عرض المشاركات المصنفة بحسب مدى الصلة بالموضوع لطلب البحث ابراهيم البليهي. تصنيف بحسب التاريخ عرض كل المشاركات
عرض المشاركات المصنفة بحسب مدى الصلة بالموضوع لطلب البحث ابراهيم البليهي. تصنيف بحسب التاريخ عرض كل المشاركات

16/05/2018

من العقل الجمعي الى الجهل الجمعي



ابراهيم البليهي مفكر سعودي مثير للجدل ، بقدر ما هو عميق الغور شديد الاصرار. رسالة حياته هي تاسيس ثقافة جديدة "تقوم على الاقناع بدل الاخضاع". الاقناع فعل المؤمنين بقدرة ارائهم على الصمود في اختبار الحياة. أما الاخضاع فهو فعل الاقوياء الذين يعرفون فكرة واحدة فحسب ، هي عندهم عين الحق. 
كل المجتمعات – في راي البليهي - مثقفة بمعنى ما. فهي تملك منظومات قيم واعرافا ومعايير للتصحيح والتخطئة ، تتوراثها عبر الزمن. تتميز المجتمعات الحية عن نظيرتها الخاملة ، في أن الأولى تراجع موروثاتها باستمرار. تصحح شيئا وتلغي شيئا ، وتستحدث أعرافا جديدة. أما المجتمعات الخاملة فتنظر للموروث كمقدس ، تخشى المساس به او فتح أقفاله. تنتقل هذه الموروثات بين الاجيال من خلال التلقين المتواصل للابناء ، حتى يتحولوا الى ما يشبه كائنات آلية ، تعمل او تتوقف بحسب معطيات البرنامج المثبت فيها. 
قد تكون آراء البليهي راديكالية او مفرطة في التشاؤم. لكنه يبنيها على أرضية منطقية متينة ، ويمكن رؤية تجسيداتها بوضوح في حياتنا اليومية ، في كلام الناس ومواقفهم ، وفي وصفهم لذواتهم ومن يخالفهم او يختلف عنهم. وهي تظهر بوضوح أكبر في الفترات التي يتصاعد فيها صراع الافكار.
الثقافة – بحسب البليهي – مجموع المعطيات النظرية التي تشكل ذهنية شخص ما. وحين تكون محل اتفاق في جماعة ما  ، فانها تشكل ما نسميه بالعقل الجمعي او الثقافة العامة. نعلم طبعا ان الثقافة العامة ، اي مكونات الذهن وما ينبعث عنه من سلوكيات ومواقف يومية ، هي التي تميز مجتمعا عن الآخر. حين نصف مجتمعا بانه متقدم أو متخلف ، فان الذي يلفت انتباهنا في العادة ، هو المتوسط العام لأفعال الناس في هذا المجتمع. نحن مثلا ننظر بتقدير اكبر للمجتمعات التي يتعامل افرادها بلين وتهذيب ، او يحترمون انظمة المرور ، او يحافظون على نظافة الطريق او يهتمون بالقراءة والمعرفة .. الخ. بينما نصف بالتخلف كل مجتمع يفتقر الى أمثال تلك الصفات.
سلوكنا اليومي عفوي في الاعم الاغلب. نحن لا نفكر في كل فعل قبل القيام به ، ولا نفكر في كل قول قبل ان ننطقه. معظم افعالنا عقلانية بمعنى ما ، اي انها ثمرة لنشاط ذهني ، مبني على برمجة مسبقة. في هذه النقطة بالتحديد تكمن الحاجة لمراجعة محتوى الذهن ومساءلته. ذلك ان محتوى الذهن يتشكل – عادة – بشكل تلقائي. المجتمعات التي يشيع فيها القسر ، تحول قناعاتها الى مسلمات او حقائق مطلقة ، تشكل اساسا لكل الافعال ، وتقاوم كل محاولة لمساءلتها او التشكيك في صلاحيتها او عموميتها. هذا يؤدي في نهاية المطاف الى ما يصفه البليهي بتعميم الجهل ، وتحويل العقل الجمعي الى مولد للجهل الجمعي ، الذي لا يمكن لمعظم الناس التحرر منه او حتى كشف آثاره الضارة.
نحن بحاجة الى تفكيك المسلمات القبلية التي تهيمن على أذهاننا. ليس بالضرورة الغاءها او التخلص منها. ربما يكون بعضها جيدا. لكن علينا ان نميز بدقة بين حسنها وقبيحها. قد نكتشف ان عقلنا الذي نعول عليه في الاهتداء الى طريق المستقبل ، يأخذنا في حقيقة الامر الى جسر نهايته مغلقة.
هل نستطيع – كافراد – مبرمجين بشكل ما ، ان نخترق هذه البرمجة ، ونستعيد السيطرة على حياتنا؟. اعتقد هذا ممكنا ، لأن الانسان – في نهاية المطاف – كائن عاقل قادر على الاختيار وليس جهاز كمبيوتر.
الشرق الاوسط - 1 شهر رمضان 1439 هـ - 16 مايو 2018 مـ رقم العدد [14414]
http://aawsat.com/node/1269616

15/01/2020

حول التزاوج الشكلي بين الحداثة والتقاليد

|| توفي د. سعد الدين ابراهيم في 29 سبتمبر 2023. رحمه الله واحسن اليه وجعل آثاره العلمية صدقة جارية له الى يوم الدين||

اعتقد ان الدكتور سعد الدين ابراهيم هو أهم علماء الاجتماع العرب في الربع الاخير من القرن العشرين. يرجع هذا التقدير لعوامل عديدة مثل جودة الانتاج العلمي وغزارته ، ومثل طرقه لقضايا كانت تعتبر بين المسكوت عنه في الوسط الاكاديمي والاجتماعي. نشر د. ابراهيم نحو 40 كتابا بالعربية والانجليزية ، فضلا عن مئات من المقالات المثيرة للاهتمام ، يدور معظمها حول تحولات المجتمع العربي خلال النصف الثاني من القرن العشرين.
تعرفت على هذا المفكر الفذ من خلال كتابه "النظام الاجتماعي العربي الجديد" الذي لفت الانظار الى التحولات الثقافية والقيمية المرافقة لتغير الاقتصاد العربي ، وكذلك انعكاسات الهجرة الواسعة لعمال الريف المصري الى دول الخليج النفطية.
نشر الكتاب في 1979 ، وتكرر طبعه ست مرات في السنوات التالية. في ذلك الوقت المبكر نسبيا ، التفت د. سعد الدين الى السلوكيات الجديدة التي تولدت عن التجاذب بين ضرورات الارتقاء المعيشي من ناحية ، وضغط التقاليد ، سيما الدينية ، من ناحية أخرى. تنطوي هذه السلوكيات على ازدواجية في المظهر الشخصي وفي الثقافة على السواء. فالافراد الذين تعرضوا لعواصف الاقتصاد الجديد ، ارادوا الاخذ بفرصتهم في الحياة والرفاهية المادية. لكنهم واجهوا في الوقت نفسه صعودا موازيا لموجة دينية ، تحذر من انسلاخ غير متبصر من قيود الدين وحدوده ، والاستسلام دون وعي لمخططات الغزو الثقافي الغربي.
ويبدو لي ان هذه الموجة كانت رد فعل طبيعيا على انهيار الاجماع القديم ، وتفكك المعايير الاخلاقية ونظم السلوك الموروثة التي حافظت على السيرورة المعتادة للمجتمع التقليدي.
كان سعد الدين ابراهيم متشائما تجاه ما يجري ، خلافا للاتجاه العام بين علماء الاجتماع الذين تبنوا نظريات التحديث الاكثر شهرة في الوسط الاكاديمي ، في الولايات المتحدة واوربا الغربية. وهي نظريات تتفق على ان الانتقال الى الحداثة في المعنى الثقافي والاجتماعي ، نتيجة حتمية ، حين يتعرض المجتمع التقليدي لموجات التحديث الاولى.
وبالنسبة للشرق الاوسط ، فقد ساد اعتقاد فحواه ان تغير مصادر الانتاج والمعيشة بشكل كامل تقريبا ، اضافة الى مشروعات التنمية الاقتصادية ، التي انطلقت في منتصف ستينات القرن العشرين ، واتسعت بشكل كبير جدا في بداية العقد السابع ، سوف يؤدي حتما الى انحسار الثقافة القديمة وتفكك التقاليد والاعراف ، سيما مع افتتاح المئات من المدارس وقدوم عشرات الالاف من المهاجرين الاجانب ، فضلا عن تزايد الحضور الثقافي للراديو والتلفزيون وبقية وسائل الاتصال الجمعي.
ان اتفاق عدد معتبر من العلماء على مقاربة نظرية محددة ، يولد ضغطا (نفسيا في الاساس) على الباحثين في نفس الحقل ، باتجاه الاخذ بما توافق عليه اولئك. رغم هذا فالواضح ان الدكتور سعد الدين ، لم يقتنع بان سيناريو التحول المشار اليه ، هو الذي يحدث فعلا او سيحدث في المجتمع العربي.
كان يلاحظ ان السلوكيات القديمة والثقافة القديمة ، تستعيد تأثيرها تحت مبررات مختلفة. بعض القيم القديمة يتراجع وبعضها يتقدم ، وتجرى عملية تبادل ادوار ، بحيث يحافظ الناس على الاطمئنان الذي توفره الاعراف والتقاليد الموروثة ، لكنهم في الوقت نفسه يتخلون عن مصادر الانتاج واساليب العيش المرتبطة بتلك الاعراف.
بعض الكتاب رأى ان هذه المزاوجة بين القديم والجديد كانت مفيدة. آخرون مثل سعد الدين ابراهيم اعتبروا الامر عبثيا ، اما ابراهيم البليهي فرآه تعبيرا عن الوثوقية الشديدة التي تتسم بها المجتمعات المتخلفة.  لكن هذا نقاش آخر سنعود اليه في وقت لاحق.

الشرق الاوسط الأربعاء - 19 جمادى الأولى 1441 هـ - 15 يناير 2020 مـ رقم العدد [15023]

مقالات ذات علاقة

انهيار الاجماع القديم

المحافظة على التقاليد .. اي تقاليد ؟

من الحجاب الى "العباية"


الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...