البيان المعنون "نحوتصحيح مسار الطائفة الشيعية" حظي باهتمام استثنائي ، فاشاد به كثير من كتاب
الصحف ورفضه مثلهم وتبرأ منه بعض من شارك فيه ودعمه بعض من لم يوقع عليه. وهكذا
فقد نجح في الانفلات من قبضة الاغفال والنسيان واصبح قضية عامة . وهذا بذاته درجة
من النجاح تسجل لكاتبيه سواء وافقناهم او اختلفنا معهم.
يلخص البيان جانبا من
النقاشات الواسعة التي يتداولها الجيل الجديد من الشيعة السعوديين وغيرهم ، وهي
نقاشات اثمرت حتى الان عن تجاوز للكثير من المسلمات الموروثة حول الدين والسياسة
والنظام الاجتماعي.
حمل البيان وكذلك المقالات
المؤيدة والناقدة له الكثير من الاحكام الانطباعية حول "امكانية"
التصحيح في الفكر الشيعي ، وحول "مسار" التصحيح الفعلي ايضا. دعنا في
البداية نستبدل تعبير التصحيح بتعبير التجديد . فالمصطلح الاول يحمل رؤية
ايديولوجية او افتراضا ايديولوجيا ، بينما يحمل الثاني مضمونا وصفيا وتحليليا .
دعا البيان ومن ايده الى نبذ مسلمات فقهية وعقيدية وسلوكية وسياسية باعتبارها غير
منسجمة مع احكام العقل او متطلبات العصر او مصلحة الجماعة. الدعوة موجهة بطبيعة
الحال الى حملة هذه الافكار كي يقوموا بنقد ذاتي يؤدي – كما هو المفترض – الى
انتخاب بدائل افضل .
نحن اذن نتحدث عن تحول اختياري اي تطوير للمعرفة ، وهذا يقع
تحت عنوان التجديد او التغيير وليس التصحيح. التجديد او التغيير هو انتقال من حالة
معرفية او روحية مقبولة الى حالة اخرى مقبولة ايضا دون شعور بحرج الانفلات من
دائرة القيم الخاصة بالجماعة . هذا يعني بطبيعة الحال ان ياتي التجديد او التغيير
تدريجيا ومن داخل النظام الاجتماعي حتى لو استعمل ادوات نقدية مختلفة . نتطلع الى
تغيير من الداخل كي يحصل على الشرعية الاجتماعية الضرورية لتنسيج الافكار الجديدة
في نظام القيم وشبكة العلاقات الداخلية الخاصة بالجماعة.
خلافا للانطباع الاولي الذي
يشي به البيان وكذلك المقالات الناقدة والمؤيدة له ، فان معظم الافكار التي دعا
البيان الى نبذها هي موضع نقاش جدي ومعمق في الوسط الديني الشيعي . وللمفارقة فان
نظرية ولاية الفقيه مثلا تتعرض لنقد واسع وهناك عدد كبير نسبيا من المقالات
العلمية والكتب التي نشرت في ايران نفسها حول هذا الموضوع . وقد عرض كاتب هذه
السطور في ثلاثة كتب صدرت خلال السنوات القليلة الماضية جانبا من تلك الاراء ، لكن
يؤسفني القول ان قيود الرقابة لا تسمح بوصول مثل هذه الكتب الى القراء في بلادنا .
"ولاية
الفقيه" هي نظرية فقهية يقبل بها بعض الفقهاء ويعارضها اخرون . وقد شخص
الدكتور محسن كديور تسع نظريات اخرى تبناها فقهاء شيعة حول شرعية السلطة . لكن التيار الاصلاحي الايراني الذي يقوده الرئيس السابق محمد خاتمي يدعو الى نظرية
تجمع بين القيم الدينية العليا ونظام العمل المتعارف في الديمقراطية الليبرالية .
بعض الناس يجد هذا الجمع مستحيلا ، لكن التيار المذكور قدم دراسات نظرية وتجربة
ميدانية تكشف عن امكانات كبيرة للجمع بين القيم الاسلامية واليات العمل
الديمقراطية.
من بين القضايا الهامة التي
حملها البيان ، نشير الى مسألة العلاقة بين الشيعة واخوتهم من المذاهب الاسلامية
الاخرى . ولاحظت ان البيان قد وقع في خلط غير مقبول بين مسألتين مختلفتين تماما ،
احدها هي العلاقة بين "الجماعة" الشيعية وسائر "الجماعات"
التي تشكل المجتمع الوطني ، وهذه مسألة سياسية . والثانية المعتقدات والمسلمات
التي تساعد على الانسجام او الفرقة ، وهي مسألة نظرية تبحث في الاطار العقيدي او
الفقهي.
نحن ندعو بطبيعة الحال الى نبذ جميع الافكار التي تؤدي الى الفرقة ، سواء
كان مصدرها معارف دينية او اعرافا اجتماعية . لكن من المهم التاكيد على ان العلاقة
بين الجماعات المختلفة الدينية او الاثنية ، هي موضوع تحكمه الاعراف السياسية
والقوانين الوطنية. العلاقة الحسنة لا يمكن ان تقوم الا على قاعدة المواطنة ،
والمساواة الكاملة في الفرص والحقوق والواجبات. ولهذا السبب فان تنظيم العلاقة بين
الاطياف الوطنية ، هو مسؤولية الدولة ، فهي الجهة الوحيدة القادرة على وضع القانون
وتطبيقه ، وهي المسؤولة بالتالي عن طبيعة العلاقة القائمة بين هذه الجماعة وتلك.
1 ديسمبر 2008
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق