقافة النخب السياسية ، وبعضهم يربطه باعراض المجتمع نفسه عن تولي أمر نفسه ، وميل الغالبية ، سيما الطبقات الشعبية الى الاتكال على الدولة حيث استطاعوا الى ذلك سبيلا.
لهذه الاسباب فان تمكين المجتمع في صورته النهائية قد يأتي متأخرا جدا. لكن الخطوات الاولى ليست قليلة الاهمية والتأثير. نحن نتحدث عن تمكين الناس من تطوير حياتهم على النحو الذي يرتضونه لأنفسهم. هذا يتطلب مجموعة مقدمات تستطيع الدولة انجازها دون كلف سياسية كبيرة . من بين الخطوات الضرورية في هذا المجال ، نشير الى تطوير المنظومات القانونية بما يجعل الانطلاق سهلا على الافراد ، تعديل الانظمة الخاصة بحركة الرساميل ، وتمكين الافراد من الحصول على تمويل سهل ومناسب من المصارف ، أو السماح باقامة قنوات تمويل موازية.
 لكن كل هذه المبادرات قد لا تكون مؤثرة ما لم نبدأ بوضع استراتيجية وطنية لتشجيع ودعم المؤسسات الفردية الصغيرة والمتوسطة ، بحيث تصبح على المدى المتوسط (10 سنوات مثلا) مساهما ملموسا في الناتج القومي العام وتوليد الوظائف.
زبدة القول اننا بحاجة لاقناع الدولة بأن تتخفف من اعباء الاقتصاد ما استطاعت. لكن ليس بتركه هملا او تسليمه لاسماك القرش المفترسة. بل بمساعدة الطبقة المتوسطة على الانتقال التدريجي ، من هامش المنافسة الاقتصادية الى قلبها. ان الهدف المحوري لاستراتيجية كهذه هو تمكين عامة الناس ، الاذكياء والطامحين منهم خصوصا ، على الامساك بأقدارهم ، والتحول من ارقام هامشية في المجتمع الى قوة مؤثرة في تسيير الحياة الاجتماعية وبناء المستقبل. وفي ظني ان تحولا كهذا سيخلق دينامية جديدة تخدم الاستقرار وتقاوم الميول التأزيمية او الانقسامية.
الشرق الاوسط 28 شهر رمضان 1436 هـ - 15 يوليو 2015 مـ رقم العدد [13378]
https://aawsat.com/node/406781/

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...