كثير
من قومنا منشغل اليوم بالتفكير في "اهلية" الولايات المتحدة الامريكية
لفرض مشروعها الخاص بالاصلاح السياسي في الشرق الاوسط. مشروع "الشرق الاوسط
الكبير" الامريكي يستهدف اعادة صياغة هذا النظام الاقليمي على نسق متوائم مع
منظومة العلاقات الدولية للقرن الواحد والعشرين. والفكرة ليست جديدة تماما ، فقد
طرحت في اوائل التسعينات تحت مسمى النظام العالمي الجديد. لكن اولويات واشنطن مالت منذ عهد الرئيس بوش الاب
الى التركيز على المناطق التي اعتبرت اكثر نضجا للتغيير ، ولا سيما في
افريقيا وجنوب شرق اسيا.
الاداة
الرئيسية لهذا المشروع هي الادماج الاقتصادي والمواءمة الثقافية والسياسية ، وهي
الفكرة التي تمثل جوهر مفهوم العولمة.
والحق ان المشروع الامريكي قد حقق نجاحا
يعتد به في المناطق التي جرى التركيز عليها ، وهو ما يكشف عن الامكانية الكبيرة
التي ينطوي عليها اذا ما طرح في مناطق اخرى. بالنسبة للشرق الاوسط (في المفهوم
الجديد الذي يمتد من افغانستان الى المغرب) فقد
كان الاعتقاد السائد في واشنطن ان حل المسالة الفلسطينية سوف يؤدي الى
تسهيل اطلاق المشروع ، لكن فشل الرئيس السابق كلينتون في استنباط الحل المقترح في
اللحظة الاخيرة قد ازاح هذه القضية من دائرة الاولويات ، وجاءت احداث الحادي عشر
من سبتمبر لتضع اولوية جديدة ، وهي تفكيك البيئة الاجتماعية المنتجة للتطرف
الديني.
طبيعة
الدور الذي سيلعبه المجتمع الدولي – الولايات المتحدة واوربا خصوصا – في صناعة
التغيير كان دائما محل خلاف مع عواصم المنطقة ، وقبل تلك الاحداث كان بين صناع
القرار في الولايات المتحدة من يتعاطف مع الفكرة القائلة بعدم فرض تغييرات
دراماتيكية ، خشية انكسار النظام السائد في المنطقة وصعود المتطرفين الى السلطة .
ويبدو ان واشنطن كانت مقتنعة بالحجة التي سوقها سياسيون من الشرق الاوسط وفحواها
ان ضعف هؤلاء سيفتح على العالم ابواب الجحيم .
لكن
منذ الحادي عشر من سبتمبر فان الصورة اختلفت دراماتيكيا في العاصمة الامريكية
والكثير من عواصم اوربا الغربية ، وساد اعتقاد بان التباطؤ في ادماج الشرق الاوسط
في التحرك العالمي المتوائم نحو الديمقراطية واقتصاد السوق ، هو الذي وفر الارضية
الملائمة لتبلورالارهاب والتطرف . هذا التغيير في النظرية الامريكية للعلاقات الدولية
هو الذي قادها الى تغيير النظام السياسي في كل من افغانستان والعراق بالقوة
المسلحة. ومن المرجح ان هذا النجاح سيغري الولايات المتحدة بتكرار تجربة العمليات
الجراحية الرامية لفرض تصورها الخاص للمستقبل في اقطار اخرى . ومن هذه الزاوية
خصوصا ينظر باحثون غربيون الى مشروع الشرق الاوسط الكبير باعتباره الاعلان غير
الرسمي عن السياسة الجديدة التي سوف تتبعها واشنطن في المنطقة خلال السنوات
القادمة . الفكرة البسيطة وراء هذه السياسة : هي ان النظام الاجتماعي في هذه
المنطقة جزء متكامل مع منظومة الامن الدولي ، ولهذا فان العالم معني بكل قطر من
اقطارها ، بشؤونه الداخلية مثل سياساته الخارجية ، وان على المجتمعات المحلية
وحكوماتها ان تغير نفسها والا فرض عليها التغيير من الخارج .
بيت
القصيد اذن ليس كون الولايات المتحدة مؤهلة ام غير مؤهلة لفرض التغيير. المسألة
التي تستحق النظر هي ان هناك مشروعا فعليا للتغيير ، جوهره اعادة تركيب النظام
الاجتماعي في كل قطر باتجاه الانسجام مع التحرك العالمي نحو الليبرالية في الاقتصاد والسياسة ، وهذا
المشروع سيظهر للوجود خلال سنوات قليلة ، على ايدي اهل المنطقة او رغما عنهم .
ولهذا فان السؤال الذي يستحق التوقف هو : هل سنصلح حالنا بايدينا ، كي ياتي
الاصلاح منسجما مع ما نحسبه ثوابت عندنا ، او نتباطأ حتى نجد انفسنا مرغمين على
قبول النموذج الذي يتبناه الامريكيون ولا يقيم كبير اعتبار لسلم اولوياتنا ؟. هل
نقبل باصلاح سريع لكنه مخطط ومسيطر عليه ام ننتظر حتى يفرض علينا تغيير فوري لا
يقيم وزنا لتبعات المغامرة؟.
Okaz
( Saturday 20 March 2004 ) - ISSUE NO 1007
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق