‏إظهار الرسائل ذات التسميات العقد الاجتماعي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات العقد الاجتماعي. إظهار كافة الرسائل

31/07/2005

العدالة كوصف للنظام السياسي


بكلمة موجزة فإن ما يميز النظام الاجتماعي العادل هو التزامه بالتوزيع المتوازن للفرص والامكانات المتاحة في المجال العام بين جميع المواطنين. وعلى العكس من ذلك ، فإن النظام الظالم هو ذلك الذي يسمح بتسخير موارد البلاد العامة لفريق محدد من المواطنين يستأثرون بها دون سواهم. 

رغم بساطة هذا المفهوم الا انه استهلك جهودا طائلة من الباحثين في محاولة الاجابة عن سؤال: ما دام العدل ممكنا وبسيطا.. فلماذا لا يقوم به جميع الناس؟.

إن أسهل الاجوبة هو الجواب الاخلاقي الذي يلقي بالمسؤولية على شريحة من المجتمع. فكأنه يقول ان مشكلة العدل هي مشكلة شخصية ، ولو ان من بيدهم المال او القرار كانوا ملتزمين بمكارم الاخلاق لاصبح العدل سيرة طبيعية. لكن هذا الجواب لا يقدم اي تفسير ، لسبب بسيط ، وهو ان ما نُطلق عليه مكارم الاخلاق ليس مفهوما محددا متفقا عليه بين جميع الناس. الاخلاق - في معناها المثالي - تجارب فردية ويستحيل ان تتحول الى سلوك عام. أما في معناها النسبي فهي مجرد سلوكيات اعتيادية يقوم بها الناس انطلاقا من خلفياتهم الذهنية وقناعاتهم وتجاربهم الحياتية.

ان ابسط تعريف للنظام الاجتماعي "الذي يشمل الدولة والمجتمع" هو اعتباره وسيلة لتوزيع الموارد العامة. وتشمل هذه الموارد القيم المادية والمعنوية المملوكة لجميع افراد المجتمع بالاصالة

 وتشمل هذه الموارد القيم المادية والمعنوية المملوكة لجميع افراد المجتمع بالاصالة. القيم المادية هي المال العام والمناصب العامة اما القيم المعنوية فهي الحريات والحقوق التي يستطيع الافراد تطويرها بمبادراتهم الخاصة الى قيم مادية. وقد اطلق بعض الباحثين على مجموع هذه القيم المادية والمعنوية اسم السلع السياسية ، مقارنة لها بالسلع التجارية التي تتعامل فيها المؤسسات التجارية. ضمن هذا التعريف ، فان النظام الاجتماعي العادل هو ذلك النظام الذي يوزع السلع السياسية بصورة متوازنة بين جميع اطرافه.

تميل الليبرالية الكلاسيكية الى اعتبار اقتصاد السوق اطارا مثاليا لضمان التوزيع العادل. وتقوم هذه الفرضية على اعتبار الكفاية المالية وسيلة مثلى لضمان الحقوق والحريات ، فكأنها تفترض ان القيم المادية والمعنوية كلتيهما من نوع السلع القابل للتبادل: من يملك احداهما فهو قادر على شراء الآخر او استبداله بالآخر. 
لكن اغلب المفكرين الذين اهتموا بالتنمية السياسية في المجتمعات النامية يميلون الى الفصل بين النوعين. وسبب هذا الاتجاه هو اعتقادهم بان الدولة في العالم الثالث لا زالت مستقلة عن المجتمع الى حد كبير ، وهي - بسبب هذا الاستقلال - تسيطر على الجزء الاعظم من الموارد العامة وتتحكم في توزيعها.

بكلمة أخرى فان العدالة الاجتماعية لا تتحقق من خلال اعلان سياسي يمتدحه الصحفيون ، ولا من خلال اتصاف بعض الناس بمكارم الاخلاق ، بل من خلال اصلاحات هيكلية تعيد توجيه السياسات والموارد بما يضمن حصول اكبر عدد من اعضاء النظام الاجتماعي على اكبر عدد ممكن من الفوائد التي يفترض انها متاحة للجميع. وفي ظني ان كل مجتمع من المجتمعات لديه قابلية كبيرة للمساهمة في تحقيق العدالة اذا اتيحت له الفرصة للمساهمة في هذا السبيل ، ولهذا ايضا فان توسيع المشاركة السياسية وازالة القيود المفروضة على الحريات العامة ، يمكن ان ترفد المسعى الحكومي بقوة المجتمع وهي قوة بناءة هائلة اذا جرى توجيهها وتنظيمها وحمايتها بقوة القانون.

ولهذا فهم يدعون الى ان تتحمل الدولة المسؤولية الرئيسية في تحقيق العدالة الاجتماعية ، ويتخذ هذا ثلاثة خطوط عمل:

 الاول: هو التوزيع المتوازن للموارد المالية على مختلف انحاء البلاد من خلال الاستثمار في التنمية والخدمات العامة.
الثاني: ضمان حد معقول من الحريات العامة للجميع من دون تمييز لتمكينهم من تطوير ما يحصلون عليه من قيم الى قيم أخرى.
الثالث: ضمان التمثيل المتوازن لجميع شرائح المجتمع في الادارة العامة. ويتحقق هذا بالحيلولة دون استئثار شريحة محددة بالوظائف الكبرى ، لا سيما تلك التي تعطي اصحابها امتيازات سياسية او اجتماعية.
- « صحيفة عكاظ » - 31 / 7 / 2005م 

31/03/2005

مجتمع العقلاء

فكرة الدولة الحديثة في نموذجها الليبرالي ، هي من غير شك ثمرة المعالجة الرائدة للمفكر الفرنسي جان جاك روسو الذي اشتهر بعمله الابرز "العقد الاجتماعي".


والحقيقة ان توماس هوبز هو الذي ابتكر نظرية العقد الاجتماعي ، لكن الاضافات التي وضعها روسو وتفسيره الجديد لفلسفة قيام الدولة ومسارات الحياة والعمل الجمعي في المجتمع السياسي ، هي التي جعلت هذه النظرية تنسب اليه في المقام الاول. ولهذا فان اعماله تلقت قدرا اقل من النقد من جانب الباحثين والمنظرين اللاحقين له ، خلافا لاعمال هوبز التي لا تزال موضعا للمجادلة بين الباحثين حتى يومنا هذا.
رأى هوبز المجتمع الانساني قبل الدولة ميدانا للصراع بين المصالح المتنافسة المتاتية من نزعة طبيعية في الانسان للتملك والسيطرة والاستمتاع . وراى ان المجتمع اقام الدولة من اجل ان تحميه من شرور نفسه في المقام الاول. وفي رايه ان تحقيق هذا الغرض يستوجب اقامة حكومة ذات جبروت ، ولهذا لم يعترض على الطغيان واعتبره نتيجة طبيعية لقيام الدولة .
اما روسو فقد نظر الى المجتمع الانساني باعتباره منظومة عقلائية ووصف اتجاه البشر الى العيش معا وتبادل المصالح باعتباره الدلالة الابرز على عقلانية الانسان . ومن هذا المنطلق فقد راى في اتفاق الناس على اقامة الدولة ، عملا عقلائيا ، يتناقض مع قبولهم بطغيان الدولة او جبروتها.
وخلافا لفكرة مجتمع الشقاق التي تبناها هوبز كوصف لمرحلة ما قبل الدولة ، فان روسو وصف المجتمع الانساني في تلك المرحلة الافتراضية بالمجتمع المدني . 

ومن هنا فان فكرة المجتمع المدني التي انتشرت منذ اواخر ثمانينات القرن العشرين تنسب في الاساس اليه . المجتمع الانساني – في راي روسو – قادر على العيش مع الدولة او بدونها ، وفي كلا الحالتين فانه اميل الى التوافق والسلام واقامة علاقات مصالح بناءة . ان عقلانية البشر هي التي تدفعهم الى التسالم والتوافق والعمل المشترك . ومن هنا قال بان الغرض الاساس للدولة ليس المحافظة على النظام العام وقمع المشاكسين – كما ذهب توماس هوبز – بل تنظيم العمل الجمعي الهادف الى تحسين مستوى الحياة والمعيشة لعامة اعضاء المجتمع . على هذا الاساس فقد قرر روسو ان ممارسة الدولة للقمع ضد المجتمع ككل او ضد جزء منه ، هو نقض صريح لفلسفة وجودها

ومثلما عالج هوبز مشكلة العلاقة بين الدين والدولة ، فقد عالجها روسو ، لكن من منظور مختلف . ركز هوبز جل اهتمامه على نفي حق الكنيسة في الطاعة العامة ، ورأى ان الدولة هي الكيان الوحيد الذي له حق قانوني في فرض طاعته ، وكان بذلك يعالج مشكلة تنازع السلطة بين رجال الدين والسلطة السياسية . اما روسو فقد قدم تصورا سوسيولوجيا لدور الدين في حياة الناس وتاثيره على علاقاتهم ، يدور في الاساس حول الفصل بين المثاليات الدينية المجردة والتطبيقات العملية التي يتداخل فيها المثالي بالواقعي .

ان فكرة "الدين المدني" التي قدمها روسو ، لا تزال هي القاعدة الاساس لجانب كبير من البحوث المتعلقة بعلم اجتماع الدين . هذه الفكرة – بصورة مبسطة – تقول بان الدين الذي يمارسه الناس ويتحدثون عنه ، هو نموذج خاص من الدين تشترك في صياغته عوامل كثيرة ، من بينها المثاليات والمجردات الواردة في النصوص الاصلية ، اضافة الى المؤثرات الاقتصادية والاجتماعية والتجربة التاريخية الخاصة للمجتمع . وعلى ضوء هذه النظرية اعتبر ان الدين الواحد يمكن ان يتخذ نماذج شتى وان هذا الاختلاف يرجع في الاساس الى نوعية العوامل التاريخية والواقعية التي تعرض لها كل مجتمع على حدة . بكلمة اخرى فان فهم المجتمعات للدين ، ودرجة تاثير الدين في حياتها ، وموقعه من منظومتها القيمية وبنياتها العلائقية والمادية ، هو انعكاس لعوامل غير دينية . ومن هذه الزاوية فان ما يوصف بالتعصب الديني في مكان او التسامح في مكان اخر ، وما يعتبر التزاما شديدا بالدين هنا او تساهلا هناك ، لا يرجع في حقيقة الامر الى الدين نفسه ، بل الى العوامل التي تسهم في صنع التجربة الاجتماعية في كل مجتمع ، سواء التجربة التاريخية ، او مصادر المعيشة ، او مستوى الثقافة والتقنية ، او درجة التفاعل مع المجتمعات الاخرى المختلفة في تجربتها ونظام حياتها.

قرر روسو ايضا ان الجماعة ، او عامة المواطنين ، هي المكون الاساس للاجتماع السياسي وان الدولة فرع من هذا الاجتماع وان انتظام الاجتماع السياسي رهن بتحقق قدر عال من الحريات العامة والمساواة بين اعضاء الجماعة . اطروحات روسو تتمتع باهمية خاصة لانها ساهمت – الى حد بعيد – في تحرير الفلسفة السياسية من التاثيرات العميقة للفلسفة اليونانية القديمة ، وقدمت تصويرا جديدا للمجتمع السياسي باعتباره مجتمع المواطنين لا مجتمع الطبقات الذي تتحكم فيه النخبة.

29/03/2005

الغول

اذا لم يكن توماس هوبز ابرز صناع الفكر السياسي المعاصر على الاطلاق ، فلا شك انه اكثرهم تاثيرا على مختلف المذاهب السياسية ، والى حد كبير على الاتجاهات الفلسفية الجارية في عالم اليوم. ولد هوبز في ويلتشير جنوب بريطانيا ، في 1588 وتوفي في 1679 ، وسجل نظريته السياسية في كتابه الاشهر "لفياثان" وهو اسم يلخص جوهر فلسفته السياسية . ورد مصطلح لفياثان في التوراة كوصف لحيوان بحري خيالي هائل القوة قادر على ابتلاع الناس والمراكب. وورد في نصوص اخرى كرمز للامبراطورية البابلية في العراق القديم التي كانت يومها اعظم الدول على وجه الارض.
اظن ان قرب المصطلحات العربية الى هذا المعنى هو "الغول" وهو ايضا رمز لكائن خيالي ذي هيمنة لا تقاوم ، لكنه – مثل اللفياثان – غير موجود في الحقيقة ، بل هو رمز يصنعه الانسان لوصف القوى التي لها وجود بشكل او باخر ، لكنه لا يعرف حقيقتها ولا يستطيع مقاومتها. انه من هذه الزاوية مثل الجن الذين يرمزون لخوف الانسان اللاواعي من المجهولات. انها اذن كائنات اعتبارية ، وجودها المادي الموضوعي مشروط باعتبار الناس وليس مستقلا بذاته .
هذه الفكرة تلخص تصور هوبز للدولة التي يراها ضرورة للحياة الاجتماعية التي لا تستقيم بدون مصدر للخوف ، اي عامل ردع للافراط في استعمال الحقوق الطبيعية من جانب بعض الناس. الدولة في نظر هوبز هي كائن اعتباري ، قوتها وقابليتها للردع ليست نابعة من ذاتها بل من رغبة الناس في ان تكون كذلك . لقد ارادها الناس رمزا للقوة المطلقة فاصبحت كذلك . ولولا هذا الاعتبار لما كانت كذلك ، لانها في نهاية المطاف تتكون من افراد يمكن ان يختلفوا او يتفقوا ، يمكن للناس ان يقبلوهم او يرفضوهم ، ويستطيعون استعمال القوة المادية لفرض مراداتهم وقد يعجزوا . بكلمة اخرى يمكن للدولة ان تكون القوة المطلقة في مجتمع معين ويمكن ان تكون مجرد واحدة من قوى كثيرة تتصارع على السلطان.
رأى هوبز المجتمع الانساني قبل الدولة ميدانا للصراع بين المصالح المتنافسة المتاتية من نزعة طبيعية في الانسان للتملك والسيطرة والاستمتاع . وهو يصف هذا النوع من الحياة بالحالة الطبيعية ، حيث يلقي كل شخص على مراداته صفة الحق وما دونها صفة الباطل . الحق والباطل في راي هوبز هي اوصاف لغوية للارادات ، انها بكلمة اخرى فن بلاغي وقدرة على رسم صورة لما يريده المدعي وما لا يريده . ان قدرة هذا الشخص على استعمال فنون اللغة في اقناع الغير او دحض حجتهم هو ما يحول ارادته الى حق وارادة الاخرين الى باطل .

بهذا الوصف المتطرف لفكرة الحق (والمقصود بطبيعة الحال الحقوق الدنيوية) اراد هوبز اضعاف حجة الكنيسة التي تزعم ان الحق هو كلمة البابا ، وان هذه الكلمة لها قدسية ذاتية نابعة من اتصالها بالسماء. اراد هوبز التشديد على ان المجادلات السياسية كلها تقوم على اعتبارات دنيوية ، وتستهدف بصورة او باخرى الحصول على قدر اكبر من القوة المادية او السلطة . السعي للسلطة ، ضمن اطار الدولة او ضمن اطار المجتمع ، هو المجال الذي لا يتعب الناس منه ولا يملون ، وهو الامل المحرك لآمالهم وفاعليتهم في الحياة حتى ياتيهم الموت.

اراد هوبز من تشديده على الطبيعة الدنيوية للسلطة ، معالجة الاشكال الرئيسي في جدل الدولة والسياسة ، اي الطاعة ، وفي الحقيقة فقد اراد القول انه في مجتمع معين ، لا يمكن ان تتعدد الطاعة والا فسد النظام ، يجب – في رايه – ان تكون الطاعة العامة مختصة بالدولة خلافا للاعتقاد الذي روجته الكنيسة بان طاعة البابا مقدمة على طاعة الدولة . كان هذا التشديد ضروريا بالنظر الى الظرف الخاص الذي طرح فيه هوبز نظريته ، حيث كانت السيادة ، او ما يسمى اليوم الحاكمية العامة ، موزعة بين الدولة والامارات شبه المستقلة والكنيسة ، فقد رأى ان قيام نظام اجتماعي متين وفاعل ، مستحيل في ظل هذا التعدد .

اعتبر هوبز ان قيام الدولة هو نتاج لعقد اجتماعي فرضته الضرورة لكنه قام باراداة عقلانية من جانب كل افراد المجتمع . الناس توصلوا الى استحالة الحياة في ظل تصارع الارادات والمصالح ، فقرروا ان ضرورة النظام تقتضي حصر السيادة والسلطة والطاعة في جهة واحدة هي الدولة . من هذه الناحية فان السلطة والدولة والسياسة ، كلها كائنات اعتبارية ارضية ، اوجدها الناس لتنظيم امورهم ، وهم شركاء فيها شراكة اصلية بمقتضى الطبع الاولي ، وهي لم تقم الا على هذا الاساس ولا تستمر الا به.

استقطبت طروحات هوبز الكثير من النقد ، ولا زالت دراسات في نقد "لفياثان" تظهر بين حين واخر. لكنه مع ذلك لا زال ينظر اليه باعتباره مؤسس الفلسفة السياسية الحديثة ، والرجل الذي اضعف مرجعية الفلسفة اليونانية  القديمة ، فحولها – في نظر الباحثين - من مصدر وحيد للتفكير في السياسة الى مجرد تاملات خيالية ، اقرب الى الاخلاقيات الرومانسية منها الى تصوير السلوك الطبيعي للانسان.

اواخر مارس 2005

مقالات ذات علاقة

من دولة الغلبة الى مجتمع المواطنة: مقاربة دينية لمبدأ العقد الاجتماعي

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...